تشير عقارب الساعة إلى الخامسة مساء، الشمس شارفت على المغيب، تسير الطفلة فرح ذات العشر سنوات بأحد الأزقة بالبحر الأزرق ببطء من شدة الإرهاق تبحث بعينين تائهتين بين القمامات والطرقات المقفرة، تحت السيارات، أمام المحلات التجارية عن قوارير بلاستيكية ولكن دون جدوى لم تجمع سوى قارورتين…
توقفت لبرهة لتأخذ قسطا من الراحة وعند جلوسها داعبتها قطة صغيرة فارتسمت على ثغرها ابتسامة، أخذتها بين كفي يديها الصغيرتين ثم تذكرت أنها تأخرت عن والدتها التي تنتظرها في آخر الممر الرابط بين الوادي والطريق العمومي.
تنطلق فرح مسرعة عائدة لوالدتها وفي طريق العودة تسقط ببالوعة صرف صحي.
حادثة البحر الأزرق التي هزت الرأي العام، مرت على حدوثها قرابة سنتين
إلا أن هذا الحي ورغم الكارثة لازالت بنيته التحتية هشة.
يكشف هذا التحقيق ما يحصل في فناء أحد المدن الشاطئية من إهمال وتهميش الذي قد يؤدي الى كارثة أخرى.
البحر الأزرق.. بنية تحتية ترهق متساكنيها
مساء الأحد 4 أكتوبر 2020 تسقط الطفلة فرح البالغة من العمر 10 سنوات في بالوعة الصرف الصحي التي كانت مغطاة بقطعة خشب حينما كانت مارة من الطريق العمومية بمنطقة البحر الأزرق التابعة لبلدية المرسى ،بعد ثلاثة أيام تم العثور على جثة الفتاة على بعد 2 كلم من مكان البالوعة .
سنتان مرت على الحادثة وإلى اليوم لايزال أهالي المنطقة يعيشون على وقع الكارثة ،اهتراء البنية التحتية وغياب المشاريع المنجزة… عوامل ساهمت في تأزم الوضع.
يشتكي أهالي البحر الأزرق من تدهور الأوضاع داخل المنطقة ، الظروف المعيشية للمواطنين تسوء يوما بعد يوم، وقد تذمر أهالي الحي من غياب مبالاة السلطات المحلية في ما يخص التهيئة وتهذيب الطرقات بالمنطقة، وبالرغم من المقترحات التي تقدموا بها إلا أن الوضع باق على ما هو عليه، من جهة ثانية الأطفال المتمدرسين هم أيضا يعانون التهميش ،يجد أغلبهم صعوبة في ارتياد مدارسهم بسبب اهتراء الطرقات والتشققات والحفر التي تمتد على كامل الطريق هذا إضافة للأحياء التي يغيب فيها التعبيد تماما بالإضافة للاودية غير المسيجة والتي تتكدس فيها الأوساخ خاصة مع هطول الأمطار التي تزيد من الوضع سوءا.
زادت معاناتهم وزاد معها حجم مطالبهم ، التنوير العمومي وتصريف المياه ،النقل ، تعبيد الطرقات.. احتياجات اساسية طالب بها أهالي الحي في عديد من المناسبات التي جمعتهم بأعضاء المجلس البلدي.
وظهر ذلك بعد جمع المقترحات المقدمة ببرنامج الاستثمار التشاركي لسنة 2021 حيث أفرزت آخر إحصائية مدى ارتفاع مطالب منطقة البحر الأزرق مقارنة ببقية الأحياء.
هشاشة الوضع الاجتماعي تدفع بالمتساكنين إلى البحث عن حلول بديلة
عند زيارة منطقة البحر الأزرق ستلاحظ حتما حركات النساء والشيوخ والأطفال الناشطين في جمع قوارير البلاستيك، يتوزعون بين أحياء متفرقة كل في حال سبيله، من أجل جمع أثقل ما يمكن حمله وبيعه إلى نقاط التجميع أو إلى مؤسسات الرسكلة، على أمل توفير أجرة يومية لمجابهة الاحتياجات.
يعتمد البعض منهم على هذا المشروع كمورد رزق أساسي له ولعائلته بينما يعتمده البعض منهم كمصدر لمساعدته على المصاريف اليومية .
صورة لنقطة جمع القوارير بالبحر الأزرق
يخصص الأهالي نقاط لتجميع هذه القوارير ليقوموا ببيعها فيما بعد للمصانع أو للتجار وذلك حسب الكمية المتحصل عليها وتتراوح الأسعار بين 70 دينار و 75 لل10 كيلوغرامات من القوارير البلاستيكية.
رغم أن الأنشطة التي يقوم بها السكان غير مرخصة خاصة نقاط التجميع إلا أن النشاط لا يزال متواصلا إذ تسند هذه التراخيص بعد إجراءات ادارية معقدة وحسب الأولوية تسند للشباب وأصحاب الشهادات العليا، في إطار دعم بعث المؤسسات .
ينشط في مجال جمع البلاستيك أغلب سكان منطقة البحر الأزرق إلا أن السلطات المحلية لم تسعى لتثمين مجهوداتهم لإدراج هذه المشاريع ضمن أولوياتها.
"تلفتولنا حتى أحنا تابعين المرسى"
هكذا ردد أحمد أحد متساكني منطقة البحر الأزرق، شاب عشريني عاطل عن العمل يشتغل رفقة عائلته على جمع القوارير البلاستيكية منذ سنوات.
يقول أحمد أن جمع القوارير من أهم الأنشطة في المنطقة خاصة مع تدهور الأوضاع المادية لأغلب سكان الحي، الذين يعتمدون على هذا النشاط كعمل لتحصيل قوتهم اليومي، يعاني احمد كالعديد من أبناء الحي من البطالة والحرمان من أساسيات العيش الكريم، وكذلك والدته وهي من بين المتساكنات اللاتي حرمن من دفتر العلاج المجاني وحتى الإعانة الشهرية رغم ظروفها المادية الصعبة وحتى عند قيامها بمراسلات للبلدية لغاية التمتع بالتغطية الاجتماعية لكن كل محاولاتها بائت بالفشل،
وبالعودة لصلاحيات العمل البلدي وواجبات الجماعات المحلية اتضح أن من بين واجبات السلط المحلية إيجاد حلول للفئات الهشة والمحتاجين ويدخل هذا في صلب عمل لجنة الشؤون الاجتماعية والتشغيل وفاقدي السند و حاملي الإعاقة والتي من بين مهامها إنجاز عمليات الإحصاء والتشخيص وجمع المعطيات بما يسمح بصياغة البرامج والمشاريع البلدية لغاية النهوض الاجتماعي بالمتساكنين
التلاميذ هم أيضا أحد ضحايا التهميش بالمنطقة ونظرا لعدم توفر المعاهد يضطر
أغلبهم الى التنقل لمدينة المرسى أو بوسلسلة،.. وغياب النقل المدرسي يشكل عائقا آخر أمامهم فالبعض يختار السير مشيا على الأقدام والبعض الآخر يستعمل النقل إن وجد خاصة وأن عملهم غير رسمي نظرا لعدم تقنين نشاطهم.
هذه الحال هي خبزهم اليومي ويتكرر صباحا ومساء بنفس التفاصيل. وقد سبق أن طالب عدد من الأهالي والتلاميذ لتخصيص حافلة عند كل ساعة لنقلهم لتجنب ضياع الوقت ومخاطر الطريق وتلاميذ هذه المعاهد الذين يأتون من مناطق مختلفة بالمنطقة ومهما كانت ساعة انتهاء الدروس عليهم الانتظار حتى السابعة ليلا أو الثامنة لغاية توفر نقل .
يضطلع النقل بدور هام في الحياة اليومية وأضحى في ارتباط وثيق بالنتائج المدرسية وذلك لن يحل الا بفك عزلتهم وتوفير أقل ما يمكن توفيره لتأمين نقلهم الى المؤسسات التربوية وربط أهم الطرقات المعزولة بالمنطقة خاصة الحي المحاذي للواد بشبكة الطرقات المعبدة مادامت جهة الواد يغلب عليها الطابع الريفي أساسا ومادام التلاميذ يضطرون في كثير من الأحيان الى الالتحاق بمقاعد الدراسة مشيا على الأقدام لعدة كيلومترات.
ارتفعت ميزانية بلدية المرسى خلال السنوات الأخيرة ورغم تخصيص مبالغ هامة لصيانة منطقة البحر الأزرق منذ سنة 2021 إلا أن الأحياء لازالت تعاني التهميش خاصة "الطرقات المتصدعة والوديان غير المسيجة" وهو ما يشكل خطرا على أبناء المنطقة .
وتمويل المشاريع بمنطقة البحر الأزرق لازال محتشما و يظهر ذلك من خلال برنامج الاستثمار التشاركي .
مشروع دخل حيز التنفيذ
سعت بلدية المرسى للعمل على مشروع منذ السنة الفارطة وهو معهد ومدرسة وأسواق تجارية،
وهذا المشروع من بين مشاريع القرب التي تهدف لمساعدة التلاميذ على مزاولة المعاهد والمدارس القريبة من أحيائهم عوض التنقل للمرسى و حي الرياض "بوسلسلة" .
وحسب تصريح رئيسة دائرة البحر الأزرق زهور ڨريرة أن هذا المشروع سيكون جاهزا خلال السنة القادمة .
التهميش وغياب المساواة بين الأحياء يولدان الإجرام في المنطقة
تعتبر مدينة المرسى من أهم المدن الراقية في تونس ، ويظهر ذلك من خلال التهيئة العمرانية والبنية المعمارية العصرية لأحيائها ، لكن إلى جانب ذلك تعيش المنطقة اختلالا واسعا في الطبقات الاجتماعية ويظهر ذلك من خلال البنية التحتية المختلفة بين الأحياء السكنية ، وهي تعكس المشهد الحقيقي الذي يعيشه المتساكنين ،ظهر هذا الاختلال مع انتشار الأحياء العشوائية والبناء الفوضوي بالعديد من الأحياء خاصة منطقة البحر الأزرق التي تعتبر من بين الأحياء الناشئة التي ظهرت مباشرة بعد الثورة والتي يعاني متساكنيها من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تتجلى أساسا في انخفاض معدل الأجور وغياب التغطية الاجتماعية.
ترتفع نسبة الإجرام في العديد من الأحياء الشعبية في المرسى وأغلبها منطقة بوسلسلة والبحر الأزرق ، فقد شهدت سنة 2021 منطقة البحر الأزرق سلسلة من جرائم القتل الشنيعة
قتل خلالها 3 شبان من نفس المنطقة بينهم مهاجر إيفواري في سنة واحدة ولازالت نسبة الجرائم مرتفعة في تلك المنطقة خاصة مع غياب مركز أمن وافتقار بعض الأحياء للتنوير العمومي مما زاد من انتشار الجرائم وخاصة "البراكاجات"
وفي هذا السياق يوضح الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن الجرائم المنتشرة في
بعض الأحياء الشعبية في تونس تعو للتهميش الذي يعانيه أبناء تلك المنطقة، الى جانب غياب الترفيه والبطالة وهو ما يولد نزعة إجرامية لدى الشباب و أيضا الأطفال خاصة إذا لم تتوفر لديهم منشآت ترفيهية كالنوادي ودور الثقافة.
وأفاد في هذا الخصوص بأن الأسرة التونسية أصبحت تعاني العديد من التشوهات والاختلالات الكبرى، تجعلها في بعض الأحيان حاضنة للجريمة، متحدثا عن تنشئة اجتماعية غير سوية قد تكون السبب المباشر في خلق جيل مهيأ لاستقطابهم للجريمة .
هذا إلى جانب العنف داخل الأسرة الذي يكسر شخصية المرجع لدى الطفل و يشوه الروابط الأسرية وهذه أحد أهم أسباب النزوع إلى الإجرام، خاصة عند غياب القدوة في العائلة التي قد تجعل من الطفل يلجأ للبحث عن الاحتواء خارجا .
كل إنسان في حاجة إلى مرجع يشده إلى الحياة ويخلق له توازنا وجدوى وغياب هذا المرجع واختلاله يؤدي إلى الفردانية والأنانية وتوليد النقمة و النزعة الإجرامية لديه.
وأضاف بن نصير أن أغلب ولايات الجمهورية التونسية عاشت منذ بناء الدولة الوطنية
الحديثة و خاصة بعد الاستقلال نوعا من التقسيم القائم على التمييز بين الأحياء، و يعود ذلك إلى عدة أسباب لعل من أهمها أن الأحياء الراقية التي استوطنها أصحاب الجاه و المال و النفوذ السياسي (البلدية و أعيان البلاد) وغيرها من التسميات التي تُكرّس الطبقية وغياب العدالة بين سكان منطقة واحدة.
وإن الإشكال الأعمق حسب الباحث والتقسيم العمراني والتمييز بين الأحياء الذي يخلق في المقابل أحياء أخرى مهمشة يعيش ساكنوها على هامش الهامش.
المجتمع المدني شبه غائب
يضطلع المجتمع المدني بدور هام في ترسيخ ثقافة المساءلة المجتمعية، لأهميتها في تحسين الخدمات المقدمة من الإدارات و السلط المحلية هذا الى جانب دورها الفعال في تكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية، وذلك من خلال ما تمتلكه من قدرات فنية عالية، وعلى الأخص في المناطق التي يُصعب تواجد الحكومات فيها، المناطق الريفية والنّائية.
رغم أن العديد من الجمعيات والمنظمات موجودة في مدينة المرسى إلا أن منطقة البحر الأزرق تشهد غياب للمجتمع المدني وحتى المواطنين الناشطين بتلك الجهة وهذا يعتبر تقصيرا وإقصاء لتلك المنطقة .
بقيت مشاكل منطقة البحر الأزرق عالقة دون حلول ، تفاقمت معاناتهم وارتفعت مطالبهم لكن ما زاد الأمر سوء غياب المساواة والإقصاء ليس من السلط المحلية فقط بل أيضا من أهالي نفس المدينة وهو ما أفرز لديهم شعور بعدم الانتماء، نتيجته طالب سكان البحر الأزرق بإحداث بلدية خاصة بهم وفصلهم التام عن مدينة المرسى.
تحقيق من إعداد آية جنان
عمل أنجز ضمن مشروع "مراسلون من أجل ديمقراطية محلية " بإشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES
تشير عقارب الساعة إلى الخامسة مساء، الشمس شارفت على المغيب، تسير الطفلة فرح ذات العشر سنوات بأحد الأزقة بالبحر الأزرق ببطء من شدة الإرهاق تبحث بعينين تائهتين بين القمامات والطرقات المقفرة، تحت السيارات، أمام المحلات التجارية عن قوارير بلاستيكية ولكن دون جدوى لم تجمع سوى قارورتين…
توقفت لبرهة لتأخذ قسطا من الراحة وعند جلوسها داعبتها قطة صغيرة فارتسمت على ثغرها ابتسامة، أخذتها بين كفي يديها الصغيرتين ثم تذكرت أنها تأخرت عن والدتها التي تنتظرها في آخر الممر الرابط بين الوادي والطريق العمومي.
تنطلق فرح مسرعة عائدة لوالدتها وفي طريق العودة تسقط ببالوعة صرف صحي.
حادثة البحر الأزرق التي هزت الرأي العام، مرت على حدوثها قرابة سنتين
إلا أن هذا الحي ورغم الكارثة لازالت بنيته التحتية هشة.
يكشف هذا التحقيق ما يحصل في فناء أحد المدن الشاطئية من إهمال وتهميش الذي قد يؤدي الى كارثة أخرى.
البحر الأزرق.. بنية تحتية ترهق متساكنيها
مساء الأحد 4 أكتوبر 2020 تسقط الطفلة فرح البالغة من العمر 10 سنوات في بالوعة الصرف الصحي التي كانت مغطاة بقطعة خشب حينما كانت مارة من الطريق العمومية بمنطقة البحر الأزرق التابعة لبلدية المرسى ،بعد ثلاثة أيام تم العثور على جثة الفتاة على بعد 2 كلم من مكان البالوعة .
سنتان مرت على الحادثة وإلى اليوم لايزال أهالي المنطقة يعيشون على وقع الكارثة ،اهتراء البنية التحتية وغياب المشاريع المنجزة… عوامل ساهمت في تأزم الوضع.
يشتكي أهالي البحر الأزرق من تدهور الأوضاع داخل المنطقة ، الظروف المعيشية للمواطنين تسوء يوما بعد يوم، وقد تذمر أهالي الحي من غياب مبالاة السلطات المحلية في ما يخص التهيئة وتهذيب الطرقات بالمنطقة، وبالرغم من المقترحات التي تقدموا بها إلا أن الوضع باق على ما هو عليه، من جهة ثانية الأطفال المتمدرسين هم أيضا يعانون التهميش ،يجد أغلبهم صعوبة في ارتياد مدارسهم بسبب اهتراء الطرقات والتشققات والحفر التي تمتد على كامل الطريق هذا إضافة للأحياء التي يغيب فيها التعبيد تماما بالإضافة للاودية غير المسيجة والتي تتكدس فيها الأوساخ خاصة مع هطول الأمطار التي تزيد من الوضع سوءا.
زادت معاناتهم وزاد معها حجم مطالبهم ، التنوير العمومي وتصريف المياه ،النقل ، تعبيد الطرقات.. احتياجات اساسية طالب بها أهالي الحي في عديد من المناسبات التي جمعتهم بأعضاء المجلس البلدي.
وظهر ذلك بعد جمع المقترحات المقدمة ببرنامج الاستثمار التشاركي لسنة 2021 حيث أفرزت آخر إحصائية مدى ارتفاع مطالب منطقة البحر الأزرق مقارنة ببقية الأحياء.
هشاشة الوضع الاجتماعي تدفع بالمتساكنين إلى البحث عن حلول بديلة
عند زيارة منطقة البحر الأزرق ستلاحظ حتما حركات النساء والشيوخ والأطفال الناشطين في جمع قوارير البلاستيك، يتوزعون بين أحياء متفرقة كل في حال سبيله، من أجل جمع أثقل ما يمكن حمله وبيعه إلى نقاط التجميع أو إلى مؤسسات الرسكلة، على أمل توفير أجرة يومية لمجابهة الاحتياجات.
يعتمد البعض منهم على هذا المشروع كمورد رزق أساسي له ولعائلته بينما يعتمده البعض منهم كمصدر لمساعدته على المصاريف اليومية .
صورة لنقطة جمع القوارير بالبحر الأزرق
يخصص الأهالي نقاط لتجميع هذه القوارير ليقوموا ببيعها فيما بعد للمصانع أو للتجار وذلك حسب الكمية المتحصل عليها وتتراوح الأسعار بين 70 دينار و 75 لل10 كيلوغرامات من القوارير البلاستيكية.
رغم أن الأنشطة التي يقوم بها السكان غير مرخصة خاصة نقاط التجميع إلا أن النشاط لا يزال متواصلا إذ تسند هذه التراخيص بعد إجراءات ادارية معقدة وحسب الأولوية تسند للشباب وأصحاب الشهادات العليا، في إطار دعم بعث المؤسسات .
ينشط في مجال جمع البلاستيك أغلب سكان منطقة البحر الأزرق إلا أن السلطات المحلية لم تسعى لتثمين مجهوداتهم لإدراج هذه المشاريع ضمن أولوياتها.
"تلفتولنا حتى أحنا تابعين المرسى"
هكذا ردد أحمد أحد متساكني منطقة البحر الأزرق، شاب عشريني عاطل عن العمل يشتغل رفقة عائلته على جمع القوارير البلاستيكية منذ سنوات.
يقول أحمد أن جمع القوارير من أهم الأنشطة في المنطقة خاصة مع تدهور الأوضاع المادية لأغلب سكان الحي، الذين يعتمدون على هذا النشاط كعمل لتحصيل قوتهم اليومي، يعاني احمد كالعديد من أبناء الحي من البطالة والحرمان من أساسيات العيش الكريم، وكذلك والدته وهي من بين المتساكنات اللاتي حرمن من دفتر العلاج المجاني وحتى الإعانة الشهرية رغم ظروفها المادية الصعبة وحتى عند قيامها بمراسلات للبلدية لغاية التمتع بالتغطية الاجتماعية لكن كل محاولاتها بائت بالفشل،
وبالعودة لصلاحيات العمل البلدي وواجبات الجماعات المحلية اتضح أن من بين واجبات السلط المحلية إيجاد حلول للفئات الهشة والمحتاجين ويدخل هذا في صلب عمل لجنة الشؤون الاجتماعية والتشغيل وفاقدي السند و حاملي الإعاقة والتي من بين مهامها إنجاز عمليات الإحصاء والتشخيص وجمع المعطيات بما يسمح بصياغة البرامج والمشاريع البلدية لغاية النهوض الاجتماعي بالمتساكنين
التلاميذ هم أيضا أحد ضحايا التهميش بالمنطقة ونظرا لعدم توفر المعاهد يضطر
أغلبهم الى التنقل لمدينة المرسى أو بوسلسلة،.. وغياب النقل المدرسي يشكل عائقا آخر أمامهم فالبعض يختار السير مشيا على الأقدام والبعض الآخر يستعمل النقل إن وجد خاصة وأن عملهم غير رسمي نظرا لعدم تقنين نشاطهم.
هذه الحال هي خبزهم اليومي ويتكرر صباحا ومساء بنفس التفاصيل. وقد سبق أن طالب عدد من الأهالي والتلاميذ لتخصيص حافلة عند كل ساعة لنقلهم لتجنب ضياع الوقت ومخاطر الطريق وتلاميذ هذه المعاهد الذين يأتون من مناطق مختلفة بالمنطقة ومهما كانت ساعة انتهاء الدروس عليهم الانتظار حتى السابعة ليلا أو الثامنة لغاية توفر نقل .
يضطلع النقل بدور هام في الحياة اليومية وأضحى في ارتباط وثيق بالنتائج المدرسية وذلك لن يحل الا بفك عزلتهم وتوفير أقل ما يمكن توفيره لتأمين نقلهم الى المؤسسات التربوية وربط أهم الطرقات المعزولة بالمنطقة خاصة الحي المحاذي للواد بشبكة الطرقات المعبدة مادامت جهة الواد يغلب عليها الطابع الريفي أساسا ومادام التلاميذ يضطرون في كثير من الأحيان الى الالتحاق بمقاعد الدراسة مشيا على الأقدام لعدة كيلومترات.
ارتفعت ميزانية بلدية المرسى خلال السنوات الأخيرة ورغم تخصيص مبالغ هامة لصيانة منطقة البحر الأزرق منذ سنة 2021 إلا أن الأحياء لازالت تعاني التهميش خاصة "الطرقات المتصدعة والوديان غير المسيجة" وهو ما يشكل خطرا على أبناء المنطقة .
وتمويل المشاريع بمنطقة البحر الأزرق لازال محتشما و يظهر ذلك من خلال برنامج الاستثمار التشاركي .
مشروع دخل حيز التنفيذ
سعت بلدية المرسى للعمل على مشروع منذ السنة الفارطة وهو معهد ومدرسة وأسواق تجارية،
وهذا المشروع من بين مشاريع القرب التي تهدف لمساعدة التلاميذ على مزاولة المعاهد والمدارس القريبة من أحيائهم عوض التنقل للمرسى و حي الرياض "بوسلسلة" .
وحسب تصريح رئيسة دائرة البحر الأزرق زهور ڨريرة أن هذا المشروع سيكون جاهزا خلال السنة القادمة .
التهميش وغياب المساواة بين الأحياء يولدان الإجرام في المنطقة
تعتبر مدينة المرسى من أهم المدن الراقية في تونس ، ويظهر ذلك من خلال التهيئة العمرانية والبنية المعمارية العصرية لأحيائها ، لكن إلى جانب ذلك تعيش المنطقة اختلالا واسعا في الطبقات الاجتماعية ويظهر ذلك من خلال البنية التحتية المختلفة بين الأحياء السكنية ، وهي تعكس المشهد الحقيقي الذي يعيشه المتساكنين ،ظهر هذا الاختلال مع انتشار الأحياء العشوائية والبناء الفوضوي بالعديد من الأحياء خاصة منطقة البحر الأزرق التي تعتبر من بين الأحياء الناشئة التي ظهرت مباشرة بعد الثورة والتي يعاني متساكنيها من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تتجلى أساسا في انخفاض معدل الأجور وغياب التغطية الاجتماعية.
ترتفع نسبة الإجرام في العديد من الأحياء الشعبية في المرسى وأغلبها منطقة بوسلسلة والبحر الأزرق ، فقد شهدت سنة 2021 منطقة البحر الأزرق سلسلة من جرائم القتل الشنيعة
قتل خلالها 3 شبان من نفس المنطقة بينهم مهاجر إيفواري في سنة واحدة ولازالت نسبة الجرائم مرتفعة في تلك المنطقة خاصة مع غياب مركز أمن وافتقار بعض الأحياء للتنوير العمومي مما زاد من انتشار الجرائم وخاصة "البراكاجات"
وفي هذا السياق يوضح الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن الجرائم المنتشرة في
بعض الأحياء الشعبية في تونس تعو للتهميش الذي يعانيه أبناء تلك المنطقة، الى جانب غياب الترفيه والبطالة وهو ما يولد نزعة إجرامية لدى الشباب و أيضا الأطفال خاصة إذا لم تتوفر لديهم منشآت ترفيهية كالنوادي ودور الثقافة.
وأفاد في هذا الخصوص بأن الأسرة التونسية أصبحت تعاني العديد من التشوهات والاختلالات الكبرى، تجعلها في بعض الأحيان حاضنة للجريمة، متحدثا عن تنشئة اجتماعية غير سوية قد تكون السبب المباشر في خلق جيل مهيأ لاستقطابهم للجريمة .
هذا إلى جانب العنف داخل الأسرة الذي يكسر شخصية المرجع لدى الطفل و يشوه الروابط الأسرية وهذه أحد أهم أسباب النزوع إلى الإجرام، خاصة عند غياب القدوة في العائلة التي قد تجعل من الطفل يلجأ للبحث عن الاحتواء خارجا .
كل إنسان في حاجة إلى مرجع يشده إلى الحياة ويخلق له توازنا وجدوى وغياب هذا المرجع واختلاله يؤدي إلى الفردانية والأنانية وتوليد النقمة و النزعة الإجرامية لديه.
وأضاف بن نصير أن أغلب ولايات الجمهورية التونسية عاشت منذ بناء الدولة الوطنية
الحديثة و خاصة بعد الاستقلال نوعا من التقسيم القائم على التمييز بين الأحياء، و يعود ذلك إلى عدة أسباب لعل من أهمها أن الأحياء الراقية التي استوطنها أصحاب الجاه و المال و النفوذ السياسي (البلدية و أعيان البلاد) وغيرها من التسميات التي تُكرّس الطبقية وغياب العدالة بين سكان منطقة واحدة.
وإن الإشكال الأعمق حسب الباحث والتقسيم العمراني والتمييز بين الأحياء الذي يخلق في المقابل أحياء أخرى مهمشة يعيش ساكنوها على هامش الهامش.
المجتمع المدني شبه غائب
يضطلع المجتمع المدني بدور هام في ترسيخ ثقافة المساءلة المجتمعية، لأهميتها في تحسين الخدمات المقدمة من الإدارات و السلط المحلية هذا الى جانب دورها الفعال في تكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية، وذلك من خلال ما تمتلكه من قدرات فنية عالية، وعلى الأخص في المناطق التي يُصعب تواجد الحكومات فيها، المناطق الريفية والنّائية.
رغم أن العديد من الجمعيات والمنظمات موجودة في مدينة المرسى إلا أن منطقة البحر الأزرق تشهد غياب للمجتمع المدني وحتى المواطنين الناشطين بتلك الجهة وهذا يعتبر تقصيرا وإقصاء لتلك المنطقة .
بقيت مشاكل منطقة البحر الأزرق عالقة دون حلول ، تفاقمت معاناتهم وارتفعت مطالبهم لكن ما زاد الأمر سوء غياب المساواة والإقصاء ليس من السلط المحلية فقط بل أيضا من أهالي نفس المدينة وهو ما أفرز لديهم شعور بعدم الانتماء، نتيجته طالب سكان البحر الأزرق بإحداث بلدية خاصة بهم وفصلهم التام عن مدينة المرسى.
تحقيق من إعداد آية جنان
عمل أنجز ضمن مشروع "مراسلون من أجل ديمقراطية محلية " بإشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES