في سياق صراع وتحولات دولية تتسم بالديناميكية, محركها المحوري توازنات المصالح المتضاربة, تشكلت وتتشكل باستمرار تكتلات دولية عديدة, على ايقاع مشهد ملحوظ لتكون قوى صاعدة مقابل تراجع قوى اخرى في ظل علنية التنافس الدولي الذي بلغ حد الصدامات المسلحة في بعض مواضع الصراع و الرغبة الجامحة التي تقود المعسكارت التقليدية لتتصدر المشهد الدولي و النظام العالمي الجديد.
و في اطار هذا التشكل المرتبط بالواقع الاقليمي و الوطني الداخلي, تكونت و ما تزال تكتلات دولية عميقة نتيجة لتقاطع لمصالحها التي قد تتعلق بالطاقة او الثروات او غيرها, و في هذا الاطار يستقيم التعرض لتكتل تجمعه مصلحة التنصل من مسؤولية المراهنة على و ايصالها الى سدة الحكم و ما رافقه من دعم و تمويل للجماعات و الكيانات الارهابية والاجرامية التي هددت كيانات الدول الاخرى و تماسك مجتمعاتها و مثلت حربة في خاصرتها، ليضرب اعضاء هذه التكتلات القانون الدولي ومبدأ سيادة الدول و استقلالية قرارها الوطني، وهنا يكمن مربط الفرس ومفتاح الاحداث التي تشهدها الدولة التونسية على مستوى واقعها الداخلي والدولي.
تعيش الدولة التونسية منذ فترة على وقع صراع غير خفي, الا انه قد يخطئ الملاحظ في تحديد محركات و اسباب و اطراف هذا الصراع, فهناك من يذهب الى تفسيره على انه صراع حكم وسلطة بين اطراف سياسية داخلية غير ان ذلك وهم تحدثه حرارة المشهد السياسي التونسي كما هو الحال عندما تحدث حرارة الطقس وهم السراب في الافق، فالاصل هو ان الصراع هو صراع مؤسسات وطنية ضد مؤسسات استخباراتية اجنبية تابعة لدول التكتل الذي يسعى الى اجبار الدولة التونسية على الخضوع لتسوية تضمن الخروج الآمن من دائرة الادانة و المحاسبة و طمس حقيقة اتصالها الثابت باطراف سياسية تونسية وحركات ارهابية ارهقت الدولة ومؤسساتها و ضفت في اطار حروب الوكالة و العمالة للاجنبي ودأبت منذ وصولها للسلطة على نسف مفهوم العقيدة الوطنية و ضرب المؤسسات و اختراقها وهدمها من الداخل في اطار سياسة التمكين و الانقضاض منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي ترجمة لنظرية "الفوضى الخلاقة" و "الخيارات الصعبة".
وحتى ينتفي الغموض و تؤد مساعي ابناء الشيطان في التضليل و العبث بالعقول من خلال صناعة الوهم و حياكة لطميات المظلومية الاخوانية و تقمص دور الضحية اذهب في اتجاه تشريح هذا الصراع بأوجهه المعلنة و الخفية منذ بدايته في تونس بالاستناد على وقائع و استدلالات تارخية جلية.
اجهزة الاستخبارات منصة السياسات الخارجية
في ما يتعلق بعمل اجهزة الاستخبارات عموما, فان هذه الاجهزة الذكية )المعلوماتية, الفنية و التقنية( هي جزء من هيكلة كل الدول في اجهزتها التنفيذية وهي احد الروافد الهامة لضمان امنها و استقرارها الداخلي و الخارجي و انفاذ سياساتها و خيارتها و مصالحها الخارجية, حيث يتركز عمل هذه الاجهزة على "ادارة المعلومة" في جميع المراحل والتأثير على السياسات الخارجية للدول الاخرى من خلالها, ويعد وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية "CAI" من اكثر الاجهزة التي تولت و ما تزال تعمل على تعزيز نفاذ السياسة الخارجية الامريكية عبر العالم منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية في سنه 1957, فقد اعتمدت وزارة الخارجية الامريكية عليه في لجانها التي تكونت صلبها والتي عرفت تحت مسمى لعبة الامم, فمثلا كان الضابط بالاستخبارات الامريكية "كريمت روزفلت" احد اهم المؤثرين في هذه اللعبة في دول الشرق الاوسط في خمسينيات القرن الماضي, بل و الاطاحة برؤساء و ملوك مثل نظام مصدق في ايران و صدام حسين بالعراق و العديد من انظمة امريكا اللاتينية, و حتى ان هذه الوكالة تولت صناعة الجماعات الارهابية و احتضنتهم تحت مسمى مقاتلي الحرية في اطار الصراع مع الاتحاد السفياتي في افغانستان ليتشكل منهم ما يسمى بالافغان العرب النواة الاولى لتنظيم القاعدة و التي تنصلت منهم الوكالة فيما بعد و القت بالمسؤولية الكاملة على زعيم هذا التنظيم "اسامة بن لادن" عن احداث 11 سبتمبر و تشرع في ملاحقته و تاديب مقاتليه غازية تحت ذريعة ذلك المنطقة.
و ليست وكالة الاستخبارت الامريكية هي الوحيدة التي تعمل على مثل هذه الانشطة تدعيما لمصالحها و ضمانا لها, بل ان العديد من الوكالات في العالم عرفت بمهام و ادوار عديدة مثل "المكتب السادس" "MI 6" البريطاني و "وكالة الاستخبارات الباكستانية" و جهاز "المخابرات العامة المصرية" و "المديرية العامة للدراسات و المستندات" المغربية و "دائرة الاستعلام و الامن" الجزائرية.
وتعمل اجهزة الاستخبارات على التأثير في سياسات الدول الاخرى بشكل مباشر او غير مباشر بما يجعلها متماشية مع مصلحة الدول المنتمية اليها خاصة مع تغير اشكال الصراع الدولي و طرق و وسائل ادارته, غير ان هذا التاثير قد ياخذ صور شرعية تهدف الى حماية المصالح دون استهداف سيادة الدول الاخرى ووجودها و ذلك داخل الاطر القانونية و الاعراف المنظمة للعمل الاستخبارتي داخليا و دوليا في شكل متماه مع العمل الدبلوماسي الرسمي , كما شهد الاطار الترشريعي المنظم لعمللاهذه الاجهزة اهتماما دوليا يتمشى مع اهمية هذه الهيكليات و مهامها و مسؤولياتها, الامر الذي لم تتغافل عنه الدولة التونسية بدورها ز كان من احد اهتمامتها و تعمل على مزيد تعزيزه, اذ تمتلك رصيدا لابأس به من التشريعات المنظمة لهذا العمل على غرار الأمر الحكومي عدد 71 لسنة 2017 مؤرخ في 19 جانفي 2017 المتعلق بإحداث المركز الوطني للاستخبارات والأمر حكومي عدد 369 لسنة 2020 مؤرخ في 23 جوان 2020 المتعلق بضبط شروط الانتماء إلى هيئة العسكريين للاستخبارات والأمن العسكري ونظام تكوين أفرادها وتوظيفهم و ما يتعلق باعتماد اساليب الاختراق و المراقبة السمعية البصرية والمتابعة و الاسترشاد و الاستعلام و اعتراض الاتصالات و فق للصور القانونية تحت الاشراف القضائي وفق القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 مؤرخ في 7 أوت 2015 يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال و المنقح في سنة 2019.
ويتعزز هذا الرصيد التشريعي بجملة من الاتفاقيات الثنائية و المتعددة على الصعيدين الاقليمي و الدولي لتعزيز التعاون الاستخباراتي, و التي منها ما جاء تطبيقا لمقررات مجلس الامن الدولي و خاصة القرار عدد 1373 المؤرخ في 28 سبتمبر 2001 اضافة الى "الدليل التشريعي للاتفاقيات و البروتوكولات العالمية لمكافحة الارهاب" المعد من طرف "مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة" في سنة 2003.
و مثل ما يوجد اوجه شرعية للعمل الاستخباراتي نجد كذلك الوجه القبيح الذي يرتبط بالتاثير بطرق غير شرعية والدوس على القوانين والاعراف الدبلوماسية و الدولية بما يجعل منها اعمالا اجرمية وعدائية بامتياز تستوجب حتمية مكافحتها وزجرها و التصدي لها بشتى الوسائل من قبل اجهزة الدولة الوطنية.
الاستخبارات التركية و القطرية و متلازمة التاثيرالعدائي
مع بداية موجة ما يعرف بثورات الربيع العربي اخذت وتيرة العمل العدائي الاستخباراتي بالتنامي بغية التاثير وسعي اجهزة الدول التي تحكمها اطراف سياسية محسوبه على التنظيم الدولي للاخوان المسلمين كقطر وتركيا تسعى الى العمل على الاستيلاء على الانتفضات الاجتماعية و توجيهها و التحكم فيها بما اتاح لها اعادة رسمها وفق مصالحها و مصالح المعسكر الغربي المؤجر لها لتحقيق اهدافه و ذلك بايصال مناصريها وعملائها بالسلطة في كل الدول التي شهدت اضطرابات سياسية وفراغا امنيا وقانوني في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، وقد كان توجه السياسة الخارجية لكل من تركيا وقطر على حد السواء يعتمد في هذا الصدد على الوجه القبيح للاجهزة الاستخباراتية بشكل خارق لسيادة الدول ومنتهك لقرارها الوطني كما تجلى ذلك في علاقة بسيادة الدولة التونسية المعبوث بها على امتداد وجود حركة النهضة في السلطة و حمل المنصف المرزوقي لصفة رئيس الجمهورية, وذلك بتدعيم الاجهزة السرية التي اعيد احياء رفاتها والتي تعمل لصالح الاحزاب السياسية الاخوانية من خلال تلقينها التدريب على التجسس وجمع المعلومات واختراق اجهزة الدولة وهذا يعتبر ثابتا في تونس في ما يعرف بقضية الغرفة السوداء و القيادي الاخواني مصطفى خضر.
وعند تعقد الاوضاع عليهم في سوريا دفعت المتلازمة لدى اجهزة الاستخبارات المعادية الى تدعيم الاستثمار في تسفير الشباب التونسي الى سوريا عبر شبكات التجنيد والتسفير في تونس وهو الامر الذي قدمت حوله شهادة وافية و متكاملة لدى لجنه التحقيق البرلمانية في سنة 2016 واكدت حينها على ارتباط حزب حركة النهضة بملف التسفير وتورط قياداتها به، وقد كان المراد من وراء عمليات التسفير الى سوريا التسريع بالاطاحة بالدولة السورية بعد زعزعة استقرارها على غرار ما حصل في ليبيا آن ذاك لاستكمال مخطط استراتيجي في المنطقة بما يخدم السياسة الخارجية للطرف التركي والقطري.
ومما يؤكد المجهود المنظم لهذه الاجهزة تكرار عمليات الاختراق والتجنيد بشكل مباشر او عن طريق وسطاء وذلك باستخدام عدة اشخاص فالمدعو مصطفى خضر ليس الوحيد الذي وضع على ذمته ارشيف و وثائق الدولة السرية ذات الصبغة الامنية والعسكرية بتواطئ ممنهج من قبل قيادات حركة النهظة و الامنيين المرتبطين بهم, فالمدعو ماهر زيد الذي يقدم على انه صحفي استقصائي قد تمت محاكمته لنفس السبب وصدر بحقه حكم قضائي بالادانة في قضيه ذات صبغة ارهابية وذات صلة بالمسالة, واليوم يتكشف لنا المدعو علي اللافي بيترسانة ضخمة من المعلومات والوثائق السرية للدولة بقبو منزله ليحال على انظار القضاء لنفس الغرض والسبب, ويجمع كل هؤلاء الاشخاص و غيرهم بالداخل و الخارج انهم ادوات وعناصر يقع اعتمادها وتوظيفها من قبل قيادات النهضة اذ يعتبرون الرابط بين الحزب في واجهته المعلنه و واجهته السرية بمهامها وهيكلتها.
وفر الفراغ الامني التي احداثته هذه الاطراف بشكل مدبر و ممنهج -عبر الدفع لحل ادارة امن الدولة التي كانت عصب مكافحة التطرف الديني و تسريح الكثير من الكفآت الامنية ذات الخبرة الواسعة في هذا الميدان على يد وزير الداخلية الاسبق فرحات الراجحي بالتوازي مع الانقضاض على وزارة العدل زمن نور الدين البحيري بعزل 82 قاضيا مغضوب عليهم من قبل عملاء حروب الوكالة وفرض ما يسمى بالعفو التشريعي العام الذي استفادت بها عناصر مدانة في جرائم ارهابية من خلال اعادة ادماجهم صلب الادارة التونسية- اريحية جعلت الاجهزة الاستخباراتية التركية القطرية تترك عبر عملائها الكثير من الاثار التي يمكن تعقبهم من خلالها, وذلك بسبب وهم الاعتقاد بانهم قد تمكنوا من الدولة التونسية و امسكوا بتلابيبها بعد ان صرح رئيسها و مرشد الجماعة راشد الخريجي بان "امنها و جيهشها ليسا بالمضمونين"، وقد ادركوا ذلك الخطأ بمجرد عودة الدولة التونسية للعمل على محاربة هذه الاختراقات ومحاسبة المتورطين ما دفع السياسة الخارجية القطرية و التركية الى البحث عن توافق مع راس الدولة التونسية على مخرج آمن و اجلاء لوكلائها في الداخل كما نجحت في ذلك الامر خلال سنوات ماضية وعلى راس هذه القيادات رئيس حركة النهضة بتونس راشد الغنوشي.
الدعاية السوداء الوجه الاخر لمتلازمة التأثير الاستخبارتي العدائي
برفض الدولة التونسية افلات المتورطين في الجرائم الارهابية وجرائم التسفير واختراق الدولة التونسية ومع المضي قدما في فتح الملفات, ادركت الجهات الاستخباراتية المعادية بعد ان فشلت عبر عملائها التي اوصلتهم الى سدة الحكم انه من الضروري الانتقال الى مستوى جديد من حروب التاثير والدعاية باكراه الدولة التونسية على ما يتنافى مع مصلحتها وخيارات شعبها والتوجهات الكبرى لرمز وحدتها.
ويتمثل هذا المستوى الجديد من الحرب التي يتم شنها ضد المؤسسات الوطنية في الدخول في لعبة الضغط والتاثير عبر وسائل الدعائية والتأليب وبث الشائعات لتشكل مؤسسات الدعايه واجهزة الاستخبارات وجهين لنفس العمله، فعبر التاريخ كانت الدعاية اهم ابواب عمل اجهزة الاستخبارات في العالم بداية من وزارة الدعاية النازية وعلى راسها "جوزيف ڨوبلز" وزير الدعاية النازية والذي كان يعتمد على الدعاية السوداء من اجل هدم الروح المعنوية لخصومه لاتاحة المجال امام اجهزة الاستخبارات الالمانية "الابفير" "Abwehr" للوصول الى الاهداف التي حددتها، وها نحن اليوم امام امر مشابه تماما لذلك بعد تاكد حقيقة ارادة داخلية حقيقة لمحاسبة كل المتورطين في الجرائم المنظمة والارهابية العابرة للحدود بعد تجديد التعويل على وسائل الدعاية في ادارة المعركة و ممارسة الابتزاز المعلن عبر الواجهة الدعائية المتمثلة في قناة الجزيرة.
وهنا اذكر محاضرة لاحد صحفي الجزيرة المدعو "علي الظفيري" خلال ندوة بعنوان التحضر الزائف وازدواج المعايير وذلك برعاية مركز مناظرات قطر في برنامج واحة الحوار حيث صرح بان "مسالة الاعلام بما في ذلك الجزيرة ... اين توجد الكاميرات؟, اين يوجد المراسلين؟, 90% من الصحفيين اين يوجدون؟... الانحياز في الاعلام يبدأ بنصب الكاميرا يبدأ بالجهة او التموقع الذي تختاره لنفسك حينما تحدث اشكالية بين طرفين ... تذكروا عندما حدثت الحرب العراق اين كان المرسلون؟، كانوا مع الدبابات الامريكية وكانوا يتحدثون وينظرون باتجاه العراق كبلد يراد انقاذه، اليوم وسائل الاعلام بما في ذلك الجزيرة معظمها موجودة في اوكرانيا وتتعامل مع هذا الجيش الروسي القادم على انه جيش غازي... انا لست متعاطفا مع روسيا لكن متعاطف سياسيا مع الفكر الروسي... اشكالية الاعلام هي جزء من هيمنة المؤسسات وهيمنة الدول".
وامام هذه القراءة لا استطيع الا ان اقول قد صدق القائل رغم انه في جمع من الكاذبين الذين عملوا صلب قناة الجزيرة وهي الواجهة الدعائية لكل من المخابرات القطرية والتركية والبريطانية وسياساتهم الخارجية.
فقد تصدرت منصة الجزيرة خلال العشرية الفارطة مشهد تبييض الاحزاب السياسية المنضوية تحت التنظيم العالمي للاخوان المسلمين و الكيانات و الجماعات المتفرعة عنه وقادتهم كذلك بل وحتى اعتى مفكريهم واكثرهم تطرفا وعلى رأسهم سيد قطب و حسن البنا و يوسف القرضاوي و يوسف ندى و غيرهم وابرازهم كباحثين عن الحرية ومدافعين عنها ومحررين للشعوب، ولم يتوقف العمل الدعائي عند هذا الحد بل كانت تجعل من نفسها منبرا لمن يقومون بخدمة السياسة الخارجية لاجهزة استخبارات كل من قطر وتركيا فقد كانت الجزيرة المنبر الذي ظهر من خلاله كل من خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة العقلين المدبرين لعمليات 11 سبتمبر 2001 والقياديين في تنظيم القاعدة الارهابي، بل انفردت عبر العالم بحصرية تسجيلات وبيانات زعيم القاعده اسامة بن لادن وابو مصعب الزرقاوي وايمن الظواهري وكذلك بلغ بها الامر نشر استفتاءا الكترونيا على موقعها الرسمي في ديسمبر 2005 حول العمليات الارهابية التي حدثت قرب العاصمة الجزائرية واضعة سؤالا يثير الصدمة والاشمئزاز اذ تمثل هذا الاستفسارا حول ما اذا كان المستفتون مع او ضد هذه الاعمال الانتحارية الارهابية, وقد قام تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي باعتماد نتائج هذا الاستفتاء واعادة نشره على موقعه الالكتروني قبل ان تقوم الجزيرة بحجب الاستفتاء بعد ان اتمت مهمتها من خلاله مما اعطى شرعية لهذه الاعمال الارهابية الاجرامية وكذلك الامر في ما حدث في منطقه عين اميناس.
الجزيرة القطرية بوق الدعاية للجماعات الارهابية
و بدات الجزيرة بنصب كاميراهاتها و الانحياز المفضوح الى الاجهزة الاستخبارتية التي تحركها و ذلك بعرضها لرسائل التشكيك في حرفية الوحدات الامنية والعسكرية في مكافحة الاعمال الارهابية والايهام بكونها تقوم باعمال مخالفة للقانون من قبيل اختراق جمعات ارهابية بوسائل غير قانونية والحال ان المسالة منظمة و مكفولة للمؤسسات الرسمية بقوانين مثلم وضحنا سابقا, فبعد 2011 ومع تنامي الانشطة الارهابية في منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط برزت مجددا الجزيرة كبوقا و واجهة دعائية لكل الحركات المتطرفة حيث وجد قائد جبهة النصرة في سوريا المدعو محمد الجولاني منبرا يقدم فيه افكاره ويدعو من خلاله الى تدعيم تنظيمه الارهاب بالمقاتلين بالحديث عما اسماه المهاجرين صلبه جبهة النصرة وعلى غراره وجد تنظيم القاعدة باليمن فسحة لتسيير اعماله الارهابية عبر استضافة الارهابي عادل الحسني في برنامجها بلا حدود ليمرر اشارة تنفيذ اعمال الارهابية حدثت مباشرة بعد خروجه الاعلامي فيما يشبه مرة اخرى شرعنة للاعمال الارهابية والارهاب وذلك باظهاره مظهر الطرف المظلوم، وكيف لا يكون ذلك وقد وصفت هذه الواجهه الدعائية الاستخباراتية كل من الارهابي هشام عشماوي وعماد عبد الحميد وهما ضابطين خائنين كانا صلب قوات الصاعقة المصرية والتحقا بتنظيمات ارهابية وبايعا تنظيم داعش و ذلك لتلميعهما و تلميع تاريخهما الدموي و ما اقرن باسمائهم من جرائم استهدفت الدولة الليبية و المصرية كاستهداف النائب العام المصري و مذبحة الاقباط على شواطىء ليبيا و كمين البرث و غيرها من المصائب التي انزلاها على رؤوس الابرياء, و لا يمكن وصف كل هذا التلميع الا بمشهد من بالكوميديا السوداء خلفت استياء الشعب المصري و سحب الدولة المصرية لسفيرها على خلفية ذلك.
تحويل الجلاد الى ضحية هدف الدعاية الاستخبارتية
و اليوم تتولى هذه الواجهة الدعائية مره اخرى تحت اشراف استخباراتي وتواطؤ عملاء الداخل السعي لايهام الراي العام التونسي و الدولي بنسج سيناريوهات وهمية هوليودية للتسويق لرواية مفبركة عن العمليات الارهابية لتبرئة ساحة العناصر المتطرفة, والامر غير جديد على مثل هذه الواجهة الدعائية كيف لا وقد اضحت لديها تقاليد في ذلك بمغالطة وتشويش وقلب الحقائق امام الراي العام في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد باحالة اصابع الاتهام بعيدا عن المتورطين الاساسيين لتضليل العدالة.
وتكرر اليوم الجزيرة نفس العمل في مستوى جديد وهو مستوى الضغط على مؤسسات الدولة للتخلي عن محاسبة المضطلعين في ملفات الارهاب فقد قامت هذه الواجهة الدعائية بنشر وثائقي ما "خفي اعظم: تونس الايادي الخفية" محاولة من خلاله الضغط من اجل توفير الخروج الامن لقيادات النهضة مقابل عدم بث هذا العمل الدعائي ومع عدم خضوع راس السلطة التونسية لهذه الضغوطات والابتزاز اتى نشر العمل من اجل ضرب مؤسسات بعينها كمؤسسة الحرس الوطني التي تمثل احد اهم المؤسسات التي تتولى معركة التحرر الوطني للحفاظ على الدولة الى جانب مؤسسات الامن الوطني والامن الرئاسي والمؤسسات القضائية وفق ما عبر عنه رئيس الجمهورية كرد مضمون الوصول من داخل ثكنه العوينة للحرس الوطني قبل نشر الوثائقي.
ويزيد وضوح المسالة بمجرد معرفة ان الوثائقي ليس الا تكرارا لرواية ماهر زيد حول ان الارهاب من صناعةاجهزة الدولة و مجرد فزاعة و لا علاقة للمتطرفين به و هو الامر الذي سبق ان قام بحياكته من اجل التضليل, وهو ما اندرج في اطاره تشويهي و اتهامي بالتسفير و العمالة للنظام السوري صلب هذا الوثائقي باعتماد تسجيلات تم تركيبها بصورة ركيكة مثيرة للسخرية باعتماد استنساخ الاصوات عبر الذكاء الصناعي من حيث الشكل ولا صلة لها بالواقع من حيث المضمون, وتهدف هذه الحركة الدعائية البهلوانية الى الطعن في شخصي كشاهد اساسي ومن وراء ذلك شهادتي في الملف امام القضاء وتفريغه مما يدين المتورطين فيه و بالتالي الافراج عن القيادات السياسية و الامنية المتورطة و التي تم ايداعها بالسجن.
ولم تترك الجزيرة في سعيها هذا مهاجة القضاة الذين لم يستطع عملاء الداخل تطويعهم عبر الترهيب فأتت على ذكرهم ونشر صورهم كدعوة لتصفيتهم او الضغط عليهم دون هوادة, والحقيقه التي تثبت هذا التوجه هي ما فتح من ابحاث لمحاولة القيام برشوة احد افراد النيابة العامة في تونس من اجل ذلك من طرف احد الضباط التي نجحت الاجهزه السرية في تجنيده صلب جهازها الخاص الموازي للاجهزة الرسمية.
وقد يتساءل كثيرون حول الهدف الذي تسعى وراءه هذه الجهات اليوم خاصة في علاقة بما صرح به رئيس الجمهورية حول الهجوم العدائي التي تتعرض له الدولة التونسية منذ مدة بمشاركة اطراف داخلية، والاجابة على هذا السؤال تكمن في ما اشرنا له في مطلع هذا المقال وهي الغاية في تنصل من المسؤولية القانونية والقضائية الوطنية والدولية, اذ ان تنصل قيادات النهضة في هذه الملفات -مثلما كان عليه الحال عند محاولة تنصل قيادات الجبهة الاسلامية للانقاذ و الجماعة الاسلامية المسلحة من المسؤولية باتهام الدولة الجزائرية بالقيام بالاعمال الارهابية- سوف يؤمن قطعا لاي صلة بين الاجهزة الاستخباراتية المشار اليها مع التورط في التسفير الى بؤر التوتر وكذلك التنصل من الافعال التي توصف بالجرائم ضد الانسانية في مناطق النزاع كسوريا و ليبيا و غيرها من الدول المتضررة فالتنظيمات التي تم تسفير الشباب التونسي اليها هي عينها التي تولت القيام بجرائم الابادة الجماعية وفقا للقانون الدولي ضد اليزيديين والاكراد في سوريا والعراق بل تورطت في جرائم الاتجار بالبشر ببيع النساء في اسواق النخاسه بما يشبه الوضع التي كانت عليه الحاله خلال الحقبة الاستعمارية والعصور المظلمة والغابرة والتي كانت اقل توحشا مما شاهدناه مع التنظيمات الارهابية المدعومة من قبل تركيا وقطر.
مفرخات الارهاب و هواجسها الكبرى
ولعل اهم ما يمثل هاجسا ومخاوفا لهذه الاطراف هو عودة العلاقات الدبلوماسية التونسية مع الدولة السورية ما قد يتيح كما من هائلا من المعطيات والمعلومات الاستخباراتية و الشهادات الحية في ملف التسفير بل وحتى تسليم مطلوبين في قضايا ارهابية في اطار التعاون الامني والقضائي بالقدر الذي يقدم مكسبا ويعزز ما تم التوصل اليه من طرف الامن والقضاء التونسي و هو الامر الذي يمكن من مزيد فهم مؤسسات الدولة التونسية للارتباطات في جرائم الارهابية طيلة العشرية الفارطة, واكبر ما يمكن ان يقدم هذا الامر هو تمكن تونس او سوريا او حتى ليبيا و مصر من استعمال ورقة تدويل القضية وتحميل كل من تركيا وقطر المسؤولية الدولية امام محكمة الجنايات الدولية فيما يتعلق بجرائم الابادة والجرائم ضد الانسانية وفق ما اشرنا اليها, مما يحيلنا الى مرحلة ما بعد استيفاء جهود هذه الاطراف المكللة بالفشل لانقاذ عملائها بالداخل المتورطين في ادارة حروب الوكالة والبحث عن مصلحتها المباشرة في التنصل من المسؤولية الدولية ونصب الكمائن لذلك مما يعثر عملية فتح هذه الملفات امام القضاء الدولي و كسب مزيد من الوقت في سبيل هذا, وهي النقطة المفصلية التي تسعى كل من الدولتين القطرية والتركية لتفاديها بممارسة سياسة الضغط في بعديها الاستخبارتي و الدعائي.
معارك التحرر الوطني واجب وليست خيار
تمتلك تونس معاني تاريخية للحضارة و ارث خلفه الصنهاجيون و الحفصيون و الاغالبة و غيرهم من الحضارات الضاربة في قدم ما قبل التاريخ بفضل رجالات لا يمكن نسيانهم كابن خلدون و كحنبعل برقا رمز قرطاج الخالد و احد اعلام الاستراتيجيات العسكرية التي تدرس الى اليوم في اعتى الاكاديميات و المدارس الحربية، والذي لم يفشل مسعاه الا بسبب مجلس الشيوخ و السياسين القرطاجيين حين صوتو على رفض مده بالتعزيزات اللازمة لحسم الصراع الوجودي الذي استشرفه و كان محقا بشأنه, و رغم ما تعيشه تونس من مخاض عسير لاستعادة الدولة فان هذا الارث لا يعطي لابنائها ومؤسساتها الوطنيه الجمهورية الحق او يطرح مجرد التفكير في عدم الانخراط او التراجع عن مواصلة خوض معارك التحرر الوطني وحسمها تحت اي ظرف.
بوصلة الدولة الوطنية و التحولات الاقليمية و الدولية
وقد اصابت نظرتي الاستشرافية لهذه المعركة المهمة في تاريخ تونس المعاصر منذ 2017 خاصة مع ان رياح التوازنات الدولية قد باتت تنبئ بتغييرات على الساحة الاقليمية والدولية في توجهات الدول، مما يتيح تراجع ثقل الجهات التي كانت تحظى بهيمنة التاثير وفي المقابل تلوح فرصة لدول اخرى لتحتل مكانتها التاريخية التي تستحقها في المنطقة وهو ما يتطلب معه امتلاك سياسة خارجية اكثر نشاط خاصة في ما يتعلق بتوضيح ان الملفات القضائية المفتوحة اليوم هي ذات موضوع ذو صبغة اجرامية و ارهابية عكس ما تروج له الواجهات الدعائية على انها ملفات قضائية مفبركة في اطار الصراع السياسي و التنكيل بالخصوم و هو ما شبهناه بوهم السراب, الامر الذي التقطه رئيس الجمهورية عبر بداية بلورة نسق جديد للسياسة الخارجية التونسية تجاه الواقع الدولي بالتوازي مع التغييرات التي شهدتها وزارة الخارجية, ويضاف الى ذلك الحتمية التي يفرضها الواقع للرفع من القدرات الاستخباراتية الوطنية في جميع مؤسساتها وهياكلها على غرار ادارات المعلومة ضمن الادارة العامة للامن الوطني و الحرس الوطني صلب وزارة الداخلية الى جانب جهاز الاستخبارات للامن و الدفاع صلب وزارة الدفاع و المركز الوطني للاستخبارات الراجع بالنظر لرئاسة الحكومة, ذلك ان هذه الاجهزة هي التي تتكفل بدعم السياسات الخارجية في كل دول العالم بما انها تمثل جدار المناعة, وهنا يجب علينا الوقوف على اهمية تقديم الدعم عبر مزيد تفعيل الشراكة و التواصل بين هذه الاجهزة الذكية و مراكز الدراسات الاستراتيجية الرسمية التابعة للدولة بتونس بغاية المساهمة الفعالة في رسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية و الداخلية و تدعيم مجهود رئيس الجمهورية بصفته رئيس مجلس الامن القومي و القائد الاعلى للقوات المسلحة و المحدد الشرعي لسياسة تونس الخارجية, و ذلك بالاضافة الى الدعم القانوني اللازم لنشاط وهيكلة هذه المؤسسات وطنيا ودوليا في اطار مجهودها المبذول ضد التجسس والاختراقات المعادية خاصة مع استكمال البناء التشريعي بتركيز مجلس النواب بتونس.
بقلم الامني
و رئيس المنظمة التونسية للامن و المواطن,
باحث في مجال الدبلوماسية و العلاقات الدولية.
عصام الدردوري