بقلم: سليم العقربي
إعلاميون يقولون ما لا يعلمون ويعلمون ما لا يقولون ومتحدّثون في كلّ شيء وفي اللاشيء وصنّاع للتفاهة والترذيل، كلّ هذا واضح ساطع ولكنّ ما لا ندركه خطورة ذلك واستتباعاته على الرأي العام بل يمكن القول أنّهم دمّروا الفضاء العام والمشهد السياسي .
خبراء في المغالطة والتعويم أفقدوا العمل السياسي مصداقيته وتحوّل المشهد الإعلامي إلى "بلاتوات" تحت الطلب للدفاع عن جهات سياسية أو مالية... فتحوّلت البلاد إلى دولة قائمة على المحاصصات والقطاعية وتقاسم الغنائم بكلّ أنواع الغنائم .
ل"الكرونيكورات" أو"كرونيكوزات" دور واضح استغلال المنصّات الاعلامية والوعي السياسي المتدنّي لنشر أنماط الميوعة بما يحجب الحقائق عن الوعي الجمعي حتّى يسهل التحكّم فيه لصالح لوبيّات بعينها حاضرة وممثّلة في كلّ النسيج الاعلامي ولكي نتأكّد من ذلك وحتّى لا نتّهم بالتجنّي على القطاع يمكن تقصّي المواضيع المطروحة والتي لم تقترب يوما من هموم النّاس الحقيقية بل يمكن اختزال آدائها في التركيز على أحداث معزولة وظواهر شاذّة تتحوّل بقدرة مجرمي الشأن العام إلى قضايا وطنيّة في إطار سياسة واضحة معلنة تحييد الرأي العام عن الشأن العام بالمعنى العلمي للكلمة .
نعيش اليوم على وقع معضلات وتحدّيات كبيرة في كلّ المستويات وفي وضع إقليمي متحرّك ووضع دولي متوتّر فهل يتمّ طرح هذه المسائل في فضاءاتنا الاعلامية سوى بعض الاستثناءات التي لا وزن لها أمام عموم المشهد.
متى تمّ طرح العائلات النافذة ومتى فتحت الملفّات السوداء للعشريّة السوداء ومنها قضية التعويضات ومتى طرحنا ملفّ الأمن القومي أو في الملفّات الاجتماعية قضية المخدّرات في الفضاء المدرسي أو تأثير الانترنات على سلوك الأطفال أو على السلوك الجمعي ...
إنّ تعبئة المشهد بهؤلاء التفّه الذين يربكون كلّ المسارات ويضربون كلّ محاولة للاصلاح ولا همّ لهم سوى مقاومة الفساد لأنّ النسيج الاعلامي يرتبط بشكل واضح بهذه اللوبيات وهو ما يفسّر تغييب الكفاءات التي يمكن أن تعيد للفعل السياسي جدّيته وتوجّه الرأي العام لقضاياه الحقيقية وبالتالي عقلنة المطالب الشعبيّة والفضاء العام برمّته .
يشنّ الاعلام على السلطة الحالية حربا شعواء لا هوادة فيها و بعيدا عن تقييمنا لاداء السلطة فإنّ المشهد الإعلامي اختزل دوره في الفترة الحالية على انتقاد السلطة وسرد الأحداث المحبطة والأرقام المخيفة وذلك لهدف وحيد استرجاع مشهد السمسرة الاعلامية السياسية حيث تتشابه وتتشابك الأصوات والمصالح ليتفرّق دمّ هذا الشعب المقهور بين القنوات وتغيب الكفاءة والأكفّاء ومعها معالم الدولة الوطنية على يد سماسرة المشهد الإعلامي .
جميلات يحلّلن الأوضاع بشكل قبيح بشع مقزّزو وجوه مستهلكة خاوية رديئة يتحدّثون بإيقاع وضيع ومصطلحات مبتذلة تصدّر للعالم صورة بشعة عن أرض حنّبعل وابن خلدون، "كاراكوزيات" وخزعبلات لم تعد تنطل على أحد في مشهد أصبح تكراره تعذيبا لمشاهد أنهكه الوضع العام وتلاعبت به حفنة السذّج من "الكرونيكوازات" المصنوعة في أعلى مخابر التفاهة.