إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ساهمت في تغذيته وسائل التواصل الاجتماعي هوس التباهي يصيب التونسي.. والتداين تحول إلى أسلوب عيش

 

 

- مختصون في علم الاجتماع لـ"الصباح": التباهي واستعراض المظاهر حالة مرضية أصابت جزءا من المجتمع التونسي

تونس – الصباح

أصبحت المبالغة في "المظاهر" أو الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال استعراض للاماكن التي يرتادها البعض للترفيه وتقضية عطلته الصيفية حالة عامة عند اغلب التونسيين ولافتة للانتباه في آن واحد رغم قساوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اغلبهم إلا أن "الصورة" باتت تمثل جزءا هاما من شخصية التونسي "المركبة"، فتجده يشتكي وضعا اقتصاديا صعبا وأصبح شبه دائم وفي نفس الوقت يلبي رغباته وشهواته حتى ولو اضطره الأمر للتداين الذي تحول الى أسلوب حياة حسب المختصتين في علم الاجتماع.

ورغم الترفيع في الأجور في السنوات الأخيرة إلا أنها لم تكن الحل لتحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي في المقابل شهد مستوى التداين لدى الأسر التونسية ارتفاعا بحوالي 117 بالمائة، بين 2010 إلى 2018 ليبلغ 23.3 مليار دينار بالإضافة إلى تراجع مستوى الادخار.

كما أن أكثر من ثلثي الأسر التونسية تعتبر أن التداين أصبح ضروريا لمجابهة ارتفاع الأسعار مقابل تلبية متطلبات الحياة.

التداين أسلوب حياة ..

وبالعودة الى بحث ميداني، أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك في ديسمبر 2018 فان حوالي 1.8 مليون أسرة تونسية لا يمكنها الاستغناء عن التداين بجميع أصنافه وأنواعه ولا يمكنها أن تعيش دون تداين بسبب ظروفها الصعبة، علما وأن عدد الأسر التونسية يبلغ حوالي 2.8 مليون أسرة مكونة في المعدّل من أربعة أفراد.

كما كشف البحث الذي اجري على عينة تتكون من 3015 رب أسرة أن 27 بالمائة من الأسر التونسية أي حوالي 757 ألف أسرة تعتبر أن التداين ضرورة يمليها ضعف القدرة الشرائية و27 بالمائة ترى أيضا أن التداين ورطة يصعب الخروج منها وأن 20 بالمائة من العينة المستجوبة تعتقد أن التداين يمثل حلاّ لتحسين ظروف العيش.

نتائج نفسية واجتماعية..

وفي هذا الإطار رأى بلعيد أولاد عبد الله المختص في علم الاجتماع والتنمية الاجتماعية أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والتحولات العميقة التي شهدها المجتمع التونسي منذ الثورة الى الآن أدت الى مجموعة من النتائج النفسية التي أصبحت تحيط بشخصية التونسي مثل الإحباط الى جانب عوامل اجتماعية أخرى مثل التوتر على مستوى العلاقات الأسرية والمهنية وتعدد عنف بمختلف أنواعه اللفظي والجسدي بالإضافة الى ضغوط اقتصادية مثل تراجع المقدرة الشرائية والبحث عن استراتيجيات التأقلم مع التداين مثال تعدد موارد الاقتراض من قبل المؤسسات المالية العادية مثل البنوك وجمعيات الإقراض الصغير والتداين غير الرسمي أو التداين الشعبي من الأقارب والأصحاب.

وحسب محدثنا فان التونسي رغم ذلك له مبادئ ثابتة لا يستطيع التفريط فيها مثل التضحية من اجل عائلته وتلبية جل مطالبهم من ترفيه وتمكين أبنائه من الدروس الخصوصية رغم الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

وفي السياق نفسه قال المختص في علم الاجتماع ان "التونسي خلق ليشقى فمنذ الاستقلال الى الآن هناك تحولات عديدة وخاصة بعد الثورة التي كانت ثورة استحقاقات اجتماعية ونفسية أساسا وهي ليست ثورة صراع قانوني وهذا خطأ فادح لكن للأسف الخطأ الذي يقع فيه اغلب الحكام هو أنهم يعتقدون ان المعركة في تونس معركة فوقية أي معركة قوانين والدساتير ستأخذ مكانا في رفوف التشريعات دون أن تغير شيئا من الواقع الاجتماعي والمعيشي والنفسي للتونسيين".

ارتفاع مؤشرات العنف والانتحار والجريمة والاعتداء على أملاك الناس دليل ملموس تؤكده المؤشرات والدراسات القياسية حسب أولاد عبد الله يؤكد ان ما يعيشه التونسي من صراع وجودي بالأساس"، مضيفا بان "مسار الرئيس الذي ينتهجه الآن خاطئ لذلك أصبحت شعبيته تتآكل إلا إذا قام بإنقاذ الموقف بعد 25 جويلية لان الدساتير والنصوص القانونية جيدة لكن ليست الحل لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي الصعب الذي يعيشه التونسي".

شخصية التونسي اليوم تتجسد في مجموعة من المتناقضات تحكمها الرغبة الجامحة في "التظاهر" بأنه أقوى من أي تحديات وظروف فرضها واقعه الاقتصادي عليه وكأنه يعيش صراعا نفسيا مع واقعه لذلك اعتبر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر انه علينا اعتماد منهجية علم الاجتماع الطبي بسبب المتغيرات التي تجتاح الشخصية التونسية مثل( الفقر -الاحتياج - القهر – الخصاصة- الخوف من الغد- غلاء المعيشة - الالتزامات).

التونسي واللامبالاة..

رأى الباحث في علم الاجتماع أن التونسي يريد التحرر من الضغوطات رغم الهواجس والمخاوف في نفس الوقت ينتهج اللامبالاة لذلك أصبح يعيش بعقلية "اللحظة" لذلك هناك وجه شبه بين التونسي والدولة التي هي الأخرى تنتهج استراتيجيات تصريف الأعمال والحلول الوقتية لذلك فان كل مواطن تونسي أصبح صورة مصغرة لما تعيشه الدولة.

ثقافة التباهي تحولت الى ظاهرة تتحكم في ذهنية العديد من التونسيين ونمط حياتهم الى درجة "الهوس" أحيانا في تمرد واضح على الظروف الاقتصادية حتى ولو كان ذلك بوسائل مثل التداين لبلوغ الكماليات أو تقليد أشخاص في محيطهم العائلي أو المهني.

ففي السابق نجد التونسي مهووسا ببناء منزل وشراء سيارة فيلجأ الى الادخار وتوفير قسط من أجره لتحقيق هدفه أو الاقتراض لأجل ذلك لكنه الآن حافظ على نفس الوسائل والأساليب مع تغير الأهداف وتحول هوس التباهي الى متحكم في حياته فبات التظاهر بمثابة عدوى تنتشر بسرعة داخل المجتمع التونسي فتغيرت معه عادات الشراء واللهث وراء الماركات والأماكن الراقية التي تفوق مستوى الأجور.

ومن وجهة نظر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر فان التونسي ابتعد عن التخطيط نظرا لضغط الالتزامات وأصبح يبحث عن أسلوب لتعويض "النقص" من خلال التباهي والتظاهر وكأنه أقوى من ظروفه الاقتصادية والاجتماعي خاصة بعد تحول مظاهر الى وسيلة منافسة اجتماعية ما خلق ضغطا مضاعفا سببه مواقع التواصل الاجتماعي فأصبح التونسي يغالط نفسه ومحيطه واتخذ من "المغالطة" وسيلة دفاعية لتحقيق توازنه النفسي والاجتماعي فهو يعيش نوعا من "الوهم" وهو ما خلق مجتمع التمرد على كل شيء حتى على الظروف.

كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية ثقافة التباهي لتتحول الى عدوى تهز استقرار عديد العائلات التي أصبح العديد منها متورطا في الديون فقط لتعويض الشعور بالنقص الذي يعاني منه وتعويض الإحساس بالفوارق الطبقية لذلك أصبح النزوع نحو التباهي والمظاهر حالة مرضية تعكس شخصية مهزوزة فاقدة للثقة.

جهاد الكلبوسي

 

 

ساهمت في تغذيته وسائل التواصل الاجتماعي هوس التباهي يصيب التونسي.. والتداين تحول إلى أسلوب عيش

 

 

- مختصون في علم الاجتماع لـ"الصباح": التباهي واستعراض المظاهر حالة مرضية أصابت جزءا من المجتمع التونسي

تونس – الصباح

أصبحت المبالغة في "المظاهر" أو الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال استعراض للاماكن التي يرتادها البعض للترفيه وتقضية عطلته الصيفية حالة عامة عند اغلب التونسيين ولافتة للانتباه في آن واحد رغم قساوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اغلبهم إلا أن "الصورة" باتت تمثل جزءا هاما من شخصية التونسي "المركبة"، فتجده يشتكي وضعا اقتصاديا صعبا وأصبح شبه دائم وفي نفس الوقت يلبي رغباته وشهواته حتى ولو اضطره الأمر للتداين الذي تحول الى أسلوب حياة حسب المختصتين في علم الاجتماع.

ورغم الترفيع في الأجور في السنوات الأخيرة إلا أنها لم تكن الحل لتحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي في المقابل شهد مستوى التداين لدى الأسر التونسية ارتفاعا بحوالي 117 بالمائة، بين 2010 إلى 2018 ليبلغ 23.3 مليار دينار بالإضافة إلى تراجع مستوى الادخار.

كما أن أكثر من ثلثي الأسر التونسية تعتبر أن التداين أصبح ضروريا لمجابهة ارتفاع الأسعار مقابل تلبية متطلبات الحياة.

التداين أسلوب حياة ..

وبالعودة الى بحث ميداني، أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك في ديسمبر 2018 فان حوالي 1.8 مليون أسرة تونسية لا يمكنها الاستغناء عن التداين بجميع أصنافه وأنواعه ولا يمكنها أن تعيش دون تداين بسبب ظروفها الصعبة، علما وأن عدد الأسر التونسية يبلغ حوالي 2.8 مليون أسرة مكونة في المعدّل من أربعة أفراد.

كما كشف البحث الذي اجري على عينة تتكون من 3015 رب أسرة أن 27 بالمائة من الأسر التونسية أي حوالي 757 ألف أسرة تعتبر أن التداين ضرورة يمليها ضعف القدرة الشرائية و27 بالمائة ترى أيضا أن التداين ورطة يصعب الخروج منها وأن 20 بالمائة من العينة المستجوبة تعتقد أن التداين يمثل حلاّ لتحسين ظروف العيش.

نتائج نفسية واجتماعية..

وفي هذا الإطار رأى بلعيد أولاد عبد الله المختص في علم الاجتماع والتنمية الاجتماعية أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والتحولات العميقة التي شهدها المجتمع التونسي منذ الثورة الى الآن أدت الى مجموعة من النتائج النفسية التي أصبحت تحيط بشخصية التونسي مثل الإحباط الى جانب عوامل اجتماعية أخرى مثل التوتر على مستوى العلاقات الأسرية والمهنية وتعدد عنف بمختلف أنواعه اللفظي والجسدي بالإضافة الى ضغوط اقتصادية مثل تراجع المقدرة الشرائية والبحث عن استراتيجيات التأقلم مع التداين مثال تعدد موارد الاقتراض من قبل المؤسسات المالية العادية مثل البنوك وجمعيات الإقراض الصغير والتداين غير الرسمي أو التداين الشعبي من الأقارب والأصحاب.

وحسب محدثنا فان التونسي رغم ذلك له مبادئ ثابتة لا يستطيع التفريط فيها مثل التضحية من اجل عائلته وتلبية جل مطالبهم من ترفيه وتمكين أبنائه من الدروس الخصوصية رغم الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

وفي السياق نفسه قال المختص في علم الاجتماع ان "التونسي خلق ليشقى فمنذ الاستقلال الى الآن هناك تحولات عديدة وخاصة بعد الثورة التي كانت ثورة استحقاقات اجتماعية ونفسية أساسا وهي ليست ثورة صراع قانوني وهذا خطأ فادح لكن للأسف الخطأ الذي يقع فيه اغلب الحكام هو أنهم يعتقدون ان المعركة في تونس معركة فوقية أي معركة قوانين والدساتير ستأخذ مكانا في رفوف التشريعات دون أن تغير شيئا من الواقع الاجتماعي والمعيشي والنفسي للتونسيين".

ارتفاع مؤشرات العنف والانتحار والجريمة والاعتداء على أملاك الناس دليل ملموس تؤكده المؤشرات والدراسات القياسية حسب أولاد عبد الله يؤكد ان ما يعيشه التونسي من صراع وجودي بالأساس"، مضيفا بان "مسار الرئيس الذي ينتهجه الآن خاطئ لذلك أصبحت شعبيته تتآكل إلا إذا قام بإنقاذ الموقف بعد 25 جويلية لان الدساتير والنصوص القانونية جيدة لكن ليست الحل لتغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي الصعب الذي يعيشه التونسي".

شخصية التونسي اليوم تتجسد في مجموعة من المتناقضات تحكمها الرغبة الجامحة في "التظاهر" بأنه أقوى من أي تحديات وظروف فرضها واقعه الاقتصادي عليه وكأنه يعيش صراعا نفسيا مع واقعه لذلك اعتبر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر انه علينا اعتماد منهجية علم الاجتماع الطبي بسبب المتغيرات التي تجتاح الشخصية التونسية مثل( الفقر -الاحتياج - القهر – الخصاصة- الخوف من الغد- غلاء المعيشة - الالتزامات).

التونسي واللامبالاة..

رأى الباحث في علم الاجتماع أن التونسي يريد التحرر من الضغوطات رغم الهواجس والمخاوف في نفس الوقت ينتهج اللامبالاة لذلك أصبح يعيش بعقلية "اللحظة" لذلك هناك وجه شبه بين التونسي والدولة التي هي الأخرى تنتهج استراتيجيات تصريف الأعمال والحلول الوقتية لذلك فان كل مواطن تونسي أصبح صورة مصغرة لما تعيشه الدولة.

ثقافة التباهي تحولت الى ظاهرة تتحكم في ذهنية العديد من التونسيين ونمط حياتهم الى درجة "الهوس" أحيانا في تمرد واضح على الظروف الاقتصادية حتى ولو كان ذلك بوسائل مثل التداين لبلوغ الكماليات أو تقليد أشخاص في محيطهم العائلي أو المهني.

ففي السابق نجد التونسي مهووسا ببناء منزل وشراء سيارة فيلجأ الى الادخار وتوفير قسط من أجره لتحقيق هدفه أو الاقتراض لأجل ذلك لكنه الآن حافظ على نفس الوسائل والأساليب مع تغير الأهداف وتحول هوس التباهي الى متحكم في حياته فبات التظاهر بمثابة عدوى تنتشر بسرعة داخل المجتمع التونسي فتغيرت معه عادات الشراء واللهث وراء الماركات والأماكن الراقية التي تفوق مستوى الأجور.

ومن وجهة نظر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر فان التونسي ابتعد عن التخطيط نظرا لضغط الالتزامات وأصبح يبحث عن أسلوب لتعويض "النقص" من خلال التباهي والتظاهر وكأنه أقوى من ظروفه الاقتصادية والاجتماعي خاصة بعد تحول مظاهر الى وسيلة منافسة اجتماعية ما خلق ضغطا مضاعفا سببه مواقع التواصل الاجتماعي فأصبح التونسي يغالط نفسه ومحيطه واتخذ من "المغالطة" وسيلة دفاعية لتحقيق توازنه النفسي والاجتماعي فهو يعيش نوعا من "الوهم" وهو ما خلق مجتمع التمرد على كل شيء حتى على الظروف.

كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية ثقافة التباهي لتتحول الى عدوى تهز استقرار عديد العائلات التي أصبح العديد منها متورطا في الديون فقط لتعويض الشعور بالنقص الذي يعاني منه وتعويض الإحساس بالفوارق الطبقية لذلك أصبح النزوع نحو التباهي والمظاهر حالة مرضية تعكس شخصية مهزوزة فاقدة للثقة.

جهاد الكلبوسي

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews