إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مشيشي مازال رهين القيادة الإدارية الإجرائية !؟  

يحاول أن "يفتك" الزعامة في الحرب ضد كورونا

لم نتوقع أول أمس أن يفتتح رئيس الحكومة هشام مشيشي الندوة الصحفية الخاصة بتقديم الإجراءات الجديدة لمواجهة كورونا، فقد اكتفى مشيشي بالحديث إلى التونسيين حول الأزمة وحول الخيارات الكبرى للحكومة عبر تصريحات صحفية خاطفة في الأسابيع الأخيرة. لا شك أن لهذا الحضور دلالات عدة، فمن ناحية يبدو أن رئيس الحكومة يحاول أن يفتك له المكان الأول في إدارة الأزمة، بعد أن أكدت العديد من الأصوات من محللين ومتابعين للشأن العام حاجة تونس إلى قيادة فاعلة لأزمتها الصحية. ومن ناحية أخرى لاحظنا بعض علامات التحول في خطاب رئيس الحكومة، في محاولة لإضفاء البعد الإنساني على الأسلوب الإجرائي التقريري الذي يطغى على الندوات المتعلقة بالأزمة الصحية. هو أشار إلى ذلك علنا ووفّر علينا جهد التحليل والتأويل عندما قال "أريد أن أتحدث عن الجانب الإنساني الذي ربما لم نتحدث فيه بإطناب... كورونا ليست فقط أرقاما ومنحنيات لانتشار المرض.. لعدد الإصابات وعدد التحاليل وعدد الوفيات.. كورونا قصص معاناة". أو حديثه عن محاولة فهم ما يعيشه التونسي من ضغط.

وهنا نتساءل إن كان رئيس الحكومة قد نجح فعلا في تقمص دور القائد المؤثر خلال الندوة الأخيرة وإن كانت بعض التغيرات ولو البسيطة الواردة في خطابه، التي تحاول أن تنزع منزعا إنسانيا، ناجعة.

خروج اضطراري

"خروج رئيس الحكومة هو خروج اضطراري،" هكذا يرى المختص في الاتصال والتسويق السياسي العربي السوسي في تصريحه  لـ"الصباح" والخروج الاضطراري، كما يشير إلى ذلك محدثنا، ليس فيه إعداد جيد أو اتباع لمنهج المرحلية. فـ"إدارة أزمة مثل الأزمة الحالية يتطلب صبرا وطول نفس وقدرة على الاستجابة في أي لحظة." ويتابع السوسي في مختلف المراحل عوّل رئيس الحكومة على اللجنة العلمية لمجابهة كورونا والناطقة الرسمية باسم الحكومة لمخاطبة المواطنين وإعلان الإجراءات، ولكن بمرور الوقت تحوّل الخطاب إلى خطاب إجرائي أكثر من كونه خطابا مقنعا للناس ومؤثرا فيهم، لتحويل سلوكهم إلى سلوك واع وليس إلى سلوك قوامه الجزاء والعقاب. بالنسبة إلى محدثنا لا يتناسب هذا الخطاب مع أوليات التونسي، الذي يأتي القوت عنده أولا في ترتيب أولوياته.

أما الخطاب المطلوب، فكان يجب أن يكون خطابا قياديا من القيادة العليا التي يمثلها رئيس الحكومة،وأن يقنع التونسيين بأن ضرورة اتباع السلوك السليم وبأن الدولة معكم وتشجعكم على تبنيه. ويرى محدثنا أن إعادة ترتيب الأولويات في ذهن المواطن لم تتم، بحكم التناقضات التي صارت، من إعلان إجراءات ثم التراجع فيها، وعدم قدرة الدولة على مواجهة بعض اللوبيات، والتجمعات التي قادتها الأحزاب السياسية… مما أنتج رسالة مفادها أن هنالك تجرؤ كبير على هذه القرارات، وحتى الخطاب الجزائي لم ينجح، لأن الخطاب الجزائي غير مناسب للوضع الحالي بل كان يجب استبداله بالخطاب الإقناعي، الذي تقدمه شخصية قيادية لديها اعتبار عند الناس وقادرة على إيصال الرسالة وهو أمر يتطلب إعدادا وتدريبا.

الخطاب الإنساني لم ينجح

وفي قراءة لأداء رئيس الحكومة الاتصالي أول أمس، ومدى نجاحه في إقناع التونسيين يقول المختص في الاتصال والتسويق السياسي إن تكوين رئيس الحكومة الأكاديمي وخبرته الإدارية جعلت من خطابه خطابا جزائيا وإجرائيا ولم يطوره إلى ناحية قيادية أخرى التي يمكن أن نلاحظها لدى بعض القيادات السياسية. وحتى على مستوى البعد الإنساني الذي أراد مشيشي أن يضفيه على حضوره الاتصالي أول أمس بالحديث عن "قصص المعاناة"، فإن المختص في الاتصال والتسويق السياسي العربي السوسي يؤكد في تصريحه لـ"الصباح"  أنه حتى عندما يحاول أن يقدم خطابا إنسانيا، يفشل في المرحلة الحالية لأنه غير متدرب على ذلك، وهو يحاول في كل مرة أن يؤنسن هذا الخطاب، وخطابه لا يمر لأنه يفتقر للحماسة والروح الإنسانية والتأثر الحقيقي.

مهارات قيادية

وردا على سؤالنا إن كان رئيس الحكومة يمكن أن يكون قائدا حقيقيا للأزمة من وجهة نظر محدثنا، يجيب السوسي أن لدى رئيس الحكومة مهارات قيادية بحكم تكوينه، ولكنها قيادة إدارية جزائية، فهو بمثابة المسؤول الإداري الذي يطبق القوانين والإجراءات، ولكن لا يستطيع أن يكون مدير الأزمة، إذ يحتاج مزيدا من التدريب والاشتغال على هذه المسألة.

رئيس الحكومة اتجه أيضا في أكثر من تصريح إعلامي إلى إقصاء احتمال الحجر الصحي تماما. ففي تصريح للصحفيين بتاريخ 23 أفريل 2021، يوم تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح ضد كورونا قال إن "الحجر الشامل غير ممكن من الناحية العملية، وبلادنا لا تتحمل مثل هذا الإجراء". وأضاف أنه "لا يُعد الحجر الصحي الشامل الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الوضعية."، ولكنه عاد بعد 15 يوما ليعلن فرض الحجر الصحي الشامل لمدة ثمانية أيام. وفي الندوة الصحفية أول أمس لم يبين للمواطنين أسباب تغير الاستراتيجية المتبعة بشكل معلن وواضح. محدثنا يلاحظ هنا أنه على مستوى الخطاب يمكن أن نخطئ، ونرتكب ربما أقصى الأخطاء عندما يتم توجيه الناس نحو طريق وتقديمها على أنها طريق الخلاص، ثم التراجع عنها ودعوتهم إلى أن يسلكوا طريقا أخرى. هنا يجب أن تمتلك الجرأة للاعتراف بالخطأ في التقدير. ويتابع هذا ما فعله رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون وعديد القيادات الأخرى في العالم، خاصة في علاقة بأزمة كورونا، حيث تتغير المعطيات كل يوم. ويستدرك هكذا تفكر القيادة الإدارية، الإدارة دائما تحاول اخفاء عيوبها ورئيس الحكومة ليس قياديا تحويليا حاضر البديهة. فـ"القيادة في الأزمات تستوجب الشفافية والصدق وأن توضع كل المعطيات على الطاولة حتى يستطيع الناس أن يصطفوا وراءك، يمكن للناس أن يستجيبوا في أقسى حالات الضعف والظروف الحرجة، إذا وجدوا أن القيادة تقاسمهم نفس المعاناة وهذا ما يثبته التاريخ الإنساني، في كل الأزمات. "

أروى الكعلي

مشيشي مازال رهين القيادة الإدارية الإجرائية !؟   

يحاول أن "يفتك" الزعامة في الحرب ضد كورونا

لم نتوقع أول أمس أن يفتتح رئيس الحكومة هشام مشيشي الندوة الصحفية الخاصة بتقديم الإجراءات الجديدة لمواجهة كورونا، فقد اكتفى مشيشي بالحديث إلى التونسيين حول الأزمة وحول الخيارات الكبرى للحكومة عبر تصريحات صحفية خاطفة في الأسابيع الأخيرة. لا شك أن لهذا الحضور دلالات عدة، فمن ناحية يبدو أن رئيس الحكومة يحاول أن يفتك له المكان الأول في إدارة الأزمة، بعد أن أكدت العديد من الأصوات من محللين ومتابعين للشأن العام حاجة تونس إلى قيادة فاعلة لأزمتها الصحية. ومن ناحية أخرى لاحظنا بعض علامات التحول في خطاب رئيس الحكومة، في محاولة لإضفاء البعد الإنساني على الأسلوب الإجرائي التقريري الذي يطغى على الندوات المتعلقة بالأزمة الصحية. هو أشار إلى ذلك علنا ووفّر علينا جهد التحليل والتأويل عندما قال "أريد أن أتحدث عن الجانب الإنساني الذي ربما لم نتحدث فيه بإطناب... كورونا ليست فقط أرقاما ومنحنيات لانتشار المرض.. لعدد الإصابات وعدد التحاليل وعدد الوفيات.. كورونا قصص معاناة". أو حديثه عن محاولة فهم ما يعيشه التونسي من ضغط.

وهنا نتساءل إن كان رئيس الحكومة قد نجح فعلا في تقمص دور القائد المؤثر خلال الندوة الأخيرة وإن كانت بعض التغيرات ولو البسيطة الواردة في خطابه، التي تحاول أن تنزع منزعا إنسانيا، ناجعة.

خروج اضطراري

"خروج رئيس الحكومة هو خروج اضطراري،" هكذا يرى المختص في الاتصال والتسويق السياسي العربي السوسي في تصريحه  لـ"الصباح" والخروج الاضطراري، كما يشير إلى ذلك محدثنا، ليس فيه إعداد جيد أو اتباع لمنهج المرحلية. فـ"إدارة أزمة مثل الأزمة الحالية يتطلب صبرا وطول نفس وقدرة على الاستجابة في أي لحظة." ويتابع السوسي في مختلف المراحل عوّل رئيس الحكومة على اللجنة العلمية لمجابهة كورونا والناطقة الرسمية باسم الحكومة لمخاطبة المواطنين وإعلان الإجراءات، ولكن بمرور الوقت تحوّل الخطاب إلى خطاب إجرائي أكثر من كونه خطابا مقنعا للناس ومؤثرا فيهم، لتحويل سلوكهم إلى سلوك واع وليس إلى سلوك قوامه الجزاء والعقاب. بالنسبة إلى محدثنا لا يتناسب هذا الخطاب مع أوليات التونسي، الذي يأتي القوت عنده أولا في ترتيب أولوياته.

أما الخطاب المطلوب، فكان يجب أن يكون خطابا قياديا من القيادة العليا التي يمثلها رئيس الحكومة،وأن يقنع التونسيين بأن ضرورة اتباع السلوك السليم وبأن الدولة معكم وتشجعكم على تبنيه. ويرى محدثنا أن إعادة ترتيب الأولويات في ذهن المواطن لم تتم، بحكم التناقضات التي صارت، من إعلان إجراءات ثم التراجع فيها، وعدم قدرة الدولة على مواجهة بعض اللوبيات، والتجمعات التي قادتها الأحزاب السياسية… مما أنتج رسالة مفادها أن هنالك تجرؤ كبير على هذه القرارات، وحتى الخطاب الجزائي لم ينجح، لأن الخطاب الجزائي غير مناسب للوضع الحالي بل كان يجب استبداله بالخطاب الإقناعي، الذي تقدمه شخصية قيادية لديها اعتبار عند الناس وقادرة على إيصال الرسالة وهو أمر يتطلب إعدادا وتدريبا.

الخطاب الإنساني لم ينجح

وفي قراءة لأداء رئيس الحكومة الاتصالي أول أمس، ومدى نجاحه في إقناع التونسيين يقول المختص في الاتصال والتسويق السياسي إن تكوين رئيس الحكومة الأكاديمي وخبرته الإدارية جعلت من خطابه خطابا جزائيا وإجرائيا ولم يطوره إلى ناحية قيادية أخرى التي يمكن أن نلاحظها لدى بعض القيادات السياسية. وحتى على مستوى البعد الإنساني الذي أراد مشيشي أن يضفيه على حضوره الاتصالي أول أمس بالحديث عن "قصص المعاناة"، فإن المختص في الاتصال والتسويق السياسي العربي السوسي يؤكد في تصريحه لـ"الصباح"  أنه حتى عندما يحاول أن يقدم خطابا إنسانيا، يفشل في المرحلة الحالية لأنه غير متدرب على ذلك، وهو يحاول في كل مرة أن يؤنسن هذا الخطاب، وخطابه لا يمر لأنه يفتقر للحماسة والروح الإنسانية والتأثر الحقيقي.

مهارات قيادية

وردا على سؤالنا إن كان رئيس الحكومة يمكن أن يكون قائدا حقيقيا للأزمة من وجهة نظر محدثنا، يجيب السوسي أن لدى رئيس الحكومة مهارات قيادية بحكم تكوينه، ولكنها قيادة إدارية جزائية، فهو بمثابة المسؤول الإداري الذي يطبق القوانين والإجراءات، ولكن لا يستطيع أن يكون مدير الأزمة، إذ يحتاج مزيدا من التدريب والاشتغال على هذه المسألة.

رئيس الحكومة اتجه أيضا في أكثر من تصريح إعلامي إلى إقصاء احتمال الحجر الصحي تماما. ففي تصريح للصحفيين بتاريخ 23 أفريل 2021، يوم تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح ضد كورونا قال إن "الحجر الشامل غير ممكن من الناحية العملية، وبلادنا لا تتحمل مثل هذا الإجراء". وأضاف أنه "لا يُعد الحجر الصحي الشامل الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الوضعية."، ولكنه عاد بعد 15 يوما ليعلن فرض الحجر الصحي الشامل لمدة ثمانية أيام. وفي الندوة الصحفية أول أمس لم يبين للمواطنين أسباب تغير الاستراتيجية المتبعة بشكل معلن وواضح. محدثنا يلاحظ هنا أنه على مستوى الخطاب يمكن أن نخطئ، ونرتكب ربما أقصى الأخطاء عندما يتم توجيه الناس نحو طريق وتقديمها على أنها طريق الخلاص، ثم التراجع عنها ودعوتهم إلى أن يسلكوا طريقا أخرى. هنا يجب أن تمتلك الجرأة للاعتراف بالخطأ في التقدير. ويتابع هذا ما فعله رئيس الجمهورية الفرنسي إيمانويل ماكرون وعديد القيادات الأخرى في العالم، خاصة في علاقة بأزمة كورونا، حيث تتغير المعطيات كل يوم. ويستدرك هكذا تفكر القيادة الإدارية، الإدارة دائما تحاول اخفاء عيوبها ورئيس الحكومة ليس قياديا تحويليا حاضر البديهة. فـ"القيادة في الأزمات تستوجب الشفافية والصدق وأن توضع كل المعطيات على الطاولة حتى يستطيع الناس أن يصطفوا وراءك، يمكن للناس أن يستجيبوا في أقسى حالات الضعف والظروف الحرجة، إذا وجدوا أن القيادة تقاسمهم نفس المعاناة وهذا ما يثبته التاريخ الإنساني، في كل الأزمات. "

أروى الكعلي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews