اختلفت القراءات وتباينت التأويلات حول حقيقة الاستقالات التي عرفتها حركة النهضة بعد إعلان دفعات من قياديين في الحزب من مختلف المواقع والأجنحة والتيارات داخل الحركة عن استقالاتهم منها بصفة جماعية بعد حراك 25 جويلية تجاوز عددهم 131 وضمت قيادات من الصفوف الأولى من أعضاء المكتب التنفيذي وأخرى من نواب البرلمان من نفس الحركة على غرار محمد بن سالم وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو وعماد الحمامي. وبقطع النظر عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه الاستقالات بالجملة وما أثارته من ردود أفعال وقراءات وتبريرات من قبيل "تعطل الديمقراطية الداخلية للحركة والمركزة المفرطة داخلها وانفراد مجموعة من الموالين للغنوشي بسلطة القرار"، أو "الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلية"، إلا أن عديد المواقف تضع هذه الاستقالات في خانة "المناورات وتبادل الأدوار" في سياق المساعي للخروج من الأزمة التي أصبحت تتخبط فيها الحركة بعد 25 جويلية وما عرفته من موجة غضب شعبية واسعة في الداخل وتراجع الدعم الخارجي الذي كان يعد عنصرا أساسيا تستمد منه الحركة قوتها، فضلا عن إجماع عديد الجهات على تحميلها مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا وتردي الوضع الصحي بشكل غير مسبوق وينذر بالخطورة في ظل انتشار أزمة كوفيد 19، باعتبار أن النهضة تمثل إحدى ركائز منظومة الحكم خلال السنوات العشر الأخيرة والفاعل الأساسي في المشهد السياسي منذ 2011 إلى حد دخول القرارات الرئاسية حيز التفعيل في ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية في دورته الأخيرة.
ولعل ما يدعو للتشكيك في حقيقة هذه الاستقالات هو عدم صدور بيان في الغرض من المكتب السياسي او المكتب التنفيذي للحزب يؤكد قبولها أو رفضها باستثناء قرار رئيس الحركة راشد الغنوشي القاضي بتجميد عضوية عماد الحمامي وإحالته على مجلس النظام بسبب تكراره لتجاوز سياسات الحركة، وفق ما جاء في القرار الصادر على الصفحة الرسمية للنهضة، أو تأكيد الغنوشي في حديثه لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية "أن باب الصلح مع المستقيلين مفتوح لأن خروجهم أثر على الحركة وتماسكها".
كل هذه العوامل وغيرها من المعطيات الأخرى ترجح الفرضية أو القراءة التي تذهب إلى أن تلك الاستقالات ليست إلا "مسرحية" راهن فيها أبطالها على الاختلافات في مواقف بعض القيادات والخلافات القائمة بين شقوق مختلفة داخل النهضة خاصة منها القيادات الشابة والمرأة وبعض القياديين التقليديين أو الكلاسيكيين للحزب والتي كسرت ما يروج له عن قاعدة الانضباط وقبر مشاكل الحزب داخل جدران "مونبليزير" وعدم نشر "غسيله خارج المعبد الأزرق. وذلك بعد إعلان بعض القيادات السابقة في فترات متفاوتة عن استقالاتهم على غرار لطفي زيتون وزياد العذاري وزبير الشهودي في مرحلة أولى أي قبل عودته مجددا للبيت النهضوي، فيما كانت استقالة عبد الحميد الجلاصي تقريبا الوحيدة التي ألحقها بتعليل لجانب من أسباب خروجه من حزب كان يعد أحد مهندسي تنظيمه وبُنَاته وتحفظه على الكشف عن حقائق ودوافع الاستقالة. لتأتي في ربيع هذا العام رسالة المائة قيادي الرافضة لتمشي الغنوشي وبعض المقربين منه في عدم الالتزام بتطبيق الفصل 31 من النظام الداخلي للحزب للتمديد في مدة رئاسة لحزب لفترة أخرى بشكل مخالف للقانون الأمر الذي أدى إلى إثارة جدل كبير حول موعد تنظيم المؤتمر 11 للحزب.
رسالة واحدة لدوافع وأسباب مختلفة
ولئن رفض بعض قياديي النهضة الخوض في هذه المسألة فإن القيادي السابق في نفس الحزب عبد الحميد الجلاصي فسر ذلك بقوله:"في الحقيقة ليس هناك كيان اسمه المستقلين جامع لهم رغم إمضائهم على نفس وثيقة الاستقالة لأن كل استقالة هي حالة متفردة بذاتها نظرا لقيمة ووزن ودوافع كل مستقيل داخل الحركة". لذلك اعتبر الجلاصي أن القاسم المشترك بين هؤلاء المستقيلون هو الاختلاف مع رئاسة الحركة وفي الطموحات ووجهات النظر في التعاطي مع عديد المسائل.
واعتبر أن في تصنيف الاستقالات الأخيرة في خانة المؤامرات يعد من أخطر الأفكار التي طفت على المشهد العام في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة والأمر لا يقتصر على النهضة بل يشمل في تقديره مختلف التيارات والتنظيمات السياسية وفسر ذلك بتداعيات المرور من التنظيمات والنشاط في كنف السرية قبل 2011 إلى النشاط في العلن وما خلفته حقيقة الثقافة الجديدة المتمثلة في اكتشاف الفرد في الجماعة.
تباين الأهداف والطموحات
كما اعتبر القيادي السابق أن الخلافات الحاصلة داخل النهضة اليوم هي نتيجة تراكمات سابقة وهي نتيجة مخاض داخلي بدأ سنة 2013 بعد أن بدأت تبرز للعيان تباينات كبيرة داخل الحزب تختلف بين من له مضمون وأهداف وبرامج وبين من له طموحات فردية ومن تحركه مصالح شخصية أو جماعية. ولكن لم يتم إيلاء ذلك الاهتمام الكبير لأن هم النهضة حينها هو كسب معركة الانتخابات والبقاء في صدارة المشهد السياسي والمسك بزمام المنظومة.
ذلك اعتبر أن ماء جاء في بيان المستقيلين في سبتمبر الماضي لم يختلف عما ورد في رسالة المائة قيادي في مارس الماضي. لكن بعد تفاقم الإشكال اليوم بشكل غير مسبوق. وأضاف قائلا: "ما حصل اليوم من انشقاق وتصدع للحزب كان متوقعا وسبق أن نبهت له في عديد المناسبات وهو من الأسباب التي دفعتني للاستقالة. لكني اليوم متأكد أن منظومة النهضة انتهت و"ما عادش توكل خبز". وشدد في حديثه على أن ما يحوصل به الوضع حول الحركة اليوم هو "نهاية تجربة بسبب مواصلة قياداتها الهروب إلى الأمام وعدم استيعاب الدرس ولا يمكن أن يستوعبوا ذلك مستقبلا"، حسب تأكيده. لذلك اختار المضي رفقة مجموعة من القياديين المستقيلين من الحركة قبل 25 جويلية، ذكر من بينهم هشام العريض وزياد بومخلة وأمينة الدريدي وغيرهم، المراهنة على منهج التفكير عبر تأسيس "منتدى آفاق جديدة" ليكون منصة لطرح مقاربة اعتبرها تنقص الفعل السياسي وتنظيماته تنبني على التحليل والنقاش والتفكير لمعالجة جانب من علل وأمراض الممارسة السياسية.
حقيقة تنظيم جديد
ولئن نفى سابقا سمير ديلو إمكانية تأسيس حزب جديد في الوقت الحالي يضم المستقيلين من الحزب، رغم تأكيد محمد بن سالم ذلك، وعدم استبعاده الأمر واعتبره مسألة واردة، فإن رباب لطيف القيادية المستقيلة من نفس الحركة سبق أن أفادت أن هناك نية جديدة لتأسيس حراك سياسي جديد. وفي سياق متصل ذهب صلاح الدين الجورشي، المحلل السياسي، إلى أن "الظاهرة الحزبية الإسلامية" مرشحة لمزيد من الانقسامات ولمزيد من التعدد والتنوع، لأن المستقيلين يتجهون نحو إنشاء أحزاب تضاهي حركة النهضة، أو سيتجهون إلى المجتمع المدني، و"سيكونون أقدر من غيرهم على تحقيق أهداف الإسلام السياسي".
عبد اللطيف الحناشي لـ"الصباح": الاستقالات غير بريئة وهذا ما يجمع سعيد والنهضة
وفي قراءته للمسألة ذهب الدكتور عبد اللطيف الحناشي المختص في تاريخ تونس المعاصر والراهن بالجامعة التونسية، إلى أنه ليس هناك إثباتات تؤكد قبول جملة الاستقالات لقياديين في حركة النهضة التي تم الإعلان عنها بعد 25 جويلية، ولم تظهر للعلن كيف تعاطى معها المكتب السياسي أو النظام الداخلي للحركة خاصة أنها ضمت قيادات وزانة وبرلمانيين في الحزب. واعتبر هذا الغموض الذي يكتنف هذه العملية من الأسباب التي فتح باب التأويلات على نحو أن الاستقالات بدت "غير بريئة" وغير واقعية أو حقيقية خاصة أنها ضمت قيادات محسوبة على "الغنوشي. معتبر أيضا أن البيان الذي تم ترويجه بالمناسبة لم يبرز وجود اختلافات فكرية عميقة بل اقتصر تركيزه على "السلوكيات" ومسائل شكلية أشبه بالسطحية ثم أن البيان فيه كثير من الغموض.
وأكد المختص في القانون المعاصر والراهن أن ما يؤكد عدم واقعية تلك الاستقالات هو اللخبطة والتضارب في المواقف الذي ترجمه الالتقاء الموضوعي بين المستقيلين مع القيادات الحالية للحركة بعد 22 سبتمبر بعد أن أكدوا اختلافهم حول هذه المسألة بعد 25 جويلية. بعد أن انقسموا بين من يتحدث عن انقلاب وبين من يعتبره خرقا جسيما للدستور" ليلتقي الشقين عند مصطلح "الانقلاب" مجددا.
كما اعتبر محدثنا أن في اختيار قيادات النهضة الحالية عدم الخروج للتوضيح أو مواجهة الإعلام الداخلي والاكتفاء بالمراهنة على الإعلام الخارجي واستمالة الدبلوماسية الخارجية مقابل خروج هؤلاء المستقيلين لاكتساح المنابر الإعلامية على مستوى وطني يؤكد أن الاستقالات ليست "بريئة". مستبعدا فرضية وجود خروج حقيقي أو توجه لبعث حزب جديد أو الانضواء في تنظيمات أخرى من منطلق ما تؤكده التجربة التاريخية للإخوان ليس في تونس فحسب وإنما في العالم أجمع وهو أن الخروج عن الجماعة يساوي الموت سياسيا وهو ما يجعل هؤلاء لا يخرجون عن دائرة التنظيم مهما حاولوا. ونزل الحناشي هذه الاستقالات في سياق المناورات قائلا: "يبدو أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى توزيع أدوار وطرح بدائل لإنقاذ الحزب من حالة العزلة التي أصبح فيها بعد 25 جويلية والمساعي لمعالجة الأزمة بشكل مختلف".
ويرى الحناشي أن هذا التمشي والمراهنة على الغموض يساهم في تعميق أزمة الثقة بين الحركة في علاقتها بالداخل التونسي والخارج وتنتهج نفس نهج قيس سعيد الذي ينتقدونه وهو اعتماد الغموض وعدم الوضوح.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
اختلفت القراءات وتباينت التأويلات حول حقيقة الاستقالات التي عرفتها حركة النهضة بعد إعلان دفعات من قياديين في الحزب من مختلف المواقع والأجنحة والتيارات داخل الحركة عن استقالاتهم منها بصفة جماعية بعد حراك 25 جويلية تجاوز عددهم 131 وضمت قيادات من الصفوف الأولى من أعضاء المكتب التنفيذي وأخرى من نواب البرلمان من نفس الحركة على غرار محمد بن سالم وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو وعماد الحمامي. وبقطع النظر عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه الاستقالات بالجملة وما أثارته من ردود أفعال وقراءات وتبريرات من قبيل "تعطل الديمقراطية الداخلية للحركة والمركزة المفرطة داخلها وانفراد مجموعة من الموالين للغنوشي بسلطة القرار"، أو "الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلية"، إلا أن عديد المواقف تضع هذه الاستقالات في خانة "المناورات وتبادل الأدوار" في سياق المساعي للخروج من الأزمة التي أصبحت تتخبط فيها الحركة بعد 25 جويلية وما عرفته من موجة غضب شعبية واسعة في الداخل وتراجع الدعم الخارجي الذي كان يعد عنصرا أساسيا تستمد منه الحركة قوتها، فضلا عن إجماع عديد الجهات على تحميلها مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا وتردي الوضع الصحي بشكل غير مسبوق وينذر بالخطورة في ظل انتشار أزمة كوفيد 19، باعتبار أن النهضة تمثل إحدى ركائز منظومة الحكم خلال السنوات العشر الأخيرة والفاعل الأساسي في المشهد السياسي منذ 2011 إلى حد دخول القرارات الرئاسية حيز التفعيل في ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية في دورته الأخيرة.
ولعل ما يدعو للتشكيك في حقيقة هذه الاستقالات هو عدم صدور بيان في الغرض من المكتب السياسي او المكتب التنفيذي للحزب يؤكد قبولها أو رفضها باستثناء قرار رئيس الحركة راشد الغنوشي القاضي بتجميد عضوية عماد الحمامي وإحالته على مجلس النظام بسبب تكراره لتجاوز سياسات الحركة، وفق ما جاء في القرار الصادر على الصفحة الرسمية للنهضة، أو تأكيد الغنوشي في حديثه لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية "أن باب الصلح مع المستقيلين مفتوح لأن خروجهم أثر على الحركة وتماسكها".
كل هذه العوامل وغيرها من المعطيات الأخرى ترجح الفرضية أو القراءة التي تذهب إلى أن تلك الاستقالات ليست إلا "مسرحية" راهن فيها أبطالها على الاختلافات في مواقف بعض القيادات والخلافات القائمة بين شقوق مختلفة داخل النهضة خاصة منها القيادات الشابة والمرأة وبعض القياديين التقليديين أو الكلاسيكيين للحزب والتي كسرت ما يروج له عن قاعدة الانضباط وقبر مشاكل الحزب داخل جدران "مونبليزير" وعدم نشر "غسيله خارج المعبد الأزرق. وذلك بعد إعلان بعض القيادات السابقة في فترات متفاوتة عن استقالاتهم على غرار لطفي زيتون وزياد العذاري وزبير الشهودي في مرحلة أولى أي قبل عودته مجددا للبيت النهضوي، فيما كانت استقالة عبد الحميد الجلاصي تقريبا الوحيدة التي ألحقها بتعليل لجانب من أسباب خروجه من حزب كان يعد أحد مهندسي تنظيمه وبُنَاته وتحفظه على الكشف عن حقائق ودوافع الاستقالة. لتأتي في ربيع هذا العام رسالة المائة قيادي الرافضة لتمشي الغنوشي وبعض المقربين منه في عدم الالتزام بتطبيق الفصل 31 من النظام الداخلي للحزب للتمديد في مدة رئاسة لحزب لفترة أخرى بشكل مخالف للقانون الأمر الذي أدى إلى إثارة جدل كبير حول موعد تنظيم المؤتمر 11 للحزب.
رسالة واحدة لدوافع وأسباب مختلفة
ولئن رفض بعض قياديي النهضة الخوض في هذه المسألة فإن القيادي السابق في نفس الحزب عبد الحميد الجلاصي فسر ذلك بقوله:"في الحقيقة ليس هناك كيان اسمه المستقلين جامع لهم رغم إمضائهم على نفس وثيقة الاستقالة لأن كل استقالة هي حالة متفردة بذاتها نظرا لقيمة ووزن ودوافع كل مستقيل داخل الحركة". لذلك اعتبر الجلاصي أن القاسم المشترك بين هؤلاء المستقيلون هو الاختلاف مع رئاسة الحركة وفي الطموحات ووجهات النظر في التعاطي مع عديد المسائل.
واعتبر أن في تصنيف الاستقالات الأخيرة في خانة المؤامرات يعد من أخطر الأفكار التي طفت على المشهد العام في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة والأمر لا يقتصر على النهضة بل يشمل في تقديره مختلف التيارات والتنظيمات السياسية وفسر ذلك بتداعيات المرور من التنظيمات والنشاط في كنف السرية قبل 2011 إلى النشاط في العلن وما خلفته حقيقة الثقافة الجديدة المتمثلة في اكتشاف الفرد في الجماعة.
تباين الأهداف والطموحات
كما اعتبر القيادي السابق أن الخلافات الحاصلة داخل النهضة اليوم هي نتيجة تراكمات سابقة وهي نتيجة مخاض داخلي بدأ سنة 2013 بعد أن بدأت تبرز للعيان تباينات كبيرة داخل الحزب تختلف بين من له مضمون وأهداف وبرامج وبين من له طموحات فردية ومن تحركه مصالح شخصية أو جماعية. ولكن لم يتم إيلاء ذلك الاهتمام الكبير لأن هم النهضة حينها هو كسب معركة الانتخابات والبقاء في صدارة المشهد السياسي والمسك بزمام المنظومة.
ذلك اعتبر أن ماء جاء في بيان المستقيلين في سبتمبر الماضي لم يختلف عما ورد في رسالة المائة قيادي في مارس الماضي. لكن بعد تفاقم الإشكال اليوم بشكل غير مسبوق. وأضاف قائلا: "ما حصل اليوم من انشقاق وتصدع للحزب كان متوقعا وسبق أن نبهت له في عديد المناسبات وهو من الأسباب التي دفعتني للاستقالة. لكني اليوم متأكد أن منظومة النهضة انتهت و"ما عادش توكل خبز". وشدد في حديثه على أن ما يحوصل به الوضع حول الحركة اليوم هو "نهاية تجربة بسبب مواصلة قياداتها الهروب إلى الأمام وعدم استيعاب الدرس ولا يمكن أن يستوعبوا ذلك مستقبلا"، حسب تأكيده. لذلك اختار المضي رفقة مجموعة من القياديين المستقيلين من الحركة قبل 25 جويلية، ذكر من بينهم هشام العريض وزياد بومخلة وأمينة الدريدي وغيرهم، المراهنة على منهج التفكير عبر تأسيس "منتدى آفاق جديدة" ليكون منصة لطرح مقاربة اعتبرها تنقص الفعل السياسي وتنظيماته تنبني على التحليل والنقاش والتفكير لمعالجة جانب من علل وأمراض الممارسة السياسية.
حقيقة تنظيم جديد
ولئن نفى سابقا سمير ديلو إمكانية تأسيس حزب جديد في الوقت الحالي يضم المستقيلين من الحزب، رغم تأكيد محمد بن سالم ذلك، وعدم استبعاده الأمر واعتبره مسألة واردة، فإن رباب لطيف القيادية المستقيلة من نفس الحركة سبق أن أفادت أن هناك نية جديدة لتأسيس حراك سياسي جديد. وفي سياق متصل ذهب صلاح الدين الجورشي، المحلل السياسي، إلى أن "الظاهرة الحزبية الإسلامية" مرشحة لمزيد من الانقسامات ولمزيد من التعدد والتنوع، لأن المستقيلين يتجهون نحو إنشاء أحزاب تضاهي حركة النهضة، أو سيتجهون إلى المجتمع المدني، و"سيكونون أقدر من غيرهم على تحقيق أهداف الإسلام السياسي".
عبد اللطيف الحناشي لـ"الصباح": الاستقالات غير بريئة وهذا ما يجمع سعيد والنهضة
وفي قراءته للمسألة ذهب الدكتور عبد اللطيف الحناشي المختص في تاريخ تونس المعاصر والراهن بالجامعة التونسية، إلى أنه ليس هناك إثباتات تؤكد قبول جملة الاستقالات لقياديين في حركة النهضة التي تم الإعلان عنها بعد 25 جويلية، ولم تظهر للعلن كيف تعاطى معها المكتب السياسي أو النظام الداخلي للحركة خاصة أنها ضمت قيادات وزانة وبرلمانيين في الحزب. واعتبر هذا الغموض الذي يكتنف هذه العملية من الأسباب التي فتح باب التأويلات على نحو أن الاستقالات بدت "غير بريئة" وغير واقعية أو حقيقية خاصة أنها ضمت قيادات محسوبة على "الغنوشي. معتبر أيضا أن البيان الذي تم ترويجه بالمناسبة لم يبرز وجود اختلافات فكرية عميقة بل اقتصر تركيزه على "السلوكيات" ومسائل شكلية أشبه بالسطحية ثم أن البيان فيه كثير من الغموض.
وأكد المختص في القانون المعاصر والراهن أن ما يؤكد عدم واقعية تلك الاستقالات هو اللخبطة والتضارب في المواقف الذي ترجمه الالتقاء الموضوعي بين المستقيلين مع القيادات الحالية للحركة بعد 22 سبتمبر بعد أن أكدوا اختلافهم حول هذه المسألة بعد 25 جويلية. بعد أن انقسموا بين من يتحدث عن انقلاب وبين من يعتبره خرقا جسيما للدستور" ليلتقي الشقين عند مصطلح "الانقلاب" مجددا.
كما اعتبر محدثنا أن في اختيار قيادات النهضة الحالية عدم الخروج للتوضيح أو مواجهة الإعلام الداخلي والاكتفاء بالمراهنة على الإعلام الخارجي واستمالة الدبلوماسية الخارجية مقابل خروج هؤلاء المستقيلين لاكتساح المنابر الإعلامية على مستوى وطني يؤكد أن الاستقالات ليست "بريئة". مستبعدا فرضية وجود خروج حقيقي أو توجه لبعث حزب جديد أو الانضواء في تنظيمات أخرى من منطلق ما تؤكده التجربة التاريخية للإخوان ليس في تونس فحسب وإنما في العالم أجمع وهو أن الخروج عن الجماعة يساوي الموت سياسيا وهو ما يجعل هؤلاء لا يخرجون عن دائرة التنظيم مهما حاولوا. ونزل الحناشي هذه الاستقالات في سياق المناورات قائلا: "يبدو أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى توزيع أدوار وطرح بدائل لإنقاذ الحزب من حالة العزلة التي أصبح فيها بعد 25 جويلية والمساعي لمعالجة الأزمة بشكل مختلف".
ويرى الحناشي أن هذا التمشي والمراهنة على الغموض يساهم في تعميق أزمة الثقة بين الحركة في علاقتها بالداخل التونسي والخارج وتنتهج نفس نهج قيس سعيد الذي ينتقدونه وهو اعتماد الغموض وعدم الوضوح.