إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: يُصانعون يُداجون يَجهرون بغير ما يُسرّون ليؤثروا أهواءهم ورضا أسيادهم

 

 

بقلم:مصدّق الشّريف

قال الشّاعر التّونسي منور صمادح: " شيئان في بلدي قد خيبا أملي *** الصدق في القول والإخلاص في العمل ". ونحن، كشاعرنا، خاب أملنا ولا يزال خائبا إلى اليوم في ظلّ الهوّة السّاحقة بين ما تقوله النُّخب السياسيّة والفكريّة والثقافيّة وترفعه من شعارات تقدمية طلائعيّة وبين ممارساتها اليوميّة. فقد كشف ما جرى من أحداث وما طرأ من تغييرات على المستوى السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والإعلاميّ في بلادنا لاسيّما بعد 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 حقيقة كثير من السياسيّين والمثقفين والإعلاميّين والنّاشطين في المجتمع المدني.

إنّ أوّل استنتاج نقف عنده وهن التّكتّلات الفكريّة والإيديولوجيّة. وليت هذا الوهن يعود إلى اختلافات جوهرية أو حتّى ثانويّة في مضامين البرامج والرّؤى الآنية والمستقبلية المتعلّقة بمصلحة تونس والتّونسيّين. بل العلّة في أجسام تُحرّكها نزوات عابرة وعقول تسيّرها مصالح فئويّة ضيّقة ونفوس نرجسية يطغى عليها الاعتقاد بتفرّدها بالحقيقة الكاملة. فبمجرّد أن تعارض بعضهم أو تبدي رأيا مخالفا لرأيهم يقيمون عليك الدّنيا ولا يقعدونها. يناصبونك العداء ويبذلون قصارى جهودهم لتكميم فمك ويقطعون بك كلّ الصلات. ويضحى شعار "إنّ في الاختلاف رحمة" وشعار "التناقض هو محرّك التفكير" مجرّد كلام بدون فعال. ولنا في انتخابات 2019 الرّئاسية وغيرها من المحطّات السياسيّة برهان على ما نقول. فقد "تفرقعت" أحزاب وتحوّلت إلى شظايا وأصبحت أثرا بعد عين بسبب هيمنة منطق "أنا أو لا أحد" في تسييرها الدّاخلي. أما التّعليق على الأحداث السياسيّة أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية فغالبا ما يُطلق جزافا دون تعقّل أو موضوعية. ف"يبصم" فلان ب"العشرة" على أمر وجد هوى في نفسه ويسير في ركاب أفكاره وميولاته. ويعلن علانّ "الحداد" إن كانت الأفكار نفسها رائدة ومحلّ تقدير فذلك يؤرّقه ويقضّ مضجعه. ولا سبيل في أغلب الحالات أن يُقال للمحسن أحسنت لأنه يسلّط الأضواء على الآخر ويجعله حديث العام والخاص والقاصي والداني وهو "مُصاب" لا تتحمّله نفوس عليلة متكاثرة.

وثاني استنتاج نتناوله نفاق أغلب الكتل السياسيّة والنّخب الثّقافية والفكريّة ونُشطاء المجتمع المدني. فقد صمّ هؤلاء آذاننا في "راحة الله أكبر" بالحديث عن الديمقراطية ورفضهم الممارسات البيروقراطية رفضا قاطعا والنّأي بأنفسهم عن المحسوبية واستغلال المناصب. وحين جدّ الجدّ وفرضت السّياقات التّاريخيّة تجسيد ما كانوا يكتبونه في كتبهم ومقالاتهم وما دأبوا على ترديده يوميّا في المقاهي والقنوات الإذاعيّة والتلفزيّة والنّدوات والمطارحات الفكريّة والمناسبات الوطنيّة والعالميّة اندثروا. لم يسمعوا لأنفسهم نجوى ولم نسمع لهم همسا. دسّوا رؤوسهم في التّراب. تغيّبوا عن المواقع الاجتماعية. تهرّبوا من الوقفات الاحتجاجية. ومنهم من التمس للّذين أضروا بالبلاد وشعبها أعذارا واهية. بعضهم اعتبروا تقدّم البلاد وخلاصها رهين لفصل الدين عن الدولة في الدّستور. وحين حمّت الحامات فرّوا وولوّا الأدبار. ولمّا سُئل المعوّقون منهم الفتنة أتوها وما تلبّثوا بها إلاّ يسيرا وأصبح فصل الدّين عن الدّولة في الدّستور تهديدا للسّلم الاجتماعيّة وتفريقا لأبناء الوطن الواحد. ورأيت طائفة ناصرت لجنة كتابة مشروع دستور الجمهورية التونسية الجديدة تسلقها بألسنة حداد.

ومن نافلة القول أنّ تصريحات أغلب الفاعلين في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفكريّة والاعلاميّة تستجيب لأحد الأمرين. إما نتيجة عمليّة حسابيّة تتّضح بها المغانم والغرائم. وإما عمى أصاب الأبصار والبصائر من وراء الأفكار القبليّة والإيديولوجيات المتكلّسة والانطلاقات الذاتية النرجسية.

رحم الله أبا الطيب المتنبي حين أنشد قائلا:

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً *** أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

 

 

 

 

منتدى الصباح: يُصانعون يُداجون يَجهرون بغير ما يُسرّون ليؤثروا أهواءهم ورضا أسيادهم

 

 

بقلم:مصدّق الشّريف

قال الشّاعر التّونسي منور صمادح: " شيئان في بلدي قد خيبا أملي *** الصدق في القول والإخلاص في العمل ". ونحن، كشاعرنا، خاب أملنا ولا يزال خائبا إلى اليوم في ظلّ الهوّة السّاحقة بين ما تقوله النُّخب السياسيّة والفكريّة والثقافيّة وترفعه من شعارات تقدمية طلائعيّة وبين ممارساتها اليوميّة. فقد كشف ما جرى من أحداث وما طرأ من تغييرات على المستوى السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والإعلاميّ في بلادنا لاسيّما بعد 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 حقيقة كثير من السياسيّين والمثقفين والإعلاميّين والنّاشطين في المجتمع المدني.

إنّ أوّل استنتاج نقف عنده وهن التّكتّلات الفكريّة والإيديولوجيّة. وليت هذا الوهن يعود إلى اختلافات جوهرية أو حتّى ثانويّة في مضامين البرامج والرّؤى الآنية والمستقبلية المتعلّقة بمصلحة تونس والتّونسيّين. بل العلّة في أجسام تُحرّكها نزوات عابرة وعقول تسيّرها مصالح فئويّة ضيّقة ونفوس نرجسية يطغى عليها الاعتقاد بتفرّدها بالحقيقة الكاملة. فبمجرّد أن تعارض بعضهم أو تبدي رأيا مخالفا لرأيهم يقيمون عليك الدّنيا ولا يقعدونها. يناصبونك العداء ويبذلون قصارى جهودهم لتكميم فمك ويقطعون بك كلّ الصلات. ويضحى شعار "إنّ في الاختلاف رحمة" وشعار "التناقض هو محرّك التفكير" مجرّد كلام بدون فعال. ولنا في انتخابات 2019 الرّئاسية وغيرها من المحطّات السياسيّة برهان على ما نقول. فقد "تفرقعت" أحزاب وتحوّلت إلى شظايا وأصبحت أثرا بعد عين بسبب هيمنة منطق "أنا أو لا أحد" في تسييرها الدّاخلي. أما التّعليق على الأحداث السياسيّة أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية فغالبا ما يُطلق جزافا دون تعقّل أو موضوعية. ف"يبصم" فلان ب"العشرة" على أمر وجد هوى في نفسه ويسير في ركاب أفكاره وميولاته. ويعلن علانّ "الحداد" إن كانت الأفكار نفسها رائدة ومحلّ تقدير فذلك يؤرّقه ويقضّ مضجعه. ولا سبيل في أغلب الحالات أن يُقال للمحسن أحسنت لأنه يسلّط الأضواء على الآخر ويجعله حديث العام والخاص والقاصي والداني وهو "مُصاب" لا تتحمّله نفوس عليلة متكاثرة.

وثاني استنتاج نتناوله نفاق أغلب الكتل السياسيّة والنّخب الثّقافية والفكريّة ونُشطاء المجتمع المدني. فقد صمّ هؤلاء آذاننا في "راحة الله أكبر" بالحديث عن الديمقراطية ورفضهم الممارسات البيروقراطية رفضا قاطعا والنّأي بأنفسهم عن المحسوبية واستغلال المناصب. وحين جدّ الجدّ وفرضت السّياقات التّاريخيّة تجسيد ما كانوا يكتبونه في كتبهم ومقالاتهم وما دأبوا على ترديده يوميّا في المقاهي والقنوات الإذاعيّة والتلفزيّة والنّدوات والمطارحات الفكريّة والمناسبات الوطنيّة والعالميّة اندثروا. لم يسمعوا لأنفسهم نجوى ولم نسمع لهم همسا. دسّوا رؤوسهم في التّراب. تغيّبوا عن المواقع الاجتماعية. تهرّبوا من الوقفات الاحتجاجية. ومنهم من التمس للّذين أضروا بالبلاد وشعبها أعذارا واهية. بعضهم اعتبروا تقدّم البلاد وخلاصها رهين لفصل الدين عن الدولة في الدّستور. وحين حمّت الحامات فرّوا وولوّا الأدبار. ولمّا سُئل المعوّقون منهم الفتنة أتوها وما تلبّثوا بها إلاّ يسيرا وأصبح فصل الدّين عن الدّولة في الدّستور تهديدا للسّلم الاجتماعيّة وتفريقا لأبناء الوطن الواحد. ورأيت طائفة ناصرت لجنة كتابة مشروع دستور الجمهورية التونسية الجديدة تسلقها بألسنة حداد.

ومن نافلة القول أنّ تصريحات أغلب الفاعلين في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفكريّة والاعلاميّة تستجيب لأحد الأمرين. إما نتيجة عمليّة حسابيّة تتّضح بها المغانم والغرائم. وإما عمى أصاب الأبصار والبصائر من وراء الأفكار القبليّة والإيديولوجيات المتكلّسة والانطلاقات الذاتية النرجسية.

رحم الله أبا الطيب المتنبي حين أنشد قائلا:

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً *** أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews