إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

14 جانفي تاريخ استنزفه الزمن.. كان انجازا وأصبح "لاشيء " !

 
تونس – الصباح 
في ذاكرة الشعوب وتاريخها، ترسخ تواريخ معينة تختزل أحداث كبرى، غيّرت الاتجاهات وفرضت واقعا جديدا.. وفي تاريخ التونسيين كان يوم 14 جانفي تاريخا فارقا في أحداثه ونتائجه التي سيتردّد صداها في كل المنطقة العربية وهي تعطي آملا في التغيير..، حيث تجاوزت رمزية هذا التاريخ ما حصل في تونس إلى كامل المنطقة العربية..
في ذلك اليوم عندما توافد آلاف المواطنين والنشطاء والسياسيين على شارع الحبيب بورقيبة مطالبين برحيل نظام بن علي الذي أبدى شراسة في التصدّي وقمع الاحتجاجات التي انطلقت قبلها بأسابيع واجتاحت كل مناطق الجمهورية وتتوسّع يوميا بعد تحرّك ولاية سيدي بوزيد.. ربما لم يدر بخلد أغلبهم أن ذلك المساء سينتهي بخبر شكّك فيه أغلب التونسيين في البداية عندما أذاعت قناة "الجزيرة" خبر هروب بن علي وتوجهه الى المملكة العربية السعودية..، وحتى بعد تأكّد مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لم يكن الأمر مريحا ليلتها والبلاد واقفة على سيناريوهات عدّة..، ولكن يومها وفي ذلك التاريخ العاصف والذي لا ينسى كما قاد الشعب التونسي احتجاجاته وتحرّكاته بشكل سلمي حتى وهو يصطدم بنظام قمعي..، استطاع بنفس الهدوء ضمان انتقال سلس للسلطة ما زال إلى اليوم يرى فيه البعض اختلاسا للثورة ولمطالب الثورة، رغم أن أغلب القوى السياسية والوطنية أيّدته ولم تعترض على بقاء جزء من المنظومة القديمة في الدولة لإدارتها وتجنيبها انزلاقات ومسارات قد تحملها إلى نهايات غير متوقعة .
ولئن حافظ تاريخ 14 جانفي في السنوات الأولى التي تلت الثورة على كل توهّجه وزخمه الثوري وظلّ تاريخا يحتفل به التونسيون في الشوارع، فانه مع مرور السنوات وتتالي الخيبات السياسية وانغماس الأحزاب في الصراع على السلطة وإهمال احتياجات ورغبات المواطنين وإسقاط استحقاقات الثورة من الحسابات السياسية لأغلب القوى والأحزاب التي انشغلت بالحكم والصراع وقادت الدولة إلى متاهات مدمرة، بات هذا التاريخ شاحبا وغير مثير للاهتمام.. وتحول إلى»لاشيء «  حتى على مستوى الخطاب الرسمي للدولة.
فرئيس الجمهورية قيس سعيّد يتمسك بأن هذا التاريخ هو تاريخ سرقة الثورة ولا يعترف إلا بتاريخ 17 ديسمبر للثورة، رغم تمسّك القوى المعارضة للرئيس بهذا التاريخ وإصرارها على الاحتفال به اليوم ومحاولة إحياء قيم الثورة وجذوتها في نفوس التونسيين ولو بيأس!حيث لم يعد الشارع يتفاعل مع كل دعوات الغضب والاحتجاج واختار مسافة من الحياد السياسي في كل ما يجري من صراع وباتت الأغلبية تتصرّف وكأنه لا يعنيها ما يحدث..
وهذه اللامبالاة وعدم الاكتراث تجد لها أسبابا ومبرّرات في كل ما عاشه التونسيون خلال كل السنوات الماضية من خذلان وخيبة في كل النخبة السياسية التي يرونها اليوم مسؤولة على الوضع الراهن وخانت استحقاقات الثورة..
 
وأد تاريخ 14 جانفي ..
في جولته الميدانية في شارع الحبيب بورقيبة وأنهج المدينة العتيقة، أمس، أعاد رئيس الجمهورية تأكيد وجهة نظره بشأن موعد 14 جانفي حيث اعتبر أن تاريخ الثورة هو 17ديسمبر وليس 14 جانفي وهو ما كان أعلنه السنة الفارطة رسميا، ويعتقد رئيس الجمهورية أن ثورة الشعب التونسي تم إجهاضها في تاريخ 14 جانفي رغم أن نظام بن علي سقط في ذلك التاريخ..، ولكن الرئيس يصرّ على أن الثورة تم اختطافها من الشباب وتم التلاعب بها من طرف الأحزاب التي يراها قيس سعيد سببا مباشرا في الخراب الذي شهدته البلاد في العشر السنوات الماضية.
وبعيدا عن هذا الخطاب الرسمي الذي أنهى رمزية 14 جانفي فان أغلب التونسيين لم يعودوا متحمسين لهذا التاريخ الذي علٌقوا عليه آمالا كبيرة في التغيير وفي الحرية وفي تحسين أوضاعهم المعيشية خاصة وأن أسباب الثورة بالأساس كانت أسبابا اجتماعية واقتصادية قبل أن تكون أسبابا سياسية..، ولكن كل تلك الآمال تحولت إلى خيبات متلاحقة مع استفحال الصراع بين القوى السياسية بالإضافة إلى سنوات الإرهاب والدم التي تلت الثورة وعدم الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية المتتالية التي أثرت على ظروف معيشة أغلب التونسيين..، بالإضافة إلى عودة المنظومة القديمة السياسية والإدارية والإعلامية لتصدّر المشهد مجددا بما يطرح أكثر من سؤال حول هذه الثورة وما إذا استطاعت فعلا أن تغّير من الوضع أو أنها عمّقت الأزمات فقط.. وكل هذه المعطيات تُرجمت في فتور بالاحتفال بذكرى 14 جانفي خاصة في السنوات الأخيرة حتى يكاد هذا التاريخ يغيب من الأحداث وتحول إلى مجرّد يوم احتجاجي لبعض النشطاء وعدد قليل من القوى التي تحاول الإبقاء على جذوة الثورة وروحها متقدة في الشارع التونسي .
وهذه السنة تعود هذه الذكرى في سياقات في غاية من التشنّج على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي..، فالأحزاب المعارضة تحاول أن تصنع من هذه الذكرى هذه السنة مناسبة لإحياء روح الثورة وجذوتها في حين ينصرف أغلب التونسيين لملاحقة المواد الغذائية المفقود وتحصيل قوت عيشهم في ظروف اقتصادية مرهقة وصعبة.
 
منية العرفاوي 
 
14 جانفي تاريخ استنزفه الزمن.. كان انجازا وأصبح "لاشيء " !
 
تونس – الصباح 
في ذاكرة الشعوب وتاريخها، ترسخ تواريخ معينة تختزل أحداث كبرى، غيّرت الاتجاهات وفرضت واقعا جديدا.. وفي تاريخ التونسيين كان يوم 14 جانفي تاريخا فارقا في أحداثه ونتائجه التي سيتردّد صداها في كل المنطقة العربية وهي تعطي آملا في التغيير..، حيث تجاوزت رمزية هذا التاريخ ما حصل في تونس إلى كامل المنطقة العربية..
في ذلك اليوم عندما توافد آلاف المواطنين والنشطاء والسياسيين على شارع الحبيب بورقيبة مطالبين برحيل نظام بن علي الذي أبدى شراسة في التصدّي وقمع الاحتجاجات التي انطلقت قبلها بأسابيع واجتاحت كل مناطق الجمهورية وتتوسّع يوميا بعد تحرّك ولاية سيدي بوزيد.. ربما لم يدر بخلد أغلبهم أن ذلك المساء سينتهي بخبر شكّك فيه أغلب التونسيين في البداية عندما أذاعت قناة "الجزيرة" خبر هروب بن علي وتوجهه الى المملكة العربية السعودية..، وحتى بعد تأكّد مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي لم يكن الأمر مريحا ليلتها والبلاد واقفة على سيناريوهات عدّة..، ولكن يومها وفي ذلك التاريخ العاصف والذي لا ينسى كما قاد الشعب التونسي احتجاجاته وتحرّكاته بشكل سلمي حتى وهو يصطدم بنظام قمعي..، استطاع بنفس الهدوء ضمان انتقال سلس للسلطة ما زال إلى اليوم يرى فيه البعض اختلاسا للثورة ولمطالب الثورة، رغم أن أغلب القوى السياسية والوطنية أيّدته ولم تعترض على بقاء جزء من المنظومة القديمة في الدولة لإدارتها وتجنيبها انزلاقات ومسارات قد تحملها إلى نهايات غير متوقعة .
ولئن حافظ تاريخ 14 جانفي في السنوات الأولى التي تلت الثورة على كل توهّجه وزخمه الثوري وظلّ تاريخا يحتفل به التونسيون في الشوارع، فانه مع مرور السنوات وتتالي الخيبات السياسية وانغماس الأحزاب في الصراع على السلطة وإهمال احتياجات ورغبات المواطنين وإسقاط استحقاقات الثورة من الحسابات السياسية لأغلب القوى والأحزاب التي انشغلت بالحكم والصراع وقادت الدولة إلى متاهات مدمرة، بات هذا التاريخ شاحبا وغير مثير للاهتمام.. وتحول إلى»لاشيء «  حتى على مستوى الخطاب الرسمي للدولة.
فرئيس الجمهورية قيس سعيّد يتمسك بأن هذا التاريخ هو تاريخ سرقة الثورة ولا يعترف إلا بتاريخ 17 ديسمبر للثورة، رغم تمسّك القوى المعارضة للرئيس بهذا التاريخ وإصرارها على الاحتفال به اليوم ومحاولة إحياء قيم الثورة وجذوتها في نفوس التونسيين ولو بيأس!حيث لم يعد الشارع يتفاعل مع كل دعوات الغضب والاحتجاج واختار مسافة من الحياد السياسي في كل ما يجري من صراع وباتت الأغلبية تتصرّف وكأنه لا يعنيها ما يحدث..
وهذه اللامبالاة وعدم الاكتراث تجد لها أسبابا ومبرّرات في كل ما عاشه التونسيون خلال كل السنوات الماضية من خذلان وخيبة في كل النخبة السياسية التي يرونها اليوم مسؤولة على الوضع الراهن وخانت استحقاقات الثورة..
 
وأد تاريخ 14 جانفي ..
في جولته الميدانية في شارع الحبيب بورقيبة وأنهج المدينة العتيقة، أمس، أعاد رئيس الجمهورية تأكيد وجهة نظره بشأن موعد 14 جانفي حيث اعتبر أن تاريخ الثورة هو 17ديسمبر وليس 14 جانفي وهو ما كان أعلنه السنة الفارطة رسميا، ويعتقد رئيس الجمهورية أن ثورة الشعب التونسي تم إجهاضها في تاريخ 14 جانفي رغم أن نظام بن علي سقط في ذلك التاريخ..، ولكن الرئيس يصرّ على أن الثورة تم اختطافها من الشباب وتم التلاعب بها من طرف الأحزاب التي يراها قيس سعيد سببا مباشرا في الخراب الذي شهدته البلاد في العشر السنوات الماضية.
وبعيدا عن هذا الخطاب الرسمي الذي أنهى رمزية 14 جانفي فان أغلب التونسيين لم يعودوا متحمسين لهذا التاريخ الذي علٌقوا عليه آمالا كبيرة في التغيير وفي الحرية وفي تحسين أوضاعهم المعيشية خاصة وأن أسباب الثورة بالأساس كانت أسبابا اجتماعية واقتصادية قبل أن تكون أسبابا سياسية..، ولكن كل تلك الآمال تحولت إلى خيبات متلاحقة مع استفحال الصراع بين القوى السياسية بالإضافة إلى سنوات الإرهاب والدم التي تلت الثورة وعدم الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية المتتالية التي أثرت على ظروف معيشة أغلب التونسيين..، بالإضافة إلى عودة المنظومة القديمة السياسية والإدارية والإعلامية لتصدّر المشهد مجددا بما يطرح أكثر من سؤال حول هذه الثورة وما إذا استطاعت فعلا أن تغّير من الوضع أو أنها عمّقت الأزمات فقط.. وكل هذه المعطيات تُرجمت في فتور بالاحتفال بذكرى 14 جانفي خاصة في السنوات الأخيرة حتى يكاد هذا التاريخ يغيب من الأحداث وتحول إلى مجرّد يوم احتجاجي لبعض النشطاء وعدد قليل من القوى التي تحاول الإبقاء على جذوة الثورة وروحها متقدة في الشارع التونسي .
وهذه السنة تعود هذه الذكرى في سياقات في غاية من التشنّج على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي..، فالأحزاب المعارضة تحاول أن تصنع من هذه الذكرى هذه السنة مناسبة لإحياء روح الثورة وجذوتها في حين ينصرف أغلب التونسيين لملاحقة المواد الغذائية المفقود وتحصيل قوت عيشهم في ظروف اقتصادية مرهقة وصعبة.
 
منية العرفاوي 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews