قد تأتي على المرء لحظات يسب فيها الوطن ويكفر به ويصبح رجاؤه الوحيد مغادرته والهجرة الى وطن بديل يحقق فيه إنسانيته. نظريا هذا الشعور على علاته مقبول لكن عمليا البعد عن الوطن لمن عاش فيه وتجذر فيه هو بمثابة الموت، فالوطن هو الأوكسجين الذي به نعيش والجدران النفسية التي بها نحتمي وللتدليل على ذلك سأروي لكم مشهدين.
المشهد الأول يتعلق بصديق يعيش في إحدى الدول الأوروبية ويحمل أعلى الشهادات ويدرس في اكبر الجامعات الغربية في اختصاصه، ويمتلك منزلا به كل أسباب الرفاه وعائلته تعيش في بحبوبة تصل حد الرفاه، صديقي مدمن على زيارة تونس ويستمتع بكل لحظة فيها، سألته مرة عن سر التعلق بتونس التي تغادرها مراكب الهجرة غير النظامية بالعشرات وتقذف بأبنائها جثثا واحياء على ضفة المتوسط الشمالية.
تنهد وقال: تونس نعمة لا يدركها إلا من فقدها.
ابتسامتي فضحت تعجبي.
فأضاف اعلم انك تستغرب مما اقول لكنها الحقيقة، انا رغم وضعيتي الممتازة في الضفة الشمالية من المتوسط اشعر بالانبتات وسأروي لك أمرا، انظر لهذا الجالس في في المقهى قبالتنا لو أمعن النظر لي سأظن أنه يعرفني أو يخيل له أنه يعرفني، لكن لو حصل هذا في البلد الأوروبي الذي أعيش فيه وحصل نفس الأمر فسيذهب في ظني أنه يحتقرني لأنني لست من عرقه الأوروبي وانه عنصري حاقد على الأجانب مثلي، هل أدركت الآن الفرق بين الوطن وغيره من الأوطان البديلة، شعورك بأنك متجذر هنا ومنبت هناك رغم الأزهار المحيطة بك.
المشهد الثاني ويتعلق بأشقائنا السوريين المهاجرين إلى وطننا فوضعهم وتسول البعض منهم قوت يومهم في الإشارات الضوئية مؤلم وقاتل، فهؤلاء كانوا ضحية تجاذبات سياسية بين متصارعين عن الحكم بشعارات مختلفة لا يعنيني هنا من كان منهم على صواب ومن كان منهم على ضلال، ما يعنيني هؤلاء الأطفال والنسوة الذين لا يجدون ما به يعيشون يومهم ،اما الساسة فهم الآن بعضهم في الحكم وبعضهم يعارض من نزل وإقامات خمس نجوم أما هؤلاء البسطاء فقد دفعوا الثمن غاليا غربة واغترابا وشقاء فى وطن غير وطنهم بعد أن كانوا في وطنهم سوريا معززين مكرمين.
أنا على يقين بأنهم يعيشون الألم في كل لحظة، ألم سببه صراعات من أجل كرسي الحكم افقدهم وطنهم ونعمة الإقامة فيهم برغم علاته.
الوطن مثل الحجر النفيس عليك صونه ويحفظه فأنت لا تعلم أي ألم وضياع يسببه فقده.
يكتبها محمد معمري
قد تأتي على المرء لحظات يسب فيها الوطن ويكفر به ويصبح رجاؤه الوحيد مغادرته والهجرة الى وطن بديل يحقق فيه إنسانيته. نظريا هذا الشعور على علاته مقبول لكن عمليا البعد عن الوطن لمن عاش فيه وتجذر فيه هو بمثابة الموت، فالوطن هو الأوكسجين الذي به نعيش والجدران النفسية التي بها نحتمي وللتدليل على ذلك سأروي لكم مشهدين.
المشهد الأول يتعلق بصديق يعيش في إحدى الدول الأوروبية ويحمل أعلى الشهادات ويدرس في اكبر الجامعات الغربية في اختصاصه، ويمتلك منزلا به كل أسباب الرفاه وعائلته تعيش في بحبوبة تصل حد الرفاه، صديقي مدمن على زيارة تونس ويستمتع بكل لحظة فيها، سألته مرة عن سر التعلق بتونس التي تغادرها مراكب الهجرة غير النظامية بالعشرات وتقذف بأبنائها جثثا واحياء على ضفة المتوسط الشمالية.
تنهد وقال: تونس نعمة لا يدركها إلا من فقدها.
ابتسامتي فضحت تعجبي.
فأضاف اعلم انك تستغرب مما اقول لكنها الحقيقة، انا رغم وضعيتي الممتازة في الضفة الشمالية من المتوسط اشعر بالانبتات وسأروي لك أمرا، انظر لهذا الجالس في في المقهى قبالتنا لو أمعن النظر لي سأظن أنه يعرفني أو يخيل له أنه يعرفني، لكن لو حصل هذا في البلد الأوروبي الذي أعيش فيه وحصل نفس الأمر فسيذهب في ظني أنه يحتقرني لأنني لست من عرقه الأوروبي وانه عنصري حاقد على الأجانب مثلي، هل أدركت الآن الفرق بين الوطن وغيره من الأوطان البديلة، شعورك بأنك متجذر هنا ومنبت هناك رغم الأزهار المحيطة بك.
المشهد الثاني ويتعلق بأشقائنا السوريين المهاجرين إلى وطننا فوضعهم وتسول البعض منهم قوت يومهم في الإشارات الضوئية مؤلم وقاتل، فهؤلاء كانوا ضحية تجاذبات سياسية بين متصارعين عن الحكم بشعارات مختلفة لا يعنيني هنا من كان منهم على صواب ومن كان منهم على ضلال، ما يعنيني هؤلاء الأطفال والنسوة الذين لا يجدون ما به يعيشون يومهم ،اما الساسة فهم الآن بعضهم في الحكم وبعضهم يعارض من نزل وإقامات خمس نجوم أما هؤلاء البسطاء فقد دفعوا الثمن غاليا غربة واغترابا وشقاء فى وطن غير وطنهم بعد أن كانوا في وطنهم سوريا معززين مكرمين.
أنا على يقين بأنهم يعيشون الألم في كل لحظة، ألم سببه صراعات من أجل كرسي الحكم افقدهم وطنهم ونعمة الإقامة فيهم برغم علاته.
الوطن مثل الحجر النفيس عليك صونه ويحفظه فأنت لا تعلم أي ألم وضياع يسببه فقده.