تونس-الصباح
أعلن نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ماهر الجديدي، أمس أنه تقرر إجراء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية يوم 29 جانفي 2023 وأنه تم ضبط رزنامة الدورة الثانية التي سيتم الإعلان عن تفاصيلها يوم 15 من الشهر الحالي في ندوة صحفية والتي سيتم خلالها الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية في دورتها الأولى.
وقدم الجديدي روزنامة العملية الانتخابية حيث ستنطلق بداية من الاثنين 16 جانفي وتتواصل إلى يوم 27 من ذات الشهر على أن يكون يوم 28 الصمت الانتخابي ويوم 29 جانفي يوم الاقتراع للدورة الثانية لانتخابات مجلس نواب الشعب، وفق تعبيره.
ويأتي موقف الجديدي في وقت تعالت فيه أصوات المنظمات والأحزاب لإنهاء ما اتفقوا على تسميته "بالمهزلة الانتخابية" وضرورة إيقافها بعد أن فشلت في استقطاب التونسيين وإقناعهم بأهمية التوجه إلى صناديق الاقتراع ورسم ملامح الجمهورية الجديدة استكمالا للمشروع السياسي الذي بدا قيس سعيد في نحته منذ خطابه يوم 13ديسمبر 2021.
غير أن مشهد البناء لم يكتمل على الوجه الأمثل حيث كانت حسابات الحقل غير حسابات البيدر لتتشكل غيمة من الشكوك حول جدوى الدور الثاني من الانتخابات في ظل أرقام غير مقنعة في نسب المشاركة في عملية التصويت والتي لم تتجاوز 12% لتشكل الأرقام المصرح بها مفاجأة غير سارة حتى لأكبر المتفائلين بأهمية هذا "الاستحقاق".
وأمام هذا المعطى سارعت الأطراف السياسية والاجتماعية بالدعوة إلى تأجيل الانتخابات أو إلى إنهاء العملية برمتها لغياب الجدوى السياسية منها بعد أن قاطعها عموم الشعب التونسي بعد أن بلغت نسب التصويت في بعض الدوائر اقل من 9% وفشل بعض المترشحين حتى في تحصيل 400 صوت وهو ذات الرقم الموافق لعدد التزكيات المتفق عليها للترشح وللانتخابات وفق قانون الانتخابات .
ولم تكن نتائج الانتخابات وحدها عنوان الخلاف السياسي بين السلطة والمعارضة حيث دخلت طبيعة المترشحين على خط الأزمة بعد أن تعرض المترشحون إلى انتقادات لاذعة من قبل الرافضين للعملية الانتخابية ليتواصل الضغط بالتهديد باللجوء للقضاء لإيقاف ما سمي بمهزلة الانتخابات.
وافتتح الحزب الدستوري الحر سياستهم الرافضة للعملية الانتخابية بداية برفع قضية استعجالية ضدّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من أجل إيقاف مسار الانتخابات وتجميد كافة الأموال المرصودة لها، غير أنّ الدائرة الاستعجالية في المحكمة الابتدائية قضت بإحالة القضية إلى إحدى الدوائر المختصة التي قررت تأجيلها في مناسبتين لتحكم بعدها برفض الدعوى.
ولم تتوقف مساعي الدستوري الحر في انتزاع اعتراف قضائي بعدم شرعية الانتخابات بعد أن تحركت عبير موسي مجددا داخل أروقة المحاكم لإيقاف الدور الثاني من الانتخابات.
أما سياسيا فقد اشتدت المواجهة بين المعارضة الوطنية ورئيس الجمهورية، ففي الوقت الذي دعت فيه - جبهة الخلاص وحركة النهضة والتيار الديمقراطي وحزب العمال والحزب الجمهوري وأفاق تونس وائتلاف الكرامة وغيرهم - لعدم شرعية الانتخابات وفقدان الرئيس للزخم الشعبي الذي رافق الإعلان عن إجراءاته الاستثنائية فقد رد سعيد بترحيبه بنسب المشاركة في عملية التصويت في الدور الأول.
وقلّل الرئيس من أهمية المقاطعة الكبيرة للدور الأول من الانتخابات التشريعية المبكرة التي أُجريت يوم 17 ديسمبر معتبرا أن "12% أفضل من 99% مما سبق".
ويرى متابعون أن عملية التصويت في الدور الثاني لن تكون حدثا جاذبا للناخب التونسي الذي كشف عن نواياه في مقاطعة العملية السياسية في محطتين سابقتين، حيث شهدت نسب المشاركة في الاستفتاء على الدستور يوم 25جويلية الماضي نسبة 27,54% .
وتصف المعارضة هذا الرقم بالضعيف جدا رغم الأدوار المتقدمة التي لعبتها أطراف من السلطة من وزراء وولاة من خلال دفعها للجماهير بالذهاب إلى صناديق الاستفتاء ومبايعة المشروع السياسي للرئيس إلا أن ذلك لم يحصل.
وزاد الوضع الانتخابي الأخير في توسيع الهوة بين الرئيس والمعارضة بعد أن اشتد التأكيد على أن النسب المصرحة بها لا تعكس تراجع المد الشعبي في علاقتهم بسعيد بل أن هذه الأرقام تمس من شرعيته كرئيس للجمهورية أيضا.
وفي هذا الإطار قال رئيس جبهة الخلاص نجيب الشابي خلال ندوة صحفية إبان إعلان النتائج "إن نتائج الانتخابات التشريعية أسدلت الستار على الشرعية الزائفة لقيس سعيّد وانه لا شرعية له بعد اليوم".
وأضاف أن ما حصل "حلقة من فشل متلاحق، بدءاً بلقاءاته الفاشلة في الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، ثم تأجيل صندوق النقد الدولي لاجتماعه مع تونس، وأخيراً هذا الفشل".
من جهته اعتبر رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي أن "تفرد رئيس الجمهورية بالحاكم ورفضه للتفاوض مع خصومه السياسيين هو ما أوصل البلاد إلى الوضع الحالي".
كما أكد عبد الكافي أنه على السلطة إلغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، قائلاً إن "نسبة الإقبال ستكون أضعف في الدوري الثاني ولن تفرز شيئاً".
وتابع بالقول:"البرلمان القادم لن يكمل عهدته.. لأن المنظومة الحالية لا يمكن أن تواصل بهذه الطريقة.. الشخص العاقل لا يمكن أن يكمل في حالة الإنكار."
ولم تخرج مواقف المجتمع المدني عن صف رفض الدور الثاني من الانتخابات ويبقى تصريح نورالدين الطبوبي أهم ما جاء في سياقات الرفض حيث قال:"أن منظومة الحكم الحالية لا يمكنها مقاومة ما وصفه بالعواصف الاجتماعية القادمة حتى وإن تم إجراء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية".
ودعا الطبوبي رئيس الدولة إلى "تعديل الأوتار" والتقاط اللحظة التاريخية والوقوف لحظة تأمل وعرض فكرة مشتركة والقيام بإصلاحات في علاقة بالنظام السياسي والانتخابي وعرضها لعلى الشعب الذي ستكون الكلمة الأخيرة له.
ورأى الطبوبي أنه على الرئيس إلغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية بعد إيجاد حل دستوري لذلك، مشيرا في المقابل إلى أن الرئيس لن ينصت.
وفي رده على ما تقدم اتهم الرئيس أطرافا بتوزيع أموال طائلة على المواطنين "بهدف إفشال الدور الثاني للانتخابات البرلمانية، وتأجيج الأوضاع وضرب استقرار الدولة".
وأفاد بيان مؤسسة الرئاسة عقب لقاء جمع سعيد بوزير الداخلية توفيق شرف الدين ومراد سعيدان المدير العام للأمن الوطني، بقصر قرطاج، "أن الاجتماع تناول الوضع الأمني في البلاد وما يقوم به بعض الأشخاص الذين تقف وراءهم لوبيات معروفة من تجاوز للقانون ومسّ بالأمن القومي".
خليل حناشي