احتلت تأثيرات صناعة السيارات الكهربائية أهمية كبيرة وجاذبية في الوقت الذي يشكل فيه الحد من التلوث وانبعاثات الكربون مصدر قلق عالمي واسع، وخصوصاً أن الأبحاث أظهرت أن السيارات الكهربائية أفضل للبيئة لأنها أقل تلوثاً للهواء من حيث الغازات وبالتالي تحسين نوعية الهواء، ما يترك المجال واسعاً للتساؤل حول كيفية تأثير السيارات الكهربائية على المناخ؟ وهل يؤدي انتشارها إلى تراجع انبعاثات الكربون؟
بدأت صناعة السيارات الكهربائية عام 1884 على يد المخترع توماس باركر، وفي عام 1912 كان 38 بالمئة من السيارات في الولايات المتحدة تعمل على الكهرباء ثم اندثرت هذه الصناعة نهائياً عام 1938 بسبب قصر المسافة وانعدام محطات الشحن، في حين أُنتجت في العصر الحديث أول سيارة كهربائية عام 1997 من شركة تويوتا ليظهر بعدها أول إنتاج كهربائي مميز من شركة تسلا في الألفية الجديدة وفقاً للاستشاري في قطاع السيارات، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل.
ويقول عقل في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "إن نحو 65 بالمئة من إنتاج النفط العالمي اليومي يذهب الى وقود وسائل النقل، ويجوب العالم 1.3 مليار سيارة تخرج منها انبعاثات كربونية عالية جداً تشكل ثلث انبعاثات الكربون في الكوكب، ما يعني أن زيادة انتشار السيارات الكهربائية تؤدي إلى تراجع انبعاثات الكربون، ذلك أنه من فوائد السيارات الكهربائية أنها تقلل الانبعاثات الكربونية وتوفر في فاتورة الطاقة".
كم سيارة كهربائية نحتاج لبدء تراجع الانبعاثات؟
وحتى يبدأ التراجع في انبعاثات الكربون من السيارات التقليدية نحتاج إلى 700 مليون سيارة تجوب شوارع العالم لكي يتأثر الطلب على البنزين والديزل ويتأثر الطلب على النفط، علماً أنه يوجد حالياً في العالم نحو 28 مليون سيارة كهربائية، بحسب عقل الذي أكد أن الطلب على السيارات الكهربائية ينمو بتسارع ما أجبر شركات السيارات التقليدية على استثمار 530 مليار دولار لتطوير صناعة السيارات الكهربائية لأن العديد من الدول خاصة في أوروبا وضعت سقفاً زمنياً وهو عام 2030 للتخلص من السيارات التقليدية.
ويوضح عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية أن السيارات الكهربائية تواجه مشكلة عدم انتشار الكهرباء في معظم دول أفريقيا وبعض الدول الآسيوية إلى جانب اعتماد بعض الدول على ضريبة البنزين في موارد الخزينة، مشيراً إلى أن نسبة السيارات الكهربائية ستكون مقارنة بالسيارات العاملة البنزين تمثل 5 بالمئة في عام 2020 لكنها ستكون في عام 2030 بنحو 40 بالمئة وفي عام 2050 بنحو 95 بالمئة.
مقومات تجعل السيارات الكهربائية صديقة للبيئة
ومن مصر يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق الدكتور عبد الله الشناوي إلى أن إنتاج السيارات الكهربائية يأخذ العالم بعيداً عن مصادر الوقود الأحفوري ويتجه بالعالم نحو مصادر طاقة متجددة وأنظف، لكن ذلك يحتاج إلى وقت لتحديد التأثير الفعلي لإنتاج السيارات الكهربائية على البيئة، لكن في العموم تتصف السيارات الكهربائية بمقومات يمكن أن تجعلها صناعة صديقة للبيئة مقارنة بالسيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي وتشمل ما يلي:
تباطؤ تغير المناخ
حيث إن زيادة حدة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعد الثورة الصناعية أدت إلى زيادة كمية الكربون وبالتالي فإن الحد من هذه الانبعاثات قد يبطئ أو حتى يوقف التغيرات المناخية، ورغم الفوائد المباشرة لتخفيض الانبعاثات إلا أنه لن يحدث بين بين عشية وضحاها.
الحد من تلوث الهواء المحلي
بغض النظر عن عمليات التصنيع، فإن المركبات الكهربائية تقلل من تلوث الهواء. وفي حين أنها ربما لم يكن لها تأثير كبير في هذا الصدد حتى الآن لأن أعدادها لا تزال منخفضة، فلا شك أن قيادة مركبة بدون انبعاثات من العوادم تساعد على تحسين جودة الهواء المحلي.
استخدام سوائل أقل ضرراً
حيث أن السيارات الكهربائية لا تستخدم سوائل تحتوي على معادن ثقيلة يمكن أن تسبب ضرراً للبيئة مثل السيارات العادية والتي تحتوي على مواد كيميائية سامة تضر الناس والحياة البرية، والتي تفسد محطات معالجة المياه والصرف الصحي في التخلص من الزيوت فيها.
مخاطر بيئية أقل
حيث إنه لا يتم الاعتماد على الوقود الاحفوري في صناعة السيارات الكهربائية الأمر الذي يقلل بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بها واحتمالات الإصابة وتأثر صحة البشر مقارنة بالاعتماد على النفط والغاز الطبيعي وما يترتب عليه من مخاطر بيئية.
تحقق قدر منخفض من النفايات من خلال إعادة التدوير
لا يعتبر إنتاج السيارات الكهربائية أنظف ما يكون بالنسبة للبيئة نظراً لاعتماد صناعة البطاريات لها على مواد ملوثة، ولكن في المستقبل سيؤدي إعادة استخدام البطاريات الكهربائية وإعادة تدويرها إلى تقليل العوامل البيئية المساهمة في إنتاج السيارات الكهربائية.
تتطلب السيارة الكهربائية طاقة أكبر وتميل الانبعاثات الناجمة عن عملية الإنتاج إلى أن تكون أعلى بكثير عما يترتب على إنتاج السيارة العادية، حيث تأتي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لهذه السيارة من الطاقة المستخدمة في صنع السيارة ذاتها ويترتب على شحنها من التيار الكهربائي إنتاج غازات وعوادم أعلى من السيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي ما يؤدي إلى خسائر الطاقة وخاصة في المناطق الريفية لبعد المسافات من مصدر الطاقة إلى التحميل مما يعني تعاظم انبعاثات ضارة بالبيئة، طبقاً لما قاله الشناوي.
وينوه الدكتور الشناوي إلى مزايا وسلبيات السيارات الكهربائية وفقاً لما يلي:
بالنسبة للمزايا تتمثل في:
الانخفاض الكبير في غازات الاحتباس الحراري لأن البطاريات الخاصة بها لا تصدر ثاني أكسيد الكربون، حيث توفر 1.5 مليون غرام منه سنوياً.
انخفاض التلوث الضوضائي حيث يساهم محركها في تقليل الضجيج والذي يحسن البيئة وخاصة في المدن.
انخفاض انبعاثات الغاز بعد عملية انتاج السيارة مقارنو بالسيارة العادية، ولكن يعني أنها ذات انبعاثات صفرية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقديرات هيئة الطاقة الدولية تشير إلى أن انبعاثات الكهرباء في المتوسط أقل بمعدل مرتين من انبعاثات محركات الاحتراق الداخلي للسيارات العادية، وهذا ليس كافيا لتحقيق الأهداف المناخية حيث ستلعب السيارة الكهربائية دوراً كبيراً في إزالة الكربون من وسائل النقل في المستقبل.
أما عن سلبيات السيارات الكهربائية فتتمثل في:
تستخدم طاقة أكبر في عملية الإنتاج مقارنة مع السيارة العادية.
يترتب على إنتاج بطارياتها زيادة انبعاث غازات الاحتباس الحراري، لأن الدول التي تمتلك قاعدة صناعية لها تعتمد على الوقود الاحفوري بدرجة كبيرة مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان.
اعتماد صناعة بطارياتها على دول لاتزال تستخدم الكربون بشكل كبير ما تؤثر على البيئة سلباً، حيث تتطلب صناعة البطاريات الخاصة بها استخدام معادن مثل النيكل والكوبالت والليثيوم وهي تتطلب تكاليف كبيرة لاستخراجها ومعالجتها وتكريرها ونقلها ما يترب عليه تلوث وتدهور بيئي وتزيد نسبة الانبعاث للغازات الضارة بالمناخ، رغم أنه من المتوقع في العقود المقبلة انخفاض كثافة الكربون بنسبة 30 بالمئة سوف يقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 17بالمئة.
صناعة البطاريات
وبالحديث عن صناعة البطاريات، يلفت عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل، إلى أن هناك أبحاث وتجارب في الصين واليابان لإنتاج ما يسمى بطارية الحالة الصلبة HARD STATE BATTRY التي تعتمد على مادة السيراميك وبعض المعادن وهذه البطارية انبعاثاتها لا تصل إلى 8 بالمئة مقارنة بسيارات البنزين أو الديزل العادية.
كما يوضح عقل أن السيارة التي تعمل بمزيج من الوقود الاصطناعي المعروف باسم الوقود الإلكتروني والبنزين (الهايبريد) ستقلل من انبعاثاتها بنسبة 5 بالمئة فقط مقارنة بالوقود التقليدي، في حين أن السيارة الكهربائية التي تعمل بالبطارية والمحرك الكهربائي ستنتج عنها انبعاثات أقل بنسبة 78 بالمئة خلال دورتها الكاملة مقارنة بمحرك الاحتراق الداخلي. سكاي نيوز عربية