لا تنسوا أن كل الوطنيين مهما اختلفت منطلقاتهم النظرية والقانونية والسياسية ورؤاهم وتقييماتهم بشأن تمشي رئيس الجمهورية وأسلوب تسييره شؤون الدولة، منذ اعتلائه سدة الحكم، وبالذات منذ لحظة 25 جويلية 2021 وإلى يوم نشره ويوم تعديله مشروع دستوره في الرائد الرسمي بديلا لدستور 27 جانفي 2014، هُم في الأول وفي الآخر، أبناء وبنات وطن واحدٍ يجمعهم ويُظلهم بظله ساعة اشتداد القيظ مهما كان نوعه ومأتاه.
ولا تنسوا أن تعدد الرؤى والتقييمات، مادامت مستقلةً عن أي أجندة أجنبية، وليست تغطيةً على جرائم ارتُكبت في حق الوطن والشعب، أو تلهيةً على عدم محاسبة ومحاكمة من ارتكبوا تلك الجرائم، فهي في النهاية تدريبٌ نحتاجه على الممارسة الديمقراطية مادام الشعب شريكا فيها ومادامت غايتها الإصلاح وتصحيح مسار منظومات حكم السنوات التي مضت بما خلفه من مضارٍّ للدولة وللمجتمع.
وبناء على كل ما سبق، لا تنسوا أن رئيس الدولة قد أتت به انتخابات شرعية ديمقراطية، مهما رافقها من هِناتٍ ومآخذ. ولكنها لم ولن ترفعه إلى مرتبة الشخص المعصوم من الخطأ والمتعالي عن كل ناصحيه أو معارضيه. وبالتالي لن تُحصِّنه من النقد والمساءلة، بالأمس واليوم وغداً كذلك !
فلا أحد، مهما علا شأنه، علما أو مرتبة اجتماعية، يمكنه أن يجزم أنه وحده مالكُ الحقيقة، والباقون في ضلال مبين !
لا تنسوا كذلك أن يوم 25 جويلية في العام الماضي وفي هذا العام وفي كل عامٍ آتٍ، سيظل عيداً لذكرى إعلان الجمهورية التونسية دولةً مستقلةً ذاتَ سيادة. ولن يغير مشروع الدستور الذي وضعه رئيس الدولة وعرضه على الشعب للاستفتاء عليه، من هذا الأمر وهذا الواقع شيئا.
ويظل يقينا لدي بأن الإنفراد، ظاهريا على الأقل، بصياغة هذا المشروع، بدل فتح المجال لحوارٍ وطني يتمخض عنه مشروعٌ جامعٌ واستراتيجيةُ تنميةٍ شاملةٍ ودائمة، لا يمكنه أن يضمن مستقبلا آمنا واستقرارا سياسيا ونقلةً نوعيةً نحو التقدم واللحاق بركب الدول المزدهرة..
كما إن استغلال ثقةِ شرائحَ واسعة من الشعب في رئيس الدولة لجرأته على اتخاذ ما اتخذه من إجراءات منذ ذكرى السنة الماضية لعيد الجمهورية من أجل تفكيك سلط ومؤسسات حكم السنوات المنقضية، دون الاعتماد على مستشارين أكفاء، ودون توخي سياسة اتصالية ناجعة، ودون حوار وطني معمق، فقط من أجل دفع تلك الجماهير إلى الانسياق وراء الرئيس لمجرد الثقة في أنه سينهي حكم الإخوان،لا أراه سيكون قادرا لوحده على تحقيق حلم كل أبناء وبنات الوطن، بفقرائهم وميسوريهم، بأن يسترجعوا وطنهم الآمن ونسيج مجتمعهم المتماسك وعيشهم الهادئ البسيط بعيدا عن الشحن وعن النفخ فيما يطرأ بينهم من خلافات وعن إحياء النعرات وزرع الفرقة والشقاق ..
إن الشكوك باتت كثيرةً في مقاصد رئيس الدولة، ليس فقط من جَرَّاء خطبه النارية ضد من أطلق عليهم وَصْمَ الإجرام والخيانة والعمالة والفساد، دون أن يُسمهم، وتحريضِه الشعب عليهم، ولكن بالخصوص لعدم فتح ملفات هؤلاء وأولئك، سواء بالقضاء المدني أو حتى العسكري مادمنا في فترة استثنائية وفي حالة طوارئ.
بل يرى كثيرون أنه يجري المرة تلو الأخرى، تبرئة ساحة المشمولين ببعض التحقيقات في قضايا فرعية مختلفة لاترقى إلى قضايا الاغتيال والإرهاب وجرائم الفساد الكبرى مثل نهب المال العام وتحويل هبات وقروض إلى غير وجهتها الأصلية وإنما إلى منافع شخصية أو حزبية.وبمجرد أن يُدعوا للتحقيق حتى يتم إطلاق سراحهم..
هذا زيادة على مهزلة قرار تجميد أموال عدد من رموز العقد الماضي، في الشهر الثاني عشر منذ إعلان رئيس الدولة إجراءاته الاستثنائية تلك. وقد علق أحد الأصدقاء على ذلك الإجراء المتأخر بالقول ساخرا "الأكيد أن حساباتهم الآن في الروج بعدما أفرغوا أرصدتهم على راحتهم. هذا إن لم تكن من البداية مستقرةً خارج حدود الوطن.
ومهما يكن من أمر وبالعود على المبتدأ، لاخيار لنا، نحن الوطنيين، ومهما اختلفنا في التقييم وفي القرار، سواء من سيصوت بـ"نعم" لمشروع دستور الرئيس قيس سعيد، أو من قرر مقاطعة الاستفتاء تعبيرا على الرفض له، وربما لكامل المسار الذي سلكه رئيس الدولة، أو من لم يقتنع بذلك المشروع وقرر التصويت ب "لا"عليه، لا خيار لنا إلا أن نُبقي على احترامنا لبعضنا البعض، وأن نعتبر مواقفنا تُعد تكريسا للممارسة الديمقراطية الحق، بعيدا عن خدمة المصالح الشخصية أو الحزبية.
ولتكن نتيجة الاستفتاء ما يمكن أن تكون عليه، لأنها لن تثني أحرار هذا الوطن وحرائره عن مواصلة النضال الديمقراطي السلمي والتعبير عن رؤانا على اختلافها من أجل مستقبلٍ مزهر لوطننا، وفي سبيل تنمية شاملة كريمة لبناته وأبنائه جميعاً !
فلنعمل على أن نجعلها محطة نضالية مهمة تُكسبنا مزيدا من النضج ومن حسن التقييم لممارساتنا ومن عمق مراجعة ما يستدعي المراجعة منها، ولنمض قُدُماً، بوصلتنا وطننا الذي ليس لنا وطنٌ سواه.
ودون أن ننسى أنَّ "وحدتنا، وإن اختلفنا، هي قارب نجاتنا" !!
بقلم: مختار اللواتي
لا تنسوا أن كل الوطنيين مهما اختلفت منطلقاتهم النظرية والقانونية والسياسية ورؤاهم وتقييماتهم بشأن تمشي رئيس الجمهورية وأسلوب تسييره شؤون الدولة، منذ اعتلائه سدة الحكم، وبالذات منذ لحظة 25 جويلية 2021 وإلى يوم نشره ويوم تعديله مشروع دستوره في الرائد الرسمي بديلا لدستور 27 جانفي 2014، هُم في الأول وفي الآخر، أبناء وبنات وطن واحدٍ يجمعهم ويُظلهم بظله ساعة اشتداد القيظ مهما كان نوعه ومأتاه.
ولا تنسوا أن تعدد الرؤى والتقييمات، مادامت مستقلةً عن أي أجندة أجنبية، وليست تغطيةً على جرائم ارتُكبت في حق الوطن والشعب، أو تلهيةً على عدم محاسبة ومحاكمة من ارتكبوا تلك الجرائم، فهي في النهاية تدريبٌ نحتاجه على الممارسة الديمقراطية مادام الشعب شريكا فيها ومادامت غايتها الإصلاح وتصحيح مسار منظومات حكم السنوات التي مضت بما خلفه من مضارٍّ للدولة وللمجتمع.
وبناء على كل ما سبق، لا تنسوا أن رئيس الدولة قد أتت به انتخابات شرعية ديمقراطية، مهما رافقها من هِناتٍ ومآخذ. ولكنها لم ولن ترفعه إلى مرتبة الشخص المعصوم من الخطأ والمتعالي عن كل ناصحيه أو معارضيه. وبالتالي لن تُحصِّنه من النقد والمساءلة، بالأمس واليوم وغداً كذلك !
فلا أحد، مهما علا شأنه، علما أو مرتبة اجتماعية، يمكنه أن يجزم أنه وحده مالكُ الحقيقة، والباقون في ضلال مبين !
لا تنسوا كذلك أن يوم 25 جويلية في العام الماضي وفي هذا العام وفي كل عامٍ آتٍ، سيظل عيداً لذكرى إعلان الجمهورية التونسية دولةً مستقلةً ذاتَ سيادة. ولن يغير مشروع الدستور الذي وضعه رئيس الدولة وعرضه على الشعب للاستفتاء عليه، من هذا الأمر وهذا الواقع شيئا.
ويظل يقينا لدي بأن الإنفراد، ظاهريا على الأقل، بصياغة هذا المشروع، بدل فتح المجال لحوارٍ وطني يتمخض عنه مشروعٌ جامعٌ واستراتيجيةُ تنميةٍ شاملةٍ ودائمة، لا يمكنه أن يضمن مستقبلا آمنا واستقرارا سياسيا ونقلةً نوعيةً نحو التقدم واللحاق بركب الدول المزدهرة..
كما إن استغلال ثقةِ شرائحَ واسعة من الشعب في رئيس الدولة لجرأته على اتخاذ ما اتخذه من إجراءات منذ ذكرى السنة الماضية لعيد الجمهورية من أجل تفكيك سلط ومؤسسات حكم السنوات المنقضية، دون الاعتماد على مستشارين أكفاء، ودون توخي سياسة اتصالية ناجعة، ودون حوار وطني معمق، فقط من أجل دفع تلك الجماهير إلى الانسياق وراء الرئيس لمجرد الثقة في أنه سينهي حكم الإخوان،لا أراه سيكون قادرا لوحده على تحقيق حلم كل أبناء وبنات الوطن، بفقرائهم وميسوريهم، بأن يسترجعوا وطنهم الآمن ونسيج مجتمعهم المتماسك وعيشهم الهادئ البسيط بعيدا عن الشحن وعن النفخ فيما يطرأ بينهم من خلافات وعن إحياء النعرات وزرع الفرقة والشقاق ..
إن الشكوك باتت كثيرةً في مقاصد رئيس الدولة، ليس فقط من جَرَّاء خطبه النارية ضد من أطلق عليهم وَصْمَ الإجرام والخيانة والعمالة والفساد، دون أن يُسمهم، وتحريضِه الشعب عليهم، ولكن بالخصوص لعدم فتح ملفات هؤلاء وأولئك، سواء بالقضاء المدني أو حتى العسكري مادمنا في فترة استثنائية وفي حالة طوارئ.
بل يرى كثيرون أنه يجري المرة تلو الأخرى، تبرئة ساحة المشمولين ببعض التحقيقات في قضايا فرعية مختلفة لاترقى إلى قضايا الاغتيال والإرهاب وجرائم الفساد الكبرى مثل نهب المال العام وتحويل هبات وقروض إلى غير وجهتها الأصلية وإنما إلى منافع شخصية أو حزبية.وبمجرد أن يُدعوا للتحقيق حتى يتم إطلاق سراحهم..
هذا زيادة على مهزلة قرار تجميد أموال عدد من رموز العقد الماضي، في الشهر الثاني عشر منذ إعلان رئيس الدولة إجراءاته الاستثنائية تلك. وقد علق أحد الأصدقاء على ذلك الإجراء المتأخر بالقول ساخرا "الأكيد أن حساباتهم الآن في الروج بعدما أفرغوا أرصدتهم على راحتهم. هذا إن لم تكن من البداية مستقرةً خارج حدود الوطن.
ومهما يكن من أمر وبالعود على المبتدأ، لاخيار لنا، نحن الوطنيين، ومهما اختلفنا في التقييم وفي القرار، سواء من سيصوت بـ"نعم" لمشروع دستور الرئيس قيس سعيد، أو من قرر مقاطعة الاستفتاء تعبيرا على الرفض له، وربما لكامل المسار الذي سلكه رئيس الدولة، أو من لم يقتنع بذلك المشروع وقرر التصويت ب "لا"عليه، لا خيار لنا إلا أن نُبقي على احترامنا لبعضنا البعض، وأن نعتبر مواقفنا تُعد تكريسا للممارسة الديمقراطية الحق، بعيدا عن خدمة المصالح الشخصية أو الحزبية.
ولتكن نتيجة الاستفتاء ما يمكن أن تكون عليه، لأنها لن تثني أحرار هذا الوطن وحرائره عن مواصلة النضال الديمقراطي السلمي والتعبير عن رؤانا على اختلافها من أجل مستقبلٍ مزهر لوطننا، وفي سبيل تنمية شاملة كريمة لبناته وأبنائه جميعاً !
فلنعمل على أن نجعلها محطة نضالية مهمة تُكسبنا مزيدا من النضج ومن حسن التقييم لممارساتنا ومن عمق مراجعة ما يستدعي المراجعة منها، ولنمض قُدُماً، بوصلتنا وطننا الذي ليس لنا وطنٌ سواه.
ودون أن ننسى أنَّ "وحدتنا، وإن اختلفنا، هي قارب نجاتنا" !!