تونس-الصباح
انطلقت الجمعة فعاليات المؤتمر الثاني للإعلام العربي، والذي ينظمه اتحاد إذاعات الدول العربية حول موضوع "الهيمنة الرقمية العالمية وسبل مجابهتها عربيا"، بتونس العاصمة ودلك بحضور عدد من الخبراء في مجالات الإعلام والثقافة وتكنولوجيات الاتصال من تونس والجزائر ومصر وفلسطين...
ويعد هذا الموضوع وفقا للمنظمين أحد أبرز مواضيع الساعة التي تطرح عديد التحديات بالنسبة إلى العالم العربي والى عديد مناطق العالم الأخرى ، فبقدر ما كانت نشأة الثورة الرقمية واتساع رقعتها والحلول التي وفرتها والآفاق التي فتحتها محل ترحيب لدى الكثيرين ، بقدر ما كان لهذا الواقع الجديد تأثيرات جانبية عميقة عانت وتعاني منها البلدان التي لم تساهم في التغيير واكتفت باستهلاك تقنياتها وجني ثمارها ومكاسبها .
مُواكبةٍ تطوّرات العالم الرّقمي
وأكدت وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي، خلال كلمتها الافتتاحية أن المؤتمر الثاني للإعلام العربي سيكُون محطّة فارقة في المساهمة في تطْوير الإعلام العربي بما يقدمه من رؤى مُواكبةٍ لِتطوّرات العالم الرّقمي.
وأشارت الوزيرة إلى أن المؤتمر يطرح أحد أهمّ القضايا الرّاهنة في ما يتّصِل بالتّطوُّر الرقمي وهي القضيّة المتعلّقة بالهيمنة الرقميّة العالمية والسُّبُل الكفيلة بمُواجهتها وبتوفير سُبُل التّمكين اللّازم للإعلاميّين العرب وتعزيز قُدراتهم وتدريبهم على حُسن اسْتخدام وسائل التّواصل الاجتماعي وتوْظيف التّقنيّات الرقميّة الجديدة، فضْلا عن تطوير التّشريعات وإحْداث القوانين التي تُيسٍّر التّعامل مع الرّقمنة وتَحمي من سَطْوتها وهَيْمنتها وآثارها السّلبية.
وتحدثت حياة قطاط القرمازي عن إشكالية تنْميط سُلوك الأفراد وإمكانيّة اسْتخدام العالم الرّقميّ كوسِيلة للْهيْمنة الثقافيّة على الأفْراد والمجتمعات من خلال سُرْعة التّدفُّق وطبيعة المحْتوى وقُدْرة الآلة على توْجِيه الرّغبات والتّحكُّم في الذِّهن الجماعي وخِيَارَاتِه بما يسبب الانْصِهَار في الآخر، أو فِقْدَان الهُوِيَّة.
وقالت القرمازي "إن تأْثير الهيْمنة الرّقميّة العالمية في منطقتنا العربية بالغ السّطوة، ويتجلّى ذلك في كافّة القطاعات ومنها الإعلام، لذا لا بُدّ من وجود آليات فعّالة يَسْهُل استخدامها في الواقع، وتطبيقها لمواجهة تلك الهيْمنة البالغة الخُطُورة باعتبارها تَطَالُ مخْتلف الفئات الاجتماعيّة والعُمريّة خاصة النّشء والأطفال".
وأضافت في نفس السياق "أصبح لِزاما عليْنا انْتهاجُ إستراتيجية مُشتركة ووضْع رُؤية مُوحّدة في مجال الأمن السِّيبراني وتطْوير الإنتاج الرّقمي العربي مع حِماية المعْطيات الشّخصية والأطفال والتّصدّي للأخبار الزّائفة ومُختلف انْحرافات التّعامُل الرّقمي ثقافيًّا واجتماعيًّا وإعلاميًّا".
كما أكدت وزيرة الثقافة حاجة الدول العربية إلي التأقلم مع الرّقمنة واسْتيعابٍ لمناهج التَّعامل الفعال والتّعايُش الذّكي مع التّقنيّات الرّقميّة الجديدة.
هيمنة عمالقة التكنولوجيا
من جهته المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية عبد الرحيم سليمان، أكد خلال مداخلة له بالمؤتمر، أن الاتحاد يبذل جهودا كبيرة للإحاطة بالإشكاليات التي تواجهها البلدان العربية بسبب هيمنة عمالقة التكنولوجيا الرقمية، حيث يقدم الاتحاد مرئياته للحلول الممكنة والسياسات التي يمكن إرساؤها على المستوى العربي في إطار جامعة الدول العربية، وقد قام الاتحاد بعرض مشروع لوثيقة تعامل الدول العربية مع الفضاء الرقمي والشركات الكبرى المسيطرة، خلال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته 51 سنة 2021 بالرياض.
وأضاف عبد الرحيم سليمان، أنه بتكليف من مجلس وزراء الإعلام العرب، أعد الاتحاد دراسة بعنوان 'كيف يجب أن نتفاعل عربيا مع الهيمنة الرقمية العالمية؟"، وقد عُرضت على اللجنة المصغرة لفريق عمل وضع إستراتيجية موحدة للتعامل مع جميع شركات الإعلام الدولية خلال اجتماعها بالرياض سبتمبر 2021 ونظرا لأهمية التجربة الأوروبية في المجال ورغبة في الاستفادة منها، قدم الاتحاد وثيقة بعنوان "كيف تفاعل الاتحاد الأوروبي مع الهيمنة الرقمية العالمية؟ "
كما تم اقتراح إحداث لجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك من مهامها التعامل مع الهيمنة الرقمية العالمية إلى جانب الإعلام والثقافة له عدة جوانب أخرى (حماية البيانات الشخصية الاقتصاد الرقمي والضريبة الرقمية، الأمن السيبراني. التشريعات..).
وقد عرض الاتحاد ورقة عمل متكاملة على اجتماع لجنة التنسيق العليا برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية وعضوية كافة منظمات العمل العربي المشترك في دورتها 52 بالرياض جانفي 2022 وقد شكلت اللجنة لجنة مختصة تضم إلى جانب جامعة الدول العربية عدد من المنظمات ذات العلاقة، وأشار المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، إلى أن البلدان العربية لا بد أن تعمل على تثمين عامل اللغة عربيا حيث يمكن أن تكون اللغة قوة لأحداث منصات للبث والمحتوى في ظل وجود 400 مليون عربي يستخدمون الانترنت في العالم العربي، بالإضافة إلى موضوع آخر مهم لا بد من الاهتمام به بصفة كبيرة وهو الأمن السيبراني والأمن الالكتروني في دولنا العربية...
حماية الجيل الشبابي
كما تحدث المستشار الإعلامي بسفارة المملكة الأردنية الهاشمية ومندوبيتها الدائمة لدى جامعة الدول العربية، علاء سالم الزيود، في نفس الصدد عن انعكاسات الرقمنة على الهيمنة التكنولوجية وذلك ببعديها الوطني أي محليا في الأردن وكذلك عربيا ودوليا وهو ما يتطلب ضرورة تعامل جدي مع هذا الملف المهم، من خلال مواكبة التطور الالكتروني وحماية الجيل الشبابي من خلال التربية الإعلامية والرقمية من خلال كيفية التعامل مع وسائل الإعلام الحديث...
كما أن المملكة الأردنية قامت باتخاذ عدد من الخطوات ومنها وزارة الاتصال الرقمي، كما أنها قامت بدعم عملية التحول الرقمي، وتشجيع ريادة الأعمال وهو ما ساهم في زيادة مستخدمي الانترنت...
وأضاف أن التصدي للهيمنة الرقمية يتطلب تعزيز حق الجمهور في الإعلام وقامت دولته في هذا الجانب بإنشاء المركز الوطني للأمن السيبراني، كما استثمرت أكثر في البنية التحتية الرقمية وهو عامل مهم من خلال التعامل خاصة مع هده التحديات وتعزيز قدرات التعامل معها... وفي علاقة بمساهمة الأردن في التصدي للهيمنة الرقمية عربيا أكد المتحدث أنهم قاموا بتقديم تصور مهم لشركات الإعلام الدولية خاصة وأن المحتوى المقدم هو حجر الزاوية في هذا الجانب لا بد من العمل على حماية الهوية والثقافة العربية...، وفق قوله.
كما شدد علاء سالم الزيود، على ضرورة استفادة الإعلام العربي من المداخيل الرقمية والضرائب من خلال إيجاد آلية قانونية للحد من الكراهية العربية، ورسم تصور مبني على التجربة الأوروبية في هذا السياق، كما أن تقديم تصور متكامل للتعامل مع الملف يتطلب بدوره تقديم مشروع قانون عربي مشترك، والعمل أيضا على منظومة عربية للدبلوماسية الرقمية...
هيمنة وثورة رقمية
كما تحدث عضو مجلس أمناء في هيئة الإعلام والاتصالات السابق بالعراق، خليل الطيار، أنه لا شك أن الفضاء الرقمي ساهم في أعطاء صورة نمطية على العراق بعد الحرب فتنظيم قطاع الإعلام والاتصال ضروري اليوم وهو ما يتطلب رؤية شاملة عن ما يدور في العالم، مستعملا مصطلح "عالم التفاهة" من خلال ما يعيشه العالم من هيمنة وثورة رقمية راح ضحيتها الجمهور والرابح منها الشركات التكنولوجية أي أنه اليوم أصبح من يمتلك المعلومة هو من يمتلك العالم.
وقال خليل الطيار، في تصريح لـ"الصباح"، أنه من الضروري اليوم استكمال خريطة تنظيم الفضاء الإلكتروني وذلك من خلال عقد لقاءات مباشرة من اجل استغلال الضريبة الرقمية من قبل شركات التكنولوجيا العالمية فتبادل الخبرات العربية مهم جدا خاصة في ظل الالتزام بأهداف التنمية المستدامة. ومن مخاطر الهيمنة الرقمية تهديد مستقبل الأجيال، وهو ما يتطلب وضع لائحة مشتركة من اجل تعزيز الثقافة والهوية العربية ومنع المساس بالثقافة، فالمحتوى المقدم حاليا أصبح من المهم وضع الخطوات واللوائح التي يمكن أن توعي تجربة الأفراد للتعامل مع هذه التكنولوجيات.
وأضاف الطيار، أنه من الضروري، أيضا اليوم العمل على إنشاء مرصد عربي لرصد الأخبار الزائفة ووجه الدعوة في نفس السياق إلى عقد مؤتمر عربي يضم المؤثرين العرب، وكذلك وضع قانون تشريعي عربي ينظم عمليات الاقتصاد العربي الرقمي...
حماية البيانات الشخصية
كما تحدث الكاتب الصحفي ووكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في جمهورية مصر العربية، صالح الصالحي، أن ما بين الماضي والحاضر، اختلفت الظروف، والآن تختلف الأدوات لفرض السيطرة على الشعوب والاقتصاديات المختلفة إذا ما نظرنا لكل المجريات التي تحدث اليوم، وعمليات الاستحواذ الكبرى التي تتم على مستوى الشركات الكبرى والاستثمار في مجالات تقنية مختلفة ومنها السيطرة على صناعة المحتوى، والتسوق الإلكتروني، والعملات المشفرة، والعالم الافتراضي، فإننا اليوم نقع فريسة سهلة لهذه الشركات، وهو ما قد يكون نوعا جديدا من أنواع "الهيمنة العالمية من قبل مجموعة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهي التي تمثل شركات التكنولوجيا العالمية".
وأضاف في تصريح لـ "الصباح"، أن ما يحدث على أرض الواقع اليوم، يتطلب من الدول مراجعة قوانينها ومن ضمنها قانون حماية البيانات الشخصية، الأمن السيبراني، والهوية الرقمية بالإضافة إلى كل ما يخص التطور التكنولوجي من أنظمة وتشريعات لضمان الحماية الرقمية للجميع بياناتنا يتم استخدامها من قبل شبكات التواصل الإلكتروني وبالتالي نحن نساهم في نمو هذه الشركات وأرباحها من دون مشاركة هذه العوائد مع صاحب البيانات أو حتى مع الدولة.
وأشار محدثنا إلى أن المهمة لم تكن سهلة والتحدي لا يزال كبيرًا في مجابهة أو ملاحقة هذا التطور بكل ما أوتينا من قوة إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو حماية أوطاننا من شرور هذه الوسائل، ووضع سياسات للتعامل معها في الوطن العربي لاحترام قيمنا وتقاليدنا العربية وهو ما فطن إليه مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته (51) لسنة 2021 وأصدر قرارا بتشكيل لجنة لوضع الإستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع جميع شركات الإعلام العالمية، وذلك لمواجهة هيمنة عمالقة التكنولوجيا الرقمية وإيمانا بأن العمل العربي المتكامل والموحد هو الحل الأمثل على الإطلاق...
كما أن هناك العديد من الدول العربية تعمل على إيجاد صيغة للعمل مع هذه الشركات التكنولوجية التي أصبحت تمثل خطرًا كبيرًا على الإعلام وعلى المجتمع العربي بأسره ومن هنا أطالب بالإسراع في إعلان آلية لتنفيذ الإستراتيجية العربية للتصدي لهيمنة عمالقة التكنولوجيا الرقمية فالوقت لم يعد في صالحنا.. والعمل العربي المشترك هو السبيل للضغط على هذه الكيانات التي أصبحت تمثل مافيا الإعلام والمعلومات تستولي على الأرشيف العربي وعلى البيانات وعلى كل شيء دون حساب أو مقابل، وتبث لنا سمومها وأفكارها المتطرفة تحت حماية دول كبرى لها مصلحة في ذلك ".
كما دعا الصالحي إلى ضرورة وجود منصات أو منصة عربية تنافس هذه المنصات أو تكون بديلا لها إذا لزم الأمر ذلك وتقدم محتوى آمن للمنطقة العربية وتحافظ على قيمنا وتقاليدنا وعاداتنا..
تنويع المضامين
كما تحدث مدير عام وزارة الإعلام في لبنان، حسان محمد فلحة، خلال مداخلته في المؤتمر الثاني للإعلام العربي، عن التطور التقني الذي شهد خلال 30-40 عاما الماضية تطورا مهما من الناحيتين الكمية من خلال وفرة الكميات الهامة من العلومات، ونوعيا من خلال تنويع المضامين والتي أصبحت بلغات عدة، فالتكنولوجيا ساهمت في إسقاط الحواجز وعززت المساواة الرقمية نسبيا..، وأفاد أن لبنان يعد رائد عربيا في الإعلام من خلال أولى التجارب العربية في الإعلام الخاص، مما ساهم في إثراء تاريخ لبنان رقميا وإعلاميا...
وأكد حسان محمد فلحة، في تصريح لـ "الصباح"، أنه من الضروري اليوم العمل على أنسنة التكنولوجيا من خلال اتخاذ تدابير علمية وفاعلة للحد من التبعية، وهو ما سيعزز إنتاج ثقافات قوية ذات جودة مواكبة للعصر التشارك في الجهد العربي، فلا بد أن لا يقتصر الهدف من التكنولوجيا على الجانب المالي والتجاري فقط، بل لا بد من إعطاء المقاربة الإنسانية جانبا مهما في هذا ...
وأضاف أن إنشاء شبكات ومنصات رقمية عربية يعد من بين الحلول لتعزيز التكنولوجيا العربية لكي تعبر عما للعالم العربي من إمكانيات وثقافات بوضع تقنيات وتكنولوجيا مرنة تحاكي العصر وتعزز قيمة الإنسان للحد من الأخبار الزائفة.
وتتواصل اليوم السبت فعاليات المؤتمر الثاني للإعلام العربي، والذي ينظمه اتحاد إذاعات الدول العربية حول موضوع "الهيمنة الرقمية العالمية وسبل مجابهتها عربيا" ومن المنتظر أن تعرض نتائج الدورة الثانية من مؤتمر الإعلام العربي على مجلس وزراء الإعلام العرب الذي سيتولى بعد مناقشتها والمصادقة عليها رفعها في شكل توصيات إلى القمة العربية..
صلاح الدين كريمي