إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: العود إلى التاريخ والحنين إلى الماضي

بقلم : نوفل سلامة

لماذا نجد اليوم عودة مكثفة للحديث عن التاريخ في خطاب بعض السياسيين ؟ ولماذا الاستنجاد بمحطات من التاريخ لتبرير الأفعال السياسية ؟ وكيف نفسر العود إلى الماضي للدفاع عن سلوك وتصرفات تقع في الحاضر ويراد لها أن تؤسس لواقع في المستقبل ؟ وفي الأخير كيف نفهم ما يقوم به بعض رجال السياسة من استحضار التاريخ ونحن نتحدث عن الديمقراطية وعن تأسيس جديد لنظام سياسي جديد يكون بديلا عما هو موجود من شأنه أن يغير كامل الأوضاع التي انتجها نظام العولمة والفكر السياسي الحديث الذي أفرزته الحداثة الغربية كأرقى ما وصل إليه العقل البشري لتنظيم الحياة وإرساء نظام حكم سياسي واجتماعي يسعدان الإنسان ؟

نطرح كل هذه الأسئلة في علاقة بما نراه ونلاحظه من استحضار يومي ومكثف لرئيس الدولة قيس سعيد للتاريخ ، فهو ما فتئ في كل خروج إعلامي له أو حديث ثنائي مع أحد وزرائه أو بمناسبة إحياء مناسبة وطنية أو غيرها إلا وفتح كتاب التاريخ المحلي والعالمي وجلب محطات من التاريخ التونسي والعربي واستقدم الذاكرة التاريخية المعروفة والمنسية على حد السواء وهذا التواصل مع التاريخ الدائم في خطاب الرئيس يطرح السؤال لماذا يلجأ قيس سعيد إلى التاريخ وهو يمارس السياسية ؟ وهل يحتاج رجل السياسة إلى الوقف على أعتاب التاريخ ؟ وهل التاريخ في مثل هذا السلوك هو من أجل توضيح الفكرة أو الاقناع بها أو من أجل التوظيف التاريخي في المجال السياسي ؟

هل هو شغف بالتاريخ أم بالحنين إلى الماضي ؟ بمعنى هل أن العودة إلى التاريخ في السلوك السياسي هو عود من أجل الوقوف على ما يمكن أن نستعين به ونستلهم منه أم هي عودة للماضي والأحداث القديمة باعتبارها هي الأصل وهي المعيار والحقيقة وبالتالي نحاول استعادتها رغم اختلاف السياقات الزمنية والمكانية التي أوجدتها ؟ وهل العودة الى التاريخ والاستنجاد به في وقائع الحاضر وأحداثه الراهنة فيه تغييب للحاضر وتكثيف الحديث عن الماضي والمستقبل والحال أن الذي وجب تكثيف الحديث عنه هو الحاضر زمانا ومكانا ؟ وهذا يطرح سؤال إحساسنا بالزمن ومكانة الزمن في أذهاننا وهل يعني هذا أنه لا يمكن لنا أن نتقدم نحو المستقبل أو نعالج الحاضر من دون الماضي وفتح نافذة التاريخ القديم للنظر فيه لا من أجل التذكر وإنما من أجل حضوره المتجدد ؟ وهل صحيح أن ما قصه التاريخ وأنجزته الانسانية في الماضي وما حصل هو اليوم حلم البشرية التي تشعر بالضياع وأحيانا بالتخبط وضياع الطريق وهي تبحث عن خلاص لها من تيهها ؟ فكيف يمكن أن يكون التاريخ والماضي هو الحل لمشاكل الحاضر واستشراف للمستقبل ؟ هل في العودة إلى التاريخ إقرار بأن ما حصل لا يزال مفيدا وأن ما تحقق قديما لا يزال حاضرا بيننا وأن الامبراطوريات والدول القديمة وكل ما حدث لم يمت ولم ينته ومازال حيا ويجد شرعيته ؟ وهل صحيح أن فيما نقوم به من العودة إلى التاريخ هو في النهاية مطالبة التاريخ أن يحتفظ بالحياة على قيد الحياة وبذالك نكون قد عكسنا منطق الزمن ومسار الوقت وهو أن الذي ولى وانقضى لن يعود أبدا فأن نعود إلى الماضي ونستذكر الماضي هو محاولة إعادة الحياة لكل ما فات وانتهى وأصبح في عداد الماضي ؟ وهل في هذه العودة للتاريخ احياء جديد له ليكون صالحا بتفاصيله ؟ أم أن جوهر العملية تمثل وتخيل له ؟

أليس في هذا التحليل ما يشير إلى مسألة علاقة الوقت بالتاريخ ومسألة تعريف الوقت وتعريف التاريخ فأصل كلمة التاريخ تقودنا إلى الولادة الأولى التي عادة ما تكون محبوبة لدينا ومرغوب في استذكارها فالتاريخ هو حدث المولود الأول الذي عادة ما نحبذ تذكر ولادته ونحن إلى أيامه الأولى التي نراها جميلة ومثالية ونتمنى عودتها بتفاصيلها التي أحببناها وهذا ربما ما يفسر سر تعلقنا الشديد بالقديم وبالماضي وبالتاريخ وهو عندنا مصدر إلهام لكل شيء وهو فعل أصيل نتمنى أن ننسخ منه نسخا نعيد عرضها في زماننا الحاضر كما نفعل مع لوحات فنية أو رسوم قديمة لرسام قديم نعيد نسخها وعرضها إلى العموم لقيمتها الفنية الآلية .

في هذا السياق وتونس تشق طريقها نحو بناء سياسي جديد وتؤسس نظام حكم ديمقراطي بفهم مختلف ولو بصعوبات ومخاطر وتعثرات عديدة فهل يمكن تشبيه ما يحصل اليوم من استعادة الماضي واستحضار القديم واستذكار التاريخ وجلبه هو نفس ما يحصل مع مريض الزهايمر الذي توقفت ذاكرته في محطات تاريخية محددة من حياته وبقى مشدودا إلى حلقات معينة من الذاكرة الشخصية وظل يتنقل من لحظة تاريخية إلى أخرى دون وعي منا ولا إدراك لكل هذه العودة غير المفهومة بالنسبة لدينا ولكنها مفهومة عند مريض الزهايمر .

فمريض الزهايمر لا يتذكر من أحداث تاريخه ومن حياته الماضية إلا ما علق منها جميلا ومؤثرا وفي الكثير من الأحيان يعود إلى الحاضر ليعود بسرعة ينسى راهنه ويغرق في تاريخه القديم ليتحدث عنه بتفاصيله متباهيا به وهذا فعلا ما يحدث تقريبا مع بعض المؤرخين والسياسيين حينما يستحضرون يوتوبيا مفقودة ويجلبون من الماضي أمكنة وأزمنة وأحداثا ومحطات تاريخية لم يعد لها وجود ويقدمونها على أنها نوع من الحلم في رؤية مستقبلية متفائلة و نوع من العودة إلى السلفية التي تحن إلى القديم وتتشبث به على أنه هو الأصلح والأفضل والأسلم . . يوتوبيا الزمان والمكان المفقودة الغارقة في الماضي في حين أن اليوتوبيا هي حلم وتخيل للمستقبل وهي رؤية تؤسس للجديد دون الوقوف على أعتاب الماضي استنساخا للقديم واستجداء الحلول للحاضر أو تزمين التاريخ الذي رحل ..

 

منتدى الصباح: العود إلى التاريخ والحنين إلى الماضي

بقلم : نوفل سلامة

لماذا نجد اليوم عودة مكثفة للحديث عن التاريخ في خطاب بعض السياسيين ؟ ولماذا الاستنجاد بمحطات من التاريخ لتبرير الأفعال السياسية ؟ وكيف نفسر العود إلى الماضي للدفاع عن سلوك وتصرفات تقع في الحاضر ويراد لها أن تؤسس لواقع في المستقبل ؟ وفي الأخير كيف نفهم ما يقوم به بعض رجال السياسة من استحضار التاريخ ونحن نتحدث عن الديمقراطية وعن تأسيس جديد لنظام سياسي جديد يكون بديلا عما هو موجود من شأنه أن يغير كامل الأوضاع التي انتجها نظام العولمة والفكر السياسي الحديث الذي أفرزته الحداثة الغربية كأرقى ما وصل إليه العقل البشري لتنظيم الحياة وإرساء نظام حكم سياسي واجتماعي يسعدان الإنسان ؟

نطرح كل هذه الأسئلة في علاقة بما نراه ونلاحظه من استحضار يومي ومكثف لرئيس الدولة قيس سعيد للتاريخ ، فهو ما فتئ في كل خروج إعلامي له أو حديث ثنائي مع أحد وزرائه أو بمناسبة إحياء مناسبة وطنية أو غيرها إلا وفتح كتاب التاريخ المحلي والعالمي وجلب محطات من التاريخ التونسي والعربي واستقدم الذاكرة التاريخية المعروفة والمنسية على حد السواء وهذا التواصل مع التاريخ الدائم في خطاب الرئيس يطرح السؤال لماذا يلجأ قيس سعيد إلى التاريخ وهو يمارس السياسية ؟ وهل يحتاج رجل السياسة إلى الوقف على أعتاب التاريخ ؟ وهل التاريخ في مثل هذا السلوك هو من أجل توضيح الفكرة أو الاقناع بها أو من أجل التوظيف التاريخي في المجال السياسي ؟

هل هو شغف بالتاريخ أم بالحنين إلى الماضي ؟ بمعنى هل أن العودة إلى التاريخ في السلوك السياسي هو عود من أجل الوقوف على ما يمكن أن نستعين به ونستلهم منه أم هي عودة للماضي والأحداث القديمة باعتبارها هي الأصل وهي المعيار والحقيقة وبالتالي نحاول استعادتها رغم اختلاف السياقات الزمنية والمكانية التي أوجدتها ؟ وهل العودة الى التاريخ والاستنجاد به في وقائع الحاضر وأحداثه الراهنة فيه تغييب للحاضر وتكثيف الحديث عن الماضي والمستقبل والحال أن الذي وجب تكثيف الحديث عنه هو الحاضر زمانا ومكانا ؟ وهذا يطرح سؤال إحساسنا بالزمن ومكانة الزمن في أذهاننا وهل يعني هذا أنه لا يمكن لنا أن نتقدم نحو المستقبل أو نعالج الحاضر من دون الماضي وفتح نافذة التاريخ القديم للنظر فيه لا من أجل التذكر وإنما من أجل حضوره المتجدد ؟ وهل صحيح أن ما قصه التاريخ وأنجزته الانسانية في الماضي وما حصل هو اليوم حلم البشرية التي تشعر بالضياع وأحيانا بالتخبط وضياع الطريق وهي تبحث عن خلاص لها من تيهها ؟ فكيف يمكن أن يكون التاريخ والماضي هو الحل لمشاكل الحاضر واستشراف للمستقبل ؟ هل في العودة إلى التاريخ إقرار بأن ما حصل لا يزال مفيدا وأن ما تحقق قديما لا يزال حاضرا بيننا وأن الامبراطوريات والدول القديمة وكل ما حدث لم يمت ولم ينته ومازال حيا ويجد شرعيته ؟ وهل صحيح أن فيما نقوم به من العودة إلى التاريخ هو في النهاية مطالبة التاريخ أن يحتفظ بالحياة على قيد الحياة وبذالك نكون قد عكسنا منطق الزمن ومسار الوقت وهو أن الذي ولى وانقضى لن يعود أبدا فأن نعود إلى الماضي ونستذكر الماضي هو محاولة إعادة الحياة لكل ما فات وانتهى وأصبح في عداد الماضي ؟ وهل في هذه العودة للتاريخ احياء جديد له ليكون صالحا بتفاصيله ؟ أم أن جوهر العملية تمثل وتخيل له ؟

أليس في هذا التحليل ما يشير إلى مسألة علاقة الوقت بالتاريخ ومسألة تعريف الوقت وتعريف التاريخ فأصل كلمة التاريخ تقودنا إلى الولادة الأولى التي عادة ما تكون محبوبة لدينا ومرغوب في استذكارها فالتاريخ هو حدث المولود الأول الذي عادة ما نحبذ تذكر ولادته ونحن إلى أيامه الأولى التي نراها جميلة ومثالية ونتمنى عودتها بتفاصيلها التي أحببناها وهذا ربما ما يفسر سر تعلقنا الشديد بالقديم وبالماضي وبالتاريخ وهو عندنا مصدر إلهام لكل شيء وهو فعل أصيل نتمنى أن ننسخ منه نسخا نعيد عرضها في زماننا الحاضر كما نفعل مع لوحات فنية أو رسوم قديمة لرسام قديم نعيد نسخها وعرضها إلى العموم لقيمتها الفنية الآلية .

في هذا السياق وتونس تشق طريقها نحو بناء سياسي جديد وتؤسس نظام حكم ديمقراطي بفهم مختلف ولو بصعوبات ومخاطر وتعثرات عديدة فهل يمكن تشبيه ما يحصل اليوم من استعادة الماضي واستحضار القديم واستذكار التاريخ وجلبه هو نفس ما يحصل مع مريض الزهايمر الذي توقفت ذاكرته في محطات تاريخية محددة من حياته وبقى مشدودا إلى حلقات معينة من الذاكرة الشخصية وظل يتنقل من لحظة تاريخية إلى أخرى دون وعي منا ولا إدراك لكل هذه العودة غير المفهومة بالنسبة لدينا ولكنها مفهومة عند مريض الزهايمر .

فمريض الزهايمر لا يتذكر من أحداث تاريخه ومن حياته الماضية إلا ما علق منها جميلا ومؤثرا وفي الكثير من الأحيان يعود إلى الحاضر ليعود بسرعة ينسى راهنه ويغرق في تاريخه القديم ليتحدث عنه بتفاصيله متباهيا به وهذا فعلا ما يحدث تقريبا مع بعض المؤرخين والسياسيين حينما يستحضرون يوتوبيا مفقودة ويجلبون من الماضي أمكنة وأزمنة وأحداثا ومحطات تاريخية لم يعد لها وجود ويقدمونها على أنها نوع من الحلم في رؤية مستقبلية متفائلة و نوع من العودة إلى السلفية التي تحن إلى القديم وتتشبث به على أنه هو الأصلح والأفضل والأسلم . . يوتوبيا الزمان والمكان المفقودة الغارقة في الماضي في حين أن اليوتوبيا هي حلم وتخيل للمستقبل وهي رؤية تؤسس للجديد دون الوقوف على أعتاب الماضي استنساخا للقديم واستجداء الحلول للحاضر أو تزمين التاريخ الذي رحل ..

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews