بلّغ والقانون يحميك..، هذا الشعار الذي رفعته الدولة منذ سنوات قليلة بمناسبة صدور قانون حماية المبلغين عن الفساد وتركيز الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد..، تحوّل من شعار ثوري الى كابوس حوّل حياة عشرات المبلغين الى جحيم وهم يصارعون ناهبي المال العام الذين انفردوا بهم في الإدارات التي ينتمون إليها بعد غلق مقر هيئة مكافحة الفساد وتجميد مهامها دون أسباب واضحة وكذلك دون توضيح لمصيرها ومآل الملفات التي كانت تنظر فيها ودون متابعة كذلك للملفات التي تمت احالتها الى القضاء دون معرفة الى حد الآن نتائج هذه الاحالات الكثيرة التي تكشف بوضوح شبهات حول بؤر فساد خطيرة وفي مواقع مختلفة من أجهزة الدولة.
وقد عقدت أمس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بالاشتراك مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبمقرها، ندوة صحفية بحضور عدد كبير من المبلغين الذين أصبحوا يعيشون كابوسا حقيقيا بسبب قيامهم بعمليات تبليغ عن الفساد في مؤسساتهم..، حيث بلغ الأمر حتى بسجن بعضهم بتهم كيدية وفصل البعض الآخر عن العمل بالإضافة إلى تجميدهم إداريا وهرسلتهم ومضايقة حتى عائلاتهم..، شهادات مؤلمة ومخجلة لدولة ولسلطة تزعم مقاومتها للفساد وتبني سرديتها السياسية على هذا الأساس..، حيث تم استعراض شهادات خلال الندوة لمجموعة من المبلغين تم التنكيل بهم وتشريدهم وطردهم من العمل بمباركة مسؤولين ووزراء حاليين خاصة وأن هؤلاء المسؤولين من المتورطين في شبهات فساد ولكنهم بقوا دون محاسبة.
فساد مُقنن بنصوص قانونية..
في بداية الندوة قال الكاتب العام لرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بشير العبيدي، إن المبلغين عن الفساد آمنوا واعتقدوا في مكافحة الفساد وفتحوا ملفات لدى هيئة مكافحة الفساد ولكن ذلك لم يحميهم من المضايقات والهرسلة والإيقاف عن العمل، وأن الندوة التي دعت اليها الرابطة ونقابة الصحفيين هدفها كشف ما يتعرّض له هؤلاء المبلغين أمام الرأي العام.. كما أضاف العبيدي أن الدولة التونسية في هيكلتها لها عديد الهيئات الرقابية ولكنها تصمت على هذه التقارير ولا تتعاطى مع ما ورد فيها من معطيات خطيرة وأنه خلال الـ 11 سنة الماضية هناك ثلاثة تقارير في غاية الأهمية، وقد اعتبر العبيدي أن هذه التقارير الثلاثة هي الأهم خلال كل العشرية الماضية وهي تقرير دائرة المحاسبات الذي تعرّض إلى جرائم انتخابية وتمويلات سياسية مشبوهة، إلى جانب تقرير التفقدية العام لوزارة العدل والذي رصد فساد المنظومة القضائية وهو ما أثر بشكل مباشر على مناخ العدالة..، كما أشار البشير العبيدي الى تقرير هيئة الحقيقة والكرامة والذي قال عنه إنه رصد الفساد السابق ونجح في تفكيك منظومة الفساد وقدم مقترحات في الغرض.
وقد شدد بشير العبيدي ان مقاومة الفساد تنطلق من هذه التقارير وان الرابطة أخبرت رئيس الجمهورية بذلك وانه لا بد من حماية المبلغين عن الفساد.
وفي ذات السياق أكد رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين، لسعد الذوادي أن الفساد في تونس تحوّل الى صناعة وان بلادنا باتت تصنّع الفساد، مشدد على أن بعض أوجه الفساد اليوم مقننة بنصوص قانونية، وفي هذا الاطار ذكر مثال الفصل الخامس من قانون الوظيفة العمومية حيث قال لسعد الذوادي انه مخالف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيث يسمح للوزير بأن يمنح الموظف العمومي حق مباشرة عمل خاص لقاء مقابل مادي، كما أشار الذوادي إلى أن قانون الصفقات الذي يسمح كذلك بالبيع بالمراكنة يقنن الفساد بنصوص ..
شهادات مؤلمة..
من خلال الشهادات التي تم تقديمها تبين بالدليل حجم الخراب الذي تعيشه مؤسسات الدولة والذي حوّل المبلغين عن الفساد الى جناة في حين تحوّل الفاسدون وناهبو المال العام إلى ضحايا..، ونتيجة كل ذلك تهم كيدية وإيقاف عن العمل وتنكيل متواصل أمام صمت مريب لكل أجهزة الدولة.
وفي هذا الاطار قدمت المبلغة عن الفساد هالة الباشطبجي وهي إطار بوزارة الشباب والرياضة والتي كشفت أنها تصدت لاخلالات إدارية ومالية قام بها رئيس جامعة رياضية وخطته الوظيفية عقيد في الجيش التونسي، ولكنها لأنها نبهت إلى حجم التجاوزات التي يقوم بها وجدت نفسها ملاحقة بقضايا خطيرة وتهم كيدية مثل اتهامها بتسريب وثائق وخيانة المؤتمن رغم أن ما اكتشفته قامت بتبليغه لهيئة مكافحة الفساد وهي تتمتع بقرار حماية ولكن ذلك لم يحمها من المثول امام المحكمة العسكرية بتهمة خطيرة وهي اتهام ضابط سام بالتخابر مع جهات أجنبية.
وقد أثارت المبلغة عن الفساد هالة الباشطبجي قضية على غاية من الخطورة وهي حجم ما تتعرض له المرأة المبلغة عن الفساد من مضايقات أمام صمت غريب من وزارة المرأة ومن المنظمات النسوية التي لم تدافع كما يجب على النساء المبلغات عن الفساد، وفق تعبيرها.
كما قدم أشرف بن عايشة وهو رئيس مداخيل اول بالشركة التونسية للسكك الحديدية شهادته حول ما اكتشفه من فساد داخل الشركة ومنها استيراد صفقة العربات من الولايات المتحدة الامريكية بقيمة 165 وعربات الفساط بقيمة 80 مليار ليتضح بعد ذلك ان هذه العربات غير صالحة للاستعمال وان الصفقة فاسدة، كما أشار إلى شبكة الخطوط الحديدية السريعة بتونس العاصمة وهو المشروع الذي تكلف في حدود مئات المليارات ولكن اليوم هذه السكة غير صالحة للاستعمال ومهددة لحياة المستعملين إن تم استغلالها.
كما تحدث بن عايشة عن بقية ملفات الفساد الأخرى التي اكتشفها ومنها ملف الشهائد العلمية المزورة والتلاعب بسن التقاعد والتلاعب بالتعويضات في حوادث القطارات..، مشيرا إلى انه ولمعاقبته عن كل ذلك ورغم انه مبلغ عن الفساد ويتمتع بالحماية والقضايا التي اثارها هي اليوم امام القضاء الا ان رم ع الشركة الوطنية للسكك الحديدية وبمباركة من وزير النقل تم عزله عن العمل في 16 سبتمبر الماضي لأسباب مضحكة وبتهم ملفقة، وفق تعبيره.
بدوره أثار الديبلوماسي السابق محمد هيثم باللطيف ملف على غاية الخطورة تعلق بفساد خطير تعلق بالبعثة الديبلوماسية التونسية بمالطا وبنشريات سرية على غاية من الخطورة لتعلقها بالأمن الخارجي للدولة التونسية ولكن هذه النشريات السرية لم يقع احترام إجراءات التعامل معها وتم مسكها في يد موظف لا علاقة له بهذه النشريات وانه عندما قام بالتبليغ عن ذلك تعرّض إلى الهرسلة والتنكيل وتلفيق التهم الكيدية حتى بلغ به الأمر تقديم استقالته نتيجة ما تعرض له خاصة وان تلك المضايقات تجاوزت شخصه الى عائلته وأثرت على حياته الخاصة ومن القضايا الخطيرة الى اثارها محمد هيثم باللطيف هو اختفاء 300 جواز سفر وعقد اجتماع مع احد الأشخاص الليبيين في مقر البعثة التونسية في مالطا متهم بمنح ثلاثة آلاف جواز لإرهابيين ليبيين.
وكل هذه الشهادات ليست الا عينة بسيطة من عينات أكبر ولشهادات أخطر لمبلغين عن الفساد وجدوا انفسهم يواجهون لوحدهم تخلي الدولة عنهم وانفراد الفاسدين وناهبي المال العام بهم وتحويل حياتهم الى كابوس من أجل فقط انهم قاموا بدورهم كمواطنين وكشفوا عن بؤر فساد في المؤسسات التي ينتمون إليها..، فمن يحمي المبلغين عن الفساد من إرهاب الفاسدين؟
منية العرفاوي
تونس – الصباح
بلّغ والقانون يحميك..، هذا الشعار الذي رفعته الدولة منذ سنوات قليلة بمناسبة صدور قانون حماية المبلغين عن الفساد وتركيز الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد..، تحوّل من شعار ثوري الى كابوس حوّل حياة عشرات المبلغين الى جحيم وهم يصارعون ناهبي المال العام الذين انفردوا بهم في الإدارات التي ينتمون إليها بعد غلق مقر هيئة مكافحة الفساد وتجميد مهامها دون أسباب واضحة وكذلك دون توضيح لمصيرها ومآل الملفات التي كانت تنظر فيها ودون متابعة كذلك للملفات التي تمت احالتها الى القضاء دون معرفة الى حد الآن نتائج هذه الاحالات الكثيرة التي تكشف بوضوح شبهات حول بؤر فساد خطيرة وفي مواقع مختلفة من أجهزة الدولة.
وقد عقدت أمس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بالاشتراك مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبمقرها، ندوة صحفية بحضور عدد كبير من المبلغين الذين أصبحوا يعيشون كابوسا حقيقيا بسبب قيامهم بعمليات تبليغ عن الفساد في مؤسساتهم..، حيث بلغ الأمر حتى بسجن بعضهم بتهم كيدية وفصل البعض الآخر عن العمل بالإضافة إلى تجميدهم إداريا وهرسلتهم ومضايقة حتى عائلاتهم..، شهادات مؤلمة ومخجلة لدولة ولسلطة تزعم مقاومتها للفساد وتبني سرديتها السياسية على هذا الأساس..، حيث تم استعراض شهادات خلال الندوة لمجموعة من المبلغين تم التنكيل بهم وتشريدهم وطردهم من العمل بمباركة مسؤولين ووزراء حاليين خاصة وأن هؤلاء المسؤولين من المتورطين في شبهات فساد ولكنهم بقوا دون محاسبة.
فساد مُقنن بنصوص قانونية..
في بداية الندوة قال الكاتب العام لرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بشير العبيدي، إن المبلغين عن الفساد آمنوا واعتقدوا في مكافحة الفساد وفتحوا ملفات لدى هيئة مكافحة الفساد ولكن ذلك لم يحميهم من المضايقات والهرسلة والإيقاف عن العمل، وأن الندوة التي دعت اليها الرابطة ونقابة الصحفيين هدفها كشف ما يتعرّض له هؤلاء المبلغين أمام الرأي العام.. كما أضاف العبيدي أن الدولة التونسية في هيكلتها لها عديد الهيئات الرقابية ولكنها تصمت على هذه التقارير ولا تتعاطى مع ما ورد فيها من معطيات خطيرة وأنه خلال الـ 11 سنة الماضية هناك ثلاثة تقارير في غاية الأهمية، وقد اعتبر العبيدي أن هذه التقارير الثلاثة هي الأهم خلال كل العشرية الماضية وهي تقرير دائرة المحاسبات الذي تعرّض إلى جرائم انتخابية وتمويلات سياسية مشبوهة، إلى جانب تقرير التفقدية العام لوزارة العدل والذي رصد فساد المنظومة القضائية وهو ما أثر بشكل مباشر على مناخ العدالة..، كما أشار البشير العبيدي الى تقرير هيئة الحقيقة والكرامة والذي قال عنه إنه رصد الفساد السابق ونجح في تفكيك منظومة الفساد وقدم مقترحات في الغرض.
وقد شدد بشير العبيدي ان مقاومة الفساد تنطلق من هذه التقارير وان الرابطة أخبرت رئيس الجمهورية بذلك وانه لا بد من حماية المبلغين عن الفساد.
وفي ذات السياق أكد رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين، لسعد الذوادي أن الفساد في تونس تحوّل الى صناعة وان بلادنا باتت تصنّع الفساد، مشدد على أن بعض أوجه الفساد اليوم مقننة بنصوص قانونية، وفي هذا الاطار ذكر مثال الفصل الخامس من قانون الوظيفة العمومية حيث قال لسعد الذوادي انه مخالف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حيث يسمح للوزير بأن يمنح الموظف العمومي حق مباشرة عمل خاص لقاء مقابل مادي، كما أشار الذوادي إلى أن قانون الصفقات الذي يسمح كذلك بالبيع بالمراكنة يقنن الفساد بنصوص ..
شهادات مؤلمة..
من خلال الشهادات التي تم تقديمها تبين بالدليل حجم الخراب الذي تعيشه مؤسسات الدولة والذي حوّل المبلغين عن الفساد الى جناة في حين تحوّل الفاسدون وناهبو المال العام إلى ضحايا..، ونتيجة كل ذلك تهم كيدية وإيقاف عن العمل وتنكيل متواصل أمام صمت مريب لكل أجهزة الدولة.
وفي هذا الاطار قدمت المبلغة عن الفساد هالة الباشطبجي وهي إطار بوزارة الشباب والرياضة والتي كشفت أنها تصدت لاخلالات إدارية ومالية قام بها رئيس جامعة رياضية وخطته الوظيفية عقيد في الجيش التونسي، ولكنها لأنها نبهت إلى حجم التجاوزات التي يقوم بها وجدت نفسها ملاحقة بقضايا خطيرة وتهم كيدية مثل اتهامها بتسريب وثائق وخيانة المؤتمن رغم أن ما اكتشفته قامت بتبليغه لهيئة مكافحة الفساد وهي تتمتع بقرار حماية ولكن ذلك لم يحمها من المثول امام المحكمة العسكرية بتهمة خطيرة وهي اتهام ضابط سام بالتخابر مع جهات أجنبية.
وقد أثارت المبلغة عن الفساد هالة الباشطبجي قضية على غاية من الخطورة وهي حجم ما تتعرض له المرأة المبلغة عن الفساد من مضايقات أمام صمت غريب من وزارة المرأة ومن المنظمات النسوية التي لم تدافع كما يجب على النساء المبلغات عن الفساد، وفق تعبيرها.
كما قدم أشرف بن عايشة وهو رئيس مداخيل اول بالشركة التونسية للسكك الحديدية شهادته حول ما اكتشفه من فساد داخل الشركة ومنها استيراد صفقة العربات من الولايات المتحدة الامريكية بقيمة 165 وعربات الفساط بقيمة 80 مليار ليتضح بعد ذلك ان هذه العربات غير صالحة للاستعمال وان الصفقة فاسدة، كما أشار إلى شبكة الخطوط الحديدية السريعة بتونس العاصمة وهو المشروع الذي تكلف في حدود مئات المليارات ولكن اليوم هذه السكة غير صالحة للاستعمال ومهددة لحياة المستعملين إن تم استغلالها.
كما تحدث بن عايشة عن بقية ملفات الفساد الأخرى التي اكتشفها ومنها ملف الشهائد العلمية المزورة والتلاعب بسن التقاعد والتلاعب بالتعويضات في حوادث القطارات..، مشيرا إلى انه ولمعاقبته عن كل ذلك ورغم انه مبلغ عن الفساد ويتمتع بالحماية والقضايا التي اثارها هي اليوم امام القضاء الا ان رم ع الشركة الوطنية للسكك الحديدية وبمباركة من وزير النقل تم عزله عن العمل في 16 سبتمبر الماضي لأسباب مضحكة وبتهم ملفقة، وفق تعبيره.
بدوره أثار الديبلوماسي السابق محمد هيثم باللطيف ملف على غاية الخطورة تعلق بفساد خطير تعلق بالبعثة الديبلوماسية التونسية بمالطا وبنشريات سرية على غاية من الخطورة لتعلقها بالأمن الخارجي للدولة التونسية ولكن هذه النشريات السرية لم يقع احترام إجراءات التعامل معها وتم مسكها في يد موظف لا علاقة له بهذه النشريات وانه عندما قام بالتبليغ عن ذلك تعرّض إلى الهرسلة والتنكيل وتلفيق التهم الكيدية حتى بلغ به الأمر تقديم استقالته نتيجة ما تعرض له خاصة وان تلك المضايقات تجاوزت شخصه الى عائلته وأثرت على حياته الخاصة ومن القضايا الخطيرة الى اثارها محمد هيثم باللطيف هو اختفاء 300 جواز سفر وعقد اجتماع مع احد الأشخاص الليبيين في مقر البعثة التونسية في مالطا متهم بمنح ثلاثة آلاف جواز لإرهابيين ليبيين.
وكل هذه الشهادات ليست الا عينة بسيطة من عينات أكبر ولشهادات أخطر لمبلغين عن الفساد وجدوا انفسهم يواجهون لوحدهم تخلي الدولة عنهم وانفراد الفاسدين وناهبي المال العام بهم وتحويل حياتهم الى كابوس من أجل فقط انهم قاموا بدورهم كمواطنين وكشفوا عن بؤر فساد في المؤسسات التي ينتمون إليها..، فمن يحمي المبلغين عن الفساد من إرهاب الفاسدين؟