إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وُصف بـ"السلطة الجبارة".. الفصل 80 ليس فصلا للانقلاب واستعدادات للتصدي لـ"انحرافاته"

رغم حجم الهزة السياسية التي رافقت وثيقة "الانقلاب" المزعومة وطرحها لسيناريو وخطة "البيان رقم 1" فان الوثيقة كشفت جانبا مضيئا لدى المتابعين للشأن العام بعد تصديهم ورفضهم لأي انحراف بالسلطة .

وكانت أولى ردود الأفعال مواطنية بالأساس من خلال إعلان حالة الطوارئ "الفايسبوكي" وعلى موقع "التويتر" عبر تكثيف نشر وثيقة "الانقلاب"مما حول الموضوع من مسالة داخلية تهم الرأي العام التونسي إلى موضوع دولي انتهت تفاصيله على عدد من المواقع العربية والدولية.

ولم تقف المؤسسة الأمنية كعادتها على الحياد بعد أن اتخذت موقفا محايدا تجاه موضوع الانقلاب المزعوم لتؤكد رفضها لأي مس بالمسار الديمقراطي واستعدادها المطلق للدفاع عن مؤسسات الدولة وعموم التونسيين.

وكشف موقف نقابة أعوان وإطارات أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية مثلا تأكيدا صريحا على أن عهد الانقلابات ولى وانتهى، موقف حمله بيان شديد اللهجة، حاد، وواضح أن المؤسسة لن تحيد عن أهدافها ولن تكون قنطرة ليمر فوقها أصحاب الأهداف المشبوهة .

ورغم أن الوثيقة لم يتأكد بعد من مدى صدقيتها، قد تكون "بروفة" لتحرك محتمل أو هي بمثابة محاولة لجس نبض الشارع السياسي فإنها في الواقع اصطدمت برفض مطلق امنيا وعسكريا ومؤسساتيا وحزبيا.

الفصل 80 فصل الانقلاب؟

على عكس بقية الفصول الدستورية فقد شكل الفصل 80 سلطة جبارة بيد رئيس الجمهورية على وصف أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي إذ انه يمكنه من المسك بكامل السلطات حيث يخول لقيس سعيد التدخل في مجال المشرّع وفي اختصاصات رئيس الحكومة واتخاذ جميع التدابير مهما كانت طبيعتها.

وشكل هذا الفصل من الدستور مدخلا لنزع السلطة من يد بقية الرؤساء (البرلمان والحكومة) وتجميعها بيد رئيس الدولة، وإذ يبدو هذا الانتزاع عاديا ومكفولا بالدستور فان الوضع السياسي الراهن يشكل تهديدا حقيقيا لإمكانية عودة الاستبداد من بوابة الدستور نفسه.

والحقيقة أن قيس سعيد أبدى بعضا من مظاهر التفرد بالسلطة انطلاقا من قاعدة قراءته المتفردة للدستور والمخالفة أهدافا ومبادئ مع بقية القراءات الأخرى لدكاترة في القانون الدستوري والذين كانوا في مرحلة قريبة أساتذة لقيس سعيد نفسه.

وقد زاد بطش هذا الفصل مع انطلاق الدعوات المتواترة لتفعيله في الوقت الذي سعى بعضهم لإيجاد الأرضية الملائمة لاستعماله وحث الرئيس للانطلاق في إجراءاته القاهرة لتطبيق الفصل لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى لا علاقة في ذلك بالواقع السياسي الذي سيظل محكوما بالخلافات في انتظار إنشاء المحكمة الدستورية.

ولم يكن سعيد بمعزل عن تأثيرات بعض الأطراف القريبة منه وأساسا حزامه السياسي التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين لم يتوقفا في الدفع بالرئيس إلى مربع هذا الفصل كحركة انتقامية بعد سقوط حكومة الياس الفخفاخ والتي شكلت في مرحلة ما المتنفس السياسي للحزبين المذكورين.

تأثير الداخل …

لا احد قادر على إنكار دور الكتلة الديمقراطية (التيار والشعب) وتأثيرها على الرئيس حيث كان للكتلة دور متقدم في الإطاحة بحكومة الحبيب الجملي وتأسيس حكومة الرئيس الأولى بقيادة الياس الفخفاخ وحكومة الرئيس الثانية بقيادة هشام مشيشي.

وقد عمل التيار والشعب على خلق ميكانيزمات الحكم بداية عبر حكومة الفخفاخ ومن ثم عبر بوابة قصر قرطاج لتجنب النهايات السياسية والحزبية المؤلمة وفي محاولة لإنعاش أمل الحياة عند الحزبين .

ويدرك الطرفان أن الغطاء السياسي الذي يوفره قيس سعيد شخصيا بمثابة غرفة الإنعاش حيث استدامة البقاء مرتبط بافتعال المتكرر للازمات تحت قبة البرلمان سواء من خلال الاشتباك المتواصل مع كتلة ائتلاف الكرامة أو ترذيل حركة النهضة وكتلة قلب تونس أو عبر الطعن في المحكمة الدستورية رغم ان التنقيحات المدرجة والمصوت عليها برلمانيا هي مقترحات الكتلة الديمقراطية نفسها.

وإذا كان سعيد محوما بتأثير الكتلة الديمقراطية فقد بدا الرئيس يتعافى من علاقته بالتيار الديمقراطي خاصة بعد ما بات يعرف بتسريبات محمد عمار يوم 14مارس 2021 والتي كشف فيها عن جملة من الخطط بين الحزب والرئيس وهو ما عجّل بنهاية العلاقة بين الطرفين حيث كان آخر حضور للتيارين بقرطاج يوم 9 مارس الماضي أين التقى سعيد بالأمين العام للتيار غازي الشواشي.

مجهر الخارج ...

وإذا كان سعيد وتحركاته محكومة بنصوص دستورية واضحة فان تونس مازالت في الأصل تحت مجهر الخارج أو شركاء تونس الذين يرفضون المس بالنموذج التونسي وهو ما عبرت عنه نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريسون في المكالمة الأخيرة مع سعيد أو ما جاء في الرسالة المفتوحة لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن إلى الرئيس بايدن وحديثه عن استقرار التونسي الليبي الذي يمر بالضرورة عبر بوابة الديمقراطية.

وفي المحصلة فان الحديث عن الانقلاب في دولة يحكمها دستور وصناديق الاقتراع تبدو مجرد سيناريوهات هزلية وهو خيار تبناه الملحق بالدائرة الديبلوماسية برئاسة الجمهورية وليد الحجام في تصريحه للجزيرة نات حين اعتبر "أن عهد الانقلابات ولى وانتهى".

فإذا كانت بعض مناطق العالم تتخاطب في صراعها بقذائف الهاون ولهيب الرصاص فان تونس تتراشق بفصول الدستور في انتظار كلمة الفصل والحسم للمحكمة الدستورية.

خليل الحناشي

وُصف بـ"السلطة الجبارة".. الفصل 80 ليس فصلا للانقلاب واستعدادات للتصدي لـ"انحرافاته"

رغم حجم الهزة السياسية التي رافقت وثيقة "الانقلاب" المزعومة وطرحها لسيناريو وخطة "البيان رقم 1" فان الوثيقة كشفت جانبا مضيئا لدى المتابعين للشأن العام بعد تصديهم ورفضهم لأي انحراف بالسلطة .

وكانت أولى ردود الأفعال مواطنية بالأساس من خلال إعلان حالة الطوارئ "الفايسبوكي" وعلى موقع "التويتر" عبر تكثيف نشر وثيقة "الانقلاب"مما حول الموضوع من مسالة داخلية تهم الرأي العام التونسي إلى موضوع دولي انتهت تفاصيله على عدد من المواقع العربية والدولية.

ولم تقف المؤسسة الأمنية كعادتها على الحياد بعد أن اتخذت موقفا محايدا تجاه موضوع الانقلاب المزعوم لتؤكد رفضها لأي مس بالمسار الديمقراطي واستعدادها المطلق للدفاع عن مؤسسات الدولة وعموم التونسيين.

وكشف موقف نقابة أعوان وإطارات أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية مثلا تأكيدا صريحا على أن عهد الانقلابات ولى وانتهى، موقف حمله بيان شديد اللهجة، حاد، وواضح أن المؤسسة لن تحيد عن أهدافها ولن تكون قنطرة ليمر فوقها أصحاب الأهداف المشبوهة .

ورغم أن الوثيقة لم يتأكد بعد من مدى صدقيتها، قد تكون "بروفة" لتحرك محتمل أو هي بمثابة محاولة لجس نبض الشارع السياسي فإنها في الواقع اصطدمت برفض مطلق امنيا وعسكريا ومؤسساتيا وحزبيا.

الفصل 80 فصل الانقلاب؟

على عكس بقية الفصول الدستورية فقد شكل الفصل 80 سلطة جبارة بيد رئيس الجمهورية على وصف أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي إذ انه يمكنه من المسك بكامل السلطات حيث يخول لقيس سعيد التدخل في مجال المشرّع وفي اختصاصات رئيس الحكومة واتخاذ جميع التدابير مهما كانت طبيعتها.

وشكل هذا الفصل من الدستور مدخلا لنزع السلطة من يد بقية الرؤساء (البرلمان والحكومة) وتجميعها بيد رئيس الدولة، وإذ يبدو هذا الانتزاع عاديا ومكفولا بالدستور فان الوضع السياسي الراهن يشكل تهديدا حقيقيا لإمكانية عودة الاستبداد من بوابة الدستور نفسه.

والحقيقة أن قيس سعيد أبدى بعضا من مظاهر التفرد بالسلطة انطلاقا من قاعدة قراءته المتفردة للدستور والمخالفة أهدافا ومبادئ مع بقية القراءات الأخرى لدكاترة في القانون الدستوري والذين كانوا في مرحلة قريبة أساتذة لقيس سعيد نفسه.

وقد زاد بطش هذا الفصل مع انطلاق الدعوات المتواترة لتفعيله في الوقت الذي سعى بعضهم لإيجاد الأرضية الملائمة لاستعماله وحث الرئيس للانطلاق في إجراءاته القاهرة لتطبيق الفصل لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى لا علاقة في ذلك بالواقع السياسي الذي سيظل محكوما بالخلافات في انتظار إنشاء المحكمة الدستورية.

ولم يكن سعيد بمعزل عن تأثيرات بعض الأطراف القريبة منه وأساسا حزامه السياسي التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين لم يتوقفا في الدفع بالرئيس إلى مربع هذا الفصل كحركة انتقامية بعد سقوط حكومة الياس الفخفاخ والتي شكلت في مرحلة ما المتنفس السياسي للحزبين المذكورين.

تأثير الداخل …

لا احد قادر على إنكار دور الكتلة الديمقراطية (التيار والشعب) وتأثيرها على الرئيس حيث كان للكتلة دور متقدم في الإطاحة بحكومة الحبيب الجملي وتأسيس حكومة الرئيس الأولى بقيادة الياس الفخفاخ وحكومة الرئيس الثانية بقيادة هشام مشيشي.

وقد عمل التيار والشعب على خلق ميكانيزمات الحكم بداية عبر حكومة الفخفاخ ومن ثم عبر بوابة قصر قرطاج لتجنب النهايات السياسية والحزبية المؤلمة وفي محاولة لإنعاش أمل الحياة عند الحزبين .

ويدرك الطرفان أن الغطاء السياسي الذي يوفره قيس سعيد شخصيا بمثابة غرفة الإنعاش حيث استدامة البقاء مرتبط بافتعال المتكرر للازمات تحت قبة البرلمان سواء من خلال الاشتباك المتواصل مع كتلة ائتلاف الكرامة أو ترذيل حركة النهضة وكتلة قلب تونس أو عبر الطعن في المحكمة الدستورية رغم ان التنقيحات المدرجة والمصوت عليها برلمانيا هي مقترحات الكتلة الديمقراطية نفسها.

وإذا كان سعيد محوما بتأثير الكتلة الديمقراطية فقد بدا الرئيس يتعافى من علاقته بالتيار الديمقراطي خاصة بعد ما بات يعرف بتسريبات محمد عمار يوم 14مارس 2021 والتي كشف فيها عن جملة من الخطط بين الحزب والرئيس وهو ما عجّل بنهاية العلاقة بين الطرفين حيث كان آخر حضور للتيارين بقرطاج يوم 9 مارس الماضي أين التقى سعيد بالأمين العام للتيار غازي الشواشي.

مجهر الخارج ...

وإذا كان سعيد وتحركاته محكومة بنصوص دستورية واضحة فان تونس مازالت في الأصل تحت مجهر الخارج أو شركاء تونس الذين يرفضون المس بالنموذج التونسي وهو ما عبرت عنه نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريسون في المكالمة الأخيرة مع سعيد أو ما جاء في الرسالة المفتوحة لوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن إلى الرئيس بايدن وحديثه عن استقرار التونسي الليبي الذي يمر بالضرورة عبر بوابة الديمقراطية.

وفي المحصلة فان الحديث عن الانقلاب في دولة يحكمها دستور وصناديق الاقتراع تبدو مجرد سيناريوهات هزلية وهو خيار تبناه الملحق بالدائرة الديبلوماسية برئاسة الجمهورية وليد الحجام في تصريحه للجزيرة نات حين اعتبر "أن عهد الانقلابات ولى وانتهى".

فإذا كانت بعض مناطق العالم تتخاطب في صراعها بقذائف الهاون ولهيب الرصاص فان تونس تتراشق بفصول الدستور في انتظار كلمة الفصل والحسم للمحكمة الدستورية.

خليل الحناشي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews