إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد كسبه "المعارك" والإطاحة بمعارضيه: قيس سعيد يواجه الامتحان الأصعب مع 12 مليون تونسي

تونس – الصباح

الآن تدخل بلادنا رسميا مرحلة الجمهورية الجديدة بعد دخول الدستور الجديد حيز التفعيل والخروج من مرحلة التدابير الاستثنائية التي تواصلت من 25 جويلية 2021 إلى غاية نفس اليوم من سنة 2022، ليصبح دستور الجمهورية التونسية الذي منه تستمد قوانينها وبرامج الإصلاحات وسياسات الدولة الجديدة في جميع المجالات، وذلك وفقا لقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عدد 21 حول قواعد إجراءات احتساب نتائج الاستفتاء والإعلان عنها، وجاء في الفصل الـ12 أن الهيئة تصرّح بقبول مشروع النص المعروض على الاستفتاء في صورة تحصّل الإجابة نعم على أغلبية الأصوات المصرّح بها. وهي مرحلة المنعرج الحاسم والهام في مسار الجمهورية الجديدة ليس بالنسبة لرئيس الجمهورية قيس سعيد فحسب، باعتباره المسؤول الأول على نظام الحكم وذلك وفقا للصلاحيات التي منحه إياه الدستور الجديد، وإنما أيضا بالنسبة لكل التونسيين باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم.

وتلوح المرحلة جد صعبة لاسيما في ظل علو سقف الانتظارات وجسامة الملفات العالقة والمطلبية الواسعة والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخانقة، وهي تقريبا العوامل التي دفعت أعدادا كبيرة من المواطنين للتحلي بالصبر في العام المنقضي وعدم الانسياق وراء الدعوات للخروج للشارع للاحتجاج والقيام بتحركات مطلبية لأنهم يدركون أن مرحلة الحكم كانت استثنائية خاصة أولئك الذين يرتفع منسوب الثقة عندهم في رئيس الجمهورية. وتذهب بعض القراءات إلى أن سبتمبر المقبل سيكون ساخنا لأنه يتزامن مع نهاية العطلة الصيفية والعودة المدرسية والجامعية والعمل بنظام الحصتين بالنسبة للإدارة والوظيفة العمومية. وهو العنصر الذي تراهن عليه الشقوق المعارضة لسعيد في مواصلة مسارها المعارض والسعي للإطاحة بمنظومة حكمه قبل بدايتها، رغم دخول عديد الجهات الأخرى الرسمية والحزبية والسياسية في التحضير للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر المقبل.

لذلك تتجه الأنظار إلى رئاسة الجمهورية وتتعلق همم نسب كبيرة من المواطنين بهذه المؤسسة ورئيسها في هذه المرحلة الهامة لتحويل الوعود التي كان قدمها سعيد خلال السنوات الثلاث الماضية والانتقادات اللاذعة التي وجهها لسياسية خصومه السياسيين، إلى حقيقة تغير واقع تونس والتونسيين نحو الأفضل لاسيما ما تعلق بما هو اقتصادي واجتماعي بالأساس ويمكن اختزاله في المطالب المرفوعة بعد ثورة 2011 والتي لا تزال عالقة وهي نفسها التي رفعها أتباعه ومؤيدوه سواء في حملته الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية 2019 أو منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية تنظيم الاستفتاء أول أمس، وتتلخص بالأساس في "شغل، حرية، كرامة وطنية".

وتجدر الإشارة إلى أن اختياره بعد إسقاط منظومة الحكم في الذكرى الماضية لعيد الجمهورية والمضي إلى القيام بإصلاحات سياسية وهيكلية وإلغاء دستور 2014 وصياغة دستور جديد، شكلت نقطة خلافية في المشهد السياسي والفضاء المدني والمجتمعي وكانت السبب الذي دفع بعض الأحزاب والسياسيين والناشطين المدنيين من مساندي وداعمي مسار 25 جويلية للانقلاب على مواقفهم والانتصاب في صفوف المعارضة لخياراته، على اعتبار أنه حاد عما هو مطلوب من إصلاحات ومطالب دفعت أعدادا كبيرة من المواطنين الغاضبين للاحتجاج في كامل تراب الجمهورية في الصائفة الماضية واستغل اللحظة ليحولها إلى فرصة لتمرير مشروعه السياسي.

 وقد ذهبت بعض القراءات الصادرة عن معارضي رئيس الجمهورية إلى أنه بالمرور من مرحلة التدابير الاستثنائية الغامضة والعبور إلى الجمهورية الثالثة يبدأ العد التنازلي للعمر السياسي لسعيد وذلك ليقينهم بعجزه عن الاستجابة لمطالب وانتظارات المواطنين الاجتماعية بالأساس في ظرف وجيز. فغلاء أسعار المعيشة من خضر وغلال ولحوم وكراء وغيرها وعدم توفر بعض المواد الغذائية الأساسية في الأسواق والصعوبات في النقل والخدمات الصحية والإدارية وعدم توفر الأدوية والارتفاع المسجل والمتواتر في الأسعار كلها من العوامل التي يمكن أن تدفع المواطنين الداعمين له إلى الوقوف وراء صفوف المناهضين لسياسته والرافضين لها، بما يحول واقعه إلى حجيم، وفق تقديرات بعض القراءات.

لكن يؤكد متابعون للشأن السياسي والوطني في تونس إلى أن رئيس الجمهورية، ومثلما نجح في قلب موازين القوى والصلاحيات لفائدته منذ دخوله قصر قرطاج نهاية سنة 2019 وتحويل كل المحطات والمنعرجات إلى عوامل وعناصر داعمة لمشروعه ورؤيته، فإنه قادر اليوم على اجتياز كل العقبات والقفز على المطبات لاسيما في ظل ما يملكه من صلاحيات بالجملة.

هذا الأمر يتطلب ضرورة اعتماد مقاربة سياسية جديدة تعكس في تفاصيلها وأبعادها وتوجهاتها جسامة مسؤولية دوره كرئيس للجمهورية التونسية وكل التونسيين سواء كانوا من المساندين له أو من المعارضين له، وذلك بتغيير أسلوب خطابه من خطاب قائم على تقسيم الـ"نَحْنُ" والـ"هُمْ" إلى آخر موحد وموجه لكل التونسيين، وتركيز سياسة الدولة على التوجه إلى العمل على تفعيل وتطبيق الإصلاحات الضرورية التي وعد بها والمضي قٌدما في تنفيذ المحاسبة وفتح الملفات الحارقة ومراجعة بعض الآليات الخاصة بالتشغيل والاستثمار وغيرها بما يوفر فرص تطوير التنمية وفتح آفاق التشغيل والارتقاء بالعمل والكفاءات التي تزخر بها بلادنا ليعيد الأمل للجميع في واقع أفضل.

ولكن بالعودة إلى تصريح رئيس الجمهورية فجر أمس أثناء تنقله إلى شارع الحبيب بورقيبة لمشاركة المواطنين احتفالهم بفرحة نجاح الاستفتاء، نتبين أن قيس سعيد لم يخرج بعد عن دائرة الخطابات الموجهة لمعارضيه ومنتقديه، رغم المكاسب والصلاحيات والانتصارات التي حققها في مسيرته السياسية إلى حد الآن. وهو عامل يعتبره البعض تأكيدا على مواصلة سعيد مساره الإصلاحي وقدرته على النجاح في ذلك في سياق تحدي وصراع متواصل ضد معارضيه باعتبار أن مشوار الإصلاح وتحويل هاجس الجمهورية الجديدة إلى واقع ملموس لم تنطلق بعد لأنه يستمد قوته من أخطاء وتحركات معارضيه. لذلك تبدو المهمة اليوم جد صعبة ومفتوحة لاحتمالات وقراءات مختلفة سيكون للواقع ومستجداته وتطوراته ودور المعارضة من ناحية ومدى التزام رئيس الجمهورية بتنفيذ الإصلاحات والتوجه إلى المحاسبة ومراجعة الآليات والأسعار من ناحية أخرى دورها في تحديد مآلات الأوضاع ولون الجمهورية الجديدة في المرحلة القادمة.

نزيهة الغضباني

 

بعد كسبه "المعارك" والإطاحة بمعارضيه: قيس سعيد يواجه الامتحان الأصعب مع 12 مليون تونسي

تونس – الصباح

الآن تدخل بلادنا رسميا مرحلة الجمهورية الجديدة بعد دخول الدستور الجديد حيز التفعيل والخروج من مرحلة التدابير الاستثنائية التي تواصلت من 25 جويلية 2021 إلى غاية نفس اليوم من سنة 2022، ليصبح دستور الجمهورية التونسية الذي منه تستمد قوانينها وبرامج الإصلاحات وسياسات الدولة الجديدة في جميع المجالات، وذلك وفقا لقرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عدد 21 حول قواعد إجراءات احتساب نتائج الاستفتاء والإعلان عنها، وجاء في الفصل الـ12 أن الهيئة تصرّح بقبول مشروع النص المعروض على الاستفتاء في صورة تحصّل الإجابة نعم على أغلبية الأصوات المصرّح بها. وهي مرحلة المنعرج الحاسم والهام في مسار الجمهورية الجديدة ليس بالنسبة لرئيس الجمهورية قيس سعيد فحسب، باعتباره المسؤول الأول على نظام الحكم وذلك وفقا للصلاحيات التي منحه إياه الدستور الجديد، وإنما أيضا بالنسبة لكل التونسيين باختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم.

وتلوح المرحلة جد صعبة لاسيما في ظل علو سقف الانتظارات وجسامة الملفات العالقة والمطلبية الواسعة والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخانقة، وهي تقريبا العوامل التي دفعت أعدادا كبيرة من المواطنين للتحلي بالصبر في العام المنقضي وعدم الانسياق وراء الدعوات للخروج للشارع للاحتجاج والقيام بتحركات مطلبية لأنهم يدركون أن مرحلة الحكم كانت استثنائية خاصة أولئك الذين يرتفع منسوب الثقة عندهم في رئيس الجمهورية. وتذهب بعض القراءات إلى أن سبتمبر المقبل سيكون ساخنا لأنه يتزامن مع نهاية العطلة الصيفية والعودة المدرسية والجامعية والعمل بنظام الحصتين بالنسبة للإدارة والوظيفة العمومية. وهو العنصر الذي تراهن عليه الشقوق المعارضة لسعيد في مواصلة مسارها المعارض والسعي للإطاحة بمنظومة حكمه قبل بدايتها، رغم دخول عديد الجهات الأخرى الرسمية والحزبية والسياسية في التحضير للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر المقبل.

لذلك تتجه الأنظار إلى رئاسة الجمهورية وتتعلق همم نسب كبيرة من المواطنين بهذه المؤسسة ورئيسها في هذه المرحلة الهامة لتحويل الوعود التي كان قدمها سعيد خلال السنوات الثلاث الماضية والانتقادات اللاذعة التي وجهها لسياسية خصومه السياسيين، إلى حقيقة تغير واقع تونس والتونسيين نحو الأفضل لاسيما ما تعلق بما هو اقتصادي واجتماعي بالأساس ويمكن اختزاله في المطالب المرفوعة بعد ثورة 2011 والتي لا تزال عالقة وهي نفسها التي رفعها أتباعه ومؤيدوه سواء في حملته الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية 2019 أو منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية تنظيم الاستفتاء أول أمس، وتتلخص بالأساس في "شغل، حرية، كرامة وطنية".

وتجدر الإشارة إلى أن اختياره بعد إسقاط منظومة الحكم في الذكرى الماضية لعيد الجمهورية والمضي إلى القيام بإصلاحات سياسية وهيكلية وإلغاء دستور 2014 وصياغة دستور جديد، شكلت نقطة خلافية في المشهد السياسي والفضاء المدني والمجتمعي وكانت السبب الذي دفع بعض الأحزاب والسياسيين والناشطين المدنيين من مساندي وداعمي مسار 25 جويلية للانقلاب على مواقفهم والانتصاب في صفوف المعارضة لخياراته، على اعتبار أنه حاد عما هو مطلوب من إصلاحات ومطالب دفعت أعدادا كبيرة من المواطنين الغاضبين للاحتجاج في كامل تراب الجمهورية في الصائفة الماضية واستغل اللحظة ليحولها إلى فرصة لتمرير مشروعه السياسي.

 وقد ذهبت بعض القراءات الصادرة عن معارضي رئيس الجمهورية إلى أنه بالمرور من مرحلة التدابير الاستثنائية الغامضة والعبور إلى الجمهورية الثالثة يبدأ العد التنازلي للعمر السياسي لسعيد وذلك ليقينهم بعجزه عن الاستجابة لمطالب وانتظارات المواطنين الاجتماعية بالأساس في ظرف وجيز. فغلاء أسعار المعيشة من خضر وغلال ولحوم وكراء وغيرها وعدم توفر بعض المواد الغذائية الأساسية في الأسواق والصعوبات في النقل والخدمات الصحية والإدارية وعدم توفر الأدوية والارتفاع المسجل والمتواتر في الأسعار كلها من العوامل التي يمكن أن تدفع المواطنين الداعمين له إلى الوقوف وراء صفوف المناهضين لسياسته والرافضين لها، بما يحول واقعه إلى حجيم، وفق تقديرات بعض القراءات.

لكن يؤكد متابعون للشأن السياسي والوطني في تونس إلى أن رئيس الجمهورية، ومثلما نجح في قلب موازين القوى والصلاحيات لفائدته منذ دخوله قصر قرطاج نهاية سنة 2019 وتحويل كل المحطات والمنعرجات إلى عوامل وعناصر داعمة لمشروعه ورؤيته، فإنه قادر اليوم على اجتياز كل العقبات والقفز على المطبات لاسيما في ظل ما يملكه من صلاحيات بالجملة.

هذا الأمر يتطلب ضرورة اعتماد مقاربة سياسية جديدة تعكس في تفاصيلها وأبعادها وتوجهاتها جسامة مسؤولية دوره كرئيس للجمهورية التونسية وكل التونسيين سواء كانوا من المساندين له أو من المعارضين له، وذلك بتغيير أسلوب خطابه من خطاب قائم على تقسيم الـ"نَحْنُ" والـ"هُمْ" إلى آخر موحد وموجه لكل التونسيين، وتركيز سياسة الدولة على التوجه إلى العمل على تفعيل وتطبيق الإصلاحات الضرورية التي وعد بها والمضي قٌدما في تنفيذ المحاسبة وفتح الملفات الحارقة ومراجعة بعض الآليات الخاصة بالتشغيل والاستثمار وغيرها بما يوفر فرص تطوير التنمية وفتح آفاق التشغيل والارتقاء بالعمل والكفاءات التي تزخر بها بلادنا ليعيد الأمل للجميع في واقع أفضل.

ولكن بالعودة إلى تصريح رئيس الجمهورية فجر أمس أثناء تنقله إلى شارع الحبيب بورقيبة لمشاركة المواطنين احتفالهم بفرحة نجاح الاستفتاء، نتبين أن قيس سعيد لم يخرج بعد عن دائرة الخطابات الموجهة لمعارضيه ومنتقديه، رغم المكاسب والصلاحيات والانتصارات التي حققها في مسيرته السياسية إلى حد الآن. وهو عامل يعتبره البعض تأكيدا على مواصلة سعيد مساره الإصلاحي وقدرته على النجاح في ذلك في سياق تحدي وصراع متواصل ضد معارضيه باعتبار أن مشوار الإصلاح وتحويل هاجس الجمهورية الجديدة إلى واقع ملموس لم تنطلق بعد لأنه يستمد قوته من أخطاء وتحركات معارضيه. لذلك تبدو المهمة اليوم جد صعبة ومفتوحة لاحتمالات وقراءات مختلفة سيكون للواقع ومستجداته وتطوراته ودور المعارضة من ناحية ومدى التزام رئيس الجمهورية بتنفيذ الإصلاحات والتوجه إلى المحاسبة ومراجعة الآليات والأسعار من ناحية أخرى دورها في تحديد مآلات الأوضاع ولون الجمهورية الجديدة في المرحلة القادمة.

نزيهة الغضباني

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews