التزاما بالآجال القانونية المنصوص عليها في الفصل الأول من المرسوم عدد 32 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بأحكام استثنائية لاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 وهي 30 جوان كأجل أقصى، تم مساء أول أمس إصدار أمر رئاسي يتعلّق بنشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين 25 جويلية 2022، في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
فمن حيث الشكل، وعلى غرار النصوص الصادرة منذ 25 جويلية 2021 تضمن هذا الأمر الرئاسي، وهو الأمر عدد 578 لسنة 2022 مؤرّخ في 30 جوان 2022 فقرة مخصصة للإطلاعات، ونجد في مقدمة هذه الإطلاعات الدستور، ويليه الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية، ثم المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19 ماي 2022 المتعلق بإحداث "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، فالمرسوم عدد 32 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بأحكام استثنائية لاستفتاء يوم 25 جويلية 2022، وخاصة الفصل الأول منه، ثم الأمر الرئاسي عدد 506 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء في مشروع دستور جديد للجمهورية التونسية يوم الاثنين 25 جويلية 2022، وأخيرا مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية.
ونص الأمر الرئاسي المذكور على فصلين، نص الفصل الأول على أن ينشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين 25 جويلية 2022 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ونص الفصل الثاني على أن ينشر هذا الأمر الرئاسي بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مع ذكر لمكان وتاريخ النشر واسم قيس سعيد وصفته.
عدد أبواب الدستور؟؟
تضمن نص مشروع الدستور المنتظر عرضه على استفتاء 25 جويلية، بسملة وتوطئة و142 فصلا.. وتوزعت هذه الفصول وفق ما نص عليه المشروع على عشرة أبواب، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الباب الرابع تكرر مرتين، وهو ما يعني أن العدد الحقيقي لأبواب الدستور 11 بابا وليس 10.. وجاء الباب الأول تحت عنوان أحكام عامة وتضمن الفصول من 1 إلى 21، أما الباب الثاني فهو باب الحقوق والحريات وتضمن الفصول من 22 إلى 55، وتمت عنونة الباب الثالث بالوظيفة التشريعية وتضمن الفصول من 56 إلى 86 وينقسم هذا الباب إلى قسمين قسم أول تحت عنوان مجلس نواب الشعب وقسم ثان تحت عنوان المجلس الوطني للجهات والأقاليم. أما الباب الرابع فقد تم تكراره مرتين إذ نجد في مشروع الدستور بابا رابعا مخصصا للوظيفة التنفيذية وتضمن الفصول من 87 إلى 116 وهي تتوزع على قسمين، قسم أول عنوانه رئيس الجمهورية وقسم ثان عنوانه الحكومة، ونجد فيه بابا رابع مخصصا للوظيفة القضائية وتضمن الفصول من 117 إلى 124.
وبالنسبة إلى الباب الخامس فهو مخصص للمحكمة الدستورية وتضمن الفصول من 125 إلى 132. في حين خصص الباب السادس للجماعات المحلية والجهوية وورد في فصل وحيد وهو الفصل 133 ونفس الشيء بالنسبة إلى الباب السابع المخصص للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فقد ورد في فصل وحيد وهو الفصل 134، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الباب الثامن المخصص للمجلس الأعلى للتربية والتعليم فقد جاء في فصل وحيد وهو الفصل 135. وخصص الباب التاسع للأحكام المتعلقة بتنقيح الدستور وورد هذا الباب في الفصول من 136 إلى 138، وجاء الباب العاشر تحت عنوان الأحكام الانتقالية وتضمن الفصول من 139 إلى 142.
ومقارنة بدستور 27 جانفي 2014 الذي تضمن توطئة و149 فصلا تتوزع على عشرة أبواب وهي المبادئ العامة والحقوق والحريات والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والهيئات الدستورية المستقلة والسلطة المحلية وتعديل الدستور والأحكام الختامية والأحكام الانتقالية، يمكن الإشارة إلى وجود تغييرات جوهرية على مستوى المصطلحات المستعملة، ومن أهمها تغيير مصطلح السلطة الوارد في الأبواب المخصصة للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية بمصطلح الوظيفة، إضافة إلى عدم التوازن بين الأبواب فهناك أبواب تضمنت أكثر من 30 فصلا وأخرى اقتصرت على فصل يتيم.
توطئة طريفة
أما على مستوى المضمون فيمكن الإشارة إلى أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء تضمن توطئة طريفة تجلت فيها بصمة رئيس الجمهورية قيس سعيد بوضوح، وليس هذا فقط فعند قراءتها يقفز إلى الذهن صوت الرئيس وكأن تلك التوطئة كتبت لتقرأ بصوته هو دون سواه، كما تجرأ المشروع على الفصلين الأول والثاني من دستور 2014 وعدلهما، بعد أن كانا محصنين بعبارة "لا يجوز تعديل هذا الفصل"، وتعلق التعديل بدين الدولة ومدنية الدولة وهو ما أثار جدلا سياسيا فلسفيا قانونيا إيديولوجيا حقوقيا ساخنا. وحافظ مشروع الدستور الجديد على جل الحقوق والحريات التي كرسها دستور 2014 وطور بعضها خاصة في علاقة بحقوق الطفل والمسنين لكنه في المقابل ألغى حق الإضراب بالنسبة إلى القضاة وهو ما زاد في حدة الخلافات الموجودة بين رئيس الجمهورية والقضاة.
وأدخل مشروع الدستور تغييرات جوهرية على النظام السياسي، إذ تم الانتقال من نظام شبه ـ شبه لا هو رئاسي ولا هو برلماني ولا هو مختلط ولا هو معدل أو كما يصفه بعض المختصين في القانون بالهجين إلى نظام جديد يحتل فيه رئيس الجمهورية المكانة الأبرز والأكثر إشعاعا في الدولة مقارنة بالحكومة ومجلس نواب الشعب، نظام حول السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى وظائف، وألغى بصفة تكاد تكون كلية الهيئات الدستورية المستقلة وأعاد ترتيب بيت السلطة المحلية بعد أن نزع عنها هي الأخرى شعار السلطة.
"آخر الدواء.. الكي"
لئن عالج مشروع الدستور إشكاليات كانت موجودة في دستور 2014، فإنه قفز على إشكاليات أخرى بل قام بشطبها تماما وتخلص منها نهائيا مرددا المثل الشعبي القائل آخر الدواء الكي، فاعتمادا على دراسة أعدتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية حول إشكاليات أفرزتها ممارسة دستور 2014 يمكن الإشارة إلى أنه من بين هذه الإشكاليات نجد حالة الاستثناء والتحوير الوزاري والمحاكم العسكرية والمحكمة الدستورية والهيئات الدستورية المستقلة وقيادة رئيس الجمهورية للقوات المسلحة والاحتفاظ والإيقاف التحفظي.
ففي ما يتعلق بحالة الاستثناء الواردة في الفصل 80 من دستور 2014 هذا الفصل الذي سهر جراءه شراح القانون واختصم بسببه السياسيون طويلا خاصة بعد 25 جويلية 2021 فقد ورد في مشروع الدستور الجديد في الفصل 96 ونص على أن رئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشـــعب ورئيس المجــلس الوطني للجهات والأقاليم. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهوريّة حل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضّد الحكومة. وتزول هذه التدابير بزوال أسبابها ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
أما بالنسبة إلى مسألة التحوير الوزاري وكيفية عرضه على البرلمان ومسألة أداء اليمين من طرف أعضاء الحكومة الجدد والموجود في الفصل 89 من دستور 2014 وما أثاره هذا الفصل من تأويلات وخلافات بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة السابق هشام مشيشي فقد تم حلها في مشروع الدستور بجرة قلم، إذ نص المشروع في الفصل 101على أن يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة، ويعين بقية أعضاء الحكومة بإقتراح من رئيسها وفي الفصل 102 على أن رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من رئيس الحكومة.
وفي علاقة بالإشكال الذي كان مطروحا في الفصل 110 من دستور 2014 والمتعلق بالمحاكم العسكرية فقد تم شطبه في مشروع الدستور، إذ لا نجد فيه أثرا للفصل 110 الذي نص على أن المحاكم العسكرية محاكم متخصصة في الجرائم العسكرية لكن رغم ذلك تواصلت محاكمات المدنيين أمام هذه المحاكم ولم تتوقف.
ومن بين الإشكاليات الأخرى الموجودة في دستور 2014 ما تضمنه الفصل 29 المتعلق بالاحتفاظ والإيقاف التحفظي، فهو فصل يفتح الباب لاستعمال الإقامة الجبرية استنادا إلى أمر 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، وجاء مشروع الدستور ليقفز على هذا المشكل حيث حافظ على نفس المضمون القابل للتأويل إذ نقرأ في الفصل 35 من هذا المشروع أنه لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محـــاميا. وتحدّد مدّة الإيقـاف والاحتفاظ بقانون.
نسف الهيئات المستقلة
وللتخلص من الإشكاليات التي حالت دون تنزيله على أرض الواقع، نسف مشروع الدستور المعروض على استفتاء 25 جويلية باب الهيئات الدستورية المستقلة الموجود في دستور 2014 بصفة تكاد تكون كلية وقد نص هذا الباب على أن هذه الهيئات تعمل على دعم الديمقراطية وتتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية، وتُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية معززة. ويبلغ عددها خمس هيئات وهي هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وحقوق والأجيال القادمة ولكن مشروع الدستور أبقى على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووأد بقية الهيئات قبل أن تولد، وحتى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الانتخابات فهي تتمتع بالسّلطة الترتيبية في مجال اختصاصها بعد أن كانت تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية.
المحكمة الدستورية
وفي المقابل جاء مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لييسر تركيز المحكمة الدستورية، فبعد أن كان تعيين أعضائها مشتتا بين البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية وبعد أن كانت اختصاصات أعضاء المحكمة تتوزع بين المختصين في القانون وغير المختصين في القانون، نص المشروع في الفصل 125 على أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأوّل من أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
وفي علاقة بالحكمة الدستورية تجدر الإشارة أيضا إلى أن الفصل 109 من مشروع الدستور نص على أنه عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو استقالة أو لعجز تام أو لأي سبب من الأسباب يتولى فورا رئيس المحكمة الدستورية مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما. وكانت الشغور في دستور 2014 منظمة بالفصل 84 الذي نص على حالة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية لأسباب تحول دون تفويض سلطاته تجتمع المحكمة الدستورية فورا وتقرر الشغور الوقتي ويحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي ستين يوما، ولكن في حالة الشغور النهائي فإن رئيس مجلس نواب الشعب هو الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما وهو ما حصل سنة 2019 تبعا لوفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حيث تولى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة ولكن بالنظر إلى عدم تركيز محكمة دستورية فإن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين هي التي أقرت الشغور النهائي.
مجلس أعلى للتربية والتعليم
لئن ألغى مشروع الدستور أربع هيئات دستورية مستقلة فإنه نص على هيئة دستورية جديدة وهي المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وهو من بين النقاط التي تحدث عنها الرئيس سعيد في أكثر من مناسبة، وقبل ذلك كانت فكرة دسترة هذا المجلس قد وجدت في مسودات الدستور التي صاغتها لجان المجلس الوطني التأسيسي وكان مقترح دسترة مجلس أعلى للتربية والتعليم محل تجاذبات سياسية وإيديولوجية، إذ كان هناك خوف على التربية والتعليم من التيار الإسلامي المتشدد الذي علا صوته سنوات 2012 و2013 و2014 والذي استغل المنابر الدينية وقضية الدين والشريعة ليحكم قبضته على الناشئة وليغير النموذج المجتمعي وقد عبرت عنه مقولة " حاجتنا بأولادهم"، ولهذا السبب تم الدفع نحو التخلي عن دسترة هذا المجلس، ولكن ظل مطلب تركيزه قائما لدى حركة النهضة والمتعاطفين معها بمناسبة النقاشات التي دارت حول الإصلاح التربوي في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول.
أين السلطة المحلية؟
وفي ما يتعلق بالسلطة المحلية التي حظيت بمكانة هامة في دستور 2014 حيث تم تخصيص باب كامل لها وهو الباب السابع وتقوم هذه السلطة على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية، فإننا لا نجد في مشروع الدستور الجديد وصف الجماعات المحلية بالسلطة، ولكن في المقابل نجد في باب الوظيفة التشريعية، إلى جانب مجلس نواب الشعب، مجلسا وطنيا للجهات والأقاليم وهو يتكون من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم وينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتهم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهوية في كل إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثل هذا الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ونص نفس المشروع على العرض الوجوبي للمشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية على هذا المجلس وليس هذا فحسب بل لا يمكن المصادقة على قانون الماليّة ومخططات التنمية إلا بالأغلبية المطلقة لكل من هذا المجلس ومجلس نواب الشعب، وأوكلت للمجلس الوطني للجهات والأقاليم صلاحيات رقابية ومساءلة.
وتضمن مشروع الدستور الجديد أحكاما تتعلق بتعديل الدستور وبموجبها يحق لرئيس الجمهوّرية أو لثلث أعضاء مجلس نوّاب الشعب على الأقل المطالبة بتنقيح الدّستور ما لم يمــسّ ذلك بالنظّام الجمهوري للدولة أو بعـــدد الدّورات الرّئاســيـة ومددها بالزيادة، كما تضمن أحكاما انتقالية نص أبرزها على دخول الدستور، دستور 25 جويلية 2022 حيز النفاذ مباشرة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للاستفتاء.
سعيدة بوهلال
تونس- الصباح
التزاما بالآجال القانونية المنصوص عليها في الفصل الأول من المرسوم عدد 32 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بأحكام استثنائية لاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 وهي 30 جوان كأجل أقصى، تم مساء أول أمس إصدار أمر رئاسي يتعلّق بنشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين 25 جويلية 2022، في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
فمن حيث الشكل، وعلى غرار النصوص الصادرة منذ 25 جويلية 2021 تضمن هذا الأمر الرئاسي، وهو الأمر عدد 578 لسنة 2022 مؤرّخ في 30 جوان 2022 فقرة مخصصة للإطلاعات، ونجد في مقدمة هذه الإطلاعات الدستور، ويليه الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية، ثم المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19 ماي 2022 المتعلق بإحداث "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، فالمرسوم عدد 32 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بأحكام استثنائية لاستفتاء يوم 25 جويلية 2022، وخاصة الفصل الأول منه، ثم الأمر الرئاسي عدد 506 لسنة 2022 المؤرخ في 25 ماي 2022 المتعلق بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء في مشروع دستور جديد للجمهورية التونسية يوم الاثنين 25 جويلية 2022، وأخيرا مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية.
ونص الأمر الرئاسي المذكور على فصلين، نص الفصل الأول على أن ينشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين 25 جويلية 2022 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ونص الفصل الثاني على أن ينشر هذا الأمر الرئاسي بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية مع ذكر لمكان وتاريخ النشر واسم قيس سعيد وصفته.
عدد أبواب الدستور؟؟
تضمن نص مشروع الدستور المنتظر عرضه على استفتاء 25 جويلية، بسملة وتوطئة و142 فصلا.. وتوزعت هذه الفصول وفق ما نص عليه المشروع على عشرة أبواب، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الباب الرابع تكرر مرتين، وهو ما يعني أن العدد الحقيقي لأبواب الدستور 11 بابا وليس 10.. وجاء الباب الأول تحت عنوان أحكام عامة وتضمن الفصول من 1 إلى 21، أما الباب الثاني فهو باب الحقوق والحريات وتضمن الفصول من 22 إلى 55، وتمت عنونة الباب الثالث بالوظيفة التشريعية وتضمن الفصول من 56 إلى 86 وينقسم هذا الباب إلى قسمين قسم أول تحت عنوان مجلس نواب الشعب وقسم ثان تحت عنوان المجلس الوطني للجهات والأقاليم. أما الباب الرابع فقد تم تكراره مرتين إذ نجد في مشروع الدستور بابا رابعا مخصصا للوظيفة التنفيذية وتضمن الفصول من 87 إلى 116 وهي تتوزع على قسمين، قسم أول عنوانه رئيس الجمهورية وقسم ثان عنوانه الحكومة، ونجد فيه بابا رابع مخصصا للوظيفة القضائية وتضمن الفصول من 117 إلى 124.
وبالنسبة إلى الباب الخامس فهو مخصص للمحكمة الدستورية وتضمن الفصول من 125 إلى 132. في حين خصص الباب السادس للجماعات المحلية والجهوية وورد في فصل وحيد وهو الفصل 133 ونفس الشيء بالنسبة إلى الباب السابع المخصص للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فقد ورد في فصل وحيد وهو الفصل 134، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الباب الثامن المخصص للمجلس الأعلى للتربية والتعليم فقد جاء في فصل وحيد وهو الفصل 135. وخصص الباب التاسع للأحكام المتعلقة بتنقيح الدستور وورد هذا الباب في الفصول من 136 إلى 138، وجاء الباب العاشر تحت عنوان الأحكام الانتقالية وتضمن الفصول من 139 إلى 142.
ومقارنة بدستور 27 جانفي 2014 الذي تضمن توطئة و149 فصلا تتوزع على عشرة أبواب وهي المبادئ العامة والحقوق والحريات والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والهيئات الدستورية المستقلة والسلطة المحلية وتعديل الدستور والأحكام الختامية والأحكام الانتقالية، يمكن الإشارة إلى وجود تغييرات جوهرية على مستوى المصطلحات المستعملة، ومن أهمها تغيير مصطلح السلطة الوارد في الأبواب المخصصة للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية بمصطلح الوظيفة، إضافة إلى عدم التوازن بين الأبواب فهناك أبواب تضمنت أكثر من 30 فصلا وأخرى اقتصرت على فصل يتيم.
توطئة طريفة
أما على مستوى المضمون فيمكن الإشارة إلى أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء تضمن توطئة طريفة تجلت فيها بصمة رئيس الجمهورية قيس سعيد بوضوح، وليس هذا فقط فعند قراءتها يقفز إلى الذهن صوت الرئيس وكأن تلك التوطئة كتبت لتقرأ بصوته هو دون سواه، كما تجرأ المشروع على الفصلين الأول والثاني من دستور 2014 وعدلهما، بعد أن كانا محصنين بعبارة "لا يجوز تعديل هذا الفصل"، وتعلق التعديل بدين الدولة ومدنية الدولة وهو ما أثار جدلا سياسيا فلسفيا قانونيا إيديولوجيا حقوقيا ساخنا. وحافظ مشروع الدستور الجديد على جل الحقوق والحريات التي كرسها دستور 2014 وطور بعضها خاصة في علاقة بحقوق الطفل والمسنين لكنه في المقابل ألغى حق الإضراب بالنسبة إلى القضاة وهو ما زاد في حدة الخلافات الموجودة بين رئيس الجمهورية والقضاة.
وأدخل مشروع الدستور تغييرات جوهرية على النظام السياسي، إذ تم الانتقال من نظام شبه ـ شبه لا هو رئاسي ولا هو برلماني ولا هو مختلط ولا هو معدل أو كما يصفه بعض المختصين في القانون بالهجين إلى نظام جديد يحتل فيه رئيس الجمهورية المكانة الأبرز والأكثر إشعاعا في الدولة مقارنة بالحكومة ومجلس نواب الشعب، نظام حول السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى وظائف، وألغى بصفة تكاد تكون كلية الهيئات الدستورية المستقلة وأعاد ترتيب بيت السلطة المحلية بعد أن نزع عنها هي الأخرى شعار السلطة.
"آخر الدواء.. الكي"
لئن عالج مشروع الدستور إشكاليات كانت موجودة في دستور 2014، فإنه قفز على إشكاليات أخرى بل قام بشطبها تماما وتخلص منها نهائيا مرددا المثل الشعبي القائل آخر الدواء الكي، فاعتمادا على دراسة أعدتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية حول إشكاليات أفرزتها ممارسة دستور 2014 يمكن الإشارة إلى أنه من بين هذه الإشكاليات نجد حالة الاستثناء والتحوير الوزاري والمحاكم العسكرية والمحكمة الدستورية والهيئات الدستورية المستقلة وقيادة رئيس الجمهورية للقوات المسلحة والاحتفاظ والإيقاف التحفظي.
ففي ما يتعلق بحالة الاستثناء الواردة في الفصل 80 من دستور 2014 هذا الفصل الذي سهر جراءه شراح القانون واختصم بسببه السياسيون طويلا خاصة بعد 25 جويلية 2021 فقد ورد في مشروع الدستور الجديد في الفصل 96 ونص على أن رئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشـــعب ورئيس المجــلس الوطني للجهات والأقاليم. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهوريّة حل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضّد الحكومة. وتزول هذه التدابير بزوال أسبابها ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
أما بالنسبة إلى مسألة التحوير الوزاري وكيفية عرضه على البرلمان ومسألة أداء اليمين من طرف أعضاء الحكومة الجدد والموجود في الفصل 89 من دستور 2014 وما أثاره هذا الفصل من تأويلات وخلافات بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة السابق هشام مشيشي فقد تم حلها في مشروع الدستور بجرة قلم، إذ نص المشروع في الفصل 101على أن يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة، ويعين بقية أعضاء الحكومة بإقتراح من رئيسها وفي الفصل 102 على أن رئيس الجمهورية ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من رئيس الحكومة.
وفي علاقة بالإشكال الذي كان مطروحا في الفصل 110 من دستور 2014 والمتعلق بالمحاكم العسكرية فقد تم شطبه في مشروع الدستور، إذ لا نجد فيه أثرا للفصل 110 الذي نص على أن المحاكم العسكرية محاكم متخصصة في الجرائم العسكرية لكن رغم ذلك تواصلت محاكمات المدنيين أمام هذه المحاكم ولم تتوقف.
ومن بين الإشكاليات الأخرى الموجودة في دستور 2014 ما تضمنه الفصل 29 المتعلق بالاحتفاظ والإيقاف التحفظي، فهو فصل يفتح الباب لاستعمال الإقامة الجبرية استنادا إلى أمر 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، وجاء مشروع الدستور ليقفز على هذا المشكل حيث حافظ على نفس المضمون القابل للتأويل إذ نقرأ في الفصل 35 من هذا المشروع أنه لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محـــاميا. وتحدّد مدّة الإيقـاف والاحتفاظ بقانون.
نسف الهيئات المستقلة
وللتخلص من الإشكاليات التي حالت دون تنزيله على أرض الواقع، نسف مشروع الدستور المعروض على استفتاء 25 جويلية باب الهيئات الدستورية المستقلة الموجود في دستور 2014 بصفة تكاد تكون كلية وقد نص هذا الباب على أن هذه الهيئات تعمل على دعم الديمقراطية وتتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية، وتُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بأغلبية معززة. ويبلغ عددها خمس هيئات وهي هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وحقوق والأجيال القادمة ولكن مشروع الدستور أبقى على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووأد بقية الهيئات قبل أن تولد، وحتى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الانتخابات فهي تتمتع بالسّلطة الترتيبية في مجال اختصاصها بعد أن كانت تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية.
المحكمة الدستورية
وفي المقابل جاء مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء لييسر تركيز المحكمة الدستورية، فبعد أن كان تعيين أعضائها مشتتا بين البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية وبعد أن كانت اختصاصات أعضاء المحكمة تتوزع بين المختصين في القانون وغير المختصين في القانون، نص المشروع في الفصل 125 على أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأوّل من أقدم رؤساء الدّوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكـمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
وفي علاقة بالحكمة الدستورية تجدر الإشارة أيضا إلى أن الفصل 109 من مشروع الدستور نص على أنه عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو استقالة أو لعجز تام أو لأي سبب من الأسباب يتولى فورا رئيس المحكمة الدستورية مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما. وكانت الشغور في دستور 2014 منظمة بالفصل 84 الذي نص على حالة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية لأسباب تحول دون تفويض سلطاته تجتمع المحكمة الدستورية فورا وتقرر الشغور الوقتي ويحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي ستين يوما، ولكن في حالة الشغور النهائي فإن رئيس مجلس نواب الشعب هو الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما وهو ما حصل سنة 2019 تبعا لوفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حيث تولى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة ولكن بالنظر إلى عدم تركيز محكمة دستورية فإن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين هي التي أقرت الشغور النهائي.
مجلس أعلى للتربية والتعليم
لئن ألغى مشروع الدستور أربع هيئات دستورية مستقلة فإنه نص على هيئة دستورية جديدة وهي المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وهو من بين النقاط التي تحدث عنها الرئيس سعيد في أكثر من مناسبة، وقبل ذلك كانت فكرة دسترة هذا المجلس قد وجدت في مسودات الدستور التي صاغتها لجان المجلس الوطني التأسيسي وكان مقترح دسترة مجلس أعلى للتربية والتعليم محل تجاذبات سياسية وإيديولوجية، إذ كان هناك خوف على التربية والتعليم من التيار الإسلامي المتشدد الذي علا صوته سنوات 2012 و2013 و2014 والذي استغل المنابر الدينية وقضية الدين والشريعة ليحكم قبضته على الناشئة وليغير النموذج المجتمعي وقد عبرت عنه مقولة " حاجتنا بأولادهم"، ولهذا السبب تم الدفع نحو التخلي عن دسترة هذا المجلس، ولكن ظل مطلب تركيزه قائما لدى حركة النهضة والمتعاطفين معها بمناسبة النقاشات التي دارت حول الإصلاح التربوي في عهد وزير التربية السابق ناجي جلول.
أين السلطة المحلية؟
وفي ما يتعلق بالسلطة المحلية التي حظيت بمكانة هامة في دستور 2014 حيث تم تخصيص باب كامل لها وهو الباب السابع وتقوم هذه السلطة على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية، فإننا لا نجد في مشروع الدستور الجديد وصف الجماعات المحلية بالسلطة، ولكن في المقابل نجد في باب الوظيفة التشريعية، إلى جانب مجلس نواب الشعب، مجلسا وطنيا للجهات والأقاليم وهو يتكون من نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم وينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتهم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم. وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهوية في كل إقليم نائبا واحدا من بينهم يمثل هذا الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ونص نفس المشروع على العرض الوجوبي للمشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية على هذا المجلس وليس هذا فحسب بل لا يمكن المصادقة على قانون الماليّة ومخططات التنمية إلا بالأغلبية المطلقة لكل من هذا المجلس ومجلس نواب الشعب، وأوكلت للمجلس الوطني للجهات والأقاليم صلاحيات رقابية ومساءلة.
وتضمن مشروع الدستور الجديد أحكاما تتعلق بتعديل الدستور وبموجبها يحق لرئيس الجمهوّرية أو لثلث أعضاء مجلس نوّاب الشعب على الأقل المطالبة بتنقيح الدّستور ما لم يمــسّ ذلك بالنظّام الجمهوري للدولة أو بعـــدد الدّورات الرّئاســيـة ومددها بالزيادة، كما تضمن أحكاما انتقالية نص أبرزها على دخول الدستور، دستور 25 جويلية 2022 حيز النفاذ مباشرة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للاستفتاء.