عندما استفحلت الازمة السياسية في 2013 واشتدت وأصبحت تنذر بسيناريوهات مخيفة مع الاحتقان الشديد الذي كان يشهده الشارع، بعد تنفيذ عميلتي اغتيال في واضحة النهار استهدفت الأولى الزعيم اليساري شكري بلعيد في 6 فيفري من نفس العام واستهدفت الثانية النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي صباح عيد الجمهورية الذي تلطّخ بالدماء التي سُفكت ذلك الصباح على الإسفلت..، كانت أجهزة الدولة الرسمية عاجزة تماما، عن إدارة الأزمة أو التحكّم في سياقاتها، وازداد الوضع مأساوية مع اتخاذ رئيس المجلس التأسيسي وقتها قرارا يقضي بتعليق أشغال البرلمان، في حين تُحشر حكومة علي لعريض في وضع المتهم مع الحزب الحاكم حركة النهضة، ويعجز رئيس الجمهورية المؤقت وقتها المنصف المرزوقي أن يقنع أي طرف بالتسوية وحشر بدوره في موقع الاتهام..، وكانت المعارضة تستعد بكل قوة الى المواجهة.
ولكن في اللحظة التي انسدت فيها كل الآفاق، بادرت المنظمات الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل وعمادة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الانسان واتحاد الأعراف الى طرح مبادرة الحوار ومحاولة انتشال البلاد من هاوية تتربّص بها على بعد أمتار فقط..، ونجحت المنظمات الوطنية التي أخذت مسافة من الجميع في أن تسحبنا الى برّ الأمان رغم تعثّر جلسات الحوار أحيانا وارهاقها وتلكؤ البعض في الالتحاق بها..، ولكن وقتها استطاعت هذه المنظمات ان تحافظ على السلم الاجتماعية وان تظفر بجائزة نوبل للسلام مقابل تلك المجهودات الخارقة التي بذلتها.
اليوم يعود هاجس الحوار الوطني مرة أخرى، وتعاود هذه المنظمات الكرة، حيث بدأ اتحاد الشغل مع عمادة المحامين في طرح مبادرة للإنقاذ تكون في شكل حوار وتجمع بقية المنظمات الوطنية ومنها رابطة حقوق الانسان وعمادة المحامين والمنتدي التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي غاب اتحاد الأعراف عن هذه المبادرة والذي بدا موقفه الى اليوم غامضا وغير مفهوم في علاقة بكل ما يجري من أحداث..
ولكن اذا كنّا لم نغادر بعد مربع الازمة السياسية منذ 2013 رغم الانفراج الجزئي وقتها فان السياقات الجديدة للحوار وقياداته يختلفون جوهريا رغم ان أغلب المنظمات التي كانت في حوار الرباعي موجودة اليوم في حوار الإنقاذ..، فماذا اختلف بين الأمس واليوم وماذا تغيّر وهل يمكن لنجاح الأمس أن يُعاد اليوم؟
تغيير في تركيبة الرباعي
انعقدت أمس بمقر الاتحاد العام التونسي للشغل جلسة عمل بين الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وعميد المحامين حاتم المزيو ورئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي والمنتدى هو الوافد الجديد على مبادرة الحوار مكان اتحاد الأعراف وقد تناول اللقاء تقدم ما وصفه الحاضرين بتقدم مشاورات المبادرة التي ستتقدم بها المنظمات المعنية.
هذه المبادرة التي تضعها المنظمات الوطنية في اطار حوار وطني يكون هدفه انقاذ الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي تضعها أيضا تحت سقف مسار 25 جويلية الذي يرفضه أغلب الطيف السياسي ويعارضه وهو ما يجعل فرص نجاح هذه المبادرة للحوار والإنقاذ تتقلّص من حيث ترتيب أثارا في تنقية المشهد السياسي المحكوم اليوم بالصراع والمواجهة بين رئيس الجمهورية وبين بقية القوى السياسية باستثناء الأحزاب القومية التي ما تزال تصرّ على دعمها لقيس سعيّد .
ثم أن تخلّف اتحاد الأعراف عن الالتحاق بهذه المبادرة اسوّة بمبادرة الحوار لسنة 2013 سيجعل منها مبادرة مبتورة وتستثني الأعراف والمؤسسات والتي لها رؤيتها ودورها في وضع خطة انقاذ وطني، والى اليوم تبدو مواقف اتحاد الأعراف غامضة وغير حاسمة في علاقة بمسار 25 جويلية والمستجدات والتطورات التي تشهدها الساحة السياسية من دستور جديد الى برلمان، حيث خفت صوت اتحاد الأعراف تحت قيادة سمير ماجول ولم نعد نسمع له مواقفا في علاقة بالمستجدات الوطنية وبكل ما يجري.. ويبدو أن اللقاء الأخير الذي جمع ماجول برئيس الدولة كان له أثره في عدم مشاركة اتحاد الأعراف في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل .
ولا يمكن انكار ان اغلب المنظمات الوطنية عاشت أزمات داخلية عاصفة أثّرت على قوتها وتأثيرها في المشهد الوطني فعمادة المحامين كانت منذ البداية ومع العميد إبراهيم بودربالة منحازة دون شرط او قيد الى مسار 25 جويلية والى خيارات رئيس الدولة رغم رفض شق واسع من المحامين الى خيارات الرئيس في علاقة خاصة بالدستور الجديد الذي صاغه قيس سعيد بشكل منفرد، ولكن اليوم مع العميد الجديد حاتم مزيو فان العمادة تحاول استعادة دورها الوطني والانحياز الى مشاغل التونسيين وقد تبلور هذا الموقف بوضوح مع قانون المالية الأخير .
ونفس الموقف ينطبق على رابطة الدفاع عن حقوق الانسان التي غرقت في مشاكل داخلية مع المكتب السابق وتصادمت المواقف داخلها ولكنها اليوم مع بسام الطريفي تحاول استعادة دورها الوطني وذلك بدعم اتحاد الشغل في مبادرته للإنقاذ.. والمشاكل الداخلية لم تكن بعيدة كذلك عن اتحاد الشغل الذي اثرت عليه داخليا أزمة الفصل 20 بالإضافة الى أن اندفاعه في البداية الى مساندة مسار 25 جويلية أحرجه في مواقف كثيرة بعد ذلك خاصة وانه الى اليوم يرفض الرئيس التعاطي معه بشكل إيجابي كما ترفض الحكومة الالتزام بالاتفاقات التي أمضتها مع الاتحاد .
واذا نجحت في وقت سابق شخصيات مثل حسين العباسي وفاضل محفوظ وعبد الستار بن موسى ووداد بوشماوي بشخصياتهم القوية وقوة تأثيرهم في قطاعاتهم في فرض خارطة طريق والزام كل الأحزاب بها وانتشال البلاد من أزمة حقيقية فان اليوم مهمة نور الدين الطبوبي وحاتم مزيو وبسام الطريفي وعبد الرحمان الهذيلي في غياب سمير ماجول تبدو شبه مستحيلة في الوصول الى حل يرضي كل الأطراف خاصة وان هذه الشخصيات تواجه حتى بعض الرفض داخل هياكلها هذا بالإضافة إلى أنها لا تحظى بإجماع مختلف القوى السياسية التي يرفض اغلبها وضع الحوار تحت اشراف رئيس الجمهورية في حين تصرّ هذه المنظمات على ذلك .
منية العرفاوي
تونس- الصباح
عندما استفحلت الازمة السياسية في 2013 واشتدت وأصبحت تنذر بسيناريوهات مخيفة مع الاحتقان الشديد الذي كان يشهده الشارع، بعد تنفيذ عميلتي اغتيال في واضحة النهار استهدفت الأولى الزعيم اليساري شكري بلعيد في 6 فيفري من نفس العام واستهدفت الثانية النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي صباح عيد الجمهورية الذي تلطّخ بالدماء التي سُفكت ذلك الصباح على الإسفلت..، كانت أجهزة الدولة الرسمية عاجزة تماما، عن إدارة الأزمة أو التحكّم في سياقاتها، وازداد الوضع مأساوية مع اتخاذ رئيس المجلس التأسيسي وقتها قرارا يقضي بتعليق أشغال البرلمان، في حين تُحشر حكومة علي لعريض في وضع المتهم مع الحزب الحاكم حركة النهضة، ويعجز رئيس الجمهورية المؤقت وقتها المنصف المرزوقي أن يقنع أي طرف بالتسوية وحشر بدوره في موقع الاتهام..، وكانت المعارضة تستعد بكل قوة الى المواجهة.
ولكن في اللحظة التي انسدت فيها كل الآفاق، بادرت المنظمات الوطنية وعلى رأسها اتحاد الشغل وعمادة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الانسان واتحاد الأعراف الى طرح مبادرة الحوار ومحاولة انتشال البلاد من هاوية تتربّص بها على بعد أمتار فقط..، ونجحت المنظمات الوطنية التي أخذت مسافة من الجميع في أن تسحبنا الى برّ الأمان رغم تعثّر جلسات الحوار أحيانا وارهاقها وتلكؤ البعض في الالتحاق بها..، ولكن وقتها استطاعت هذه المنظمات ان تحافظ على السلم الاجتماعية وان تظفر بجائزة نوبل للسلام مقابل تلك المجهودات الخارقة التي بذلتها.
اليوم يعود هاجس الحوار الوطني مرة أخرى، وتعاود هذه المنظمات الكرة، حيث بدأ اتحاد الشغل مع عمادة المحامين في طرح مبادرة للإنقاذ تكون في شكل حوار وتجمع بقية المنظمات الوطنية ومنها رابطة حقوق الانسان وعمادة المحامين والمنتدي التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي غاب اتحاد الأعراف عن هذه المبادرة والذي بدا موقفه الى اليوم غامضا وغير مفهوم في علاقة بكل ما يجري من أحداث..
ولكن اذا كنّا لم نغادر بعد مربع الازمة السياسية منذ 2013 رغم الانفراج الجزئي وقتها فان السياقات الجديدة للحوار وقياداته يختلفون جوهريا رغم ان أغلب المنظمات التي كانت في حوار الرباعي موجودة اليوم في حوار الإنقاذ..، فماذا اختلف بين الأمس واليوم وماذا تغيّر وهل يمكن لنجاح الأمس أن يُعاد اليوم؟
تغيير في تركيبة الرباعي
انعقدت أمس بمقر الاتحاد العام التونسي للشغل جلسة عمل بين الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وعميد المحامين حاتم المزيو ورئيس الرابطة التونسية لحقوق الانسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي والمنتدى هو الوافد الجديد على مبادرة الحوار مكان اتحاد الأعراف وقد تناول اللقاء تقدم ما وصفه الحاضرين بتقدم مشاورات المبادرة التي ستتقدم بها المنظمات المعنية.
هذه المبادرة التي تضعها المنظمات الوطنية في اطار حوار وطني يكون هدفه انقاذ الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي تضعها أيضا تحت سقف مسار 25 جويلية الذي يرفضه أغلب الطيف السياسي ويعارضه وهو ما يجعل فرص نجاح هذه المبادرة للحوار والإنقاذ تتقلّص من حيث ترتيب أثارا في تنقية المشهد السياسي المحكوم اليوم بالصراع والمواجهة بين رئيس الجمهورية وبين بقية القوى السياسية باستثناء الأحزاب القومية التي ما تزال تصرّ على دعمها لقيس سعيّد .
ثم أن تخلّف اتحاد الأعراف عن الالتحاق بهذه المبادرة اسوّة بمبادرة الحوار لسنة 2013 سيجعل منها مبادرة مبتورة وتستثني الأعراف والمؤسسات والتي لها رؤيتها ودورها في وضع خطة انقاذ وطني، والى اليوم تبدو مواقف اتحاد الأعراف غامضة وغير حاسمة في علاقة بمسار 25 جويلية والمستجدات والتطورات التي تشهدها الساحة السياسية من دستور جديد الى برلمان، حيث خفت صوت اتحاد الأعراف تحت قيادة سمير ماجول ولم نعد نسمع له مواقفا في علاقة بالمستجدات الوطنية وبكل ما يجري.. ويبدو أن اللقاء الأخير الذي جمع ماجول برئيس الدولة كان له أثره في عدم مشاركة اتحاد الأعراف في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل .
ولا يمكن انكار ان اغلب المنظمات الوطنية عاشت أزمات داخلية عاصفة أثّرت على قوتها وتأثيرها في المشهد الوطني فعمادة المحامين كانت منذ البداية ومع العميد إبراهيم بودربالة منحازة دون شرط او قيد الى مسار 25 جويلية والى خيارات رئيس الدولة رغم رفض شق واسع من المحامين الى خيارات الرئيس في علاقة خاصة بالدستور الجديد الذي صاغه قيس سعيد بشكل منفرد، ولكن اليوم مع العميد الجديد حاتم مزيو فان العمادة تحاول استعادة دورها الوطني والانحياز الى مشاغل التونسيين وقد تبلور هذا الموقف بوضوح مع قانون المالية الأخير .
ونفس الموقف ينطبق على رابطة الدفاع عن حقوق الانسان التي غرقت في مشاكل داخلية مع المكتب السابق وتصادمت المواقف داخلها ولكنها اليوم مع بسام الطريفي تحاول استعادة دورها الوطني وذلك بدعم اتحاد الشغل في مبادرته للإنقاذ.. والمشاكل الداخلية لم تكن بعيدة كذلك عن اتحاد الشغل الذي اثرت عليه داخليا أزمة الفصل 20 بالإضافة الى أن اندفاعه في البداية الى مساندة مسار 25 جويلية أحرجه في مواقف كثيرة بعد ذلك خاصة وانه الى اليوم يرفض الرئيس التعاطي معه بشكل إيجابي كما ترفض الحكومة الالتزام بالاتفاقات التي أمضتها مع الاتحاد .
واذا نجحت في وقت سابق شخصيات مثل حسين العباسي وفاضل محفوظ وعبد الستار بن موسى ووداد بوشماوي بشخصياتهم القوية وقوة تأثيرهم في قطاعاتهم في فرض خارطة طريق والزام كل الأحزاب بها وانتشال البلاد من أزمة حقيقية فان اليوم مهمة نور الدين الطبوبي وحاتم مزيو وبسام الطريفي وعبد الرحمان الهذيلي في غياب سمير ماجول تبدو شبه مستحيلة في الوصول الى حل يرضي كل الأطراف خاصة وان هذه الشخصيات تواجه حتى بعض الرفض داخل هياكلها هذا بالإضافة إلى أنها لا تحظى بإجماع مختلف القوى السياسية التي يرفض اغلبها وضع الحوار تحت اشراف رئيس الجمهورية في حين تصرّ هذه المنظمات على ذلك .