إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد خمسين سنة على الرحيل.. مازال ادب طه حسين حاضرا ومازالت سيرته ملهمة

 

 

وجهت له اتهامات كثيرة ابرزها الزندقة وظل يدافع على ضرورة تحديث نماهج التدريس والتفكير

 

ترك رصيدا هاما في الحضارة والادب والنقد ومسيرته كانت متنوعة

 

جمع بين التدريس بالجامعة والعمل الصحفي وتقلد مناصب في الجامعة وفي الحكومة جلها لم يدم فيها طويلا لافكاره السياسية

 

تونس – الصباح

 

تتواصل في القاهرة مراسم احياء ذكرى مرور 50 عاما على رحيل عميد الادب العربي طه حسين.

 

ونظمت بالمناسبة ندوات ذكرت بمسيرته الأدبية وبرحلته في عالم الادب والمعرفة وقد وأعلنت دار نشر مصرية بالمناسبة عن إطلاق مشروع لإعادة نشر تراث طه حسين بالتزامن مع الذكرى الخمسين لرحيله.

 

وكان طه حسين قد ولد في 15 نوفمبر 1889 في قرية تابعة لمحافظة المنيا في الصعيد المصري في اسرة كبيرة العدد ومتواضعة ولم وأصيب بالرمد وهو لم يتجاوز الرابة من عمره وحكم الفقر وقلة الاهتمام عليه بفقدان البصر مدى الحياة الامر الذي لم يجعله كما هو معروف يفقد البصيرة.

 

دخل طه حسين جامع الأزهر سنة 1902،ونال شهادة تخول له التخصص في الجامعة، ولم يكن سعيدا بدراسته الرتيبة في الجامع الذي قضى به اربع سنوات وفق ما نقل عنه.

 

ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها عام 1908 كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، ولغات اجنبية وظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. ودأب على هذا العمل حتى سنة 1914، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراه وموضوع الأطروحة هو: «ذكرى أبي العلاء» ما أثار ضجة في الأوساط الدينية، ووجه له شيوخ تهمة الزندقة.

 

أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبلييه بفرنسا، فدرس الآداب وعلم النفس والتاريخ الحديث. بقي هناك حتى سنة 1915، ثم توجه إلى العاصمة باريس فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراه الثانية وعنوانها: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، وكان ذلك عام 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز، وكان لزوجته سوزان بريسو الفرنسية السويسرية الجنسية اثر كبير في حياته، فقامت له بدور القارئ فقرأت عليهالكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تمت كتابتها بطريقة برايل حتى تساعده على القراءة بنفسه، وقال فيها أنه «منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم".

 

اشتغل طه حسين عند عودته الى مصر في الجامعة وتقلد مناصب من بينها انه عين عميدا لكلية الآداب ، وذلك عام 1928، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب.

 

وفي عام 1930 أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب، لكنه سرعان ما استقال منه مجددا فاضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد عام 1932. ويعود ذلك إلى خلافاته السياسية.

 

وقد انصرف بعد التقاعد إلى العمل الصحفي فأشرف على تحرير «كوكب الشرق» التي كان يصدرها حافظ عوض، وما لبث أن استقال من عمله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، فاشترى امتياز «جريدة الوادي» واشرف على تحريرها، لكن هذا العمل لم يعجبه فترك العمل الصحفي إلى حين، كان ذلك عام 1934.

 

وفي العام نفسه أي عام 1934 أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية كأستاذ للأدب، ثم بصفة عميدا لكلية الآداب بداية من عام 1936. وبسبب خلافه مع الحكومة استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى عام 1942، سنة تعيينه مديرالجامعة الإسكندرية، إضافة إلى عمله الآخر كمستشار فني لوزارة المعارف، ومراقب للثقافة في الوزارة عينها. وفي عام 1944 ترك الجامعة مجددا بعد أن أحيل إلى التقاعد.

 

وفي عام 1950، وكان الحكم بيد حزب الوفد المصري تم تعيينه وزيرا للمعارف، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1952، تاريخ إقامة الحكومة الوفدية، بعد أن منح لقب الباشوية عام 1951، وبعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، وعمل رئيسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضوا في العديد من المجامع الدولية، وعضوافي المجلس العالي للفنون والآداب.

 

وفي عام 1959 عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية إلى حين.

 

ومن ابرز كتابات طه حسين المثير للجدلنذكر كتابه "في الشعر الجاهلي الذي خلص فيه الى أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين. وقد تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة وعارضوه فيما ذهب إليه.

 

ودعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، وكان يعيب على المحيطين به وعلى المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، ودعا إلى تطوير تدريس العربية واعداد المعلمين اعدادا جيدا حتى يقلعوا عن التمسك بالمناهج التقليدية للتدريس. وقد وجهت له تهم كثيرة بسبب دعواته للتغيير لكنه ظل يواجه ومتمسكا بافكاره ومواقفه.

 

اضطلع طه حسين بالتوازي مع المناصب التي شغلها في مصر بعدة مهام في الخارج من بينها تمثيل مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بإيطاليا عام 1960، وانتخب عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، واشرف على معهد الدراسات العربية العليا، وتم اختياره عضوا في هيئات دولية محكمة ورشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل. ومنحته جامعة الجزائر الدكتوراه الفخرية سنة 1964، وكذلك، فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية، عام 1965. وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراه الفخرية، وفي عام 1971 ترأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي.

 

وإلى جانب كتابه "الأيام" ( سيرة ذاتية ) و"في الشعر الجاهلي" وهي اشهر اعماله ترك طه حسين عشرات المؤلفات في الحضارة والادب والنقد وهي تعتبر مراجع ضرورية للمهتمين بهذه المجالات. ورغم مرور خمسين سنة على رحيله، فإن طه حسين مازال يثير الجدل ومازالت أفكاره التحديثية ( قياسا بالمرحلة التي عاش فيها) تستفز النقاد بمعنى أنها تشغلهم وتدفعهم لطرح الأسئلة. وكان يعتبر جسرا بين الثقافتين الشرقية والغربية لا سيما لاهتمامه بالأدب المقارن واطلاعه على التجارب الإبداعية الغربية عن قرب.

 

غادرنا طه حسين في 28 أكتوبر 1973 عن سن ناهزت 84 سنة.

 

وإذ تحتفي مصر هذه الأيام برحيل اديبها المعروف، فإن صيت طه حسين تجاوز الحدود المصرية وحاز على لقب عميد الادب العربي. اللقب الذي لم يستطع احد زحزحته عنه بعد نصف قرن عن رحيله، لانه ببساطة نتيجة تعب وجهد واجتهاد ومجازفة وجرأة وعمل بدون انقطاع. انه طه حسين الذي يظل موجودا وباقيا بسيرته الذاتية الملهمة وبرصديه الادبي والفكري الذي مازال يثير الاهتمام والفضول وخاصة الأسئلة.

 

 س ت

 

 

بعد خمسين سنة على الرحيل..     مازال ادب طه حسين حاضرا ومازالت سيرته ملهمة

 

 

وجهت له اتهامات كثيرة ابرزها الزندقة وظل يدافع على ضرورة تحديث نماهج التدريس والتفكير

 

ترك رصيدا هاما في الحضارة والادب والنقد ومسيرته كانت متنوعة

 

جمع بين التدريس بالجامعة والعمل الصحفي وتقلد مناصب في الجامعة وفي الحكومة جلها لم يدم فيها طويلا لافكاره السياسية

 

تونس – الصباح

 

تتواصل في القاهرة مراسم احياء ذكرى مرور 50 عاما على رحيل عميد الادب العربي طه حسين.

 

ونظمت بالمناسبة ندوات ذكرت بمسيرته الأدبية وبرحلته في عالم الادب والمعرفة وقد وأعلنت دار نشر مصرية بالمناسبة عن إطلاق مشروع لإعادة نشر تراث طه حسين بالتزامن مع الذكرى الخمسين لرحيله.

 

وكان طه حسين قد ولد في 15 نوفمبر 1889 في قرية تابعة لمحافظة المنيا في الصعيد المصري في اسرة كبيرة العدد ومتواضعة ولم وأصيب بالرمد وهو لم يتجاوز الرابة من عمره وحكم الفقر وقلة الاهتمام عليه بفقدان البصر مدى الحياة الامر الذي لم يجعله كما هو معروف يفقد البصيرة.

 

دخل طه حسين جامع الأزهر سنة 1902،ونال شهادة تخول له التخصص في الجامعة، ولم يكن سعيدا بدراسته الرتيبة في الجامع الذي قضى به اربع سنوات وفق ما نقل عنه.

 

ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها عام 1908 كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، ولغات اجنبية وظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية. ودأب على هذا العمل حتى سنة 1914، وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراه وموضوع الأطروحة هو: «ذكرى أبي العلاء» ما أثار ضجة في الأوساط الدينية، ووجه له شيوخ تهمة الزندقة.

 

أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبلييه بفرنسا، فدرس الآداب وعلم النفس والتاريخ الحديث. بقي هناك حتى سنة 1915، ثم توجه إلى العاصمة باريس فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراه الثانية وعنوانها: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، وكان ذلك عام 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والنجاح فيه بدرجة الامتياز، وكان لزوجته سوزان بريسو الفرنسية السويسرية الجنسية اثر كبير في حياته، فقامت له بدور القارئ فقرأت عليهالكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تمت كتابتها بطريقة برايل حتى تساعده على القراءة بنفسه، وقال فيها أنه «منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم".

 

اشتغل طه حسين عند عودته الى مصر في الجامعة وتقلد مناصب من بينها انه عين عميدا لكلية الآداب ، وذلك عام 1928، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب.

 

وفي عام 1930 أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب، لكنه سرعان ما استقال منه مجددا فاضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد عام 1932. ويعود ذلك إلى خلافاته السياسية.

 

وقد انصرف بعد التقاعد إلى العمل الصحفي فأشرف على تحرير «كوكب الشرق» التي كان يصدرها حافظ عوض، وما لبث أن استقال من عمله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، فاشترى امتياز «جريدة الوادي» واشرف على تحريرها، لكن هذا العمل لم يعجبه فترك العمل الصحفي إلى حين، كان ذلك عام 1934.

 

وفي العام نفسه أي عام 1934 أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية كأستاذ للأدب، ثم بصفة عميدا لكلية الآداب بداية من عام 1936. وبسبب خلافه مع الحكومة استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى عام 1942، سنة تعيينه مديرالجامعة الإسكندرية، إضافة إلى عمله الآخر كمستشار فني لوزارة المعارف، ومراقب للثقافة في الوزارة عينها. وفي عام 1944 ترك الجامعة مجددا بعد أن أحيل إلى التقاعد.

 

وفي عام 1950، وكان الحكم بيد حزب الوفد المصري تم تعيينه وزيرا للمعارف، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1952، تاريخ إقامة الحكومة الوفدية، بعد أن منح لقب الباشوية عام 1951، وبعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، وعمل رئيسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضوا في العديد من المجامع الدولية، وعضوافي المجلس العالي للفنون والآداب.

 

وفي عام 1959 عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ، كما عاد إلى الصحافة فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية إلى حين.

 

ومن ابرز كتابات طه حسين المثير للجدلنذكر كتابه "في الشعر الجاهلي الذي خلص فيه الى أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين. وقد تصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة وعارضوه فيما ذهب إليه.

 

ودعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، وكان يعيب على المحيطين به وعلى المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، ودعا إلى تطوير تدريس العربية واعداد المعلمين اعدادا جيدا حتى يقلعوا عن التمسك بالمناهج التقليدية للتدريس. وقد وجهت له تهم كثيرة بسبب دعواته للتغيير لكنه ظل يواجه ومتمسكا بافكاره ومواقفه.

 

اضطلع طه حسين بالتوازي مع المناصب التي شغلها في مصر بعدة مهام في الخارج من بينها تمثيل مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بإيطاليا عام 1960، وانتخب عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي، واشرف على معهد الدراسات العربية العليا، وتم اختياره عضوا في هيئات دولية محكمة ورشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل. ومنحته جامعة الجزائر الدكتوراه الفخرية سنة 1964، وكذلك، فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية، عام 1965. وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل، إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية، وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراه الفخرية، وفي عام 1971 ترأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي.

 

وإلى جانب كتابه "الأيام" ( سيرة ذاتية ) و"في الشعر الجاهلي" وهي اشهر اعماله ترك طه حسين عشرات المؤلفات في الحضارة والادب والنقد وهي تعتبر مراجع ضرورية للمهتمين بهذه المجالات. ورغم مرور خمسين سنة على رحيله، فإن طه حسين مازال يثير الجدل ومازالت أفكاره التحديثية ( قياسا بالمرحلة التي عاش فيها) تستفز النقاد بمعنى أنها تشغلهم وتدفعهم لطرح الأسئلة. وكان يعتبر جسرا بين الثقافتين الشرقية والغربية لا سيما لاهتمامه بالأدب المقارن واطلاعه على التجارب الإبداعية الغربية عن قرب.

 

غادرنا طه حسين في 28 أكتوبر 1973 عن سن ناهزت 84 سنة.

 

وإذ تحتفي مصر هذه الأيام برحيل اديبها المعروف، فإن صيت طه حسين تجاوز الحدود المصرية وحاز على لقب عميد الادب العربي. اللقب الذي لم يستطع احد زحزحته عنه بعد نصف قرن عن رحيله، لانه ببساطة نتيجة تعب وجهد واجتهاد ومجازفة وجرأة وعمل بدون انقطاع. انه طه حسين الذي يظل موجودا وباقيا بسيرته الذاتية الملهمة وبرصديه الادبي والفكري الذي مازال يثير الاهتمام والفضول وخاصة الأسئلة.

 

 س ت

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews