إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: أنا والصّحافة المكتوبة ... قصـة طويلة

 

 

بقلم: علي السعداوي

هذه المرّة، وفي رحاب هذا المنتدى، وفي أوج هذه الصائفة، يحلو لي أن أبوح بقصّة عشق جمعتنــي " بصاحبة الجلالة"، الصّحافة، والصحافة المكتوبة، قبل كلّ شيء، وبشتّــى أنواعها: اليوميّة والأسبوعيـّــة، والدوريّة عامّة، والاخباريّة والتحليلية، السياسيّة والأدبيّة، والاقتصادية والفنية، لا لأثنــي على النفس أو أغوص في شيء من النّرجسيّــة، وإنّما لأتأمّل في حالي وسلوكي، وأبحث عن الأسرار، لعليّ كنت على حقّ في هوايا وهوايتي، ولعلّي أشترك مع محبّيــن آخريــن للجرائد والصحف والمجلاّت، ومحبّات. ولعلّ قصّـــة العشق هذه، المبكرة، تنفع من يقرأ، لا سيما من جيل الشباب المتعلم المتثقـّــف.

اقتحام المجال و الدرس:

تجاسرت وأنا طالب وفي بداية عهدي بالجامعــة (كلّيــة الاداب والعلوم الإنسانيـّــة 9 أفريل تونس) أن أرسل مقالا صغيرا إلى جريدة "الصباح" الغرّاء، وإلى ركن "رأي للنقاش"، فسررت لسرعة نشره. لكنّ زميلا لي مرافقا استغرب الأمر آنذاك، وهو المرحوم عبد الرحمان أيوب الذي أصبح قامة علميـّــة وصاحب " تبر الزمان" وذاك التشجيع من قبل أسرة الصباح أغراني وحفّزني، وبدأت قصّتـي مع هذه الجريدة العريقة حتـّــى اليوم، وقد تجاوزت السبعين من العمر، ولم تفتر شهيّتي للكتابة بها وبغيرها، قليلا، حتّى صرت أحد أعضاء مكتبها الجهوي في صفاقس، أساهم في ركن الجهات، على سبيل التطوّع، وتغطيــة بعض الأحداث الثقافيــة، والكتابــة في الشؤون التربويّــة خاصة .

ووقفت، بالمراس على قيمة العمل الصحفي ونبله وفائدته. وكم كانت نشوتي قويّة حين وجدت ذات مرّة، عنوان مقالي، على الصفحة الأولى (تغطية لندوة حول الطبّ اللطيف، وأخرى حول الأسلوبيّة). وكم تهيّبت وأنا في شرخ الشباب، دار الصباح ومنظر رئيس تحريرها الأستاذ الهادي العبيدي، صاحب اليراع الصارم.

وقادني اقتحام مجال الكتابة الصحفية إلى الالتحاق بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار سنـة 1969 بصيغة ترسيمه المزدوجة، والتخرّج منه بإجازة في اختصاص الصحافة المكتوبة سنـة 1973 وبحث أو رسالة (Mémoire) عن "مجلـة الفكر" زيادة على التخرّج في نفس السنة من الكلّيـة بالأستاذيـة في الآداب.

وربّما أخطأت حين فوّت تربّصافي الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تشبثي بمهنة التعليم. وأذكر أنّ أوّل مقال لي بمجلة كان حول الصحافة المكتوبة ونشرته الفكر " في أوائل السبعينات. ثم ازددت تشبّثا بالصحافة المكتوبة فأنجزت شهادة الكفاءة في البحث حول "الإشهار ولغتــهفي الصحافة العربية في المشرق والمغرب" بإشراف المرحوم الدكتور محمـّد رشاد الحمزاوي وكان بحثا مرجعا في الموضوع.

نهــــــــم القراءة وفائدتــه:

أنا أنتمــــــــي إلى جيل لا يصبر على القراءة. ولم أكن وحدي في هذا الغرام. لأنّ القراءة هواية ممتعــة فاتحــة للأفاق وسبيل إلى الثقافة الحق والمواظبة عليها عنوان الرشد والنّــضج، وهي تستحسن وتطلب في أعلى مستــوى، وقد ذكر لي أحد الأصدقاء من المحاميـــن أنه فوجئ وهو يجتاز الامتحان بالعميد الصادق بلعيد يسأله: هل تقرأ جريدة لوموند le Monde الفرنسية؟ ! ولا تخفــى أبعاد هذا السؤال ودلالاتــه.

فالصحافــة المكتوبة المتينة الراقيــة مورد ومنهــل للعلم والمعرفــة والثقافة، إذ يكتب فيها أصحاب أقلام جيّدة صياغــة ومضمونا، في قالب لمحات (R. Escarpit, Le Monde)وتحاليل عميقـة. هذا فضلا عن الملاحق الدّسمة التي كانت تصدرها الصحف مثل الملحق الاقتصادي لجريدةla Presse التونسيـــة والملحق الأدبي لجريدتي الصباح والعمل وغيرهما.

ومن الغـَــبن أن يُنكر جميل صحافتنا المكتوبة ويُنســى سخيّ جهدها في التثقيف والتهذيب طيلة عقود، ويُواجــه ذلك بالجحود. فالمبادرات كثيرة نشرا ودرسا وقد أحسن الدكتور جعفر ماجد رحمه الله، على سبيل المثال حين أعدّ أطروحــة كاملة عن الصحافة الأدبية في تونس، إذ تعتبر هذه الصحافة جزءا من الصحافة المكتوبـة، نضيف إلى هذا الأعداد الممتازة التي أصدرتها وتصدرها المجلات الثقافيـة الرصينـة المجتهدة كالعدد الذي أصدرته مجلة "أكاديميا" التونسية بعنوان الثقافة التونسية الحديثة، مراجعوعلامات (العدد 31 سبتمبر 2014 السنـة الثالثة) وكالعدد الذي أصدرته مجلة " القلم" حول الألفيــة الثالثـــة ( العدد 5 سنة 2000 ) وكنت أدير هذه المجلة بصفاقس. ولا أنسـى الأتعاب اللذيذة التي كان يتطلبها إصدار كلّ عدد ...

الصحافـة اليوميّة، اليوم وغدا

إنّي أحسّ بمرارة وأســـى حيــن أذكر احتجاب صحف ببلادنا والعالم مثل جريدة الصريح لصاحبها صالح الحاجــة الذي فتــح لــي المجال أكثر من مرّة للكتابة، وأسمع عن معاناة صحف في سبيل الصمود. وكم كانت فرحتــي كبيرة حين علمت بنبإ نفاد أعدادجريدة " الصباح" يوم الأحد 03/7/2022 للمضمون اللافت المتفرد الذي صدرت به. فكانت المفاجأة سارّة وكان الصدى واسعا. ولعل مردّ التهافت على اقتناء هذا العدد الاجتهاد والبحث عن المعلومــة الخفيّــة، والسبّق الصحفي.

نعم، لقد زهـــــد الكثيرون في قراءة الصحف وأشاح بعض الباعــة عنها ولا تسل عن موقف الشباب فهو يهيــم في بحار أخرى مستجدّة. والرأي عندي – ومــن وحي قصّتــي الطويلة مع الصحافــة المكتوبـة – أنـــه بالإمكان بَعدُ بقاء هذه الصحافــة بشتـــى أنواعها وازدهارها من جديد شريطـــة أن تدرس مليّا طلبات الجمهور وتجتهــد أكثر وتتنكّب المسالك المطروقة وتعزف عن الاجترار والثرثرة. وربما جاز الاعتبار بسيرة كبرى الصحف في العالم التي عرفت كيف تتحدّى الظروف وتستأثر بالسّبق في نشر أحاديث ومقالات ومقابلات مهمّة كالذي فعلته أخيرا " الواشنطن بوست" حين نشرت مقال الرئيس الأمريكي بايدن قبيل زيارته للشرق الأوسط (جويليـة 2022 ).

ثم لا ننســى الاقتناء، اقتناء القراء لصحفهم وماله من فضل وأثر. ولا أفشي سرّا إن قلت إنني ربّما كنت أغالي في اقتناءاتي على غير المنتظر. زد على ذلك حفظي لمختارات مما أقتني.

هذا غيض من فيض قصّــتــي مع الصحافــة المكتوبة التي تيّمتني وجعلتني أتابع ثمراتها لا سيما اليانعــة المرجعيـة. ولعلّ كلّ هذا راجع إلى "عقيدتي"الثقافيــة : المكتوب يبقــى والكلام تذروه الرّياح استلهاما من المثل الروماني القائل:

Les écrits restent, les paroles s’envolent

*متفقــد تعليــم، متقاعـــد

 

 

 

 

 

 

 

 

منتدى الصباح: أنا والصّحافة المكتوبة ... قصـة  طويلة

 

 

بقلم: علي السعداوي

هذه المرّة، وفي رحاب هذا المنتدى، وفي أوج هذه الصائفة، يحلو لي أن أبوح بقصّة عشق جمعتنــي " بصاحبة الجلالة"، الصّحافة، والصحافة المكتوبة، قبل كلّ شيء، وبشتّــى أنواعها: اليوميّة والأسبوعيـّــة، والدوريّة عامّة، والاخباريّة والتحليلية، السياسيّة والأدبيّة، والاقتصادية والفنية، لا لأثنــي على النفس أو أغوص في شيء من النّرجسيّــة، وإنّما لأتأمّل في حالي وسلوكي، وأبحث عن الأسرار، لعليّ كنت على حقّ في هوايا وهوايتي، ولعلّي أشترك مع محبّيــن آخريــن للجرائد والصحف والمجلاّت، ومحبّات. ولعلّ قصّـــة العشق هذه، المبكرة، تنفع من يقرأ، لا سيما من جيل الشباب المتعلم المتثقـّــف.

اقتحام المجال و الدرس:

تجاسرت وأنا طالب وفي بداية عهدي بالجامعــة (كلّيــة الاداب والعلوم الإنسانيـّــة 9 أفريل تونس) أن أرسل مقالا صغيرا إلى جريدة "الصباح" الغرّاء، وإلى ركن "رأي للنقاش"، فسررت لسرعة نشره. لكنّ زميلا لي مرافقا استغرب الأمر آنذاك، وهو المرحوم عبد الرحمان أيوب الذي أصبح قامة علميـّــة وصاحب " تبر الزمان" وذاك التشجيع من قبل أسرة الصباح أغراني وحفّزني، وبدأت قصّتـي مع هذه الجريدة العريقة حتـّــى اليوم، وقد تجاوزت السبعين من العمر، ولم تفتر شهيّتي للكتابة بها وبغيرها، قليلا، حتّى صرت أحد أعضاء مكتبها الجهوي في صفاقس، أساهم في ركن الجهات، على سبيل التطوّع، وتغطيــة بعض الأحداث الثقافيــة، والكتابــة في الشؤون التربويّــة خاصة .

ووقفت، بالمراس على قيمة العمل الصحفي ونبله وفائدته. وكم كانت نشوتي قويّة حين وجدت ذات مرّة، عنوان مقالي، على الصفحة الأولى (تغطية لندوة حول الطبّ اللطيف، وأخرى حول الأسلوبيّة). وكم تهيّبت وأنا في شرخ الشباب، دار الصباح ومنظر رئيس تحريرها الأستاذ الهادي العبيدي، صاحب اليراع الصارم.

وقادني اقتحام مجال الكتابة الصحفية إلى الالتحاق بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار سنـة 1969 بصيغة ترسيمه المزدوجة، والتخرّج منه بإجازة في اختصاص الصحافة المكتوبة سنـة 1973 وبحث أو رسالة (Mémoire) عن "مجلـة الفكر" زيادة على التخرّج في نفس السنة من الكلّيـة بالأستاذيـة في الآداب.

وربّما أخطأت حين فوّت تربّصافي الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تشبثي بمهنة التعليم. وأذكر أنّ أوّل مقال لي بمجلة كان حول الصحافة المكتوبة ونشرته الفكر " في أوائل السبعينات. ثم ازددت تشبّثا بالصحافة المكتوبة فأنجزت شهادة الكفاءة في البحث حول "الإشهار ولغتــهفي الصحافة العربية في المشرق والمغرب" بإشراف المرحوم الدكتور محمـّد رشاد الحمزاوي وكان بحثا مرجعا في الموضوع.

نهــــــــم القراءة وفائدتــه:

أنا أنتمــــــــي إلى جيل لا يصبر على القراءة. ولم أكن وحدي في هذا الغرام. لأنّ القراءة هواية ممتعــة فاتحــة للأفاق وسبيل إلى الثقافة الحق والمواظبة عليها عنوان الرشد والنّــضج، وهي تستحسن وتطلب في أعلى مستــوى، وقد ذكر لي أحد الأصدقاء من المحاميـــن أنه فوجئ وهو يجتاز الامتحان بالعميد الصادق بلعيد يسأله: هل تقرأ جريدة لوموند le Monde الفرنسية؟ ! ولا تخفــى أبعاد هذا السؤال ودلالاتــه.

فالصحافــة المكتوبة المتينة الراقيــة مورد ومنهــل للعلم والمعرفــة والثقافة، إذ يكتب فيها أصحاب أقلام جيّدة صياغــة ومضمونا، في قالب لمحات (R. Escarpit, Le Monde)وتحاليل عميقـة. هذا فضلا عن الملاحق الدّسمة التي كانت تصدرها الصحف مثل الملحق الاقتصادي لجريدةla Presse التونسيـــة والملحق الأدبي لجريدتي الصباح والعمل وغيرهما.

ومن الغـَــبن أن يُنكر جميل صحافتنا المكتوبة ويُنســى سخيّ جهدها في التثقيف والتهذيب طيلة عقود، ويُواجــه ذلك بالجحود. فالمبادرات كثيرة نشرا ودرسا وقد أحسن الدكتور جعفر ماجد رحمه الله، على سبيل المثال حين أعدّ أطروحــة كاملة عن الصحافة الأدبية في تونس، إذ تعتبر هذه الصحافة جزءا من الصحافة المكتوبـة، نضيف إلى هذا الأعداد الممتازة التي أصدرتها وتصدرها المجلات الثقافيـة الرصينـة المجتهدة كالعدد الذي أصدرته مجلة "أكاديميا" التونسية بعنوان الثقافة التونسية الحديثة، مراجعوعلامات (العدد 31 سبتمبر 2014 السنـة الثالثة) وكالعدد الذي أصدرته مجلة " القلم" حول الألفيــة الثالثـــة ( العدد 5 سنة 2000 ) وكنت أدير هذه المجلة بصفاقس. ولا أنسـى الأتعاب اللذيذة التي كان يتطلبها إصدار كلّ عدد ...

الصحافـة اليوميّة، اليوم وغدا

إنّي أحسّ بمرارة وأســـى حيــن أذكر احتجاب صحف ببلادنا والعالم مثل جريدة الصريح لصاحبها صالح الحاجــة الذي فتــح لــي المجال أكثر من مرّة للكتابة، وأسمع عن معاناة صحف في سبيل الصمود. وكم كانت فرحتــي كبيرة حين علمت بنبإ نفاد أعدادجريدة " الصباح" يوم الأحد 03/7/2022 للمضمون اللافت المتفرد الذي صدرت به. فكانت المفاجأة سارّة وكان الصدى واسعا. ولعل مردّ التهافت على اقتناء هذا العدد الاجتهاد والبحث عن المعلومــة الخفيّــة، والسبّق الصحفي.

نعم، لقد زهـــــد الكثيرون في قراءة الصحف وأشاح بعض الباعــة عنها ولا تسل عن موقف الشباب فهو يهيــم في بحار أخرى مستجدّة. والرأي عندي – ومــن وحي قصّتــي الطويلة مع الصحافــة المكتوبـة – أنـــه بالإمكان بَعدُ بقاء هذه الصحافــة بشتـــى أنواعها وازدهارها من جديد شريطـــة أن تدرس مليّا طلبات الجمهور وتجتهــد أكثر وتتنكّب المسالك المطروقة وتعزف عن الاجترار والثرثرة. وربما جاز الاعتبار بسيرة كبرى الصحف في العالم التي عرفت كيف تتحدّى الظروف وتستأثر بالسّبق في نشر أحاديث ومقالات ومقابلات مهمّة كالذي فعلته أخيرا " الواشنطن بوست" حين نشرت مقال الرئيس الأمريكي بايدن قبيل زيارته للشرق الأوسط (جويليـة 2022 ).

ثم لا ننســى الاقتناء، اقتناء القراء لصحفهم وماله من فضل وأثر. ولا أفشي سرّا إن قلت إنني ربّما كنت أغالي في اقتناءاتي على غير المنتظر. زد على ذلك حفظي لمختارات مما أقتني.

هذا غيض من فيض قصّــتــي مع الصحافــة المكتوبة التي تيّمتني وجعلتني أتابع ثمراتها لا سيما اليانعــة المرجعيـة. ولعلّ كلّ هذا راجع إلى "عقيدتي"الثقافيــة : المكتوب يبقــى والكلام تذروه الرّياح استلهاما من المثل الروماني القائل:

Les écrits restent, les paroles s’envolent

*متفقــد تعليــم، متقاعـــد

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews