إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: كي لا تحاسبنا الأجيال القادمة على خذلاننا لها!

بقلم: خديجة توفيق معلَّى

من متابعتي لما يحصل على الساحة الوطنية من ردود فعل على مشروعي الدستور، ومن باب مساهمتي في تقديم تحليل موضوعي لردود الفعل هذه، ارتأيت وضعه إطاراً وأساسا لهذا المقال.

فأما بالنسبة للذين يؤيدون مشروع رئيس الجمهورية والذي نشر في الرائد الرسمي بتاريخ 30 جوان 2022، سواء كانوا على إطلاع بمحتواه أم لم يجدوا الوقت لقراءته، فنصيحتي هي أن يأخذوا الوقت اللاَّزم لقراءته والتمعن فيه، كي يكون تصويتهم بنعم عليه، عن وعي ودراية،ولا يكون بمثابة تجديد ثقتهم بالرئيس ومبايعة له وللرؤساء الذين سيأتون من بعده ولا نعرف عنهم شيئا..

وأما الفريق الثاني والذي انقسم إلى شقين: أحدهما يدعو إلى مقاطعة هذا المشروع انطلاقا من رفض مسار 25 جويلية وكل ما ترتب عنه، فيما الشق الآخر يدعو إلى التصويت عليه بلا.

والجدير بالذكر، انه لما اكتشف رئيس اللجنة الإستشارية، العميد الصادق بلعيد، أن مشروع الرئيس لا صلة له بالمشروع الذي عملت على صياغته مجموعة الأربعين الذي اختارهم شخصيا، أو التسعين مثلما صرَّح به، بادر بنشر مشروعه، إبراء لذمته وذمة من معه.

وفي ظل وجود مشروعين للدستور وهو الوثيقة الركيزة لصرح الدولة، كان من المفروض، احتراما للرأي والرأي المخالف، أن يعرض المشروعان على الشعب التونسي كي يستفتى عليهما. ولكان عندها لهذا الخيار فائدة إضفاء مشروعية أكبر ومصداقية أوفر على خيار ومسار الاستفتاء برمته.

وأغتنم فرصة هذا العرض والتحليل بأن أعبر عن رأيي الشخصي في خيار كتابة دستور جديد لعرضه على الاستفتاء. ويتلخص رأيي هذا في كوننا في غنىً عن ذلك ولتجنبنا انقسام الصفوف وخاصة المطب الذي وقعنا فيه مع مشروع دستور الرئيس وعودة الجدل وكَيْل التهم بين الداعين إلى الدولة الدينية واعتماد الشريعة أساسا لها ولأحكامها، والمدافعين على الدولة المدنية وعلى علوية القانون الوضعي الموحِد لكل شرائح المجتمع ومواطناته ومواطنيه أمام القانون.

 فلما تكون لنا أولوياتٌ عاجلة من ضمنها تفادي إفلاس الدولة، فإن الواجب الوطني يحتِم علينا الاهتمامَ بها على وجه السرعة بدل صياغة دستور جديد هي بمثابة ترف لا نملكه وسنحاسَب عليه فيما يعاني نحو أربعة ملايين مواطن ومواطنة من ويلات الفقر المدقع ويتكبدون عذاباته بلا أي خطة في الأفق للنجاة وخلق الثروة التي بشر مشروع دستور الرئيس بتوزيع خيراتها. فهل تسامحنا الأجيال القادمة على مزيد هدر الوقت وإطلاق المزيد من الوعود في وقت تتصاعد فيه الإنذارات الحمراء بأننا إلى الغرق جميعا وبالسرعة القصوى سائرون؟!

في هذه الأثناء وبالتحاور مع عديد الأشخاص وبمتابعة مواقف العدد الكبير الآخر منهم، لاحظت وجود حيرة عميقة بين خيار المقاطعة وخيار التصويت بلا! وهذا ما دفعني إلى تفسير تداعيات كل من هذين الخيارين.

فالمقاطعة هي آلية لا تأثير لها نظرا أنها خارج دائرة الاحتساب في عملية التصويت. أو على الأقل صعبة ترجيح سببها، إن كان فقدان الثقة في نزاهة وشفافية عملية التصويت، أو رفضا للمشروع المعروض على التصويت، أو لأسباب شخصية مختلفة كالمرض واتقاء العدوى من وباء كوفيد على سبيل المثال. وغير ذلك من الأسباب. فمَن يُقاطع، لا يمكن أن تُفسَّر مقاطعته آلياً بأنه رافض للمشروع أو غاضب عليه.بل يمكن فقط أن يعتبر عدم ذهابه للتصويت مجرد كسل أو لامبالاة أو قلة اهتمام بالمشروع مثلما أوضحت منذ حين. أما الذهاب والتصويت بلا، فيقتضي إجبارية احتساب كل الأصوات الرافضة للمشروع والتي عبَّرت عن رفضها له بصفة لا تترك مجالاً للشك. وهي كلمة لا.

وبحكم عدم الثقة التي أصبحت موجودة بين الحاكم والمحكوم من جراء عشرات السنين من الوعود الكاذبة واستهزاء السياسيين بمصالح الشعب وعدم تحمل مسؤولية الوفاء بكل الوعود الانتخابية، فالعديد من الأشخاص مقتنعون أن التصويت بلا لن يُحتسب، بل أخطر من ذلك، فهم مُقتنعون بأنه سوف تقع عملية تزوير واسعة النطاق، تظهر أرقاما ضئيلة للمصوتين بلا وتُضخم أرقام الذين صوتوا بنعم.

وبالتالي، يصبح من المهم جدا أن تتحمل جمعيات المجتمع المدني والأحزاب وكل الفاعلين في الحقل المدني مسؤوليةمتابعة كل الذين صوَّتوا بلا. وهنا أدعوها إلى تضمين أساميهم في قوائم ممضاة يمكن الاحتجاج بها عند الضرورة والمطالبة بمراجعة تلك الأصوات، بالإستعانة بهيئات قانونية مختصة، وبنشر عددها الصحيح ونسبتها الحقيقية للراي العام.

ولكن قبل ذلك، يتعين القيام بحملات شرح واسعة النطاق لعرض إيجابيات ومساوئ مشروع دستور رئيس الدولة بالارتكاز على حجج قانونية عقلانية بعيدا عن كل شعبوية تأجيجية تزيد في منسوب الأزمة ولا تساعد على تفكيكها وحلها.

ويظل قبول رئيس الدولة الإصغاء لكل التحاليل ومختلف النصائح والإقدام بشجاعة على الاستفادة منها بالإصغاء للغة العقل وتغليب ما يخدم وحدة الشعب ومستقبل كل فئاته وتبوئ الدولة التونسية المكانة التي تستحقها بين الدول الناهضة المتقدمة، هو أملي وأمنيتي اتقاء لكل المخاطر المحدقة بنا، وبوطننا الغالي.

 

 

 

 

منتدى الصباح: كي لا تحاسبنا الأجيال القادمة على خذلاننا لها!

بقلم: خديجة توفيق معلَّى

من متابعتي لما يحصل على الساحة الوطنية من ردود فعل على مشروعي الدستور، ومن باب مساهمتي في تقديم تحليل موضوعي لردود الفعل هذه، ارتأيت وضعه إطاراً وأساسا لهذا المقال.

فأما بالنسبة للذين يؤيدون مشروع رئيس الجمهورية والذي نشر في الرائد الرسمي بتاريخ 30 جوان 2022، سواء كانوا على إطلاع بمحتواه أم لم يجدوا الوقت لقراءته، فنصيحتي هي أن يأخذوا الوقت اللاَّزم لقراءته والتمعن فيه، كي يكون تصويتهم بنعم عليه، عن وعي ودراية،ولا يكون بمثابة تجديد ثقتهم بالرئيس ومبايعة له وللرؤساء الذين سيأتون من بعده ولا نعرف عنهم شيئا..

وأما الفريق الثاني والذي انقسم إلى شقين: أحدهما يدعو إلى مقاطعة هذا المشروع انطلاقا من رفض مسار 25 جويلية وكل ما ترتب عنه، فيما الشق الآخر يدعو إلى التصويت عليه بلا.

والجدير بالذكر، انه لما اكتشف رئيس اللجنة الإستشارية، العميد الصادق بلعيد، أن مشروع الرئيس لا صلة له بالمشروع الذي عملت على صياغته مجموعة الأربعين الذي اختارهم شخصيا، أو التسعين مثلما صرَّح به، بادر بنشر مشروعه، إبراء لذمته وذمة من معه.

وفي ظل وجود مشروعين للدستور وهو الوثيقة الركيزة لصرح الدولة، كان من المفروض، احتراما للرأي والرأي المخالف، أن يعرض المشروعان على الشعب التونسي كي يستفتى عليهما. ولكان عندها لهذا الخيار فائدة إضفاء مشروعية أكبر ومصداقية أوفر على خيار ومسار الاستفتاء برمته.

وأغتنم فرصة هذا العرض والتحليل بأن أعبر عن رأيي الشخصي في خيار كتابة دستور جديد لعرضه على الاستفتاء. ويتلخص رأيي هذا في كوننا في غنىً عن ذلك ولتجنبنا انقسام الصفوف وخاصة المطب الذي وقعنا فيه مع مشروع دستور الرئيس وعودة الجدل وكَيْل التهم بين الداعين إلى الدولة الدينية واعتماد الشريعة أساسا لها ولأحكامها، والمدافعين على الدولة المدنية وعلى علوية القانون الوضعي الموحِد لكل شرائح المجتمع ومواطناته ومواطنيه أمام القانون.

 فلما تكون لنا أولوياتٌ عاجلة من ضمنها تفادي إفلاس الدولة، فإن الواجب الوطني يحتِم علينا الاهتمامَ بها على وجه السرعة بدل صياغة دستور جديد هي بمثابة ترف لا نملكه وسنحاسَب عليه فيما يعاني نحو أربعة ملايين مواطن ومواطنة من ويلات الفقر المدقع ويتكبدون عذاباته بلا أي خطة في الأفق للنجاة وخلق الثروة التي بشر مشروع دستور الرئيس بتوزيع خيراتها. فهل تسامحنا الأجيال القادمة على مزيد هدر الوقت وإطلاق المزيد من الوعود في وقت تتصاعد فيه الإنذارات الحمراء بأننا إلى الغرق جميعا وبالسرعة القصوى سائرون؟!

في هذه الأثناء وبالتحاور مع عديد الأشخاص وبمتابعة مواقف العدد الكبير الآخر منهم، لاحظت وجود حيرة عميقة بين خيار المقاطعة وخيار التصويت بلا! وهذا ما دفعني إلى تفسير تداعيات كل من هذين الخيارين.

فالمقاطعة هي آلية لا تأثير لها نظرا أنها خارج دائرة الاحتساب في عملية التصويت. أو على الأقل صعبة ترجيح سببها، إن كان فقدان الثقة في نزاهة وشفافية عملية التصويت، أو رفضا للمشروع المعروض على التصويت، أو لأسباب شخصية مختلفة كالمرض واتقاء العدوى من وباء كوفيد على سبيل المثال. وغير ذلك من الأسباب. فمَن يُقاطع، لا يمكن أن تُفسَّر مقاطعته آلياً بأنه رافض للمشروع أو غاضب عليه.بل يمكن فقط أن يعتبر عدم ذهابه للتصويت مجرد كسل أو لامبالاة أو قلة اهتمام بالمشروع مثلما أوضحت منذ حين. أما الذهاب والتصويت بلا، فيقتضي إجبارية احتساب كل الأصوات الرافضة للمشروع والتي عبَّرت عن رفضها له بصفة لا تترك مجالاً للشك. وهي كلمة لا.

وبحكم عدم الثقة التي أصبحت موجودة بين الحاكم والمحكوم من جراء عشرات السنين من الوعود الكاذبة واستهزاء السياسيين بمصالح الشعب وعدم تحمل مسؤولية الوفاء بكل الوعود الانتخابية، فالعديد من الأشخاص مقتنعون أن التصويت بلا لن يُحتسب، بل أخطر من ذلك، فهم مُقتنعون بأنه سوف تقع عملية تزوير واسعة النطاق، تظهر أرقاما ضئيلة للمصوتين بلا وتُضخم أرقام الذين صوتوا بنعم.

وبالتالي، يصبح من المهم جدا أن تتحمل جمعيات المجتمع المدني والأحزاب وكل الفاعلين في الحقل المدني مسؤوليةمتابعة كل الذين صوَّتوا بلا. وهنا أدعوها إلى تضمين أساميهم في قوائم ممضاة يمكن الاحتجاج بها عند الضرورة والمطالبة بمراجعة تلك الأصوات، بالإستعانة بهيئات قانونية مختصة، وبنشر عددها الصحيح ونسبتها الحقيقية للراي العام.

ولكن قبل ذلك، يتعين القيام بحملات شرح واسعة النطاق لعرض إيجابيات ومساوئ مشروع دستور رئيس الدولة بالارتكاز على حجج قانونية عقلانية بعيدا عن كل شعبوية تأجيجية تزيد في منسوب الأزمة ولا تساعد على تفكيكها وحلها.

ويظل قبول رئيس الدولة الإصغاء لكل التحاليل ومختلف النصائح والإقدام بشجاعة على الاستفادة منها بالإصغاء للغة العقل وتغليب ما يخدم وحدة الشعب ومستقبل كل فئاته وتبوئ الدولة التونسية المكانة التي تستحقها بين الدول الناهضة المتقدمة، هو أملي وأمنيتي اتقاء لكل المخاطر المحدقة بنا، وبوطننا الغالي.

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews