إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: أفق يا شعب وارفض الاستغفال

 

بقلم: مختار اللواتي 

فكرتُ وأطلتُ التفكير، وكلما أرسيتُ على قرارٍ عدتُ أدراجي إلى المبتدأ وأعدت التفكير من الأول. ودائما أصلُ إلى القرارِ نفسه. وهو نتيجة التقاء العقل والضمير على مسار البحث وإعمال الفكر هذا. ومع قناعتي التامة بما وصلتُ إليه إلا إن كمّاً ثقيلا من الحزن والألم لم يشأ مفارقتي..

فهل نحن شعب ملعون ليُصاب بالخيباتِ متتالياتٍ بين الفترة والأخرى؟؟

وهل نحن شعبٌ غبيٌّ ليقبل أن يُلدغ مراتٍ ومرات من نفس الجُحر ومن جحورٍ متنوعةٍ أخرى، ولا يستفيق؟؟

لقد سبق وتطلن علينا حيلةُ إقامةِ مجلسٍ تأسيسي في 2011 في أعقاب انتفاضةٍ مجيدة لم تكتمل أركانُها لتكون ثورة، وصدقنا مبرراتِ انتخابِ ذلك المجلس، ونحن حيارى كيف لدولةٍ بنظامٍ جمهوري تؤسس مجلسا تأسيسيا من أجل نظام جمهوري..؟؟

واكتشفنا متأخرا أن الهدف لم يكن الانتقالَ من نظامٍ جمهوري إلى نظام جمهوري آخر، وإنما إلى خلافة تامةِ الأركان. وطال المخاض 3 سنوات كاملة التعنا فيها بشتى أنواع التنكيل والتعذيب والانتقام، قتلا ومساومة وتفريقا لصفوفنا بدعوى نشر "الإسلام الصحيح" بديلا عن "للإسلام العليل" و"استرجاعا للهوية" طالما أنهم رأوننا مُفرّطين فيها لقرون طويلة !! ولولا استفاقةُ أحرار وحرائر المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية لتلتهم ذلك، برغم ما بقي من جراح من مظالم تلك الفترة ..

وعندما حسم الشعب الأمر في انتخابات 2014 وصوت لنمطٍ مجتمعيِ تاق إليه وعاش ردهات من تاريخه به وحقق مكاسب وإنجازات ظللنا نفاخر بها بين الأمم، انكشفت الخديعة الكبرى والطعنة الغادرة التي أوهنت قوانا وعادت لتنشر اليأس والقنوط في نفوسنا..

إنه ذلك التوافق اللعين الذي فاجأ به الراحل الباجي قايد السبسي، ناخبيه وناخباته بكل "سفسطة". وعشنا من جديد سنوات مريرة جديدة، كان الكذب والمراوغة والإلهاء عناصرها الكبرى، فيما التمكين الإخواني مستمرٌّ حثيثا على كل الأصعدة في مفاصل الدولة وخارجها بالاعتماد، سرا وعلنا، على الفساد جوازَ مرورٍ وعبور يسهل كل صعب حتى ولو بدا مستحيلا..

وكاد الشعب يفقد الأمل في انزياح الغمة من على صدره. فالاقتصاد قد انهار وفق تخطيط ممنهج خبيث، ضرب الفلاحة والتجارة والصناعة في الصميم، وكدس مئات آلاف المعطلين عن العمل من كل أصناف الشباب، من أصحاب الشهائد العليا ومن غيرهم، ابتلع البحر الآلاف من جميعم في مغامرة بحثهم عن ملجإ آمن، رجالا ونساء وأطفالا. فيما غُرر بكثيرين وكثيرات غيرهم وجُنِّدوا "للقتل الحلال، في داخل لا البلاد وفي بلاد عربية وغربية أخرى، ما لطخ سمعة شعبنا في العالم بعد ان كان مضربا للأمثال في الجد والاجتهاد والمعرفة..

إلى أن خرجت أفواج من الشباب الغاضب إلى الشوارع يوم الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية، مطالبين باسترجاع النظام الجمهوري الذي زاد في تشويهه أناس أتت بهم انتخابات ممولة بسخاء، من جهات مشبوهة داخلية وخارجية، لشراء ذمم الفقراء سواء تحت غطاء الدين او الوعود الزائفة،وبمحاسبة ومحاكمة من تسبب في ذلك التدمير الممنهج للاقتصاد وللمجتمع وللدولة الوطنية الحديثة..

ولما خرج رئيس الدولة في ذات المساء على المواطنين بإعلان إجراءاته الاستثنائية هلل الشعب فرحا لذلك الإعلان دون تمحيص أو إعمال فكر.. فالشعب في حالة اختناق عندها، وكل وعد بتمكينه من جديد بأوكسجين الحياة، يكون مبعث بهجةٍ وفرحٍ واستبشار. فما بالك حين جاء ذلك الوعد من رئيس الجمهورية في عيدها. وسواء كان المستنَد في ذلك سليما دستوريا أو لا، لم يكن عائقا دون الفرح والاستبشار خيرا بالآتي..

ومرت الأيام وتتالت الشهور دون أن نرى غير التهديد والوعيد من رئيس الدولة لأشباحٍ من دون هوية ولا إثباتاتِ وجود، فيما الشعب يعرف جيدا من هم مبتزوه ومفرقو شمله والمجرمون في حقه.. وحاول كثير من الوطنيين الذين ساندوا ماأطلقنا عليه "مسار التصحيح"، وأنا من ضمنهم، دعوته إلى تشريك مستشارين خبراء وطنيين في كل المجالات يساعدونه في رسم استراتيجية العمل لتحقيق أهداف ذلك التصحيح. ولكن سيادة الرئيس لم يصغ لأحد، ولا أدري إن كان له مستشارون سريون أو مخططون نافذون هم من كان يملي عليه أفعاله..

وحتى عندما كلف العميد الصادق بلعيد والأستاذين أمين محفوظ وبودربالة بتشكيل لجنة استشارية لصياغة دستور جديد للبلاد، لم نكن في الواقع في حاجة ملحة له، مثلما كان حالنا في 2011، وإنما فقط كنا محتاجين لتنقيحات فيه وعليه لا أكثر، استبشرنا خيرا لسمعة هؤلاء الأساتذة ولخبرتهم الواسعة والطويلة في القانون وفي القانون الدستوري بالذات، إلى جانب عديد الكفاءات والشخصيات التي حوتها اللجنة، وقد تم فعلا العمل رغم ضغط عامل الوقت الضيق، وتوفق ذلك الفريق في إعداد مسودة دستور كان رئيس الدولة قد وعد شفاهيا المشرفين عليها بأن يعملوا في كامل الحرية. وإذا كان له من ملاحظات فسيرجع إليهم للتعديل، لاأكثر ولا أقل..

ولكن ويا لسوء الحظ والطالع وخيبة الأمل، فقد رمى الرئيس بتلك المسودة عرض الحائط بكل بساطة ونشر في الرائد الرسمي مشروع دستور له على طرفي نقيض مع المشروع الذي قدمه له العميد الصادق بلعيد، وقد فعلا خيرا بنشره للشعب ليتمكن من المقارنة..

ولعل الطعنة الأكبر كانت حين اكتشافِنا أن الرئيس بهذا المشروع المعروض على استفتاء الشعب يوم عيد الجمهورية القادم في 25 جويلية، قد أهدى إلى الإسلام السياسي ما كان له في حكم الحلمِ بعيدِ المنال، وهو جعلُ الشريعة مرجعا للحكم ولو بغلاف المقاصد الفضفاض ورهن تأويلاتٍ شتى كما الشريعةُ نفسُها، وخذل في المقابل ما صوت لفائدته الناخبون والناخبات في 2014، وهو النمط المجتمعي الحداثي في دولة مدنية حين حذف الفصل الثاني من دستور 2014 الخاص بها. وتأتي الهنات الأخرى،الواحدة اخطر من الأخرى، من نموذجٍ تنمويٍ، واضح المعالم والأسس، مفقود، اقتصاديا، فلاحيا وصناعيا وتجاريا وثقافيا. واجتماعيا..

إنه قاربٌ متعددُ الثقوب الواسعة تم تقديمه إلى الشعب كي يصوت لفائدته حتى يكون وسيلةَ إبحاره في سفرة لملمة الجراح وإعادة البناء يكون ربانها ذات الرئيس..

 فهل نواصل إهدار الوقت وقبول مالا يقبله أي عاقل، فما بالك بشعبٍ ضاربةً عراقتُه في عمق التاريخ، سوى إن طيبته، جعلته عجينةً طيعةً في أيدي المتلاعبين بمصيره؟؟

ولم يبق لي بعد كل هذا إلا أن أتوجه بالرسالة التالية إلى كل بنات وأبناء شعبي الأبي علّها، مع ما سبق ذكره في السطور السابقة، تزيل ما على بصائر كثيرٍ من أبنائه وبناته من غشاوة وما ران على ذاكرتهم من نسيان..

أيها الشعب الذكي، كما قلتَ لا ولن تمروا لمن ركبوا صهوة الدين لتفريق صفوفك ونهب خيراتك ولعبوا دور عَرّابي الفاسدين المفسدين، فقلها الآن لا لدستورٍ مَحى صفحاتٍ ومحطاتٍ نيرةً من تاريخك، وأسقط مكاسبَ ثمينةً أعلت من شأن المرأة وبوأت الدولةَ مكانةً متقدمة بين الدول في عصر الحداثة والتقدم الذي بلغته البشرية من حولها في العالم المتمدين.

هو دستورٌألغى سبقَك بين شعوب عريقة في الحضارة والرقي، سواء في إصدار دستور ينظم حياة الناس منذ العهد القرطاجنيفأصبح مرجعا لعديد دول العالم، وفي إصدار دستورٍ في القرن التاسع عشر في العام 1861 نقل تونس إلى مصاف الدول المتحضرة الراقية بعدما تم إلغاء العبودية قبل ذلك في عام 1846 بأسبقيةٍغير بسيطة عن أعظم دول العالم ظلت مفخرةً لك وليناتك وأبنائك بين الدول..

فهل يدفعك ماعانيتَه من غُبن في عهد حكم الإخوان القائم على الكذب والحقد والضغينة والفساد، أن تلقيَ بماضيك العريق الزاخر بالإنجازات برغم كل النكبات والعثرات، عرض البحر، وتقبل دستورا خاليا من أية ضمانة لبناء مستقبل زاهرٍ آمن تسترجع فيه الكرامة المنهوبة لبناتك وأبنائك ؟؟.

فهل تقبل أن وتسلم أمرك إلى حاكمٍ بأمره لا يثق فيك ولا في قدرات بناتك وأبنائك، وهو القائل "الشعب يريد"؟؟

 فهل لديك يا شعب من إجابة على عدم استنجاده بما تزخر به من كفاءات رفعت راية تونس عالية في داخل البلاد وخارجها، في أرقى دول العالم وأكثرها تقدما، في مختلف المجالاات؟؟ وحتى من اصطفاهم من خيرة خبرات تونس في مجال القانون الدستوري وأعطى لهم الأمان بأن لهم حرية إنجاز دستور محكم يليق بتونس. ففعلوا وهم واثقون أن وعد الحر دين، لكنه أخلف عهده ووعده !!..

فهل هذا دليل ثقته في الشعب وفي كفاءاته وهوالذي ماانفك يردد أنه ينطق باسمك وانه يعرف ما تريد.. فهل فعلا تريد أيها الشعب أن تقبل الإبتزاز من جديد والوعود المغلفة مرة أخرة بغطاء ديني، تمت تحليته ليمر باسم مقاصد الإسلام التي تمسكها الدولة وحدها. والدولة،كما تعلم، ليست رئيسا فقط ولا الرئيس الحالي فقط، وإنما هي كل مراتب المسؤولين فيها ومؤسساتها، وكل رؤساء المستقبل فيها.. فهل لديك ضمانة فيما سيؤوله كلُ هؤلاء بتعلة مقاصد الشريعة تلك؟؟

ثم هذه البدعة الجديدة وهذا الاكتشاف العبقري المتمثل في دسترة انتمائك للأمة الإسلامية وكأنك كنت مسجلا منتميا للأمة الواقواقية.. فهل طالبتَ أنت بأن تُحشر مع شعب باكستان الشقيق وشعب إيران الشقيق وشعب افغانستان الشقيق، بعد أن ظل حلم شباب هذه الشعوب ومثيلاتها أن يغمضوا أعينهم يوما ويفتحوها ليجدوا أنفسهم مثلك في حداثتك وتقدمك، طبعا في سني عنفوانك وازدهارك، وليس في سنوات كبوتك الأخيرة ؟؟..

علوية القانون أيها الشعب العظيم والعلم والعمل والكد والمساواة التامة بين مواطناتك ومواطنيك، وحريتُهم جميعا، هي الضامنةلرقيك.. فما الداعي لهذه اللخبطة التي أقحمها رئيس الدولة في مشروع دستوره؟؟ وما الغاية منها؟؟ أكنتَ قريشيا ولم تدرِ فجاء هو ليدخلك في دين الإسلام بعدما فشل الإخوان المسلمون، بالحيلة وبالإرهاب وحتى بالفساد في ذلك؟؟

فأين هذا الدستور الذي بشرك به من خَلْقِ الثروة التي وعدك بتوزيعها على أبنائك وبناتك؟؟ وماهي طبيعة الاقتصاد الذي سيضخ دماء الحياة في جسد الدولة التي هي طريحة فراش الإنعاش على حافة الهلاك؟؟ وما لسبيل لكل ذلك والدولة مثقلة بديون أوصلتها لحد فقدان ثقة الدائنين في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها للخلاص في الآجال المحددة؟؟

ثم هذه الجحافل من العاطلين عن العمل الذين وعدهم ذلك الدستور بالتشغيل كما وعدهم سارقو ثورته من قبله، كيف سيتم تحقيق هذا الوعد لهم؟؟

إنه لغدرٌ جديد وإنها لكذبةٌ مرعبةٌ أخرى سيتم استغباؤك لإيقاعك فيهما، فهل ترضى أن يتم مرة أخرى الضحكُ عليك واستبلاهُك؟

لا خيار لنا للإفلات من هذا الشرك المنصوب لنا ولأبنائنا وبناتنا وأبناء أبنائهم وبناتهم، إلا بالذهاب بكثافة إلى مراكز الإقتراع يوم الإستفتاء على مشروع هذا الدستور الهادم لعلامات مضيئة في تاريخنا القديم والحديث، وكتابة كلمة لاتعبيرا عن الرفض وتأكيدا لوعينا وعدم التفريط في مكتسباتنا، وثقتنا في قدرتنا على تصحيح ما أفسده المفسدون وما يُضمَر لنا في طيات هذا الدستور الفخ !

 

منتدى الصباح:  أفق يا شعب وارفض الاستغفال

 

بقلم: مختار اللواتي 

فكرتُ وأطلتُ التفكير، وكلما أرسيتُ على قرارٍ عدتُ أدراجي إلى المبتدأ وأعدت التفكير من الأول. ودائما أصلُ إلى القرارِ نفسه. وهو نتيجة التقاء العقل والضمير على مسار البحث وإعمال الفكر هذا. ومع قناعتي التامة بما وصلتُ إليه إلا إن كمّاً ثقيلا من الحزن والألم لم يشأ مفارقتي..

فهل نحن شعب ملعون ليُصاب بالخيباتِ متتالياتٍ بين الفترة والأخرى؟؟

وهل نحن شعبٌ غبيٌّ ليقبل أن يُلدغ مراتٍ ومرات من نفس الجُحر ومن جحورٍ متنوعةٍ أخرى، ولا يستفيق؟؟

لقد سبق وتطلن علينا حيلةُ إقامةِ مجلسٍ تأسيسي في 2011 في أعقاب انتفاضةٍ مجيدة لم تكتمل أركانُها لتكون ثورة، وصدقنا مبرراتِ انتخابِ ذلك المجلس، ونحن حيارى كيف لدولةٍ بنظامٍ جمهوري تؤسس مجلسا تأسيسيا من أجل نظام جمهوري..؟؟

واكتشفنا متأخرا أن الهدف لم يكن الانتقالَ من نظامٍ جمهوري إلى نظام جمهوري آخر، وإنما إلى خلافة تامةِ الأركان. وطال المخاض 3 سنوات كاملة التعنا فيها بشتى أنواع التنكيل والتعذيب والانتقام، قتلا ومساومة وتفريقا لصفوفنا بدعوى نشر "الإسلام الصحيح" بديلا عن "للإسلام العليل" و"استرجاعا للهوية" طالما أنهم رأوننا مُفرّطين فيها لقرون طويلة !! ولولا استفاقةُ أحرار وحرائر المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية لتلتهم ذلك، برغم ما بقي من جراح من مظالم تلك الفترة ..

وعندما حسم الشعب الأمر في انتخابات 2014 وصوت لنمطٍ مجتمعيِ تاق إليه وعاش ردهات من تاريخه به وحقق مكاسب وإنجازات ظللنا نفاخر بها بين الأمم، انكشفت الخديعة الكبرى والطعنة الغادرة التي أوهنت قوانا وعادت لتنشر اليأس والقنوط في نفوسنا..

إنه ذلك التوافق اللعين الذي فاجأ به الراحل الباجي قايد السبسي، ناخبيه وناخباته بكل "سفسطة". وعشنا من جديد سنوات مريرة جديدة، كان الكذب والمراوغة والإلهاء عناصرها الكبرى، فيما التمكين الإخواني مستمرٌّ حثيثا على كل الأصعدة في مفاصل الدولة وخارجها بالاعتماد، سرا وعلنا، على الفساد جوازَ مرورٍ وعبور يسهل كل صعب حتى ولو بدا مستحيلا..

وكاد الشعب يفقد الأمل في انزياح الغمة من على صدره. فالاقتصاد قد انهار وفق تخطيط ممنهج خبيث، ضرب الفلاحة والتجارة والصناعة في الصميم، وكدس مئات آلاف المعطلين عن العمل من كل أصناف الشباب، من أصحاب الشهائد العليا ومن غيرهم، ابتلع البحر الآلاف من جميعم في مغامرة بحثهم عن ملجإ آمن، رجالا ونساء وأطفالا. فيما غُرر بكثيرين وكثيرات غيرهم وجُنِّدوا "للقتل الحلال، في داخل لا البلاد وفي بلاد عربية وغربية أخرى، ما لطخ سمعة شعبنا في العالم بعد ان كان مضربا للأمثال في الجد والاجتهاد والمعرفة..

إلى أن خرجت أفواج من الشباب الغاضب إلى الشوارع يوم الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية، مطالبين باسترجاع النظام الجمهوري الذي زاد في تشويهه أناس أتت بهم انتخابات ممولة بسخاء، من جهات مشبوهة داخلية وخارجية، لشراء ذمم الفقراء سواء تحت غطاء الدين او الوعود الزائفة،وبمحاسبة ومحاكمة من تسبب في ذلك التدمير الممنهج للاقتصاد وللمجتمع وللدولة الوطنية الحديثة..

ولما خرج رئيس الدولة في ذات المساء على المواطنين بإعلان إجراءاته الاستثنائية هلل الشعب فرحا لذلك الإعلان دون تمحيص أو إعمال فكر.. فالشعب في حالة اختناق عندها، وكل وعد بتمكينه من جديد بأوكسجين الحياة، يكون مبعث بهجةٍ وفرحٍ واستبشار. فما بالك حين جاء ذلك الوعد من رئيس الجمهورية في عيدها. وسواء كان المستنَد في ذلك سليما دستوريا أو لا، لم يكن عائقا دون الفرح والاستبشار خيرا بالآتي..

ومرت الأيام وتتالت الشهور دون أن نرى غير التهديد والوعيد من رئيس الدولة لأشباحٍ من دون هوية ولا إثباتاتِ وجود، فيما الشعب يعرف جيدا من هم مبتزوه ومفرقو شمله والمجرمون في حقه.. وحاول كثير من الوطنيين الذين ساندوا ماأطلقنا عليه "مسار التصحيح"، وأنا من ضمنهم، دعوته إلى تشريك مستشارين خبراء وطنيين في كل المجالات يساعدونه في رسم استراتيجية العمل لتحقيق أهداف ذلك التصحيح. ولكن سيادة الرئيس لم يصغ لأحد، ولا أدري إن كان له مستشارون سريون أو مخططون نافذون هم من كان يملي عليه أفعاله..

وحتى عندما كلف العميد الصادق بلعيد والأستاذين أمين محفوظ وبودربالة بتشكيل لجنة استشارية لصياغة دستور جديد للبلاد، لم نكن في الواقع في حاجة ملحة له، مثلما كان حالنا في 2011، وإنما فقط كنا محتاجين لتنقيحات فيه وعليه لا أكثر، استبشرنا خيرا لسمعة هؤلاء الأساتذة ولخبرتهم الواسعة والطويلة في القانون وفي القانون الدستوري بالذات، إلى جانب عديد الكفاءات والشخصيات التي حوتها اللجنة، وقد تم فعلا العمل رغم ضغط عامل الوقت الضيق، وتوفق ذلك الفريق في إعداد مسودة دستور كان رئيس الدولة قد وعد شفاهيا المشرفين عليها بأن يعملوا في كامل الحرية. وإذا كان له من ملاحظات فسيرجع إليهم للتعديل، لاأكثر ولا أقل..

ولكن ويا لسوء الحظ والطالع وخيبة الأمل، فقد رمى الرئيس بتلك المسودة عرض الحائط بكل بساطة ونشر في الرائد الرسمي مشروع دستور له على طرفي نقيض مع المشروع الذي قدمه له العميد الصادق بلعيد، وقد فعلا خيرا بنشره للشعب ليتمكن من المقارنة..

ولعل الطعنة الأكبر كانت حين اكتشافِنا أن الرئيس بهذا المشروع المعروض على استفتاء الشعب يوم عيد الجمهورية القادم في 25 جويلية، قد أهدى إلى الإسلام السياسي ما كان له في حكم الحلمِ بعيدِ المنال، وهو جعلُ الشريعة مرجعا للحكم ولو بغلاف المقاصد الفضفاض ورهن تأويلاتٍ شتى كما الشريعةُ نفسُها، وخذل في المقابل ما صوت لفائدته الناخبون والناخبات في 2014، وهو النمط المجتمعي الحداثي في دولة مدنية حين حذف الفصل الثاني من دستور 2014 الخاص بها. وتأتي الهنات الأخرى،الواحدة اخطر من الأخرى، من نموذجٍ تنمويٍ، واضح المعالم والأسس، مفقود، اقتصاديا، فلاحيا وصناعيا وتجاريا وثقافيا. واجتماعيا..

إنه قاربٌ متعددُ الثقوب الواسعة تم تقديمه إلى الشعب كي يصوت لفائدته حتى يكون وسيلةَ إبحاره في سفرة لملمة الجراح وإعادة البناء يكون ربانها ذات الرئيس..

 فهل نواصل إهدار الوقت وقبول مالا يقبله أي عاقل، فما بالك بشعبٍ ضاربةً عراقتُه في عمق التاريخ، سوى إن طيبته، جعلته عجينةً طيعةً في أيدي المتلاعبين بمصيره؟؟

ولم يبق لي بعد كل هذا إلا أن أتوجه بالرسالة التالية إلى كل بنات وأبناء شعبي الأبي علّها، مع ما سبق ذكره في السطور السابقة، تزيل ما على بصائر كثيرٍ من أبنائه وبناته من غشاوة وما ران على ذاكرتهم من نسيان..

أيها الشعب الذكي، كما قلتَ لا ولن تمروا لمن ركبوا صهوة الدين لتفريق صفوفك ونهب خيراتك ولعبوا دور عَرّابي الفاسدين المفسدين، فقلها الآن لا لدستورٍ مَحى صفحاتٍ ومحطاتٍ نيرةً من تاريخك، وأسقط مكاسبَ ثمينةً أعلت من شأن المرأة وبوأت الدولةَ مكانةً متقدمة بين الدول في عصر الحداثة والتقدم الذي بلغته البشرية من حولها في العالم المتمدين.

هو دستورٌألغى سبقَك بين شعوب عريقة في الحضارة والرقي، سواء في إصدار دستور ينظم حياة الناس منذ العهد القرطاجنيفأصبح مرجعا لعديد دول العالم، وفي إصدار دستورٍ في القرن التاسع عشر في العام 1861 نقل تونس إلى مصاف الدول المتحضرة الراقية بعدما تم إلغاء العبودية قبل ذلك في عام 1846 بأسبقيةٍغير بسيطة عن أعظم دول العالم ظلت مفخرةً لك وليناتك وأبنائك بين الدول..

فهل يدفعك ماعانيتَه من غُبن في عهد حكم الإخوان القائم على الكذب والحقد والضغينة والفساد، أن تلقيَ بماضيك العريق الزاخر بالإنجازات برغم كل النكبات والعثرات، عرض البحر، وتقبل دستورا خاليا من أية ضمانة لبناء مستقبل زاهرٍ آمن تسترجع فيه الكرامة المنهوبة لبناتك وأبنائك ؟؟.

فهل تقبل أن وتسلم أمرك إلى حاكمٍ بأمره لا يثق فيك ولا في قدرات بناتك وأبنائك، وهو القائل "الشعب يريد"؟؟

 فهل لديك يا شعب من إجابة على عدم استنجاده بما تزخر به من كفاءات رفعت راية تونس عالية في داخل البلاد وخارجها، في أرقى دول العالم وأكثرها تقدما، في مختلف المجالاات؟؟ وحتى من اصطفاهم من خيرة خبرات تونس في مجال القانون الدستوري وأعطى لهم الأمان بأن لهم حرية إنجاز دستور محكم يليق بتونس. ففعلوا وهم واثقون أن وعد الحر دين، لكنه أخلف عهده ووعده !!..

فهل هذا دليل ثقته في الشعب وفي كفاءاته وهوالذي ماانفك يردد أنه ينطق باسمك وانه يعرف ما تريد.. فهل فعلا تريد أيها الشعب أن تقبل الإبتزاز من جديد والوعود المغلفة مرة أخرة بغطاء ديني، تمت تحليته ليمر باسم مقاصد الإسلام التي تمسكها الدولة وحدها. والدولة،كما تعلم، ليست رئيسا فقط ولا الرئيس الحالي فقط، وإنما هي كل مراتب المسؤولين فيها ومؤسساتها، وكل رؤساء المستقبل فيها.. فهل لديك ضمانة فيما سيؤوله كلُ هؤلاء بتعلة مقاصد الشريعة تلك؟؟

ثم هذه البدعة الجديدة وهذا الاكتشاف العبقري المتمثل في دسترة انتمائك للأمة الإسلامية وكأنك كنت مسجلا منتميا للأمة الواقواقية.. فهل طالبتَ أنت بأن تُحشر مع شعب باكستان الشقيق وشعب إيران الشقيق وشعب افغانستان الشقيق، بعد أن ظل حلم شباب هذه الشعوب ومثيلاتها أن يغمضوا أعينهم يوما ويفتحوها ليجدوا أنفسهم مثلك في حداثتك وتقدمك، طبعا في سني عنفوانك وازدهارك، وليس في سنوات كبوتك الأخيرة ؟؟..

علوية القانون أيها الشعب العظيم والعلم والعمل والكد والمساواة التامة بين مواطناتك ومواطنيك، وحريتُهم جميعا، هي الضامنةلرقيك.. فما الداعي لهذه اللخبطة التي أقحمها رئيس الدولة في مشروع دستوره؟؟ وما الغاية منها؟؟ أكنتَ قريشيا ولم تدرِ فجاء هو ليدخلك في دين الإسلام بعدما فشل الإخوان المسلمون، بالحيلة وبالإرهاب وحتى بالفساد في ذلك؟؟

فأين هذا الدستور الذي بشرك به من خَلْقِ الثروة التي وعدك بتوزيعها على أبنائك وبناتك؟؟ وماهي طبيعة الاقتصاد الذي سيضخ دماء الحياة في جسد الدولة التي هي طريحة فراش الإنعاش على حافة الهلاك؟؟ وما لسبيل لكل ذلك والدولة مثقلة بديون أوصلتها لحد فقدان ثقة الدائنين في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها للخلاص في الآجال المحددة؟؟

ثم هذه الجحافل من العاطلين عن العمل الذين وعدهم ذلك الدستور بالتشغيل كما وعدهم سارقو ثورته من قبله، كيف سيتم تحقيق هذا الوعد لهم؟؟

إنه لغدرٌ جديد وإنها لكذبةٌ مرعبةٌ أخرى سيتم استغباؤك لإيقاعك فيهما، فهل ترضى أن يتم مرة أخرى الضحكُ عليك واستبلاهُك؟

لا خيار لنا للإفلات من هذا الشرك المنصوب لنا ولأبنائنا وبناتنا وأبناء أبنائهم وبناتهم، إلا بالذهاب بكثافة إلى مراكز الإقتراع يوم الإستفتاء على مشروع هذا الدستور الهادم لعلامات مضيئة في تاريخنا القديم والحديث، وكتابة كلمة لاتعبيرا عن الرفض وتأكيدا لوعينا وعدم التفريط في مكتسباتنا، وثقتنا في قدرتنا على تصحيح ما أفسده المفسدون وما يُضمَر لنا في طيات هذا الدستور الفخ !

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews