بقلم:البشير الأخضر
على مدى السنوات العشر الهدامة نادى خبراء المال عبر وسائل للإعلام، بإصدار قانون يمكن المواطنين المقيمين من فتح حسابات بالعملة الصعبة دون مساءلتهم عن مصادرها ـ لتجفيف منابعها عن لوبيات المال والتجارة الموازية والمخدرات.
هؤلاء الخبراء قدروا مبلغ المهرب في كل عام بأربعة مليارات دولار تغادر الوطن دون رجعة.
شوارعنا سوق لبيع وشراء العملة ينادي المنادون جهارا (صرف ـ صرف) وكل العيون مغمضة والآذان صماء فلا أحد يراهم أو يسمعهم، لأن عيون اللوبيات تحرسهم في الحضور والغياب.
المسؤولون في بلادنا مصابون بضعف الذاكرة نسوا قانونا صدر في مطلع هذه الألفية تحت عنوان (العفو الصرفي) أجاز فتح الحساب مع توظيف خطية بـ%5 ولأن أحدا لم يقدم على ذلك تم الترفيع فيها بعد عام إلى %20 فكانت الأولى والثانية عائقا ضد الجميع وظل ذلك القانون حبرا على ورق.
يرى الخبراء أن فتح حسابات كاف للتوريد ألف يوم، ويغني الدولة عن الاقتراض أصلا.
عبرة من التاريخ
في العام 1974 ضاق الرئيس المصري أنور السادات ذرعا بـ25 مليون دولار يوميا ثمنا للطحين فقط لإطعام 70 مليون مصري لأنه لم يكن مثلنا مصابا لا بالصمم ولا بالعمى.
استوعب نصائح الخبراء وأصدر قانونا أزال العقبات أمام مواطنيه فأسرعوا إلى فتح الحسابات بلا حساب ولم يمنع الانفجار الديمغرافي من تحقيق نمو سنوي بين 5 و6% وانحدر في بلادنا إلى دون الصفر بعدما كان بين 3 و4% رغم فساد النظام وسطوة عائلة عتيدة ومن يدور في فلكها.
لوبيات المال وعتاة التهريب وراء كل ذلك لما لهم من نفوذ لا حدود له على المديرين العامين وغيرهم الذين كشفت المحاكمات بعضهم وعزل الوالي عمر منصور من ولاية تونس شاهد على نفوذهم لدى أعلى سلط القرار يومئذ.
محافظ البنك المركزي السابق والحالي يعلمان كل الحقائق ومصلحة الوطن في وقف نزيف التهريب ـ يبقى السؤال حائرا عما منعهما من العمل على إصدار قانون جديد للعفو الصرفي.
الفرصة الضائعة الأخرى
في النظام العالمي الجديد أصبح تداول الأموال عسيرا لمكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات حتى ضاق الأمر على أصحاب الودائع، ولو صدر مرسوم أو قانون يجيزان فتح حسابات لهم لعادت أكثر الودائع إلى بنوكنا واستفاد الوطن الضائع منها بلا حساب وتخلص من الحاجة إلى الصدقات لتوريد الحبوب والأدوية وغيرهما مما هو ضروري للحياة.
الفرصة الضائعة الثالثة
إنتاج الفسفاط قبل 14 جانفي كان ثمانية ملايين طن سنويا وبعدها توقف زمنا ثم رجع يحبو إلى ثلاثة ملايين أو أكثر قليلا وقد تضاعف سعره أربع مرات في السوق العالمية ولو عدنا كما كنا لوفرنا دخلا باثني عشر مليار دولار في العام هو أضعاف 7 مرات مما كان مؤملا من صندوق النقد الدولي.
تعطيل إنتاج الفسفاط كارثة لم تتخذ منها الحكومات المتعاقبة موقفا جادا وكان اتحاد الشغل مثلها ظل متمسكا بشرعية الاضرابات والتغاضي عن الاعتصامات، وهي مصائب البلاد والعباد.
فرص عديدة ضيعناها
في عهد المجلس التأسيسي للخراب، ضيعنا مشروع انتاج الكهرباء من صحرائنا وبيعه إلى ألمانيا، وغنمه المغرب.
وفي عهد الأسود وبمشاركة من اتحاد الشغل توالت الاضرابات في شركات إنتاج البترول، حتى غادرتنا وخسرنا انتاجها واكتشاف حقول جديدة.
خربنا بيوتنا بأيدينا
نحن مصداق لآية من الذكر الحكيم "يخربون بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" فكل المصائب هي من صنعنا، بإرادة وتصميم، فهل يعود الوعي إلى أولي الأمر منا، قبل أن نصبح متسولين لوطن بعدما ضيعنا الوطن.