إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منظمات وطنية وجمعيات تحذر من دستور الرئيس سعيد

تونس: الصباح

ببادرة من ائتلاف المجتمع المدني المتكون من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وعديد الجمعيات والمنظمات الأخرى، تم أمس بالعاصمة تنظيم لقاء علمي حول مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء أدارته عضوة المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين ريم سوودي، وحضره عدد كبير من الحقوقيين والجامعيين والمثقفين، وخلال النقاش كان هناك شبه إجماع على أن هذا المشروع الذي تم نشره في الرائد الرسمي يوم 30 جوان ثم نشر نسخة ثانية يوم 8 جويلية يمثل خطرا داهما على تونس وشعبها.

 وفي قراءة قانونية، لهذا المشروع قالت الأستاذة الجامعية سناء بن عاشور إنه دستور رجعي، وهو أكبر انتكاسة لتونس لما يشكله من مخاطر كثيرة يتمثل أهمها في كونه يؤسس لعدم الاستقرار السياسي في تونس لأن من سيأتي بعد الرئيس قيس سعيد يمكنه أن يقوم بنفس ما فعله سعيد.

وأضافت أنه رغم نشر نسخة ثانية في 8 جويلية مازال المشروع يمثل تهديدات كبيرة، وتتعلق هذه التهديدات بالمسار في حد ذاته وبازدواجية الخطاب الدستوري وبتركيز جميع الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية وبمنح رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية دون سقف موضوعي أو سقف زمني، وبهيمنة رئيس الجمهورية على السلط كما لو أنه معصوم من الخطأ، وبهيمنته على السلطة القضائية وبسحقه لمفهوم الإنسان والفرد من خلال استقدامه مفهوم الأمة الإسلامية ومفهوم المقاصد.

ففي علاقة بالمسار، فهو حسب قولها يقوم على أساس فعل الأمير، وهو مصطلح قانوني، وفسرت أنه بعد ثورة الحرية والكرامة لم يعد من المنطقي أن يأتي شخص واحد ويسن دستورا جديدا للبلاد بمسار انفرادي وينسف بذلك كل مقومات المواطنة والمشاركة ثم يشرعن نصه باستفتاء هو من حيث الشكل والمضمون مماثل للمبايعة.

وذكرت أنه بعد 25 جويلية، وفي ظل هذا المسار تم سن الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، والقيام بالاستشارة الوطنية والتحيل السياسي من خلالها على الشعب لأن أغلب المشاركين في الاستشارة طالبوا بتعديل الدستور وليس سن دستور جديد كما فعل رئيس الجمهورية، وذلك إضافة إلى سن المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والمرسوم المتعلق بالهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، والأمر المتعلق بدعوة الناخبين والأمر المتعلق بمشروع الدستور الذي تم نشره في 30 جوان 2022 والأمر المتعلق بنشر دستور جديد في 8 جويلية، فالمسار حسب قولها ليس فيه ديمقراطية وتشاركية وإصغاء لأحد بمن فيهم الشباب.

كما جاء هذا المسار وفق تعبير سناء بن عاشور في سياق يتسم بتجاوزات خطيرة على الحقوق والحريات وبتدمير لمؤسسات الدولة، حيث تم غلق مقر هيئة مكافحة الفساد والزج بعدد من الأشخاص في الإقامة الجبرية ومنع عدد آخر من حق التنقل ومغادرة البلاد إضافة إلى حل المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء 57 قاضيا مع تحجير التظلم عليهم وتعيين أعضاء جدد لهيئة الانتخابات والاعتداء على الحركات الاحتجاجية، فضلا عن وجود سياق مشحون بخطاب الكراهية وشيطنة المعارضة والمجتمع المدني.

ازدواجية الخطاب

وذكرت الجامعية سناء بن عاشور أنه إضافة إلى التهديدات المرتبطة بالمسار، فهناك تهديدات أخرى مرتبطة بازدواجية الخطاب الدستوري بين القانوني وما ورائيات القانوني، حيث تم القفز على محطات رئيسية من تاريخ تونس المعاصر وتضخيم تواريخ أخرى وإخفاء فترة التحرر الوطني وإلغاء دستور غرة جوان 1959، كما تم تزييف التاريخ وإغفال 14 جانفي 2011 والاكتفاء بذكر تاريخ 17 ديسمبر 2010.

وبالنسبة إلى التهديدات المرتبطة بتركيز وجمع الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فأشارت بن عاشور إلى أن مشروع الدستور جاء بالرئاسوية المشطة لأن رئيس الجمهورية بمقتضاه هو المؤسسة المهيمنة على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحتى السلطة التأسيسية، وفسرت أن صلاحيات رئيس الجمهورية في مشروع الدستور كثيرة ومتعددة إذ له الحق في عرض مشاريع القوانين، وهو يختص بتقديم مشاريع القوانين المالية والموافقة على المعاهدات ولمشاريعه أولوية النظر، ورئيس الجمهورية من حقه ممارسة المراسيم وله صلاحية الاستفتاء بخصوص أي مشروع يتعلق بالسلط أو بتنقيح الدستور، كما أن رئيس الجمهورية في الوظيفة التنفيذية له صلاحيات عدة أهمها انه هو الذي يحدد كل السياسات العامة للدولة بمساعدة وزراء ورئيس حكومة، لكن في مشروع الدستور الحكومة ليست حكومة بالمعنى البرلماني للحلمة لأن رئيس الجمهورية هو الذي يتمتع بالسلطة الترتيبية العامة، وإذا حدث تنازع في الاختصاصات فان المحكمة الدستورية تتدخل للحسم فيه لكن هذه المحكمة في نهاية الأمر يعينها رئيس الجمهورية.

كما كرس مشروع الدستور وفق تأكيد بن عاشور صلاحيات استثنائية لرئيس الجمهورية دون سقف زمني أو سقف موضوعي، وفسرت أن رئيس الجمهورية في حالة الخطر الداهم يتخذ التدابير الاستثنائية، وذكرت أنه من المفروض أن رئيس الجمهورية لا ينفرد بتقييم الخطر الداهم لكن في المشرع الجديد وخلافا لما نص عليه الفصل 80 من دستور 2014 لا مكان للمحكمة الدستورية فيه.

وقالت إن المشروع نص أيضا على أن يستمر العمل بعد 25 جويلية في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وذلك إلى حين تولي مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه، لكن السؤال المطروح هو متى سيقع تنظيم انتخابات وعلى أساس أي مجلة انتخابية؟

غياب التوازن بين السلط

من التهديدات الأخرى التي أثارتها الأستاذة سناء بن عاشور لدى حديثها عن مشروع الدستور، انخرام التوازن بين السلط وهيمنة رئيس الجمهورية وذلك لأن رئيس الجمهورية هو الذي يحدد السياسة العامة للدولة لكن الحكومة هي المسؤولة على هذه السياسة العامة وهو وضع شبيه بعهد الراحل الرئيس الحبيب بورقيبة، وذكرت أن المجلس التشريعي يمكنه تقديم لائحة لوم ضد الحكومة ورئيس الجمهورية يمكنه أن يعفي الحكومة لكن رئيس الجمهورية بقي فوق المساءلة وفوق كل المؤسسات وذلك لأنه المرشد الذي لا يحاسب ولأنه المعصوم من الخطأ.

 وأضافت الجامعية أن الحكومة لا يمكنها في ظل مشروع الدستور الاستقالة، كما أنه تم التضييق المفرط على لائحة اللوم، إذا لا يمكن للسلطة التشريعية أن تمارس لائحة اللوم بالنظر إلى أنه لا يمكن تقديمها إلا من قبل البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم معا ولا تتم المصادقة عليها إلا بأغلبية الثلثين. وذكرت أن رئيس الجمهورية يمكنه ردع المجلس التشريعي وحله عندما يصمم هذا المجلس على عرض لائحة لوم ثانية، وفي المقابل نجد رئيس الجمهورية ذلك المعصوم من الخطأ لا يحاسب، كما أنه يتمتع بالحصانة، وحتى التتبعات السابقة ضده فإنها تتوقف، كما أنه لا يساءل لاحقا عن الأفعال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه..

ولاحظت بن عاشور أن رئيس الجمهورية قيس سعيد تخلى في مشروع الدستور عن جميع الهيئات التعديلية المستقلة باستثناء هيئة الانتخابات، وقام بتهميش السلطة القضائية وألغى مفهوم السلط وعوضه بالوظيفة وتخلى عن الفصل 102 من دستور 2014 الذي ينص على أن القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون، واستبداله بالفصل 117 الذي جاء فيه أن القضاء وظيفة مستقلة يباشرها قضاة لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وليس هذا فقط بل تم التخلي عن المجلس الأعلى للقضاء كسلطة جامعة للأقضية، أما المحكمة الدستورية فهي في مشروع الدستور محكمة هشة في تركيبتها وتم تحويلها إلى محكمة قضائية، والغريب في الأمر حسب ما أشارت إليه بن عاشور أن هذه المحكمة تتركب من أقدم القضاة في أسلاكهم وهو ما يعني أنه بمجرد بلوغ أي عضو سن التقاعد يغادر ليعوضه غيره وبهذه الكيفية لن يكون هناك استقرار في الفقه الدستوري، وفضلا عن ذلك تم حرمانها من صلاحية النظر في الشغور في رئاسة الجمهورية.

حقوق وحريات مهددة

تطرقت الأستاذة سناء بن عاشور إلى التهديدات التي يشكلها مشروع الدستور الجديد على الحقوق والحريات في ظل تنصيصه على مقاصد الإسلام وإقراره بأن تونس جزء من الأمة الإسلامية في أربعة مواضع وهي التوطئة والأحكام العامة وتحديدا الفصل الخامس وكذلك في الأحكام المتعلقة برئاسة الجمهورية والأحكام المتصلة بالتربية والتعليم، وقالت إنه ليس لديها أي مشكل مع الإسلام لكن عند دسترة المقاصد فهذا فيه إلزام دستوري سينطبق لاحقا في التشاريع وهو ما يعني أنه سيتم تسريب المقاصد داخل التشريعات والإدارة والمجتمع، ولاحظت أن مقاصد حفظ العرض والدين والنفس يمكن أن تكون قد أدت دورها في عهود سابقة لكن أن يقع استحضارها اليوم وبعد ثورة أبهرت العالم فهذا غير منطقي. وبينت أنه تم التخلي عن الآداب العامة لكن في المقابل تم حذف الدولة المدنية وهذا فيه تهديد كبير لمكاسب المرأة.

وخلصت سناء بن عاشور قائلة:"لا للدستور الجديد لا للاستفتاء لأنه يهدد الدولة المدنية والدولة الديمقراطية والدولة الاجتماعية".

وحدة الصف

 أما محمد ياسين الجلاصي رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فأشار إلى أن الدستور لا يضمن حرية الصحافة والتعبير ويضرب الحقوق والحريات ويكرس تغول رئيس الجمهورية، ولا يضمن استقلالية القضاء، ويلغي كل الهيئات الدستورية. وأضاف أن المجتمع المدني لم يمكن محايدا عندما أرادت النهضة في الفترة التأسيسية الهيمنة والتمكين، كما أنه لم يصمت لاحقا وتوحد من جديد لإسقاط مشروع قانون المصالحة ثم لإسقاط مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح وفي المقابل تبنى تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وهو اليوم لديه موقف موحد من مشروع الدستور.

ونبهت نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء ينسف مدنية الدولة ويهدد الحقوق والحريات في وقت يتطلع فيه المجتمع المدني إلى الدفع نحو دولة المساواة التامة والكرامة والعدالة والتنمية للجميع دون استثناء، ووصفت الزغلامي مشروع الدستور بأنه مشروع الردة بأنه محاولة لدحض مشروع الدولة المدنية والديمقراطية وهو مناف للحقوق الكونية وفيه الكثير من الهنات ولا يرتقي إلى أن يكون مشروع تونس. وأضافت أنه عوضا عن دسترة فصل السلط واستقلالية القضاء وحقوق النساء والمساواة والسياسات الاقتصادية الاجتماعية الضامنة لمبدأ تكافؤ الفرص تمت العودة إلى الخطر الداهم.

وحذرت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من أن قوى الردة تتربص بنساء تونس وأكدت في المقابل أن المجتمع المدني سيتصدى لهذه القوى وسيبقى موحدا للدفاع عن الحقوق والحريات العامة والفردية حتى الوصول إلى المساواة التامة بين المواطنين.

أما عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فوصف مشروع الدستور بدستور الرئيس نظرا إلى أن رئيس الجمهورية أعده بعد مسار انفرادي ولأنه لم يرتق إلى مستوى انتظارات التونسيين والدولة الديمقراطية بل هو تأسيس لنظام تسلطي، وذكر أن مشروع الدستور لا يطمئن التونسيين على حقوقهم وحرياتهم، ويلغي مدنية الدولة ويعيد الصراع حول الهوية إلى الواجهة في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة وفي وضع يهدد بالانفجار.. ويتضمن مشروع الدستور حسب تأكيد الهذيلي مخاطر الردة لما فيه من إرساء لنظام رئاسوي.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

منظمات وطنية وجمعيات تحذر من دستور الرئيس سعيد

تونس: الصباح

ببادرة من ائتلاف المجتمع المدني المتكون من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وعديد الجمعيات والمنظمات الأخرى، تم أمس بالعاصمة تنظيم لقاء علمي حول مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء أدارته عضوة المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين ريم سوودي، وحضره عدد كبير من الحقوقيين والجامعيين والمثقفين، وخلال النقاش كان هناك شبه إجماع على أن هذا المشروع الذي تم نشره في الرائد الرسمي يوم 30 جوان ثم نشر نسخة ثانية يوم 8 جويلية يمثل خطرا داهما على تونس وشعبها.

 وفي قراءة قانونية، لهذا المشروع قالت الأستاذة الجامعية سناء بن عاشور إنه دستور رجعي، وهو أكبر انتكاسة لتونس لما يشكله من مخاطر كثيرة يتمثل أهمها في كونه يؤسس لعدم الاستقرار السياسي في تونس لأن من سيأتي بعد الرئيس قيس سعيد يمكنه أن يقوم بنفس ما فعله سعيد.

وأضافت أنه رغم نشر نسخة ثانية في 8 جويلية مازال المشروع يمثل تهديدات كبيرة، وتتعلق هذه التهديدات بالمسار في حد ذاته وبازدواجية الخطاب الدستوري وبتركيز جميع الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية وبمنح رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية دون سقف موضوعي أو سقف زمني، وبهيمنة رئيس الجمهورية على السلط كما لو أنه معصوم من الخطأ، وبهيمنته على السلطة القضائية وبسحقه لمفهوم الإنسان والفرد من خلال استقدامه مفهوم الأمة الإسلامية ومفهوم المقاصد.

ففي علاقة بالمسار، فهو حسب قولها يقوم على أساس فعل الأمير، وهو مصطلح قانوني، وفسرت أنه بعد ثورة الحرية والكرامة لم يعد من المنطقي أن يأتي شخص واحد ويسن دستورا جديدا للبلاد بمسار انفرادي وينسف بذلك كل مقومات المواطنة والمشاركة ثم يشرعن نصه باستفتاء هو من حيث الشكل والمضمون مماثل للمبايعة.

وذكرت أنه بعد 25 جويلية، وفي ظل هذا المسار تم سن الأمر عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، والقيام بالاستشارة الوطنية والتحيل السياسي من خلالها على الشعب لأن أغلب المشاركين في الاستشارة طالبوا بتعديل الدستور وليس سن دستور جديد كما فعل رئيس الجمهورية، وذلك إضافة إلى سن المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والمرسوم المتعلق بالهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، والأمر المتعلق بدعوة الناخبين والأمر المتعلق بمشروع الدستور الذي تم نشره في 30 جوان 2022 والأمر المتعلق بنشر دستور جديد في 8 جويلية، فالمسار حسب قولها ليس فيه ديمقراطية وتشاركية وإصغاء لأحد بمن فيهم الشباب.

كما جاء هذا المسار وفق تعبير سناء بن عاشور في سياق يتسم بتجاوزات خطيرة على الحقوق والحريات وبتدمير لمؤسسات الدولة، حيث تم غلق مقر هيئة مكافحة الفساد والزج بعدد من الأشخاص في الإقامة الجبرية ومنع عدد آخر من حق التنقل ومغادرة البلاد إضافة إلى حل المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء 57 قاضيا مع تحجير التظلم عليهم وتعيين أعضاء جدد لهيئة الانتخابات والاعتداء على الحركات الاحتجاجية، فضلا عن وجود سياق مشحون بخطاب الكراهية وشيطنة المعارضة والمجتمع المدني.

ازدواجية الخطاب

وذكرت الجامعية سناء بن عاشور أنه إضافة إلى التهديدات المرتبطة بالمسار، فهناك تهديدات أخرى مرتبطة بازدواجية الخطاب الدستوري بين القانوني وما ورائيات القانوني، حيث تم القفز على محطات رئيسية من تاريخ تونس المعاصر وتضخيم تواريخ أخرى وإخفاء فترة التحرر الوطني وإلغاء دستور غرة جوان 1959، كما تم تزييف التاريخ وإغفال 14 جانفي 2011 والاكتفاء بذكر تاريخ 17 ديسمبر 2010.

وبالنسبة إلى التهديدات المرتبطة بتركيز وجمع الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فأشارت بن عاشور إلى أن مشروع الدستور جاء بالرئاسوية المشطة لأن رئيس الجمهورية بمقتضاه هو المؤسسة المهيمنة على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وحتى السلطة التأسيسية، وفسرت أن صلاحيات رئيس الجمهورية في مشروع الدستور كثيرة ومتعددة إذ له الحق في عرض مشاريع القوانين، وهو يختص بتقديم مشاريع القوانين المالية والموافقة على المعاهدات ولمشاريعه أولوية النظر، ورئيس الجمهورية من حقه ممارسة المراسيم وله صلاحية الاستفتاء بخصوص أي مشروع يتعلق بالسلط أو بتنقيح الدستور، كما أن رئيس الجمهورية في الوظيفة التنفيذية له صلاحيات عدة أهمها انه هو الذي يحدد كل السياسات العامة للدولة بمساعدة وزراء ورئيس حكومة، لكن في مشروع الدستور الحكومة ليست حكومة بالمعنى البرلماني للحلمة لأن رئيس الجمهورية هو الذي يتمتع بالسلطة الترتيبية العامة، وإذا حدث تنازع في الاختصاصات فان المحكمة الدستورية تتدخل للحسم فيه لكن هذه المحكمة في نهاية الأمر يعينها رئيس الجمهورية.

كما كرس مشروع الدستور وفق تأكيد بن عاشور صلاحيات استثنائية لرئيس الجمهورية دون سقف زمني أو سقف موضوعي، وفسرت أن رئيس الجمهورية في حالة الخطر الداهم يتخذ التدابير الاستثنائية، وذكرت أنه من المفروض أن رئيس الجمهورية لا ينفرد بتقييم الخطر الداهم لكن في المشرع الجديد وخلافا لما نص عليه الفصل 80 من دستور 2014 لا مكان للمحكمة الدستورية فيه.

وقالت إن المشروع نص أيضا على أن يستمر العمل بعد 25 جويلية في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية وذلك إلى حين تولي مجلس نواب الشعب وظائفه بعد تنظيم انتخابات أعضائه، لكن السؤال المطروح هو متى سيقع تنظيم انتخابات وعلى أساس أي مجلة انتخابية؟

غياب التوازن بين السلط

من التهديدات الأخرى التي أثارتها الأستاذة سناء بن عاشور لدى حديثها عن مشروع الدستور، انخرام التوازن بين السلط وهيمنة رئيس الجمهورية وذلك لأن رئيس الجمهورية هو الذي يحدد السياسة العامة للدولة لكن الحكومة هي المسؤولة على هذه السياسة العامة وهو وضع شبيه بعهد الراحل الرئيس الحبيب بورقيبة، وذكرت أن المجلس التشريعي يمكنه تقديم لائحة لوم ضد الحكومة ورئيس الجمهورية يمكنه أن يعفي الحكومة لكن رئيس الجمهورية بقي فوق المساءلة وفوق كل المؤسسات وذلك لأنه المرشد الذي لا يحاسب ولأنه المعصوم من الخطأ.

 وأضافت الجامعية أن الحكومة لا يمكنها في ظل مشروع الدستور الاستقالة، كما أنه تم التضييق المفرط على لائحة اللوم، إذا لا يمكن للسلطة التشريعية أن تمارس لائحة اللوم بالنظر إلى أنه لا يمكن تقديمها إلا من قبل البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم معا ولا تتم المصادقة عليها إلا بأغلبية الثلثين. وذكرت أن رئيس الجمهورية يمكنه ردع المجلس التشريعي وحله عندما يصمم هذا المجلس على عرض لائحة لوم ثانية، وفي المقابل نجد رئيس الجمهورية ذلك المعصوم من الخطأ لا يحاسب، كما أنه يتمتع بالحصانة، وحتى التتبعات السابقة ضده فإنها تتوقف، كما أنه لا يساءل لاحقا عن الأفعال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه..

ولاحظت بن عاشور أن رئيس الجمهورية قيس سعيد تخلى في مشروع الدستور عن جميع الهيئات التعديلية المستقلة باستثناء هيئة الانتخابات، وقام بتهميش السلطة القضائية وألغى مفهوم السلط وعوضه بالوظيفة وتخلى عن الفصل 102 من دستور 2014 الذي ينص على أن القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون، واستبداله بالفصل 117 الذي جاء فيه أن القضاء وظيفة مستقلة يباشرها قضاة لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وليس هذا فقط بل تم التخلي عن المجلس الأعلى للقضاء كسلطة جامعة للأقضية، أما المحكمة الدستورية فهي في مشروع الدستور محكمة هشة في تركيبتها وتم تحويلها إلى محكمة قضائية، والغريب في الأمر حسب ما أشارت إليه بن عاشور أن هذه المحكمة تتركب من أقدم القضاة في أسلاكهم وهو ما يعني أنه بمجرد بلوغ أي عضو سن التقاعد يغادر ليعوضه غيره وبهذه الكيفية لن يكون هناك استقرار في الفقه الدستوري، وفضلا عن ذلك تم حرمانها من صلاحية النظر في الشغور في رئاسة الجمهورية.

حقوق وحريات مهددة

تطرقت الأستاذة سناء بن عاشور إلى التهديدات التي يشكلها مشروع الدستور الجديد على الحقوق والحريات في ظل تنصيصه على مقاصد الإسلام وإقراره بأن تونس جزء من الأمة الإسلامية في أربعة مواضع وهي التوطئة والأحكام العامة وتحديدا الفصل الخامس وكذلك في الأحكام المتعلقة برئاسة الجمهورية والأحكام المتصلة بالتربية والتعليم، وقالت إنه ليس لديها أي مشكل مع الإسلام لكن عند دسترة المقاصد فهذا فيه إلزام دستوري سينطبق لاحقا في التشاريع وهو ما يعني أنه سيتم تسريب المقاصد داخل التشريعات والإدارة والمجتمع، ولاحظت أن مقاصد حفظ العرض والدين والنفس يمكن أن تكون قد أدت دورها في عهود سابقة لكن أن يقع استحضارها اليوم وبعد ثورة أبهرت العالم فهذا غير منطقي. وبينت أنه تم التخلي عن الآداب العامة لكن في المقابل تم حذف الدولة المدنية وهذا فيه تهديد كبير لمكاسب المرأة.

وخلصت سناء بن عاشور قائلة:"لا للدستور الجديد لا للاستفتاء لأنه يهدد الدولة المدنية والدولة الديمقراطية والدولة الاجتماعية".

وحدة الصف

 أما محمد ياسين الجلاصي رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فأشار إلى أن الدستور لا يضمن حرية الصحافة والتعبير ويضرب الحقوق والحريات ويكرس تغول رئيس الجمهورية، ولا يضمن استقلالية القضاء، ويلغي كل الهيئات الدستورية. وأضاف أن المجتمع المدني لم يمكن محايدا عندما أرادت النهضة في الفترة التأسيسية الهيمنة والتمكين، كما أنه لم يصمت لاحقا وتوحد من جديد لإسقاط مشروع قانون المصالحة ثم لإسقاط مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح وفي المقابل تبنى تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وهو اليوم لديه موقف موحد من مشروع الدستور.

ونبهت نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء ينسف مدنية الدولة ويهدد الحقوق والحريات في وقت يتطلع فيه المجتمع المدني إلى الدفع نحو دولة المساواة التامة والكرامة والعدالة والتنمية للجميع دون استثناء، ووصفت الزغلامي مشروع الدستور بأنه مشروع الردة بأنه محاولة لدحض مشروع الدولة المدنية والديمقراطية وهو مناف للحقوق الكونية وفيه الكثير من الهنات ولا يرتقي إلى أن يكون مشروع تونس. وأضافت أنه عوضا عن دسترة فصل السلط واستقلالية القضاء وحقوق النساء والمساواة والسياسات الاقتصادية الاجتماعية الضامنة لمبدأ تكافؤ الفرص تمت العودة إلى الخطر الداهم.

وحذرت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من أن قوى الردة تتربص بنساء تونس وأكدت في المقابل أن المجتمع المدني سيتصدى لهذه القوى وسيبقى موحدا للدفاع عن الحقوق والحريات العامة والفردية حتى الوصول إلى المساواة التامة بين المواطنين.

أما عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فوصف مشروع الدستور بدستور الرئيس نظرا إلى أن رئيس الجمهورية أعده بعد مسار انفرادي ولأنه لم يرتق إلى مستوى انتظارات التونسيين والدولة الديمقراطية بل هو تأسيس لنظام تسلطي، وذكر أن مشروع الدستور لا يطمئن التونسيين على حقوقهم وحرياتهم، ويلغي مدنية الدولة ويعيد الصراع حول الهوية إلى الواجهة في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة وفي وضع يهدد بالانفجار.. ويتضمن مشروع الدستور حسب تأكيد الهذيلي مخاطر الردة لما فيه من إرساء لنظام رئاسوي.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews