إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شبكات التواصل الإجتماعي بين "فايك نيوز" و"أحاديث الإفك"

بقلم د. الصحراوي قمعون(*)

  تتزايد اليوم وغدا مخاطر التضليل الإعلامي عبر وسائل الإعلام التقليدية، ثم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة، التي اقتحمت حياة الناس وأرخت عليها سدولها فغيرت من عادات حياتهم في القراءة والتفكير والتواصل مع الآخرين بالميديا الجديدة التي تجاوزت عصر الميديا التقليدية بكل تنويعاتها فاتحة عصر ما بعد الميديا ، كما عصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه.

وقد تعاظمت هذه المخاطر مع التطور التكنولوجي للميديا الجديدة التي جعلت من كل متلقي الرسالة الإعلامية، باثِّين لرسالة إعلامية عبر جهاز هاتفهم المحمول المرتبط على مدار الساعة بشبكة الشبكات. وانتشرت في الفضاء الاتصالي المعولم، مظاهر الأخبار الملفقة والكاذبة أو الخادعة أو " فَايْكْ نْيُوزْ" بالمصطلح الأنغلوساكسوني الذي اعتمدته كل لغات العالم بما فيها العربية. ويمكن العودة لترجمته بالعربية بعبارة " الإفك" القديمة في العربية والمتواترة في القرأن والتي تعني الكذب والافتراء، كما يفيد معجم المعاني الجامع. واليوم أصبحت وسائل الاعلام التقليدية ثم شبكات التواصل الاجتماعي تَأْتَفِكُ ائْتِفَاكًا، يختلط فيه ويصبح ضحية الإئْتِفاكِ كل من المُؤتَفِكِ والمُؤْتَفَكِ بِهِ ، كما جاء في نفس المعجم .

واليوم في الغرب مهد التطور والإبداع التكنولوجي والاتصالى، وضعت الجهات الرقابية المعنية بالظاهرة آليات وخوارزميات وتطبيقات خاصة بها، لمجابهة هذه الظاهرة التضليلية في مكونات الشبكات الاجتماعية وهي "غُوغِل" و"فَايْسْبُوكْ" و"تْوِيتِرْ" و"سْنابْ شَاتْ" و"لِنْكِدْ إينْ" و"مِيكْرُوسُوفْتْ" و"ألعاب فيديو" و"دَايْلِي مُوْشِنْ" و"دُوكْتِيسِّيمُو" للتوثيق و"وِيكِيبِيدِيَا" للموسوعات .

  وحيال الخطر المهدد لمصداقية هذه المنصات الإعلامية الإخبارية التواصلية، وتنامي النزعات الشعبوية المتطرفة المضللة على النات، وضع المتدخلون فيها استحكامات دفاعية معلوماتية تسمح بفضح الأخبار الكاذبة والموجهة . وقد قام موقع "تويتر" في ماي عام 2020 لأول مرة بمنع نشر تدوينات للرئيس الأميركي المخلوع دونالد ترامب، الذي رفض إلى حد اليوم الإقرار بهزيمته ديمقراطيا، اعتبرت فيها مغالطات للرأي العام، وحث على الإقتتال بين أفراد الشعب الأمريكي، وذلك خلال المظاهرات المعادية للعنصرية التي شهدتها أمريكا في بداية عام 2020.

  وفي البرازيل قام "فيسبوك" في أول أوت 2020 بحجب حسابات عالمية يديرها أنصار الرئيس البرازيلي لأقصى اليمين بولسونارو، وردت أسماؤهم في تحقيق قضائي حول بث أخبار زائفة . وجاء قرار الحجب بعد يوم من تغريم الشركة لعدم تنفيذ أمر قاضي المحكمة العليا البرازيلية بهذا الشأن. وقد اعترض "فايسبوك" على هذا الحكم واعتبره حكما "متطرفا ومبالغا فيه" يهدد حرية التعبير خارج الولاية القضائية للبرازيل. ولكنه نفذ الحكم مع الطعن فيه أمام محكمة التعقيب. وكان قاضي المحكمة العليا قرر أن فايسبوك وتويتر تقاعستا عن الإمتثال لأوامر حجب هذه الحسابات التي جرى حجبها داخل البرازيل، لكن بقي من الممكن الدخول لها من خلال عناوين بروتوكالات في الخارج . وسلط القاضي عقوبة بـ367 الف دولار على فايسبوك مع مواجهة غرامات يومية أخرى بمبلغ مائة ألف دولار، إذا لم تحجب هذه الحسابات على مستوى العالم .

   وفي فرنسا صادق البرلمان عام 2018 على القانون الخاص بمكافحة التضليل الإعلامي الذي يهدف إلى منع نشر الأخبار الكاذبة خلال الحملات الانتخابية وكشف ذلك ومراسلة الجهات المعنية لضمان موضوعية وحياد المؤسسات الإعلامية على غرار المجلس الأعلى السمعي البصري في فرنسا الذي يعتبر الهيئة التعديلية العليا في فرنسا . وقد طالب هذا الهيكل الرقابي الديمقراطي في فرنسا في جويلية 2020 المؤسسات المتدخلة بشفافية أكبر في إعداد وضبط الخوارزميات الخاصة بالتصدي لمنع الأخبار الكاذبة في الشبكات المذكورة، حتى لا تقع هي نفسها ضحية التلاعب والتضليل فتتلوث بذلك.

    ويتطلب ذلك على صعيد مواز للتطبيقات الخوارزمية، تطوير ومضاعفة جهود التربية على وسائل الإعلام حتى يكون المواطن المتلقي/الباث على بينة من خفايا ظاهرة نشر الأخبار الزائفة المضللة أو المحتوى التوجيهي داخل شبكة الشبكات، التي لا رقيب ولا حسيب فيها في غالب الأيام والأحيان، لأنها تقوم علي حرية تناقل الأخبار والأفكار وعلى حرية التعبير، جوهر حقوق الإنسان الكونية والديمقراطية التمثيلية، سواء الكونية أو الخصوصية، حسب كل المنظرين للحريات والديمقراطية. كما أن أنية التواصل البشري في اللحظة نفسها وانتشار الخبر المضلل كانتشار النار في الهشيم، يُصَعّب من جهود الرقابة، لأن الباث والمتلقي/ الباث يجد نفسه في حلقة دوَّارة تتحول إلى حلقة مفرغة عبثية ومدمرة في كثير من الأحيان للباث والمتلقي/ الباث على حد السواء. وهي شبكة في الحقيقة ألية تبادل معلومات أفقية غير وسائل الإتصال العمودية السابقة، مما يتطلب ضبط إطارها والتحكم فيها بعيدا عن النزعة السلطوية العمودية لأية سلطة قائمة.

   وفي فرنسا يتدخل المجلس المذكور باستمرار مع الجهات المالية المعنية لمنع حصول المواقع المشبوهة بنشر الأراجيف والأساطير الإخبارية، على مداخيل الإشهار لتلك الصحافة. ويقع تجميد تلك الأموال. كما يقع تسليط عقوبات مالية على تلك المواقع التي احترفت الكذب، بمبالغ تزيد عن قيمة ما تحصلت عليه من إشهار وإعلانات من الجهات . وهذا الأسلوب هو الذي كان سائدا في التعامل مع الصحافة التضليلية في الميديا التقليدية للصحافة المكتوبة أو الاذاعة أو التلفزيون لردع المخالفين بحكم قضائي تنفيذي . وهو أسلوب أثبت نجاعته على مدى قرون من وجود الصحافة. ويمكن أن يكون ناجعا وصالحا اليوم وغدا للتقليل من مخاطر محتوى وسائل التضليل على عقول المتلقين في اختياراتهم الحياتية الجوهرية وفي اختياراتهم السياسية لدى الاقتراع الدوري في الانتخابات، مما يمثل خطرا داهما علي الديمقراطية في مختلف تجلياتها الكونية أو الخصوصية ، وجب التدخل لتصحيح مساره الخاطئ، لأنه يهدد جوهر الديمقراطية في الوصول إلى الحكم عبر صندوق الاقتراع بكل نزاهة وشفافية أو بالتدخلات وواسطة "زقفونة"، كما عند أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران".

(*)صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

 

 

 

شبكات التواصل الإجتماعي بين "فايك نيوز" و"أحاديث الإفك"

بقلم د. الصحراوي قمعون(*)

  تتزايد اليوم وغدا مخاطر التضليل الإعلامي عبر وسائل الإعلام التقليدية، ثم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المستحدثة، التي اقتحمت حياة الناس وأرخت عليها سدولها فغيرت من عادات حياتهم في القراءة والتفكير والتواصل مع الآخرين بالميديا الجديدة التي تجاوزت عصر الميديا التقليدية بكل تنويعاتها فاتحة عصر ما بعد الميديا ، كما عصر ما بعد الحداثة الذي نعيشه.

وقد تعاظمت هذه المخاطر مع التطور التكنولوجي للميديا الجديدة التي جعلت من كل متلقي الرسالة الإعلامية، باثِّين لرسالة إعلامية عبر جهاز هاتفهم المحمول المرتبط على مدار الساعة بشبكة الشبكات. وانتشرت في الفضاء الاتصالي المعولم، مظاهر الأخبار الملفقة والكاذبة أو الخادعة أو " فَايْكْ نْيُوزْ" بالمصطلح الأنغلوساكسوني الذي اعتمدته كل لغات العالم بما فيها العربية. ويمكن العودة لترجمته بالعربية بعبارة " الإفك" القديمة في العربية والمتواترة في القرأن والتي تعني الكذب والافتراء، كما يفيد معجم المعاني الجامع. واليوم أصبحت وسائل الاعلام التقليدية ثم شبكات التواصل الاجتماعي تَأْتَفِكُ ائْتِفَاكًا، يختلط فيه ويصبح ضحية الإئْتِفاكِ كل من المُؤتَفِكِ والمُؤْتَفَكِ بِهِ ، كما جاء في نفس المعجم .

واليوم في الغرب مهد التطور والإبداع التكنولوجي والاتصالى، وضعت الجهات الرقابية المعنية بالظاهرة آليات وخوارزميات وتطبيقات خاصة بها، لمجابهة هذه الظاهرة التضليلية في مكونات الشبكات الاجتماعية وهي "غُوغِل" و"فَايْسْبُوكْ" و"تْوِيتِرْ" و"سْنابْ شَاتْ" و"لِنْكِدْ إينْ" و"مِيكْرُوسُوفْتْ" و"ألعاب فيديو" و"دَايْلِي مُوْشِنْ" و"دُوكْتِيسِّيمُو" للتوثيق و"وِيكِيبِيدِيَا" للموسوعات .

  وحيال الخطر المهدد لمصداقية هذه المنصات الإعلامية الإخبارية التواصلية، وتنامي النزعات الشعبوية المتطرفة المضللة على النات، وضع المتدخلون فيها استحكامات دفاعية معلوماتية تسمح بفضح الأخبار الكاذبة والموجهة . وقد قام موقع "تويتر" في ماي عام 2020 لأول مرة بمنع نشر تدوينات للرئيس الأميركي المخلوع دونالد ترامب، الذي رفض إلى حد اليوم الإقرار بهزيمته ديمقراطيا، اعتبرت فيها مغالطات للرأي العام، وحث على الإقتتال بين أفراد الشعب الأمريكي، وذلك خلال المظاهرات المعادية للعنصرية التي شهدتها أمريكا في بداية عام 2020.

  وفي البرازيل قام "فيسبوك" في أول أوت 2020 بحجب حسابات عالمية يديرها أنصار الرئيس البرازيلي لأقصى اليمين بولسونارو، وردت أسماؤهم في تحقيق قضائي حول بث أخبار زائفة . وجاء قرار الحجب بعد يوم من تغريم الشركة لعدم تنفيذ أمر قاضي المحكمة العليا البرازيلية بهذا الشأن. وقد اعترض "فايسبوك" على هذا الحكم واعتبره حكما "متطرفا ومبالغا فيه" يهدد حرية التعبير خارج الولاية القضائية للبرازيل. ولكنه نفذ الحكم مع الطعن فيه أمام محكمة التعقيب. وكان قاضي المحكمة العليا قرر أن فايسبوك وتويتر تقاعستا عن الإمتثال لأوامر حجب هذه الحسابات التي جرى حجبها داخل البرازيل، لكن بقي من الممكن الدخول لها من خلال عناوين بروتوكالات في الخارج . وسلط القاضي عقوبة بـ367 الف دولار على فايسبوك مع مواجهة غرامات يومية أخرى بمبلغ مائة ألف دولار، إذا لم تحجب هذه الحسابات على مستوى العالم .

   وفي فرنسا صادق البرلمان عام 2018 على القانون الخاص بمكافحة التضليل الإعلامي الذي يهدف إلى منع نشر الأخبار الكاذبة خلال الحملات الانتخابية وكشف ذلك ومراسلة الجهات المعنية لضمان موضوعية وحياد المؤسسات الإعلامية على غرار المجلس الأعلى السمعي البصري في فرنسا الذي يعتبر الهيئة التعديلية العليا في فرنسا . وقد طالب هذا الهيكل الرقابي الديمقراطي في فرنسا في جويلية 2020 المؤسسات المتدخلة بشفافية أكبر في إعداد وضبط الخوارزميات الخاصة بالتصدي لمنع الأخبار الكاذبة في الشبكات المذكورة، حتى لا تقع هي نفسها ضحية التلاعب والتضليل فتتلوث بذلك.

    ويتطلب ذلك على صعيد مواز للتطبيقات الخوارزمية، تطوير ومضاعفة جهود التربية على وسائل الإعلام حتى يكون المواطن المتلقي/الباث على بينة من خفايا ظاهرة نشر الأخبار الزائفة المضللة أو المحتوى التوجيهي داخل شبكة الشبكات، التي لا رقيب ولا حسيب فيها في غالب الأيام والأحيان، لأنها تقوم علي حرية تناقل الأخبار والأفكار وعلى حرية التعبير، جوهر حقوق الإنسان الكونية والديمقراطية التمثيلية، سواء الكونية أو الخصوصية، حسب كل المنظرين للحريات والديمقراطية. كما أن أنية التواصل البشري في اللحظة نفسها وانتشار الخبر المضلل كانتشار النار في الهشيم، يُصَعّب من جهود الرقابة، لأن الباث والمتلقي/ الباث يجد نفسه في حلقة دوَّارة تتحول إلى حلقة مفرغة عبثية ومدمرة في كثير من الأحيان للباث والمتلقي/ الباث على حد السواء. وهي شبكة في الحقيقة ألية تبادل معلومات أفقية غير وسائل الإتصال العمودية السابقة، مما يتطلب ضبط إطارها والتحكم فيها بعيدا عن النزعة السلطوية العمودية لأية سلطة قائمة.

   وفي فرنسا يتدخل المجلس المذكور باستمرار مع الجهات المالية المعنية لمنع حصول المواقع المشبوهة بنشر الأراجيف والأساطير الإخبارية، على مداخيل الإشهار لتلك الصحافة. ويقع تجميد تلك الأموال. كما يقع تسليط عقوبات مالية على تلك المواقع التي احترفت الكذب، بمبالغ تزيد عن قيمة ما تحصلت عليه من إشهار وإعلانات من الجهات . وهذا الأسلوب هو الذي كان سائدا في التعامل مع الصحافة التضليلية في الميديا التقليدية للصحافة المكتوبة أو الاذاعة أو التلفزيون لردع المخالفين بحكم قضائي تنفيذي . وهو أسلوب أثبت نجاعته على مدى قرون من وجود الصحافة. ويمكن أن يكون ناجعا وصالحا اليوم وغدا للتقليل من مخاطر محتوى وسائل التضليل على عقول المتلقين في اختياراتهم الحياتية الجوهرية وفي اختياراتهم السياسية لدى الاقتراع الدوري في الانتخابات، مما يمثل خطرا داهما علي الديمقراطية في مختلف تجلياتها الكونية أو الخصوصية ، وجب التدخل لتصحيح مساره الخاطئ، لأنه يهدد جوهر الديمقراطية في الوصول إلى الحكم عبر صندوق الاقتراع بكل نزاهة وشفافية أو بالتدخلات وواسطة "زقفونة"، كما عند أبي العلاء المعري في "رسالة الغفران".

(*)صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews