إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح.. تونس جزء من الأمة العربية: أي معنى

بقلم: نوفل سلامة

نقرأ في توطئة الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي يوم 25 جويلية أن الفصل الأول يتحدث على أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة وفي الفصل الثاني أن نظام الدولة التونسية هو النظام الجمهوري و في الفصل الثالث أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة وفي الفصل الرابع أن تونس دولة موحدة وفي الفصل السادس أن تونس جزء من الأمة العربية واللغة العربية هي اللغة الرسمية وفي الفصل السابع أن الجمهورية التونسية هي جزء من المغرب العربي الكبير. فماذا تعني هذه المراوحة في الحديث بين جملة من المصطلحات تبدو عند البعض ذات معنى واحد وعند البعض الآخر معانيها مختلفة باختلاف سياقات ورودها ؟ فهل ثمة اختلاف بين مصطلح تونس دولة ومصطلح الدولة هي نظام جمهوري ومصطلح الشعب التونسي هو صاحب السيادة ومصطلح تونس جمهورية؟

نطرح كل هذه الأسئلة حتى نفهم المنطق الذي حكم كتابة هذه الفصول من التوطئة ونتبين القصد الذي عناه مهندس هذا الدستور خاصة وأننا نقف على صيغ مختلفة في التعبير على وضعيات عديدة فحينما نتحدث عن تونس نعرفها ونصفها بأنها دولة بما هي كيان معنوي كما يقول رئيس الدولة وذات غير طبيعية غير موجودة على أرض الواقع وإنما وجودها لا يكون إلا في الذهن والمخيلة وتجسيدها فعليا يكون من خلال المؤسسات والهياكل التي تمثلها ومن خلال وحدة ترابها والشعب الذي يقطنها والقوانين التي تطبق فيها ونظام الحكم الذي تتبعه .

وحينما نتحدث عن نظام الحكم نجعل له رابط بالدولة بما يعني أنه ليس هناك نظام حكم من دون دولة وكيان يمثله ولكن حينما نتحدث عن الشعب تعرفه فقط بكونه هو صاحب السيادة ومصدرها ولا نشير إلى علاقته بالمفاهيم الأخرى كالنظام والدولة . قد يقول قائل أن من تحصيل الحاصل أن يكون الشعب جزء من الدولة وهو من يمثلها وكذلك النظام السياسي الذي لا يمكن أن يوجد إلا في مع وجود شعب وأفراد حقيقيين . قد يكون هذا التفكير وجيها ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا في عدم وجود رابط بين الشعب والدولة والنظام في هذه الفصول من الدستور ويتضح هذا الهاجس أكثر حينما نتحدث عن علاقتنا بالجسم الكبير الذي ننتمي إليه فحينما نتعرض إلى العلاقة بالأمة العربية نستعمل عبارة " تونس جزء من الأمة العربية " أي تونس بما هي دولة وليس الشعب ولكن حينما نتحدث عن انتمائنا الاقليمي وعلاقتنا ببلدان الجوار نستعمل عبارة " الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير " بما يوحي أن هناك فرق بين الدولة ككيان معنوي يمثله شعب ومؤسسات وحدود جغرافية وبين نظام الحكم المتبع بما يعني كذلك أن نظام الحكم وليس الدولة التونسية هو جزء من المغرب العربي وإلا ما هي مبررات عدم استعمال صيغة الدولة التونسية جزء من المغرب العربي الكبير ؟ ولا نظن أن من اختار كل هذه الصيغ وانتقى هذه الألفاظ والمصطلحات كان يعبث وغير واع بهذه التدقيقات وهذه الاختيارات اللفظية ؟

وبهذا وبعد أن اتضح أن تونس بما هي دولة وكيان معنوي له حدود جغرافية ويمثله شعب ومؤسسات وقوانين ونظام حكم جزء من الأمة العربية فإن السؤال الذي يثار في معرفة مدلول هذا الانتماء ؟ واستتباعات أن تكون الدولة التونسية جزء من المكون الكبير الذي نرتبط به تاريخيا وثقافيا ودينيا ولغويا ويجمعنا به مصير مشترك وقضايا واحدة .

كيف يمكن أن نفهم أن تونس جزء من الأمة العربية ؟ من المفروض أن يكون لهذا الانتماء استتباعات بما أننا جزء من هذا الكل تتجسد فيما يعرف بالوحدة العربية وبالتضامن العربي والتآزر بين الشعوب والدول ولكن هذا الحلم هو اليوم بعيد المنال بعد أن فشل العربي في تحقيق وحدتهم السياسية و بعد أن فشلت كل التجارب الوحدوية وفشلوا في تحقيق وحدة جغرافية وإلغاء الحدود المصطنعة التي فرضها المستعمر وكبلنا بها وفشلوا في بناء اتحاد اقتصادي جامع وعملة عربية واحدة يحقق التكامل الاقتصادي ويسهل انسياب السلع والأشخاص بما يجعل الوطن العربي موحدا ومتكاملا اقتصاديا وحتى التبادل التجاري الثنائي فشل هو الآخر ولم يبق أمام العرب إلا أن يحققوا وحدة لغوية يمثلها اللسان العربي المشترك بعد أن أقر الدستور أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وهو طريق ممكن للوحدة بعد ان فشلت كل صيغ التجميع الأخرى وكل المشاريع الوحدوية .

ولكن حتى هذه الصيغة القائمة على الاشتراك في اللسان واللغة قد فشلت ومعها نقف على محطة أخرى من فشل العرب من في تحقيق وحدة لغوية من خلال تأسيس مجمع واحد للغة العربية بدل مجامع لغوية متفرقة يضم علماء اللغة في الدول العربية الناطقة بالضاد على اعتبار أن اللغة هي الحصن الأخير لهذه الأمة وفي ضياعه فإن جزءا كبيرا من هويتنا في طريقها إلى الضياع في عالم يتحكم فيه نظام العولمة وهيمنة قوى أخرى تسيطر على العالم بأكمله حيث لا مكان فيه للهويات الضعيفة والهشة التي لن تصمد كثيرا أمام هيمنة اللسان الأجنبي على كل مجالات الحياة وخاصة مجال العلم والمعرفة والتكنولوجيا وهذا يعني أن اليوم الذي تسقط فيه اللغة العربية وهي في طريقها إلى السقوط فإن العالم العربي لن يكون له وجود وحضور يميزه .

وقد تفطن الأديب طه حسين إلى هذه المخاطر واستشعر أهمية المراهنة على عنصر اللغة لخلق نوع من الكيان الوحدوي تجتمع حوله الأمة العربية فكانت له محاولة في بداية سبعينات القرن الماضي لتوحيد العرب حول لغتهم من خلال مشروع مهم لتوحيد المجامع اللغوية الثلاث الموجودة في كل من مصر وسوريا والعراق وبدأ العمل على وضع قاموس لغوي حديث يكون جامعا للغة العربية ومواكبا للتطورات الحاصلة في شتى مجالات الحياة حتى تستوعب اللغة العربية منجزات العلم والمعرفة الحديثة وحتى يسهل استعماله في مناهج الدراسة ويحبب الناشئة في لغتهم التي يرونها اليوم غريبة عنهم وغير معبرة في نظرهم عن مشاكل العالم المعاصر ويكون محفزا لاستعمال اللغة العربية في التخاطب والتواصل اليومي في فضاء البيت والمدرسة والشارع وقد كانت فكرة عميد الأدباء أنه من خلال توحيد المجامع اللغوية يمكن رسم سياسات تعليمية تكون مفيدة لتطبق في الدراسة داخل المدارس والمعاهد ووسائل الإعلام هذه المؤسسة الخطيرة التي أضرت كثيرا اللغة العربية بتعمدها استعمال العامية في التواصل مع المتلقي وإقحام ألفاظ من لغات أجنبية أخرى مع اعتماد خطاب إعلامي هجين هو عبارة على خليط من ألفاظ عربية وعامية دارجة وكلمات أعجمية من اللسان الفرنسي أو الإنقليزي .

توفي الأديب طه حسين سنة 1973 من دون أن يحقق شيئا من حلمه ومشروعه في توحيد الأمة العربية حول لسانها ولغتها الأم لتتفرع بعده المجامع اللغوية الثلاث التي كانت في زمانه وتصبح اليوم 14 مجمعا لغويا تعكس حالة التشرذم والانقسام والفرقة التي عليها العرب الذين فشلوا في كل الصيغ الوحدوية ولم يفلحوا في بناء مشروع واحد جامع لكلمتهم .. وفشلوا حتى في الاجتماع على لسانهم العربي. ويبقى السؤال الراهني الذي يطرح نفسه إذا كان هذا واقع العرب اليوم فهل هناك من معنى عندما نؤكد في الدستور الجديد على أن تونس جزء من الأمة العربية هذا الكيان الذي لا نجد له وجودا إلا في مخيلتنا وفي التاريخ الذي نستحضره دوما ونحن إليه و لم يعد موجودا ؟

 

منتدى الصباح.. تونس جزء من الأمة العربية: أي معنى

بقلم: نوفل سلامة

نقرأ في توطئة الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي يوم 25 جويلية أن الفصل الأول يتحدث على أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة وفي الفصل الثاني أن نظام الدولة التونسية هو النظام الجمهوري و في الفصل الثالث أن الشعب التونسي هو صاحب السيادة وفي الفصل الرابع أن تونس دولة موحدة وفي الفصل السادس أن تونس جزء من الأمة العربية واللغة العربية هي اللغة الرسمية وفي الفصل السابع أن الجمهورية التونسية هي جزء من المغرب العربي الكبير. فماذا تعني هذه المراوحة في الحديث بين جملة من المصطلحات تبدو عند البعض ذات معنى واحد وعند البعض الآخر معانيها مختلفة باختلاف سياقات ورودها ؟ فهل ثمة اختلاف بين مصطلح تونس دولة ومصطلح الدولة هي نظام جمهوري ومصطلح الشعب التونسي هو صاحب السيادة ومصطلح تونس جمهورية؟

نطرح كل هذه الأسئلة حتى نفهم المنطق الذي حكم كتابة هذه الفصول من التوطئة ونتبين القصد الذي عناه مهندس هذا الدستور خاصة وأننا نقف على صيغ مختلفة في التعبير على وضعيات عديدة فحينما نتحدث عن تونس نعرفها ونصفها بأنها دولة بما هي كيان معنوي كما يقول رئيس الدولة وذات غير طبيعية غير موجودة على أرض الواقع وإنما وجودها لا يكون إلا في الذهن والمخيلة وتجسيدها فعليا يكون من خلال المؤسسات والهياكل التي تمثلها ومن خلال وحدة ترابها والشعب الذي يقطنها والقوانين التي تطبق فيها ونظام الحكم الذي تتبعه .

وحينما نتحدث عن نظام الحكم نجعل له رابط بالدولة بما يعني أنه ليس هناك نظام حكم من دون دولة وكيان يمثله ولكن حينما نتحدث عن الشعب تعرفه فقط بكونه هو صاحب السيادة ومصدرها ولا نشير إلى علاقته بالمفاهيم الأخرى كالنظام والدولة . قد يقول قائل أن من تحصيل الحاصل أن يكون الشعب جزء من الدولة وهو من يمثلها وكذلك النظام السياسي الذي لا يمكن أن يوجد إلا في مع وجود شعب وأفراد حقيقيين . قد يكون هذا التفكير وجيها ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا في عدم وجود رابط بين الشعب والدولة والنظام في هذه الفصول من الدستور ويتضح هذا الهاجس أكثر حينما نتحدث عن علاقتنا بالجسم الكبير الذي ننتمي إليه فحينما نتعرض إلى العلاقة بالأمة العربية نستعمل عبارة " تونس جزء من الأمة العربية " أي تونس بما هي دولة وليس الشعب ولكن حينما نتحدث عن انتمائنا الاقليمي وعلاقتنا ببلدان الجوار نستعمل عبارة " الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير " بما يوحي أن هناك فرق بين الدولة ككيان معنوي يمثله شعب ومؤسسات وحدود جغرافية وبين نظام الحكم المتبع بما يعني كذلك أن نظام الحكم وليس الدولة التونسية هو جزء من المغرب العربي وإلا ما هي مبررات عدم استعمال صيغة الدولة التونسية جزء من المغرب العربي الكبير ؟ ولا نظن أن من اختار كل هذه الصيغ وانتقى هذه الألفاظ والمصطلحات كان يعبث وغير واع بهذه التدقيقات وهذه الاختيارات اللفظية ؟

وبهذا وبعد أن اتضح أن تونس بما هي دولة وكيان معنوي له حدود جغرافية ويمثله شعب ومؤسسات وقوانين ونظام حكم جزء من الأمة العربية فإن السؤال الذي يثار في معرفة مدلول هذا الانتماء ؟ واستتباعات أن تكون الدولة التونسية جزء من المكون الكبير الذي نرتبط به تاريخيا وثقافيا ودينيا ولغويا ويجمعنا به مصير مشترك وقضايا واحدة .

كيف يمكن أن نفهم أن تونس جزء من الأمة العربية ؟ من المفروض أن يكون لهذا الانتماء استتباعات بما أننا جزء من هذا الكل تتجسد فيما يعرف بالوحدة العربية وبالتضامن العربي والتآزر بين الشعوب والدول ولكن هذا الحلم هو اليوم بعيد المنال بعد أن فشل العربي في تحقيق وحدتهم السياسية و بعد أن فشلت كل التجارب الوحدوية وفشلوا في تحقيق وحدة جغرافية وإلغاء الحدود المصطنعة التي فرضها المستعمر وكبلنا بها وفشلوا في بناء اتحاد اقتصادي جامع وعملة عربية واحدة يحقق التكامل الاقتصادي ويسهل انسياب السلع والأشخاص بما يجعل الوطن العربي موحدا ومتكاملا اقتصاديا وحتى التبادل التجاري الثنائي فشل هو الآخر ولم يبق أمام العرب إلا أن يحققوا وحدة لغوية يمثلها اللسان العربي المشترك بعد أن أقر الدستور أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وهو طريق ممكن للوحدة بعد ان فشلت كل صيغ التجميع الأخرى وكل المشاريع الوحدوية .

ولكن حتى هذه الصيغة القائمة على الاشتراك في اللسان واللغة قد فشلت ومعها نقف على محطة أخرى من فشل العرب من في تحقيق وحدة لغوية من خلال تأسيس مجمع واحد للغة العربية بدل مجامع لغوية متفرقة يضم علماء اللغة في الدول العربية الناطقة بالضاد على اعتبار أن اللغة هي الحصن الأخير لهذه الأمة وفي ضياعه فإن جزءا كبيرا من هويتنا في طريقها إلى الضياع في عالم يتحكم فيه نظام العولمة وهيمنة قوى أخرى تسيطر على العالم بأكمله حيث لا مكان فيه للهويات الضعيفة والهشة التي لن تصمد كثيرا أمام هيمنة اللسان الأجنبي على كل مجالات الحياة وخاصة مجال العلم والمعرفة والتكنولوجيا وهذا يعني أن اليوم الذي تسقط فيه اللغة العربية وهي في طريقها إلى السقوط فإن العالم العربي لن يكون له وجود وحضور يميزه .

وقد تفطن الأديب طه حسين إلى هذه المخاطر واستشعر أهمية المراهنة على عنصر اللغة لخلق نوع من الكيان الوحدوي تجتمع حوله الأمة العربية فكانت له محاولة في بداية سبعينات القرن الماضي لتوحيد العرب حول لغتهم من خلال مشروع مهم لتوحيد المجامع اللغوية الثلاث الموجودة في كل من مصر وسوريا والعراق وبدأ العمل على وضع قاموس لغوي حديث يكون جامعا للغة العربية ومواكبا للتطورات الحاصلة في شتى مجالات الحياة حتى تستوعب اللغة العربية منجزات العلم والمعرفة الحديثة وحتى يسهل استعماله في مناهج الدراسة ويحبب الناشئة في لغتهم التي يرونها اليوم غريبة عنهم وغير معبرة في نظرهم عن مشاكل العالم المعاصر ويكون محفزا لاستعمال اللغة العربية في التخاطب والتواصل اليومي في فضاء البيت والمدرسة والشارع وقد كانت فكرة عميد الأدباء أنه من خلال توحيد المجامع اللغوية يمكن رسم سياسات تعليمية تكون مفيدة لتطبق في الدراسة داخل المدارس والمعاهد ووسائل الإعلام هذه المؤسسة الخطيرة التي أضرت كثيرا اللغة العربية بتعمدها استعمال العامية في التواصل مع المتلقي وإقحام ألفاظ من لغات أجنبية أخرى مع اعتماد خطاب إعلامي هجين هو عبارة على خليط من ألفاظ عربية وعامية دارجة وكلمات أعجمية من اللسان الفرنسي أو الإنقليزي .

توفي الأديب طه حسين سنة 1973 من دون أن يحقق شيئا من حلمه ومشروعه في توحيد الأمة العربية حول لسانها ولغتها الأم لتتفرع بعده المجامع اللغوية الثلاث التي كانت في زمانه وتصبح اليوم 14 مجمعا لغويا تعكس حالة التشرذم والانقسام والفرقة التي عليها العرب الذين فشلوا في كل الصيغ الوحدوية ولم يفلحوا في بناء مشروع واحد جامع لكلمتهم .. وفشلوا حتى في الاجتماع على لسانهم العربي. ويبقى السؤال الراهني الذي يطرح نفسه إذا كان هذا واقع العرب اليوم فهل هناك من معنى عندما نؤكد في الدستور الجديد على أن تونس جزء من الأمة العربية هذا الكيان الذي لا نجد له وجودا إلا في مخيلتنا وفي التاريخ الذي نستحضره دوما ونحن إليه و لم يعد موجودا ؟

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews