تلقت "الصباح نيوز" مقالا حول الدور الاستشاري لإدارة الملكية العقارية بقلم عبد الرزاق العلوي محرر عقود بالديوان الوطني للملكية العقارية بسوسة.
وفي التالي المقال:
من المتعارف عليه لدى العامة أن المهام الرئيسية لإدارة الملكية العقارية تتركز حول أربع وظائف رئيسية:
- وظيفة الترسيم
-وظيفة تحرير العقود
-الوظيفة الإشهارية
- وحفظ الوثائق المدلى بها للترسيم
ولكن إضافة إلى ذلك فإن لإدارة الملكية العقارية دورا اخر لا يقل أهمية عما ذكر ونادرا ما يقع الحديث عنه وهو الدور الإستشاري والذي يتلخص في إبداء الرأي في بعض المسائل القانونية ذات العلاقة بالعقار المسجل وذلك بطلب من القضاء العدلي أو بطلب من المحكمة العقارية ، او من طرف المتعاملين مع الإدارة.
1/المسائل التي تبدي الإدارة رأيها فيها قانونا:
بالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة للمادة العقارية عموما في علاقة بالدور الإستشاري نلحظ أن المشرع التونسي تعرض صراحة إلى هذا الدور في ثلاث مناسبات:
أ/ الفصل 367 م ح ع الذي ينص على أنه :" قيد الدعاوى قيدا إحتياطبا لا يجري إلا بإذن يصدره رئيس المحكمة الإبتدائية بمكان العقار بناء على عريضة تحال على مدير الملكية العقارية لإبداء رأيه فيها "
فماهي الدعاوي المعنية بهذا الفصل والتي يتعين على مدير إدارة الملكية العقاريه إبداء رأيه فيها ؟
لمعرفة ذلك لابد من العودة إلى نص الفصل 365م ح ع الذي حدد لذلك ثلاث صور :
- الدعاوي الرامية إلى إستصدار حكم ببطلان الحقوق العينية المرسمة أو إبطالها أو فسخها أو الرجوع فيها أو إدخال تعديلات على الترسيمات.... بمعنى تلك الدعاوي التي تمس من الحقوق المرسمة ..فلا يمكن أن توافق الإدارة مثلا على قيد دعوى تتعلق مثلا بإبطال هبة أو بيع غير مرسم ..او أن يكون موضوع الدعوى يتعلق بالشفعة في بيع لم يقع إدراجه بعد، كذلك بخصوص الشكايات الجزائية التي لا ترتقي أحيانا إلى مرتبة الدعوى القضائية كأن يكون مآلها الحفظ إضافة إلى ذلك فإنه ليس من شأن الحكم في الدعوى الجزائية المس بالحقوق المرسمة على معنى الفقرة الأولى من الفصل 365 م ح ع، ذلك أن الحكم الجزائي القاضي بالإدانة غير كاف لوحده للتشطيب على حق مرسم أو إدخال تعديل عليه وإنما هو يمثل سندا لحكم مدني يصدر من بعده .
- الدعاوي الرامية إلى ترسيم جميع الأعمال التي تقتضي التفويت في عقار أو التخصيص به : من ذلك مثلا الدعاوى الإستحقاقية كدعوى القسمة التي ترمي في النهاية إلى التخصص بقطعة مفرزة والخروج من حالة الشيوع على معنى أحكام الفصل 71 م ح ع ..كذلك الدعاوي المتعلقة بإلزام الضد بإبرام كتب تكميلي لعقد بيع تعذر ترسيمه إداريا وغير ذلك من الصور ..بالنسبة لهذه الدعاوى فإن موقف الإدارة يتحدد من خلال ما إذا كان المعروض ضده مالكا من عدمه ..فلا يمكن القبول بدعوى تتعلق بإتمام بيع والحال أن البائع غير مالك بالرسم العقاري . في هذا الصدد أود أن أشير إلى أن لفظ التخصيص الوارد بالفقرة الثانية لا يحيل إلى الدعوى المرفوعة أمام المحكمة العقارية والرامية كذلك إلى التخصص بعقار في إطار التحيين وفقا لأحكام القانون عدد 34 لسنة 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية لأن تلك الدعاوى لها نظامها الخاص على مستوى الإشهار والإجراءات المتعلقة بها وهي بالتالي خارجة عن نطاق تطبيق أحكام الفصل 365 م ح ع.
- طرق الطعن غير الإعتيادية في الأحكام المرسمة: يقصد هنا بطرق الطعن غير الإعتيادية الإعتراض وإلتماس إعادة النظر والتعقيب.
في هذه الصورة يشترط لقيد تلك الدعاوى إحتياطيا ضرورة المبادرة بترسيم الأحكام المطعون فيها وهذا منطقي بإعتبار أن التعقيب مثلا لا يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ، ويبقى التساءل قائما بخصوص الصورة التي يكون فيها الحكم المطعون فيه سلبيا كأن يقضي الحكم الإستئنافي بعدم سماع الدعوى .. في هذه الحالة فإن الإدارة عادة ما تفوض لرئيس المحكمة إمكانية ضرب القيد الإحتياطي للدعوى المذكورة من عدمه رغما عن عدم ترسيم الحكم المطعون فيه .
في الصور المتقدم ذكرها فإن الإدارات الجهوية للملكية العقارية هي من تتولى إبداء الرأى في الدعاوى المراد قيدها إحتياطيا بدليل عبارة " مدير الملكية العقارية "الوارد ذكرها بالفصل 367 م ح ع، وهو توجه تم تكريسه لأول مرة بمقتضى مذكرة العمل عدد 17 لسنة 1997 التي منحت حق الإمضاء إلى السادة المديرين الجهويين لإبداء رأيهم في العرائض المحالة عليهم من رؤساء المحاكم الإبتدائية والمتعلقة بمطالب قيد الدعاوي إحتياطيا بعد ان تم الوقوف أن إحالة تلك المطالب على مصالح الإدارة المركزية يستغرق الكثير من الوقت.
ب/الفصل 388 م ح : هذا الفصل يتعلق بالطعون المرفوعة ضد قرارات حافظ الملكية العقارية القاضية برفض الترسيم أو تأجيله حيث ورد بالفصل المذكور :" وتبت المحكمة العقارية في الطعن بعد أخذ رأي إدارة الملكية العقارية ..." ولئن لم يحدد الفصل المذكور ما إذا كان إبداء الرأي يتم على مستوى جهوي أم مركزي .. وبالرغم من عدم وجود أي مانع قانوني من أن تكون الإجابة صادرة عن الادارة الجهوية مرجع نظر المحكمة العقارية المتعهدة بالطعن فإن المعمول به واقعا هو أن الإجابات المتعلقة بإبداء الرأى في الطعون تصدر عن الإدارة المركزية للملكية العقارية وهذا حسب رأيي ولئن كان فيه تكريس لمركزية القرار فإن فيه ضمانة لحقوق المتقاضي بإعتبار أن الإدارة المركزية شبيهة بمحكمة التعقيب وهي الساعية لتوحيد الأراء في المساءل القانونية بين الإدارات الجهوية وتبدي رأيها في عريضة الطعن المحالة عليها بصفتها جهة محايدة عن الإدارة المتعهدة بملف الترسيم المرفوض ، وعليه تقتصر دور الإدارة الجهوية على إحالة عريضة الطعن للإدارة المركزية وفتح ملف قيد إحتياطي بالرسم العقاري المعني إن طلب منها ذلك. علما وأنه وقبل اللجوء إلى الطعن فإنه بإمكان المتعامل مع الإدارة مباشرة حقه في التظلم ضد قرار الرفض إداريا وذلك بإيداع مطلب في الغرض بمكتب الضبط وتقع إعادة دراسة الملف وأحيانا يقع تجاوز أسباب الرفض إن رأى السيد المدير الجهوي أن في قرار الرفض نوع من التعسف أو سوء تطبيق للقاعدة القانونية مما يجنب الحريف التقاضي لدى المحكمة العقارية المختصة ، كحل رضائي يغفل عنه الكثيرون.
ج/ الفصل 17 من القانون عدد 34 لسنة 2001 والمؤرخ في 10 أفريل 2001:
ورد بالفصل المذكور ما يلي : "تجري دائرة الرسوم المجمدة وقاضي السجل العقاري التخليصات اللازمة ويأذن كل فيما يخصه بما يراه من الوسائل التحضيرية كالإختبار والبحث والتوجه على العين وأخذ رأي إدارة الملكية العقارية .." دور الإدارة الجهوية مثلما هو الأمر بالنسبة للطعن في قرار حافظ الملكية العقارية يتمثل في إحالة الطلب على أنظار الإدارة المركزية التي تتعهد بإجابة المحكمة العقارية المعنية .
إن تعهد إدارة الملكية العقارية بإبداء الرأي في الصور المتقدم ذكرها سنده نصوص قانونية التي ولئن أقرت شكلية الإحالة فإنها لم تحدد جزاء الإخلال بتلك الشكلية خصوصا فيما يتعلق بالفصلين 367 م ح ع و الفصل 388 م ح ع إضافة إلى ذلك فإن رأي الإدارة لا يلزم القاضي ضرورة خصوصا وإن موضوع الرأي المقدم من الادارة عادة ما يكتفي ببيان الوضعية الإستحقاقية والمادية للعقار و الموانع القانونية إن وجدت بالنسبة للقيود الإحتياطية للدعاوي وإعادة دراسة ملف الطعن على أسس قانونية أحيانا تقوض قرار الرفض المطعون فيه او مسايرته وتأكيده بحسب الحالة ، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن الأذون الصادرة عن السادة رؤساء المحاكم والمتعلقة بقيد الدعاوي إحتياطيا والتي لم تقع إحالتها لإبداء الرأي قد يكون مآلها الرفض إذا ما تسلط القيد المطلوب على من لا تتوفر فيه صفة المالك أولعدم ترسيم الحق المطعون فيه أو لوجود موانع قانونية كأن يكون الرسم العقاري معني بمطلب تحيين أو إيقاف تعامل ..الخ
على العموم فإن ما يجمع بين المسائل التي تبدي الإدارة رأيها فيها إنها كلها تستند إلى نص قانوني واضح العبارة وفي هذا الباب تجدر الإشارة إلى أنه وفي بعض الحالات ترد على الإدارات إحالات من المحاكم الإبتدائية بغاية طلب إبداء الرأي في ترسيم قيد إحتياطي لوعد البيع ، وهي ليست من بين المسائل التي تبدي الإدارة رأيها فيها وذلك بصريح منطوق الفصلين 367 م ح ع و365 م ح ع ،ذلك إنه بإمكان العارض التقدم بطلب قيد وعد البيع إحتياطيا مباشرة بشبابيك الإدارة دون حاجة لإذن قضائي في الغرض وكذلك الشأن بخصوص طلب الرأي حول التشطيب على قيد إحتياطي لدعوى منشورة او قيد إحتياطي لمغارسة والحال أن الفصل 371 م ح ع قد ورد واضح العبارة : " لرئيس المحكمة الإبتدائية التي بدائرتها العقار أن يصدر إذنا على عريضة بالتشطيب على القيود الإحتياطية المتعلقة بالدعاوي وعقود المغارسة ." فالأمر إذن موكول للسلطة التقديرية لرئيس المحكمة الإبتدائية دون سواه وهومن بإمكانه إصدار الإذن بالتشطيب من عدمه وذلك دون حاجة للرجوع لإدارة الملكية العقارية .
ومع ذلك فإن الإدارة مطالبة بإحاطة المحكمة علما بالوضعية الإستحقاقية والمادية للرسم العقاري .
علاوة على المسائل المذكورة أعلاه و والتي يتوجب على الإدارة إبداء رأيها فيها بموجب القانون فإنه توجد حالات أخرى لإبداء الرأى جرى العمل بها دون أن تكون مستندة إلى نص قانوني واضح الدلالة.
2/ مسائل أخرى تبدى الإدارة رأيها فيها وهي لا تستند إلى نص قانوني :
أول تلك المسائل ما ورد بالفصل 327 م م م ت الذي ورد بفقرته الثانية بأنه :" والدائنون الذين ليس بأيديهم سند تنفيذي أو سند مرسم او الذين لم يحل أجل أداء دينهم يمكن لهم ان يطلبوا ترسيم إعتراض تحفظي على عقارات مدينهم المسجلة بعد تحصيلهم على إذن في ذلك من رئيس المحكمة الإبتدائية الراجع لدائرتها مقر المدين حسب الشروط الواردة بالفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 322." لا يوجد في هذا الفصل ولا وفي غيره من الفصول المنظمة للإعتراض التحفظي ما يشير إلى شكلية إحالة الأمر على إدارة الملكية العقارية ولكن في الواقع فإن طلب إبداء الرأي بخصوص ترسيم الإعتراضات التحفظية تكاد تكون يومية وأحيانا تستند حتى على أحكام الفقرة الأولى من الفصل 327 م م م ت والتي تتيح للمدين إمكانية إنذار المدين مباشرة دون حاجة لإذن قضائي وذلك متى كان بحوزته سند تنفيذي أو دين مرسم إضافة إلى ذلك فإن الفصل 322 م م م ت قد أعطى لرئيس المحكمة الإبتدائية الكائن بدائرتها المدين كل السلطة التقديرية في إصدار الإذن من عدمه بعد التثبت أن للدين المطلوب أساس من حيث الأصل وإن إستخلاصه بات مهددا بالخطر ولو كان مؤجلا أو معلقا على شرط . ولكن جرت العادة أن تبين الادارة للمحكمة الوضعية الإستحقاقية والحالة القانونية للرسم العقاري المعني بالإعتراض وتفوض لجناب رئيس المحكمة إجراء ما يراه صالحا أو أن ترفض ذلك عند وجود مانع قانوني وهذا لعمري يدخل في إطار التعامل والتواصل بين الإدارة وهياكل القضاء ، وهو التوجه ذاته المعتمد في خصوص الإستشارات الواردة من الإدارات العمومية والمتعلقة بمسائل معينة والتي تريد أن تستأنس برأي الإدارة فيها
الحالة الثانية والتي لا تستند إلى أي نص قانوني هي : إبداء الرأي بخصوص مطالب إدماج قطع تابعة لرسم عقاري بطلب من خبراء المساحة ..وهي عملية تقنية لا دخل للإدارة فيها لذلك ولئن كانت بعض الإدارات تبدي رأيها في ذلك فإن المنطقي هو أن يستخرج الخبير شهادة ملكية او نسخة من الرسم العقاري للوقوف على حالته القانونية دون حاجة لرأي الإدارة .
ثالث تلك الحالات هي العرائض الواردة من طرف المواطنيم عبر مكتب الضبط والتي تهدف إلى معرفة رأي الإدارة بخصوص ترسيم بعض الصكوك من عدمها ..هنا فانo الإجابة ستكون أن الإدارة لا تتولى الدراسة المسبقة لإيداع الملفات ..خاصة وإن ذلك مرتبط بأداء معاليم مسبقة بعضهم يسعى إلى ذلك لإستصدار قرار إداري بالرفض للقيام بمطلب تحيين والحال إنه لا يوجد نص قانوني يفرض إستصدار ذلك القرار كإجراء أولي لتعهد المحكمة العقارية بهيكليها قاضي السجل العقاري و دائرة الرسوم المجمدة.