لم تنجح الأطراف الحزبية والاجتماعية في التقليل من منسوب التحليق السياسي لرئيس الجمهورية قيس سعيد والذي حافظ على سقف طموحاته المعلنة منذ حملته الانتخابية سنة2019 .
وعلى عكس الجميع فقد بدا سعيد الشخصية الوحيدة المحافظة على تمشيها وتماسك منهجها رغم ما احيط به من الغام في تاكيد واضح على فردانية رؤيته للشأن العام .
فمنذ اعلان إجراءاته في شهر جويلية الماضي ورغم مرور سنة كاملة على التدخل الجراحي لسعيد لانقاذ البلاد وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي فان ذلك لم ينجح.
حيث تعطلت آلة الاقتصاد والسياسة في آن واحد بعد حديث الخبراء عن دستور ملغوم مؤسس لديكتاتورية كاملة لتتحول الإجراءات الرئاسية وما تلاها من قرارات وتمش الى قلق شامل في الداخل كما في الخارج.
يحصل كل ذلك في وقت اخذ فيه قيس سعيد يتحرك منفردا دون شركاء سياسيين او وسائط اجتماعية وخاصة بعد ان عرى الجميع امام الجميع، ليؤكد وبشدة على انه بديل لكل هؤلاء وليس شريكا لهم كما توهمت أحزاب وشخصيات وطنية على غرار الصادق بلعيد وامين محفوظ وايضا التيار الديمقراطي وحركة الشعب وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل.
وياتي دخول سعيد مربع الإجراءات الاستثنائية بعد الأداء الكارثي لطبقة سياسية بأكملها أربكت بأدائها الفعل السياسي وجيشت الشعب ضد منظومة حكم كاملة لتخلق فراغا فضيعا عمل رئيس الجمهورية على ملئه بما يتلاءم ورؤيته المستقبلية.
ميكيافيلية سعيد…
رغم ما قيل عن فشله الاتصالي والتواصلي مع الاخر فقد اثبت سعيد العكس بعد ان اقنع افرادا واحزابا دون سواهم للوقوف خلفه في انجاح رؤيته السياسية.
ويبدو واضحا ان سعيد قد استعان بالنظرية الميكيافيلية لتحقيق اهدافه حيث الغاية تبرر الوسيلة وان كل الطرق تؤدي الى الجمهورية الجديدة.
تقاطع سعيد والنظريات السياسية الواردة في كتاب الامير تكمن اساسا في تلك النصائح الاساسية لضمان اي حكم حيث يقول ميكيافيلي"إحتفظ بأكبر عدد من المنافقين الى جوارك، بل وشجع المبتدئين منهم على أن يتمرسوا على افعال النفاق والمداهنة، لأنهم بمثابة جيشك الداخلي الذي يدافع عنك أمام الشعب بإستماتة".
واضاف صاحب الكتاب " سيباهون بحكمتك حتى لو كنت أكبر الحمقى، ويدافعون عن أصلك الطيب حتى لو كنت من الوضعاء، ويضعون ألف فلسفة لأقوالك التافهة، وسيعملون بكل همة على تبرير أحكامك وسياساتك العشوائية، ويعظمون ملكك، كلما أمعنت في الظلم وبالغت في الجباية ثم ألق لهم بعض الامتيازات التافهة التي تشعرهم بتفوقهم عن باقي الشعب"..
واستطرد ميكافيلي "ولكن احذر، لا تتخذ منهم خليلاً أو مشيراً لك، ولا تأخذ منهم مشورة أبداً، لأن مشورتهم خادعة ألق لهم الفتات باحتقار ولا تعل من قدر أحدهم، اجعل لهم سقفاً لا يتخطونه، وكن على يقين أنهم سيصبحون أكبر خطر يتهددك، وسيتحولون في لحظة إلى ألد أعدائك، إذا تهاوى ملكك أو ضعف سلطانك، أو ظهر من ينافسك بقوة على العرش".
لم يفهموا الكواليس
وحيث لم تفهم الأحزاب ما يدور داخل الكواليس منذ انتخاب سعيد في 2019 فإنها تفاجأت بالتدخل الرئاسي للإطاحة بالبرلمان ومنظومة الأحزاب التي كانت سببا مباشرا في خلق الفوضى وتغيير وجهة البرلمان من مؤسسة تشريعية إلى أخرى كوميدية بعد شطحات الترذيل المتعمد للمؤسسة ودورها الرئيسي في خلق التوازنات داخل منظومة الحكم.
هكذا وضعية دفعت بسعيد للوقوف على رأس الهرم السياسي ورفض كل المحيطين به وتحويلهم إلى الهامش دون تأثير يذكر حيث صعقة الإجراءات الاستثنائية ليوم 25جويلية مازالت تعيق أي تفكير لدى جزء واسع من الطبقة السياسية.
الانتهازيون على الخط
في المقابل تحركت ماكينة الانتهازيين من أحزاب وشخصيات ومنظمات للالتحاق بمركب قيس سعيد على أمل الوصول إلى المحطة القادمة وهو ما دفعهم هم أيضا إلى الهامش دون تأثير يذكر بعد أن لمس الجميع سعيهم للاستفادة من الوضع الجديد.
وقد وعى رئيس الجمهورية قيس سعيد هذا الوضع، ليتحرك كبديل عن الجميع حيث لا شريك له في وضع التصورات ولا احد غيره قادر على صياغة الموقف العام ولعل آخرها اتهامه بصياغة منفردة للدستور.
موقف ترجمه ذهول النخب التي صعقها موقف الصادق بلعيد رئيس ما يسمى بالهيئة الوطنية الاستشارية من اجل جمهورية جديدة وكذلك التبرؤ العلني لأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ وعميد المحامين إبراهيم بودربالة.
وبات واضحا ان سعيد لا يثق في القديم، ليضع نفسه بديلا عن الكل رغم طلب الشراكة المتكررة سواء بالذهاب إلى الحوار الوطني أو فتح باب العلاقة مع الأحزاب وكان موقفه رافضا لأي تعاط مع القديم .
وإذا كانت قوة سعيد في وضوح رؤيته المخالفة أصلا للطبيعة الديمقراطية فان ضعف خصومه في تشتتهم رغم وحدة رؤيتهم والقاضية بمنع تمدد ما يعتبرونه انقلابا.
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لم تنجح الأطراف الحزبية والاجتماعية في التقليل من منسوب التحليق السياسي لرئيس الجمهورية قيس سعيد والذي حافظ على سقف طموحاته المعلنة منذ حملته الانتخابية سنة2019 .
وعلى عكس الجميع فقد بدا سعيد الشخصية الوحيدة المحافظة على تمشيها وتماسك منهجها رغم ما احيط به من الغام في تاكيد واضح على فردانية رؤيته للشأن العام .
فمنذ اعلان إجراءاته في شهر جويلية الماضي ورغم مرور سنة كاملة على التدخل الجراحي لسعيد لانقاذ البلاد وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي فان ذلك لم ينجح.
حيث تعطلت آلة الاقتصاد والسياسة في آن واحد بعد حديث الخبراء عن دستور ملغوم مؤسس لديكتاتورية كاملة لتتحول الإجراءات الرئاسية وما تلاها من قرارات وتمش الى قلق شامل في الداخل كما في الخارج.
يحصل كل ذلك في وقت اخذ فيه قيس سعيد يتحرك منفردا دون شركاء سياسيين او وسائط اجتماعية وخاصة بعد ان عرى الجميع امام الجميع، ليؤكد وبشدة على انه بديل لكل هؤلاء وليس شريكا لهم كما توهمت أحزاب وشخصيات وطنية على غرار الصادق بلعيد وامين محفوظ وايضا التيار الديمقراطي وحركة الشعب وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل.
وياتي دخول سعيد مربع الإجراءات الاستثنائية بعد الأداء الكارثي لطبقة سياسية بأكملها أربكت بأدائها الفعل السياسي وجيشت الشعب ضد منظومة حكم كاملة لتخلق فراغا فضيعا عمل رئيس الجمهورية على ملئه بما يتلاءم ورؤيته المستقبلية.
ميكيافيلية سعيد…
رغم ما قيل عن فشله الاتصالي والتواصلي مع الاخر فقد اثبت سعيد العكس بعد ان اقنع افرادا واحزابا دون سواهم للوقوف خلفه في انجاح رؤيته السياسية.
ويبدو واضحا ان سعيد قد استعان بالنظرية الميكيافيلية لتحقيق اهدافه حيث الغاية تبرر الوسيلة وان كل الطرق تؤدي الى الجمهورية الجديدة.
تقاطع سعيد والنظريات السياسية الواردة في كتاب الامير تكمن اساسا في تلك النصائح الاساسية لضمان اي حكم حيث يقول ميكيافيلي"إحتفظ بأكبر عدد من المنافقين الى جوارك، بل وشجع المبتدئين منهم على أن يتمرسوا على افعال النفاق والمداهنة، لأنهم بمثابة جيشك الداخلي الذي يدافع عنك أمام الشعب بإستماتة".
واضاف صاحب الكتاب " سيباهون بحكمتك حتى لو كنت أكبر الحمقى، ويدافعون عن أصلك الطيب حتى لو كنت من الوضعاء، ويضعون ألف فلسفة لأقوالك التافهة، وسيعملون بكل همة على تبرير أحكامك وسياساتك العشوائية، ويعظمون ملكك، كلما أمعنت في الظلم وبالغت في الجباية ثم ألق لهم بعض الامتيازات التافهة التي تشعرهم بتفوقهم عن باقي الشعب"..
واستطرد ميكافيلي "ولكن احذر، لا تتخذ منهم خليلاً أو مشيراً لك، ولا تأخذ منهم مشورة أبداً، لأن مشورتهم خادعة ألق لهم الفتات باحتقار ولا تعل من قدر أحدهم، اجعل لهم سقفاً لا يتخطونه، وكن على يقين أنهم سيصبحون أكبر خطر يتهددك، وسيتحولون في لحظة إلى ألد أعدائك، إذا تهاوى ملكك أو ضعف سلطانك، أو ظهر من ينافسك بقوة على العرش".
لم يفهموا الكواليس
وحيث لم تفهم الأحزاب ما يدور داخل الكواليس منذ انتخاب سعيد في 2019 فإنها تفاجأت بالتدخل الرئاسي للإطاحة بالبرلمان ومنظومة الأحزاب التي كانت سببا مباشرا في خلق الفوضى وتغيير وجهة البرلمان من مؤسسة تشريعية إلى أخرى كوميدية بعد شطحات الترذيل المتعمد للمؤسسة ودورها الرئيسي في خلق التوازنات داخل منظومة الحكم.
هكذا وضعية دفعت بسعيد للوقوف على رأس الهرم السياسي ورفض كل المحيطين به وتحويلهم إلى الهامش دون تأثير يذكر حيث صعقة الإجراءات الاستثنائية ليوم 25جويلية مازالت تعيق أي تفكير لدى جزء واسع من الطبقة السياسية.
الانتهازيون على الخط
في المقابل تحركت ماكينة الانتهازيين من أحزاب وشخصيات ومنظمات للالتحاق بمركب قيس سعيد على أمل الوصول إلى المحطة القادمة وهو ما دفعهم هم أيضا إلى الهامش دون تأثير يذكر بعد أن لمس الجميع سعيهم للاستفادة من الوضع الجديد.
وقد وعى رئيس الجمهورية قيس سعيد هذا الوضع، ليتحرك كبديل عن الجميع حيث لا شريك له في وضع التصورات ولا احد غيره قادر على صياغة الموقف العام ولعل آخرها اتهامه بصياغة منفردة للدستور.
موقف ترجمه ذهول النخب التي صعقها موقف الصادق بلعيد رئيس ما يسمى بالهيئة الوطنية الاستشارية من اجل جمهورية جديدة وكذلك التبرؤ العلني لأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ وعميد المحامين إبراهيم بودربالة.
وبات واضحا ان سعيد لا يثق في القديم، ليضع نفسه بديلا عن الكل رغم طلب الشراكة المتكررة سواء بالذهاب إلى الحوار الوطني أو فتح باب العلاقة مع الأحزاب وكان موقفه رافضا لأي تعاط مع القديم .
وإذا كانت قوة سعيد في وضوح رؤيته المخالفة أصلا للطبيعة الديمقراطية فان ضعف خصومه في تشتتهم رغم وحدة رؤيتهم والقاضية بمنع تمدد ما يعتبرونه انقلابا.