التصفيق ظاهرة كونية يعبّر من خلالها الجمهور عن إعجابه أو تشجيعه لمن يصفق له وهو تقريبا لغة مشتركة بين عدد كبير من شعوب العالم، ويكون التصفيق أيضا تعبيرا عن الولاء للساسة عند إلقائهم خطبهم على الجماهير التي تتفاعل مع ما يتفوهون به من وعود وآمال بالتصفيق الحار والهتاف بحياة الزعيم حتى أن البعض من المختصين يعتبرونه من أهم العلامات الدالة على النجاح الاتصالي لهذا السياسي أو ذاك.
وللتصفيق حكاية غريبة في تونس، فلم يكن من الحركات التي يتمّ من خلالها التعبير عن الإعجاب أو الاستحسان أو التشجيع بل كان فقط حركة من حاكم البلاد تستدعي الإذعان من الحاشية وتحقيق مطالب السلطان، ولقد ترسخت فى المخيال المشترك من خلال حكايات عبد العزيز العروي صورة ذلك الحاكم الجالس على عرشه والماسك بصولجان حكمه وأمامه واحد من رعيته منحني الظهر يكاد رأسه يلامس الأرض إجلالا للسلطان، فيقوم الحاكم بحركة تهوى فيها راحته اليمنى على راحته الشمالية فتحدث جلبة فيقدم الخادم مسرعا ويأمره بوضع هذا الواقف أمامه في السجن أو يؤمر بقطع رأسه .
والتصفيق له تاريخ طويل حيث تؤكد عديد المصادر أنه يعود إلى العهد اليوناني حين كان اليونانيون يعبرون عن إعجابهم بما يعرض على مسرح ديونيسيوس بالتصفيق شحذا لهمم الممثلين، وتذكر بعض المصادر أنه شكل من أشكال التعبير الذي استعمله الفراعنة، كما استعمل في شبه الجزيرة العربية عند بداية الدعوة الإسلامية من قبل بعض الأفراد لا للتعبير عن الإعجاب بل للتشويش عن الدعاة لهذا الدين الجديد من خلال خلق ضوضاء تمنع المتلقين من الاستماع إلى ما يقولون، وللتعمق في الأمر يمكن الرجوع إلى واحد من الكتب العربية القليلة التي بحثت في تاريخ التصفيق كتاب "ظاهرة التصفيق في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة" للدكتور عماد عبد اللطيف .
التصفيق يبدو أن تونس لم تعرف توظيفه تعبيرا عن الإعجاب بأمر ما إلا في فترات متأخرة وهو ما نستنتجه من كتاب "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان" لأحمد بن أبي الضياف، فقد ورد عند حديث ابن أبي الضياف عن رحلة المشير أحمد باشا باي إلى فرنسا في نوفمبر/ديسمبر 1946 واستقباله من قبل ملك فرنسا لوي فيليب الأول الذي أكرم وفادة المشير واستدعاه إلى التياترو لمشاهدة حكاية أو رواية، وفي مشهد من هذه الحكاية تحاول الأم إقناع ابنتها بعدم الزواج ممن تحب والزواج ممن يرضى عنه الملك" فصاحت البنت في ذلك المجمع "بأي شرع يتصرف السلطان في أرواحنا بالقهر ونحن أحرار؟.. ولما صاحت البنت بهذه المقالة، قال لها السلطان في ذلك المشهد ما معناه "أحسنت، أحسنت" وصفق بيديه وتلك علامة الاستحسان عندهم"، وفى هذه الجملة الأخيرة "وتلك علامة الاستحسان عندهم" التي كتبها ابن أبي الضياف ما يدلّ على أن التصفيق تعبير عن الاستحسان والإعجاب لم يكن مما يُعرف في حاضرة تونس، فلو كان من السلوك الجاري به التعبير لما اضطر ابن أبي الضياف إلى التفسير والتوضيح .
وهكذا ربما تمّ استيراد ظاهرة التصفيق تعبيرا عن الاستحسان لتصبح واحدة من ركائز ثقافتنا خاصة السياسية منها التي طغى فيها التصفيق على كل قول وفعل وبات المصفقون كُثرا، وأذكر هنا أن عملية التصفيق في التجمعات السياسية قبل الثورة وبعدها كانت تدار من خلف الستار مثلما كان الأمر في اليونان القديمة فقد ذُكر أن ظاهرة المُصَفّق المأجور عرفها المسرح اليوناني منذ قرون، ففي كل تجمع يتوزع عدد من المصفقين بين صفوف الحاضرين ويتولوا التصفيق من حين إلى آخر ليتبعهم الحاضرون في ذلك، فالتصفيق من الظواهر المعدية إن قام بها فرد أو أفراد تبعهم الحضور في ذلك حتى وإن لم يدركوا عمّا يصفقون تماهيا مع الجماعة فيما يفعلون .
وفى المحصلة يبدو أن التصفيق جلبناه مع رحلة المشير أحمد باشا باي إلى فرنسا سنة 1846 ولكن لم نجلب معه الحرية التي عبرت بها الممثلة عما يختلج في صدرها، لأن الحرية لا تستورد ولا تهدى بل تفتك ويناضل من أجلها المؤمنون بها ألم يقل أمير الشعراء أحمد شوقي :
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يُدق.
يكتبها محمد عمري
التصفيق ظاهرة كونية يعبّر من خلالها الجمهور عن إعجابه أو تشجيعه لمن يصفق له وهو تقريبا لغة مشتركة بين عدد كبير من شعوب العالم، ويكون التصفيق أيضا تعبيرا عن الولاء للساسة عند إلقائهم خطبهم على الجماهير التي تتفاعل مع ما يتفوهون به من وعود وآمال بالتصفيق الحار والهتاف بحياة الزعيم حتى أن البعض من المختصين يعتبرونه من أهم العلامات الدالة على النجاح الاتصالي لهذا السياسي أو ذاك.
وللتصفيق حكاية غريبة في تونس، فلم يكن من الحركات التي يتمّ من خلالها التعبير عن الإعجاب أو الاستحسان أو التشجيع بل كان فقط حركة من حاكم البلاد تستدعي الإذعان من الحاشية وتحقيق مطالب السلطان، ولقد ترسخت فى المخيال المشترك من خلال حكايات عبد العزيز العروي صورة ذلك الحاكم الجالس على عرشه والماسك بصولجان حكمه وأمامه واحد من رعيته منحني الظهر يكاد رأسه يلامس الأرض إجلالا للسلطان، فيقوم الحاكم بحركة تهوى فيها راحته اليمنى على راحته الشمالية فتحدث جلبة فيقدم الخادم مسرعا ويأمره بوضع هذا الواقف أمامه في السجن أو يؤمر بقطع رأسه .
والتصفيق له تاريخ طويل حيث تؤكد عديد المصادر أنه يعود إلى العهد اليوناني حين كان اليونانيون يعبرون عن إعجابهم بما يعرض على مسرح ديونيسيوس بالتصفيق شحذا لهمم الممثلين، وتذكر بعض المصادر أنه شكل من أشكال التعبير الذي استعمله الفراعنة، كما استعمل في شبه الجزيرة العربية عند بداية الدعوة الإسلامية من قبل بعض الأفراد لا للتعبير عن الإعجاب بل للتشويش عن الدعاة لهذا الدين الجديد من خلال خلق ضوضاء تمنع المتلقين من الاستماع إلى ما يقولون، وللتعمق في الأمر يمكن الرجوع إلى واحد من الكتب العربية القليلة التي بحثت في تاريخ التصفيق كتاب "ظاهرة التصفيق في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المصري خاصة" للدكتور عماد عبد اللطيف .
التصفيق يبدو أن تونس لم تعرف توظيفه تعبيرا عن الإعجاب بأمر ما إلا في فترات متأخرة وهو ما نستنتجه من كتاب "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان" لأحمد بن أبي الضياف، فقد ورد عند حديث ابن أبي الضياف عن رحلة المشير أحمد باشا باي إلى فرنسا في نوفمبر/ديسمبر 1946 واستقباله من قبل ملك فرنسا لوي فيليب الأول الذي أكرم وفادة المشير واستدعاه إلى التياترو لمشاهدة حكاية أو رواية، وفي مشهد من هذه الحكاية تحاول الأم إقناع ابنتها بعدم الزواج ممن تحب والزواج ممن يرضى عنه الملك" فصاحت البنت في ذلك المجمع "بأي شرع يتصرف السلطان في أرواحنا بالقهر ونحن أحرار؟.. ولما صاحت البنت بهذه المقالة، قال لها السلطان في ذلك المشهد ما معناه "أحسنت، أحسنت" وصفق بيديه وتلك علامة الاستحسان عندهم"، وفى هذه الجملة الأخيرة "وتلك علامة الاستحسان عندهم" التي كتبها ابن أبي الضياف ما يدلّ على أن التصفيق تعبير عن الاستحسان والإعجاب لم يكن مما يُعرف في حاضرة تونس، فلو كان من السلوك الجاري به التعبير لما اضطر ابن أبي الضياف إلى التفسير والتوضيح .
وهكذا ربما تمّ استيراد ظاهرة التصفيق تعبيرا عن الاستحسان لتصبح واحدة من ركائز ثقافتنا خاصة السياسية منها التي طغى فيها التصفيق على كل قول وفعل وبات المصفقون كُثرا، وأذكر هنا أن عملية التصفيق في التجمعات السياسية قبل الثورة وبعدها كانت تدار من خلف الستار مثلما كان الأمر في اليونان القديمة فقد ذُكر أن ظاهرة المُصَفّق المأجور عرفها المسرح اليوناني منذ قرون، ففي كل تجمع يتوزع عدد من المصفقين بين صفوف الحاضرين ويتولوا التصفيق من حين إلى آخر ليتبعهم الحاضرون في ذلك، فالتصفيق من الظواهر المعدية إن قام بها فرد أو أفراد تبعهم الحضور في ذلك حتى وإن لم يدركوا عمّا يصفقون تماهيا مع الجماعة فيما يفعلون .
وفى المحصلة يبدو أن التصفيق جلبناه مع رحلة المشير أحمد باشا باي إلى فرنسا سنة 1846 ولكن لم نجلب معه الحرية التي عبرت بها الممثلة عما يختلج في صدرها، لأن الحرية لا تستورد ولا تهدى بل تفتك ويناضل من أجلها المؤمنون بها ألم يقل أمير الشعراء أحمد شوقي :