إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المراجعة القادمة لوكالة "فيتش" قد تعلن تونس دولة "مفلسة"! 

 

حذر محافظ البنك المركزي مروان العباسي ، في آخر ظهور له، من تراجع تصنيف تونس السيادي إلى "س" ، وذلك بعد طلب وكالة التصنيف فيتش رايتنغ من تونس القيام بتقييم نهاية شهر ماي 2021، الامر الذي دفع بمحافظ البنك المركزي الى طلب مهلة لتدارك ما يمكن تداركه قبل ان تعمد الوكالة الى الحط من تصنيف تونس إلى "س"، وهي درجة تعلن رسميا عن عدم قدرة بلادنا على سداد ديونها وأوشكت على الافلاس ومخاطر الاستثمار فيها عالية. 

وتابع العباسي بالقول إنه " لأوّل مرّة، ومنذ سنة 1962، يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموّا سلبيا في حدود 9- بالمائة"، مبرزا أن محركات النمو الثلاثة والمتعلّقة بالاستثمار والتصدير والاستهلاك قد تراجعت بشكل لافت وخطير. 

تحذيرات محافظ البنك المركزي ، تأتي في الوقت الذي تمر به البلاد بأسوإ ضائقة مالية في تاريخها المعاصر، وبمثابة جرس الانذار، واكثرها خطورة تحذيره من تعمد مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الى الحط من درجات تونس الى مستوى "س" وهو مستوى تصنيفي خطير يعتمده رجال الاعمال ومؤسسات بنكية دولية، ومجرد الاعلان عنه سيهوي بكافة الاستثمارات بالبلاد ويدفع بالعديد من المستثمرين الى تحويل أموالهم بالعملة الصعبة الى الخارج ، بالاضافة الى التفويت في سنداتهم باقل من سعرها الحقيقي.   

ويعتبر القطاع المصرفي من بين القطاعات الأكثر حساسية لتدهور  التصنيف السيادي، وخلال أزمة 2007 تأثرت 64 ٪ من البنوك التي تمر بلدانها بأزمة تدهور تصنيفها ، وفي الأشهر الستة التالية من الانخفاض في التصنيف السيادي، أشهرت العديد من البنوك افلاسها. ويمكن لهذا التدهور في التصنيف السيادي، ان ينعكس سلبا على كافة البنوك التونسية ، والتي ستجد نفسها أمام أزمة مباشرة بسبب زيادة تكاليف التمويل في حال اللجوء الى مصادر تمويل من البنوك الاجنبية، كما سيضر ذلك المعاملات التجارية الدولية والشركات المصدرة وغيرها من المؤسسات الوطنية، حيث ستعتبر هذه الشركات مخاطرها عالية وستفرض شروطًا جديدة عليها ، أكثر تقييدًا ، بسبب المخاطر العالية للمؤسسات العامة والمؤسسات البنكية ، ويمكن ان يؤدي ذلك، الى نفاد مخزون المنتجات الاستراتيجية بسبب المخاوف والمخاطر العالية على عملبات التوريد. 

هروب المستثمرين 

وإذا تم تقييم البلد المضيف بشكل سلبي ، وهذا هو الحال بالنسبة لتونس، يتعرض المستثمرون الأجانب الى مخاطر عالية تشمل انخفاض قيمة أصولهم بعد قيمة العملة المحلية ، ويؤدي ذلك الى هروب المستثمرين الأجانب الذي بدأوا بالفعل في مغادرة البلاد منذ الاعلان عن تخفيض التصنيف السيادي ، كما سيلحق التدهور في التصنيف السيادي أضرارا فادحة على مستوى احتياجات البلاد وخاصة في عمليات  استيراد الحبوب ، والنفط. 

وسيضع التصنيف "س" في حال اعتمدته وكالة فيتش، البنك المركزي  التونسي في مأزق، خاصة وأنه يعمل منذ سنوات على الحفاظ على السلامة المالية للنظام المصرفي ، وضمان تدفق الموارد المالية لتمويل الاقتصاد ، وتأمين عمليات التجارة الدولية من أجل تجنب الاضطرابات المحتملة. وتعد البلدان التي مرت الى الفئة B3 وهو حال تونس مع وكالة موديز أيضا ، ونجحت في تفادي النزول هي قليلة جدا، وهناك بلدان أخرى فشلت في ذلك ومرت في وقت قصير الى الفئة C وهي وضعية الافلاس التام. 

ويؤكد الخبراء ان العودة الى تصنيف مطمئن يحتاج الى سنوات طويلة، وخطط تنمية ناجعة وحزمة من الاصلاحات العاجلة، كما وجب أن يكون تحسين التصنيف السيادي مصحوبًا بشكل حتمي بتحسين معدل الاستثمار، وخلق قيمة مضافة كافية، وهذه النقاط، السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار وضمان القدرة على تحمل الديون، كما لا ينبغي تبرير بدء الإصلاحات فقط من خلال تحسين تصنيف تونس أو الامتثال لطلبات صندوق النقد الدولي، ولكن بالأحرى أن تبادر الدولة عبر خطط حكيمة الى تعزيز الاستثمار العام وإطلاق العنان للمبادرات الخاصة. 

تواصل التصنيفات السلبية 

وسبق تقييم فيتش ، تقييم آخر صادر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف تونس من B2 إلى B3، وحافظت على توقعاتها السلبية، وكانت الوكالة ، قد حطت من تصنيف تونس عند مستوى B2 مع نظرة مستقبلية سلبية، في شهر أكتوبر 2020، وسبقه تصنيف B2 "قيد المراجعة نحو التخفيض" في شهر أفريل 2020.

ووفق بيان الوكالة، فإن "هذا التصنيف يعكس ضعف الحوكمة في مواجهة القيود الاجتماعية المتزايدة التي تمنع بشكل متزايد مرونة الحكومة في تنفيذ التعديل المالي وإصلاحات القطاع العام التي من شأنها أن تحقق الاستقرار وتعكس الزيادة الملحوظة في عبء ديونها في نهاية المطاف".ولفت البيان إلى أن النظرة المستقبلية السلبية هي نتيجة مخاطر الهبوط المتعلقة بالمزيد من التأخير في التفاوض وتنفيذ برنامج ممول من صندوق النقد الدولي".

وتابعت الوكالة "ومن شأن مثل هذه التأخيرات أن تزيد من عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على تأمين الوصول المستمر إلى مصادر التمويل الخارجية الرسمية والحفاظ على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية بشروط ميسرة من أجل تلبية متطلبات التمويل المرتفعة خلال السنوات القليلة القادمة ". 

وتتالت في الآونة الاخيرة التصنيفات السلبية التي أسندت لتونس ، وآخرها كانت B مع افاق سلبية من طرف وكالة فيتش رايتنغ وB2 من قبل وكالة موديز ، الامر الذي يزيد من صعوبة خروج تونس الى الاسواق المالية المانحة ، خاصة امام الاحتياجات المالية الضرورية التي تحتاجها خلال سنة 2021 ، والتي تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار) موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار) وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار (مليارا دولار).

وتعد "فيتش" شركة عالمية رائدة في مجال خدمات المعلومات المالية، وثالث أهم وكالة للتصنيف الائتماني في العالم من حيث رقم مبيعاتها وحصتها في السوق، بعد كل من وكالتي موديز لخدمة المستثمرين وستاندارد أند بورز. وتعمل فيتش في أكثر من خمسين بلدا حول العالم تملك فيها مكاتب تمثيلية.

تعمل وكالة فيتش للتصنيف على تقييم الجدارة الائتمانية للبلدان والمؤسسات الراغبة في الحصول على التمويل عبر أسواق الأوراق المالية عن طريق إصدار السندات، ويُقصد بالجدارة الائتمانية مدى قدرة الجهة الراغبة في الاقتراض على الوفاء بالتزاماتها المالية وسداد ديونها لمستحقيها في الآجال المتعاقد عليها.

سلم التصنيفات ومخاطرها 

كما تقوم فيتش بتزويد المستثمرين بجملة من المعلومات والتحاليل بخصوص الصحة المالية لبعض المؤسسات المدرجة في سوق الأوراق المالية، وتقدم آرائها بشأن الاستثمار فيها من عدمه. ويغطي نشاط وكالة فيتش حاليا تصنيف الديون السيادية لأكثر من 150 دولة، وديون ما يناهز 19 ألفا و500 مؤسسة خاصة (مصارف، ومؤسسات مالية، وشركات تأمين، ومؤسسات خاصة).

ويضم سلم فيتش لتصنيف الديون السيادية 11 مستوى، وهي كالتالي:

1 – إي إي إي: سندات تتمتع بأعلى قدر من الجودة، وتنطوي على أقل مستوى من المخاطر الائتمانية.

2 – إي إي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية عالية جدا، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

3 – إي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية عالية، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

4 – بي بي بي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية جيدة، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

5 – بي بي: سندات فيها درجة من المضاربة، مع قابلية مرتفعة للتخلف عن السداد، لا سيما في حال حدوث تغيرات عكسية على مستوى الأعمال أو الظروف الاقتصادية مع مرور الوقت.

6 – بي: سندات فيها درجة عالية من المضاربة مع وجود خطر التخلف عن السداد، لكن هامشا محدودا من الأمان يظل متاحا.

7 – سي سي سي: سندات تنطوي على مخاطر ائتمانية كبيرة، وتظل إمكانية التخلف عن السداد احتمالا حقيقيا.

8 – سي سي: سندات تنطوي على مستويات عالية جدا من المخاطر الائتمانية، وتظل إمكانية التخلف عن السداد احتمالا مرجحا.

9 – سي: سندات تنطوي على مستويات مرتفعة بشكل استثنائي من المخاطر الائتمانية، ويبقى التخلف عن السداد وشيكا أو لا مفر منه.

10 – آر دي: عجز محدود عن السداد، حيث سبق لمصدر السند أن واجه مشاكل في السداد، لكنه لا يوجد بعد في حالة إفلاس.

11 – دي: عجز كامل عن السداد، ومصدر السند في حالة إفلاس

وكشفت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقريرها حول آفاق القطاع المصرفي التونسي على المدى القصير، أن البنوك التونسية ستواجه زيادة حادة في مخاطر التخلف عن سداد الائتمان، كما لاحظت الوكالة حسب التقرير، أن القدرة على إدارة القروض المصرفية في تونس تضعف أكثر مع ارتفاع كتلة الاجور والنفقات العامة. وسبق تقرير وكالتي «ستاندرد آند بورز غلوبال» و"فيتش رايتنغ"، تقرير لوكالة موديز (Moody’s) الأمريكية ليزيد في عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، بعد تخفيض تصنيفها الائتماني من "بي2" (B2) إلى "بي3" (B3)، مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو الامر الذي دفع بالمختصين في الشأن الاقتصادي الى التحذير من أن التصنيف السلبي الجديد هو بمثابة إنذار أخير للحكومة والقيادات السياسية في البلاد، لتبادر مبكرا بحزمة من الإصلاحات اللازمة قبل حصول الكارثة والنزول بالتصنيف الائتماني للبلاد إلى مستوى "عالي المخاطر".

تحذيرات من أزمة مالية خانقة

ويشدد خبراء الاقتصاد أن التصنيف السلبي الأخير لوكالات التصنيف السيادية العالمية أخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي المتأزم، والذي كان ملحوظا في جل التقارير الصادرة عن هذه الوكالات، وبالتالي فإن التزام تونس بتعهداتها تجاه المؤسسات المالية العالمية رهين أرضية سياسية مستقرة تعكس نظرة اقتصادية مستقبلية لخلق الثروة وتسديد الدين.ويأتي تصنيف وكالتي فيتش وموديز في وقت بلغت فيه نسبة الانكماش الاقتصادي 9 %، مع ارتفاع غير مسبوق لنسبة الدين الخارجي إلى حدود 110% من الناتج الداخلي الإجمالي، بينما قفزت نسبة البطالة إلى حدود 17.4% خلال الربع الرابع من سنة 2020.

وتحتاج تونس سنة 2021 لموارد مالية تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار)، موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار)، وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار.وشكك تقرير موديز الاخير، من قدرة الحكومة التونسية ومؤسساتها السيادية على تطبيق الإجراءات والتوصيات المقدمة من البنوك العالمية والمؤسسات المالية لخروج تونس من مرحلة الخطر وتخفيف حدة الدين، بسبب ارتفاع حدة المطالب الاجتماعية وسوء حوكمة الأموال العمومية، مشيرا الى أن جائحة كورونا ألحقت ضررا بالغا بتونس، وأدت إلى هبوط اقتصادي غير مسبوق وارتفاع في الدين العام إلى اكثر من 87% من إجمالي الناتج المحلي.

وأظهر أحدث تقرير للتوقعات الاقتصادية الإقليمية لصندوق النقد الدولي أن انخفاض الإيرادات الضريبية لتونس ادى الى ارتفاع عجزها المالي إلى اكثر من 10.6 في المائة، مبرزا إن الحكومة لجأت إلى البنوك المحلية لتمويل العجز في ميزانية الدولة ، وغطى الاقتراض من البنوك المحلية أكثر من 50 في المائة من احتياجات تونس المالية، متوقعا أن تنمو نسبة الدين في الناتج المحلي الإجمالي في تونس إلى 91.2 في المائة هذا العام ،بعد ان بلغت 87.6 في المائة في عام 2020.

ويذهب عدد من الخبراء الى طرح أولويات جديدة للمرحلة القادمة على رأسها الحاجة الملحة إلى هدنة اجتماعية في تونس لمدة عام أو أكثر لتعبئة الموارد وتجنب تعطل الإنتاج، والشروع في جملة من الاصلاحات الاقتصادية لإنقاذ المؤسسات العمومية والخاصة من خطر الافلاس.

كما يشدد جل الخبراء على ان سياسة الترقيع التي تعتمد عليها الحكومات السابقة والقادمة لن تعالج المعضلة المالية العامة لتونس من جذورها، حيث إنها لم تقم الى حد الان بالإصلاحات المطلوبة كتحرير السوق وفرض المنافسة النزيهة والقضاء على الاقتصاد الريعي والبيروقراطية و تكريس الانفتاح الاقتصادي على العالم بأسره.

سفيان المهداوي 

  المراجعة القادمة لوكالة "فيتش" قد تعلن تونس دولة "مفلسة"! 

 

حذر محافظ البنك المركزي مروان العباسي ، في آخر ظهور له، من تراجع تصنيف تونس السيادي إلى "س" ، وذلك بعد طلب وكالة التصنيف فيتش رايتنغ من تونس القيام بتقييم نهاية شهر ماي 2021، الامر الذي دفع بمحافظ البنك المركزي الى طلب مهلة لتدارك ما يمكن تداركه قبل ان تعمد الوكالة الى الحط من تصنيف تونس إلى "س"، وهي درجة تعلن رسميا عن عدم قدرة بلادنا على سداد ديونها وأوشكت على الافلاس ومخاطر الاستثمار فيها عالية. 

وتابع العباسي بالقول إنه " لأوّل مرّة، ومنذ سنة 1962، يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموّا سلبيا في حدود 9- بالمائة"، مبرزا أن محركات النمو الثلاثة والمتعلّقة بالاستثمار والتصدير والاستهلاك قد تراجعت بشكل لافت وخطير. 

تحذيرات محافظ البنك المركزي ، تأتي في الوقت الذي تمر به البلاد بأسوإ ضائقة مالية في تاريخها المعاصر، وبمثابة جرس الانذار، واكثرها خطورة تحذيره من تعمد مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الى الحط من درجات تونس الى مستوى "س" وهو مستوى تصنيفي خطير يعتمده رجال الاعمال ومؤسسات بنكية دولية، ومجرد الاعلان عنه سيهوي بكافة الاستثمارات بالبلاد ويدفع بالعديد من المستثمرين الى تحويل أموالهم بالعملة الصعبة الى الخارج ، بالاضافة الى التفويت في سنداتهم باقل من سعرها الحقيقي.   

ويعتبر القطاع المصرفي من بين القطاعات الأكثر حساسية لتدهور  التصنيف السيادي، وخلال أزمة 2007 تأثرت 64 ٪ من البنوك التي تمر بلدانها بأزمة تدهور تصنيفها ، وفي الأشهر الستة التالية من الانخفاض في التصنيف السيادي، أشهرت العديد من البنوك افلاسها. ويمكن لهذا التدهور في التصنيف السيادي، ان ينعكس سلبا على كافة البنوك التونسية ، والتي ستجد نفسها أمام أزمة مباشرة بسبب زيادة تكاليف التمويل في حال اللجوء الى مصادر تمويل من البنوك الاجنبية، كما سيضر ذلك المعاملات التجارية الدولية والشركات المصدرة وغيرها من المؤسسات الوطنية، حيث ستعتبر هذه الشركات مخاطرها عالية وستفرض شروطًا جديدة عليها ، أكثر تقييدًا ، بسبب المخاطر العالية للمؤسسات العامة والمؤسسات البنكية ، ويمكن ان يؤدي ذلك، الى نفاد مخزون المنتجات الاستراتيجية بسبب المخاوف والمخاطر العالية على عملبات التوريد. 

هروب المستثمرين 

وإذا تم تقييم البلد المضيف بشكل سلبي ، وهذا هو الحال بالنسبة لتونس، يتعرض المستثمرون الأجانب الى مخاطر عالية تشمل انخفاض قيمة أصولهم بعد قيمة العملة المحلية ، ويؤدي ذلك الى هروب المستثمرين الأجانب الذي بدأوا بالفعل في مغادرة البلاد منذ الاعلان عن تخفيض التصنيف السيادي ، كما سيلحق التدهور في التصنيف السيادي أضرارا فادحة على مستوى احتياجات البلاد وخاصة في عمليات  استيراد الحبوب ، والنفط. 

وسيضع التصنيف "س" في حال اعتمدته وكالة فيتش، البنك المركزي  التونسي في مأزق، خاصة وأنه يعمل منذ سنوات على الحفاظ على السلامة المالية للنظام المصرفي ، وضمان تدفق الموارد المالية لتمويل الاقتصاد ، وتأمين عمليات التجارة الدولية من أجل تجنب الاضطرابات المحتملة. وتعد البلدان التي مرت الى الفئة B3 وهو حال تونس مع وكالة موديز أيضا ، ونجحت في تفادي النزول هي قليلة جدا، وهناك بلدان أخرى فشلت في ذلك ومرت في وقت قصير الى الفئة C وهي وضعية الافلاس التام. 

ويؤكد الخبراء ان العودة الى تصنيف مطمئن يحتاج الى سنوات طويلة، وخطط تنمية ناجعة وحزمة من الاصلاحات العاجلة، كما وجب أن يكون تحسين التصنيف السيادي مصحوبًا بشكل حتمي بتحسين معدل الاستثمار، وخلق قيمة مضافة كافية، وهذه النقاط، السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار وضمان القدرة على تحمل الديون، كما لا ينبغي تبرير بدء الإصلاحات فقط من خلال تحسين تصنيف تونس أو الامتثال لطلبات صندوق النقد الدولي، ولكن بالأحرى أن تبادر الدولة عبر خطط حكيمة الى تعزيز الاستثمار العام وإطلاق العنان للمبادرات الخاصة. 

تواصل التصنيفات السلبية 

وسبق تقييم فيتش ، تقييم آخر صادر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف تونس من B2 إلى B3، وحافظت على توقعاتها السلبية، وكانت الوكالة ، قد حطت من تصنيف تونس عند مستوى B2 مع نظرة مستقبلية سلبية، في شهر أكتوبر 2020، وسبقه تصنيف B2 "قيد المراجعة نحو التخفيض" في شهر أفريل 2020.

ووفق بيان الوكالة، فإن "هذا التصنيف يعكس ضعف الحوكمة في مواجهة القيود الاجتماعية المتزايدة التي تمنع بشكل متزايد مرونة الحكومة في تنفيذ التعديل المالي وإصلاحات القطاع العام التي من شأنها أن تحقق الاستقرار وتعكس الزيادة الملحوظة في عبء ديونها في نهاية المطاف".ولفت البيان إلى أن النظرة المستقبلية السلبية هي نتيجة مخاطر الهبوط المتعلقة بالمزيد من التأخير في التفاوض وتنفيذ برنامج ممول من صندوق النقد الدولي".

وتابعت الوكالة "ومن شأن مثل هذه التأخيرات أن تزيد من عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على تأمين الوصول المستمر إلى مصادر التمويل الخارجية الرسمية والحفاظ على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية بشروط ميسرة من أجل تلبية متطلبات التمويل المرتفعة خلال السنوات القليلة القادمة ". 

وتتالت في الآونة الاخيرة التصنيفات السلبية التي أسندت لتونس ، وآخرها كانت B مع افاق سلبية من طرف وكالة فيتش رايتنغ وB2 من قبل وكالة موديز ، الامر الذي يزيد من صعوبة خروج تونس الى الاسواق المالية المانحة ، خاصة امام الاحتياجات المالية الضرورية التي تحتاجها خلال سنة 2021 ، والتي تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار) موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار) وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار (مليارا دولار).

وتعد "فيتش" شركة عالمية رائدة في مجال خدمات المعلومات المالية، وثالث أهم وكالة للتصنيف الائتماني في العالم من حيث رقم مبيعاتها وحصتها في السوق، بعد كل من وكالتي موديز لخدمة المستثمرين وستاندارد أند بورز. وتعمل فيتش في أكثر من خمسين بلدا حول العالم تملك فيها مكاتب تمثيلية.

تعمل وكالة فيتش للتصنيف على تقييم الجدارة الائتمانية للبلدان والمؤسسات الراغبة في الحصول على التمويل عبر أسواق الأوراق المالية عن طريق إصدار السندات، ويُقصد بالجدارة الائتمانية مدى قدرة الجهة الراغبة في الاقتراض على الوفاء بالتزاماتها المالية وسداد ديونها لمستحقيها في الآجال المتعاقد عليها.

سلم التصنيفات ومخاطرها 

كما تقوم فيتش بتزويد المستثمرين بجملة من المعلومات والتحاليل بخصوص الصحة المالية لبعض المؤسسات المدرجة في سوق الأوراق المالية، وتقدم آرائها بشأن الاستثمار فيها من عدمه. ويغطي نشاط وكالة فيتش حاليا تصنيف الديون السيادية لأكثر من 150 دولة، وديون ما يناهز 19 ألفا و500 مؤسسة خاصة (مصارف، ومؤسسات مالية، وشركات تأمين، ومؤسسات خاصة).

ويضم سلم فيتش لتصنيف الديون السيادية 11 مستوى، وهي كالتالي:

1 – إي إي إي: سندات تتمتع بأعلى قدر من الجودة، وتنطوي على أقل مستوى من المخاطر الائتمانية.

2 – إي إي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية عالية جدا، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

3 – إي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية عالية، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

4 – بي بي بي: سندات تتمتع بجودة ائتمانية جيدة، وتنطوي على مخاطر ائتمانية ضعيفة.

5 – بي بي: سندات فيها درجة من المضاربة، مع قابلية مرتفعة للتخلف عن السداد، لا سيما في حال حدوث تغيرات عكسية على مستوى الأعمال أو الظروف الاقتصادية مع مرور الوقت.

6 – بي: سندات فيها درجة عالية من المضاربة مع وجود خطر التخلف عن السداد، لكن هامشا محدودا من الأمان يظل متاحا.

7 – سي سي سي: سندات تنطوي على مخاطر ائتمانية كبيرة، وتظل إمكانية التخلف عن السداد احتمالا حقيقيا.

8 – سي سي: سندات تنطوي على مستويات عالية جدا من المخاطر الائتمانية، وتظل إمكانية التخلف عن السداد احتمالا مرجحا.

9 – سي: سندات تنطوي على مستويات مرتفعة بشكل استثنائي من المخاطر الائتمانية، ويبقى التخلف عن السداد وشيكا أو لا مفر منه.

10 – آر دي: عجز محدود عن السداد، حيث سبق لمصدر السند أن واجه مشاكل في السداد، لكنه لا يوجد بعد في حالة إفلاس.

11 – دي: عجز كامل عن السداد، ومصدر السند في حالة إفلاس

وكشفت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقريرها حول آفاق القطاع المصرفي التونسي على المدى القصير، أن البنوك التونسية ستواجه زيادة حادة في مخاطر التخلف عن سداد الائتمان، كما لاحظت الوكالة حسب التقرير، أن القدرة على إدارة القروض المصرفية في تونس تضعف أكثر مع ارتفاع كتلة الاجور والنفقات العامة. وسبق تقرير وكالتي «ستاندرد آند بورز غلوبال» و"فيتش رايتنغ"، تقرير لوكالة موديز (Moody’s) الأمريكية ليزيد في عمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، بعد تخفيض تصنيفها الائتماني من "بي2" (B2) إلى "بي3" (B3)، مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو الامر الذي دفع بالمختصين في الشأن الاقتصادي الى التحذير من أن التصنيف السلبي الجديد هو بمثابة إنذار أخير للحكومة والقيادات السياسية في البلاد، لتبادر مبكرا بحزمة من الإصلاحات اللازمة قبل حصول الكارثة والنزول بالتصنيف الائتماني للبلاد إلى مستوى "عالي المخاطر".

تحذيرات من أزمة مالية خانقة

ويشدد خبراء الاقتصاد أن التصنيف السلبي الأخير لوكالات التصنيف السيادية العالمية أخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي المتأزم، والذي كان ملحوظا في جل التقارير الصادرة عن هذه الوكالات، وبالتالي فإن التزام تونس بتعهداتها تجاه المؤسسات المالية العالمية رهين أرضية سياسية مستقرة تعكس نظرة اقتصادية مستقبلية لخلق الثروة وتسديد الدين.ويأتي تصنيف وكالتي فيتش وموديز في وقت بلغت فيه نسبة الانكماش الاقتصادي 9 %، مع ارتفاع غير مسبوق لنسبة الدين الخارجي إلى حدود 110% من الناتج الداخلي الإجمالي، بينما قفزت نسبة البطالة إلى حدود 17.4% خلال الربع الرابع من سنة 2020.

وتحتاج تونس سنة 2021 لموارد مالية تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار)، موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار)، وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار.وشكك تقرير موديز الاخير، من قدرة الحكومة التونسية ومؤسساتها السيادية على تطبيق الإجراءات والتوصيات المقدمة من البنوك العالمية والمؤسسات المالية لخروج تونس من مرحلة الخطر وتخفيف حدة الدين، بسبب ارتفاع حدة المطالب الاجتماعية وسوء حوكمة الأموال العمومية، مشيرا الى أن جائحة كورونا ألحقت ضررا بالغا بتونس، وأدت إلى هبوط اقتصادي غير مسبوق وارتفاع في الدين العام إلى اكثر من 87% من إجمالي الناتج المحلي.

وأظهر أحدث تقرير للتوقعات الاقتصادية الإقليمية لصندوق النقد الدولي أن انخفاض الإيرادات الضريبية لتونس ادى الى ارتفاع عجزها المالي إلى اكثر من 10.6 في المائة، مبرزا إن الحكومة لجأت إلى البنوك المحلية لتمويل العجز في ميزانية الدولة ، وغطى الاقتراض من البنوك المحلية أكثر من 50 في المائة من احتياجات تونس المالية، متوقعا أن تنمو نسبة الدين في الناتج المحلي الإجمالي في تونس إلى 91.2 في المائة هذا العام ،بعد ان بلغت 87.6 في المائة في عام 2020.

ويذهب عدد من الخبراء الى طرح أولويات جديدة للمرحلة القادمة على رأسها الحاجة الملحة إلى هدنة اجتماعية في تونس لمدة عام أو أكثر لتعبئة الموارد وتجنب تعطل الإنتاج، والشروع في جملة من الاصلاحات الاقتصادية لإنقاذ المؤسسات العمومية والخاصة من خطر الافلاس.

كما يشدد جل الخبراء على ان سياسة الترقيع التي تعتمد عليها الحكومات السابقة والقادمة لن تعالج المعضلة المالية العامة لتونس من جذورها، حيث إنها لم تقم الى حد الان بالإصلاحات المطلوبة كتحرير السوق وفرض المنافسة النزيهة والقضاء على الاقتصاد الريعي والبيروقراطية و تكريس الانفتاح الاقتصادي على العالم بأسره.

سفيان المهداوي 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews