إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الخوض في كلفة مصاريف العودة المدرسية زبد سيذهب جفاء

بقلم: مصدق الشريف(*)

في هذه الأيام، وما أدراك ما هذه الأيام، لا حديث في الإعلام المرئي والسمعي والمكتوب تقريبا إلاّ عن العودة المدرسية والجامعية وما ينتظر العائلة التونسية من نفقات وما يلزم لها من استنفار. وحالنا الآن كمن يستقبل أياما عجافا لا مردّ لها. فإن لم نول عودة طلاّب العلم إلى مقاعد الدّراسة ما تتطلبه من رباطة جأش وصبر أيوب كانت الطامة الكبرى في انتظارنا. لكنّ حدث العودة المدرسية سيصبح أثرا بعد عين في النّصف الثاني لشهر سبتمبر. ولن نر متابعات له ولا أعمالا ميدانيّة استقصائيّة كما هو الشّأن في هذه الفترة. وكأنّ رهان العودة المدرسيّة أثمان الكراسات المدعمة وغير المدعمة وأسعار الكتب والأقلام والمحفظات وغيرها من مستلزمات الدّراسة.

وبقدر ما نهتمّ بكلفة التحضير للعودة المدرسيّة، نرى أنّها ينبغي أن تنحصر في إطار وضع البلاد الاجتماعي. فما مصاريف العودة المدرسية إلاّ لون من ألوان الاستهلاك. وضخامتها أمر ليس بعجيب لأنّ أسعار المنتوجات كلّها قد بلغت غلاء قياسيّا لم نشهد له مثيلا قطّ.

ولكنّنا نتساءل لماذا "لا نعرف ربي إلاّ حين يرعد الرعد"؟ ولا نقف عند حقيقة الأمور إلاّ "ليلة صلى الله"؟ وهل دورة الحياة المدرسيّة تقف عند هذا المستوى؟ أين نحن من مطلب الإصلاح التربوي القديم الجديد؟ وهل طرح بجدية أم هل ظلّ يراوح مكانه؟

إنّنا نناشد السلطة الرابعة التي تدخل البيوت دون استئذان أن تجعل الإصلاح التربوي دأب برامجها وديدنها. إذ يجب ألاّ يتحول الحديث عن العودة المدرسية مجرّد وسيلة لملء المساحة الزمنية للبرامج الإذاعية والتلفزية أو لصفحات الجرائد والمجلات. فقضيّة المدرسة التونسيّة الرئيسية أعمق من أسعار الأدوات التي، وإن وجدنا لها حلاّ، لا تبني التلميذ ولا تشيّد المدرسة العمومية اللذين نصبو إليهما. وإن أردنا بحق أن نكون فاعلين في العملية التربوية ينبغي ألاّ نطرح هذا الموضوع بمناسبة العودة إلى الأقسام أو إضرابات الإطار التربويّ أو من حين إلى آخر عند حصول مشكل في الحرم المدرسي كالعنف أو تعاطي المخدرات وغيرهما. فالإصلاح التربويّ ليس مجرّد موضوع مناسباتيّ بل من الضّروري أن يكون خبزنا اليومي.

وفي هذا السيّاق، يتساءل الأستاذ إبراهيم بن صالح المتفقد العام للتربية في كتابه "المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس" قائلا:

"إن من يتحدث عن "الإصلاح التربوي" اليوم ينبغي في نظري أن يجيب عن السؤال التالي: ما المقصود بالإصلاح التربوي؟

هل المقصود بالإصلاح التربوي أن المنظومة التربوية الحالية حادت عن أهدافها التي رسمتها لنفسها الأمر الذي يستوجب التدخل لإرجاعها للسكة التي حادت عنها؟

أم المقصود به مجرد ترميم بعض المفردات من مكونات المنظومة لأي سبب من الأسباب، بحيث نحتفظ منها ببعض المفردات وتستغني عن البعض منها ونصلح البعض الآخر؟

أم المقصود بالإصلاح التربوي إدخال تجديدات على بعض مكونات المنظومة بما يستجيب لمقتضيات العصر سواء في المضامين أو في المقاربات البيداغوجية؟

أم المقصود به البناء من جديد والانطلاق من صفر تماما؟ بحيث يقع الإعلان صراحة عن التراجع الكامل عن اختيارات سياسية تربوية بعينها من أجل اختيارات بديلة؟"

ويضيف الأستاذ إبراهيم بن صالح: "إذا اتفقنا على ضرورة "الإصلاح" يحق لنا أن نسأل، هل مرد الإصلاح أخطاء وقعت فيما هو أساسي من الاختيارات أم مرده إلى متغيرات طرأت جديدة؟ بعبارة أخرى هل نحن نروم إصلاح ما انخرم أم أننا نريد أن نستجيب لظروف جديدة يجب على المدرسة التونسية أن تواكبها. وفي كل الحالات يجب أن نقف عند مسلمتين مهمتين هما:

أولا: أن الحديث في "الإصلاح التربوي" يعد نوعا من التدبير السياسي الصرف لذلك يعتبر الحوار بين الفاعلين التربويين والمتنفذين السياسيين أمرا متأكدا.

 وثانيا: أن لكل عمل سياسي تحديات ورهانات مجتمعية فيها ما هو ثابت وفيها ما هو متغير لذلك تعتبر المراجعات في السياسة التربوية أمرا واقعيا وطبيعيا" (1).

وقد أكّد الدكتور مجيد الشارني، المتفقد العام والخبير في التربية ومنسّق الخبراء بوزارة التربية والمستشار الدولي في التربية، ما ذهب إليه الأستاذ إبراهيم بن صالح معتبرا أن في تصوّره لإعادة تأسيس المدرسة التونسيّة نسيجا من التّربويّ والسياسيّ والاجتماعيّ والحقوقيّ شكّل "بؤرة متشابكة متفاعلة من القوانين والرؤى تحاول أن تبني صرحا من العلاقات تلتقي فيه الأطراف المختلفة دون حواجز وتتقاطع الأصوات حدّ الانصهار والتّصاهر في سبيل هدف واحد هو إصلاح تربويّ منصف يجمع كلّ التونسيّين ولا يقسم الخارطة إلى تونس نافعة وتونس منسيّة" (2).

ومن ناحيتنا، نرى أنّ عملية الاصلاح التربوي يجب ألاّ تكون خاضعة لقرارات سياسية يفرضها أصحابها حسب ميولاتهم الفكرية والإيديولوجية تذهب أدراج الرّياح إثر مغادرتهم المسؤولية أو الحكم. ولا كذلك أن يُغيّب أهل الذكر الذين خابروا الحياة المدرسية من جميع جوانبها وكوّنوا رصيدا متميّزا في مجال التربية والتعليم على مدى سنين وعقود.

(*) أستاذ متقاعد

 

 

 

الخوض في كلفة مصاريف العودة المدرسية زبد سيذهب جفاء

بقلم: مصدق الشريف(*)

في هذه الأيام، وما أدراك ما هذه الأيام، لا حديث في الإعلام المرئي والسمعي والمكتوب تقريبا إلاّ عن العودة المدرسية والجامعية وما ينتظر العائلة التونسية من نفقات وما يلزم لها من استنفار. وحالنا الآن كمن يستقبل أياما عجافا لا مردّ لها. فإن لم نول عودة طلاّب العلم إلى مقاعد الدّراسة ما تتطلبه من رباطة جأش وصبر أيوب كانت الطامة الكبرى في انتظارنا. لكنّ حدث العودة المدرسية سيصبح أثرا بعد عين في النّصف الثاني لشهر سبتمبر. ولن نر متابعات له ولا أعمالا ميدانيّة استقصائيّة كما هو الشّأن في هذه الفترة. وكأنّ رهان العودة المدرسيّة أثمان الكراسات المدعمة وغير المدعمة وأسعار الكتب والأقلام والمحفظات وغيرها من مستلزمات الدّراسة.

وبقدر ما نهتمّ بكلفة التحضير للعودة المدرسيّة، نرى أنّها ينبغي أن تنحصر في إطار وضع البلاد الاجتماعي. فما مصاريف العودة المدرسية إلاّ لون من ألوان الاستهلاك. وضخامتها أمر ليس بعجيب لأنّ أسعار المنتوجات كلّها قد بلغت غلاء قياسيّا لم نشهد له مثيلا قطّ.

ولكنّنا نتساءل لماذا "لا نعرف ربي إلاّ حين يرعد الرعد"؟ ولا نقف عند حقيقة الأمور إلاّ "ليلة صلى الله"؟ وهل دورة الحياة المدرسيّة تقف عند هذا المستوى؟ أين نحن من مطلب الإصلاح التربوي القديم الجديد؟ وهل طرح بجدية أم هل ظلّ يراوح مكانه؟

إنّنا نناشد السلطة الرابعة التي تدخل البيوت دون استئذان أن تجعل الإصلاح التربوي دأب برامجها وديدنها. إذ يجب ألاّ يتحول الحديث عن العودة المدرسية مجرّد وسيلة لملء المساحة الزمنية للبرامج الإذاعية والتلفزية أو لصفحات الجرائد والمجلات. فقضيّة المدرسة التونسيّة الرئيسية أعمق من أسعار الأدوات التي، وإن وجدنا لها حلاّ، لا تبني التلميذ ولا تشيّد المدرسة العمومية اللذين نصبو إليهما. وإن أردنا بحق أن نكون فاعلين في العملية التربوية ينبغي ألاّ نطرح هذا الموضوع بمناسبة العودة إلى الأقسام أو إضرابات الإطار التربويّ أو من حين إلى آخر عند حصول مشكل في الحرم المدرسي كالعنف أو تعاطي المخدرات وغيرهما. فالإصلاح التربويّ ليس مجرّد موضوع مناسباتيّ بل من الضّروري أن يكون خبزنا اليومي.

وفي هذا السيّاق، يتساءل الأستاذ إبراهيم بن صالح المتفقد العام للتربية في كتابه "المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس" قائلا:

"إن من يتحدث عن "الإصلاح التربوي" اليوم ينبغي في نظري أن يجيب عن السؤال التالي: ما المقصود بالإصلاح التربوي؟

هل المقصود بالإصلاح التربوي أن المنظومة التربوية الحالية حادت عن أهدافها التي رسمتها لنفسها الأمر الذي يستوجب التدخل لإرجاعها للسكة التي حادت عنها؟

أم المقصود به مجرد ترميم بعض المفردات من مكونات المنظومة لأي سبب من الأسباب، بحيث نحتفظ منها ببعض المفردات وتستغني عن البعض منها ونصلح البعض الآخر؟

أم المقصود بالإصلاح التربوي إدخال تجديدات على بعض مكونات المنظومة بما يستجيب لمقتضيات العصر سواء في المضامين أو في المقاربات البيداغوجية؟

أم المقصود به البناء من جديد والانطلاق من صفر تماما؟ بحيث يقع الإعلان صراحة عن التراجع الكامل عن اختيارات سياسية تربوية بعينها من أجل اختيارات بديلة؟"

ويضيف الأستاذ إبراهيم بن صالح: "إذا اتفقنا على ضرورة "الإصلاح" يحق لنا أن نسأل، هل مرد الإصلاح أخطاء وقعت فيما هو أساسي من الاختيارات أم مرده إلى متغيرات طرأت جديدة؟ بعبارة أخرى هل نحن نروم إصلاح ما انخرم أم أننا نريد أن نستجيب لظروف جديدة يجب على المدرسة التونسية أن تواكبها. وفي كل الحالات يجب أن نقف عند مسلمتين مهمتين هما:

أولا: أن الحديث في "الإصلاح التربوي" يعد نوعا من التدبير السياسي الصرف لذلك يعتبر الحوار بين الفاعلين التربويين والمتنفذين السياسيين أمرا متأكدا.

 وثانيا: أن لكل عمل سياسي تحديات ورهانات مجتمعية فيها ما هو ثابت وفيها ما هو متغير لذلك تعتبر المراجعات في السياسة التربوية أمرا واقعيا وطبيعيا" (1).

وقد أكّد الدكتور مجيد الشارني، المتفقد العام والخبير في التربية ومنسّق الخبراء بوزارة التربية والمستشار الدولي في التربية، ما ذهب إليه الأستاذ إبراهيم بن صالح معتبرا أن في تصوّره لإعادة تأسيس المدرسة التونسيّة نسيجا من التّربويّ والسياسيّ والاجتماعيّ والحقوقيّ شكّل "بؤرة متشابكة متفاعلة من القوانين والرؤى تحاول أن تبني صرحا من العلاقات تلتقي فيه الأطراف المختلفة دون حواجز وتتقاطع الأصوات حدّ الانصهار والتّصاهر في سبيل هدف واحد هو إصلاح تربويّ منصف يجمع كلّ التونسيّين ولا يقسم الخارطة إلى تونس نافعة وتونس منسيّة" (2).

ومن ناحيتنا، نرى أنّ عملية الاصلاح التربوي يجب ألاّ تكون خاضعة لقرارات سياسية يفرضها أصحابها حسب ميولاتهم الفكرية والإيديولوجية تذهب أدراج الرّياح إثر مغادرتهم المسؤولية أو الحكم. ولا كذلك أن يُغيّب أهل الذكر الذين خابروا الحياة المدرسية من جميع جوانبها وكوّنوا رصيدا متميّزا في مجال التربية والتعليم على مدى سنين وعقود.

(*) أستاذ متقاعد

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews