تونس وصندوق النقد الدولي: المرافقة المرة في الأزمنة الصعبة
مقالات الصباح
كشف جامعيون ومسؤولون ووزراء سابقون في الدولة خلال ندوة نظمتها «دار الصباح» ، مؤخرا، بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، عن صعوبات تنتظر تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي خلال المرحلة القادمة ، مشددين على أن حصول تونس على موافقة الصندوق تظل صعبة للغاية في ظل الازمة المالية الصعبة التي تعيشها البلاد منذ نحو عقد من الزمن، الا انه رغم هذه الصعوبات فإن هناك بعض البدائل التي يمكن لتونس استغلالها للخروج بأخف الاضرار ، وهي تستدعي أيضا اطلاق جملة من المفاوضات لتأجيل سداد الديون الثنائية للدولة التونسية ، وكذلك وضع برنامج طارئ للمالية العمومية يمتد على مدى 3 سنوات لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار.
وحذر المستشار والوزير السابق المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي ، من اللجوء للصندوق النقد الدولي دون الالتزام بالاصلاحات المطلوبة من الدولة التونسية ، والتي دفعت بالصندوق الى تجميد المفاوضات معها في مناسبتين الاولى في سنة 2013 والثانية للقرض الثاني المتفق عليه في 2016، معتبرا ان هذه الاخفاقات ناتجة عن عدة عوامل كبرى انطلقت منذ سنة 2015 بعد الزيادات في الاجور الموقعة من قبل حكومة الحبيب الصيد والثانية مع حكومة يوسف الشاهد ، وهذه العوامل هي السبب الرئيسي في تجميد القرض الثاني المتفق مع تونس في سنة 2016 وخاصة القسط الاخير من برنامج القرض.
وشدد الراجحي انه منذ اكتوبر وسبتمبر 2019 ، توقفت المفاوضات الجدية مع صندوق النقد الدولي، وخيرت الحكومة انذاك الحصول على مساعدات مالية من الصندوق لمجابهة جائحة كورونا ، مشيرا الى ان أبرز عامل ألحق أضرارا في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، التجاذبات السياسية منذ 2016 والى غاية اليوم ، بالاضافة الى العمليات الارهابية التي شهدتها بلادنا منذ تلك الفترة ،والتي أثرت بشكل مباشر في علاقتنا مع المؤسسات الدولية المانحة وخاصة صندوق النقد الدولي.
اتفاقيتان وراء الازمة المالية
وبين الراجحي ان الاتفاقيتين الموقعتين في سنتي 2015 و2018 ، والمتعلقة بالزيادات في الاجور ، كانتا الضربة القاصمة التي تسببت في انهيار المالية العمومية، وأدت الى استنزاف موارد الدولة، وبالتالي انهيار الاقتصاد الوطني ، مبرزا ان الجميع كان يعلم جيدا ما ستؤول اليه الاوضاع في البلاد، والوصول بنا الى هذه المرحلة من الانهيار على كافة الاصعدة ، مبرزا في ذات السياق ان صندوق النقد الدولي ينتظر منا اليوم استخلاص العبر من هذه الاخطاء والمضي نحو الرفع من نسق الاصلاحات للخروج من هذه الازمة.
من جهته، أفاد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي محمد سويلم، ان علاقات تونس مع صندوق النقد الدولي كانت مناسبتية في الماضي والى حدود سنة 2010 ، وأبرزها قرض سنة 1986 الذي تحصلت عليه تونس في تلك الفترة ، مشيرا الى ان هذه المؤسسة النقدية التي تم بعثها سنة 1944، كانت لإصلاح عديد الاختلالات المالية في أغلب البلدان في العالم وخاصة في موازين المدفوعات واستقرار أسعار صرف العملات.
واضاف سويلم بالقول انه نتيجة لذلك أصبح صندوق النقد الدولي احد أهم المؤسسات المالية في العالم ، وبإمكانه التدخل في تعديل السياسات النقدية للدول وتوجيهها نحو اتخاذ حزمة من الاصلاحات الضرورية ، مشددا على أنه في كل سنة تقوم لجنة من الصندوق بزيارة العديد من الدول واجراء المفاوضات مع ممثليها ، وهذه اللجان تزور تونس سنويا مرة أو مرتين للوقوف على الاصلاحات المطلوبة منا، وتونس ليست الاستثناء بل جميع دول العالم تستقبل هذه اللجان التي تعد فيما بعد تقريرا مفصلا عن الاوضاع الاقتصادية بدول الاعضاء، وتدرس هذه اللجان ميزان المدفوعات في هذه الدول والمالية العمومية وسياساتها النقدية.
وأوضح سويلم ، ان من بين الاسباب التي كانت وراء لجوء بلادنا الى خدمات الصندوق ، عدم وجود اصلاحات سياسية رائدة منذ سنة 2011 ، معتبرا ان ذلك أدى الى ظهور الازمات الاقتصادية والمالية في بلادنا.
مهمة صعبة للوفد التونسي في واشنطن
وابرز سويلم انه لو لا الاخطاء السياسية التي ظهرت بالبلاد منذ 2011، ما كانت الاوضاع ستسوء ونلجأ الى صندوق النقد الدولي، معتبرا ان البلاد تزخر بالكفاءات وليست في حاجة الى أي برامج اصلاحية من الخارج، منتقدا في هذا السياق ما راج حول تقديم تونس لبرنامجها الاقتصادي للصندوق، والذي اعتبره سويلم مسيء للدولة التونسية، حيث انها مطالبة بتقديم مجرد اقتراحات على الصندوق وان تكون حذرة في طرحها.
واستنكر المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي ، الدعوات التي تطالب بالذهاب الى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية، مؤكدا انه بإمكان تونس اللجوء الى البنوك الخارجية والمؤسسات المالية العالمية للحصول على مواردها من الاقتراض، كما استبعد سويلم ان ينجح الوفد التونسي الى مقر صندوق النقد الدولي في مهمته والحصول على موافقته، داعيا في هذا الصدد الى عدم الاقتصار على دعم الصندوق وربط مصير انقاذ البلاد معه، فالحلول متوفرة وفرصة الانقاذ مازالت موجودة، وبإمكاننا الخروج الى الاسواق المالية العالمية ونتحمل الكلفة المشطة، وبالتالي انقاذ المالية العمومية من الانهيار.
بدوره أرجع وزير المالية السابق حكيم حمودة لجوء تونس في أكثر من مناسبة الى صندوق النقد الدولي الى أزمة نمط الهيكلية او اخفاق برامج الاصلاح الهيكلية والتي تتعلق اساسا بالتشجيع على الصناعات الذكية وتغيير نمط الاقتصاد التونسي، بالاضافة الى أزمة التوازنات المالية والتي انطلقت منذ سنة 2011 وكان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني ، ادت في سنة 2019 الى تسجل ضعف في نسبة النمو بلغ 1 بالمائة فقط ، واختلال كبير في التوازنات المالية ما جعل الدولة تمر بوضعية جد حرجة، ازدادت حدتها مع ظهور جائحة كوفيد-19 خلال سنة 2020 وتسجيل اسوء انكماش اقتصادي تاريخي، لم تشهد البلاد مثله وبلغ 8.8 بالمائة سلبي مع نهاية العام 2020.
موارد الاقتراض غير كافية والدولة شبه عاجزة
وانتقد بن حمودة الاصوات المستغربة للجوء تونس الى الصندوق الدولي ، موضحا ان بلادنا هي عضو فاعل في الصندوق منذ 1957 وتمتعت بدعم تقني ومالي سابق، مبرزا انه وفي حال وافق الصندوق على مطلب تونس ، فإن الاموال المتحصل عليها غير كافية للتخفيف من الازمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد في الآونة الاخيرة.
وشدد حكيم بن حمودة على ضرورة التعاون مع صندوق النقد الدولي خاصة ،وان البلاد تمر فعلا بمرحلة حرجة تستدعي وضع سياسات مالية تستجيب لمتطلبات المرحلة وانقاذ الاقتصاد من الانهيار ، مجددا تأكيده على ان الاموال المسندة من الصندوق ليست كافية لإنقاذ المالية العمومية للبلاد.
وفي كلمته، عدد الجامعي وأستاذ الاقتصاد معز السوسي، أسباب لجوء تونس الى صندوق النقد الدولي ، معتبرا انه من أبرز الاسباب التي دفعت بنا الى هذا الخيار، تسجيل نسبة انكماش اقتصادي غير مسبوقة وتراجع الاستثمار ونسق الادخار، بالاضافة الى تفاقم العجز العمومي الى-11.7 بالمائة سنة 2020 ،وارتفاع المديونية الى 88٪ مع موفى سنة 2020 ، وتراجع الموارد الذاتية والجبائية للدولة.
وأوضح السوسي ان الموارد المالية التي في حال نجحت تونس في الحصول عليها من صندوق النقد الدولي، تبقى غير كافية، مستغربا في الآن ذاته ، تواصل المشاحنات والتجاذبات السياسية ، في مرحلة دقيقة وحساسة تمر بها البلاد، تتزامن مع أزمة صحية وبوادر انهيار الاقتصاد الوطني.
وكشف الخبير في الشأن الاقتصادي ، من جهة أخرى، أن الدولة اليوم أصبحت شبه عاجزة، ودفع هذ الامر من الحكومة الى البحث عن فرصة انقاذ أخيرة من صندوق النقد الدولي، معتبرا حصول بلادنا على تمويلات هو رهين ما ستقدمه خلال المفاوضات من اصلاحات يطلبها الصندوق.
وكشف معز السوسي ، ان تونس في حاجة اليوم الى قروض بأكثر من 19.5 مليار دينار نصفها قروض خارجية، وحتى لو تمكنت من الحصول على الموارد مالية من الصندوق، فان هذا لا يكفي من تجنب انهيار المالية العمومية مستقبلا.
صعوبة المرحلة القادمة والحلول
وقدم السوسي جملة من التوصيات التي تقود الى اصلاحات مهمة في المرحلة القادمة، اهمها الإيقاف الفوري لكافة الاتفاقيات التي لها تأثير مالي على جميع القطاعات العمومية وترحيلها ، والتخفيض في نسبة الفائدة المديرية الى حدود 4 ٪ ورفع جميع القيود على كافة القروض لدفع الاستثمار ، وتوجيه الدعم الى مستحقيه ، وتكليف لجان تدرس وضعية المنشآت العمومية وتحرير قيودها البيروقراطية مع تفعيل دور مجلس المؤسسة داخلها، وفك مشكل الديون المتراكمة، والشروع فورا في تأجيل خلاص القروض الثنائية والتي تمثل 16 بالمائة من مجموع الديون العمومية ما يحقق لبلادنا قرابة 2880 مليار دينار من اصل 11.5 مليار دينار نحن بصدد البحث عن حلول لتوفيرهم، والتفاوض بخصوص تأجيل خلاص قروض متعددة الاطراف تمثل 52٪ من الديون العمومية وتحويلهم الى مشاريع استثمارية، بما يتيح اعادة تشغيل حركة الانتاج والدفع بنسب النمو.
من جهته، لمح الاستاذ الجامعي أيمن بوغانمي، الى صعوبة المرحلة الحالية والتي أجبرت بلادنا على الذهاب الى صندوق النقد الدولي خشية انهيار المالية العمومية، وصعوبة القيام بإصلاحات داخلية ، واستحالة ذلك ، في ظل قراءات تؤكد عدم وجود نوايا سياسية للقبول بإصلاحات تأتي من الداخل.
واعتبر بوغانمي ان جزءا من الازمة التي تمر بها بلادنا اليوم ناجم عن غياب اصلاحات هيكلية ممنهجة، محملا النخب السياسية في تونس المسؤولية الكاملة للانهيار المالي والاقتصادي ، كما حذر البوغانمي من مواصلة انفلات نفقات الدولة وتعطيل الاصلاحات الهيكلية، متهما النقابات العمالية بالضلوع في جزء منها.
واضاف ايمن بوغانمي، انه منذ سنة 2011، فإن الوضع الاقتصادي لم يتغير، في حين فقد الوضع السياسي كل قدرة على «عقلنة» النقاش، معتبرا اننا اذا لم نمض في الاصلاحات مبكرا ، فأن مصيرنا هو الانهيار، داعيا في ذات السياق الى ضرورة الفصل بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية والمرور بسرعة لتنفيذ كافة الاصلاحات المطلوبة.
◗ سفيان المهداوي
كشف جامعيون ومسؤولون ووزراء سابقون في الدولة خلال ندوة نظمتها «دار الصباح» ، مؤخرا، بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، عن صعوبات تنتظر تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي خلال المرحلة القادمة ، مشددين على أن حصول تونس على موافقة الصندوق تظل صعبة للغاية في ظل الازمة المالية الصعبة التي تعيشها البلاد منذ نحو عقد من الزمن، الا انه رغم هذه الصعوبات فإن هناك بعض البدائل التي يمكن لتونس استغلالها للخروج بأخف الاضرار ، وهي تستدعي أيضا اطلاق جملة من المفاوضات لتأجيل سداد الديون الثنائية للدولة التونسية ، وكذلك وضع برنامج طارئ للمالية العمومية يمتد على مدى 3 سنوات لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار.
وحذر المستشار والوزير السابق المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي ، من اللجوء للصندوق النقد الدولي دون الالتزام بالاصلاحات المطلوبة من الدولة التونسية ، والتي دفعت بالصندوق الى تجميد المفاوضات معها في مناسبتين الاولى في سنة 2013 والثانية للقرض الثاني المتفق عليه في 2016، معتبرا ان هذه الاخفاقات ناتجة عن عدة عوامل كبرى انطلقت منذ سنة 2015 بعد الزيادات في الاجور الموقعة من قبل حكومة الحبيب الصيد والثانية مع حكومة يوسف الشاهد ، وهذه العوامل هي السبب الرئيسي في تجميد القرض الثاني المتفق مع تونس في سنة 2016 وخاصة القسط الاخير من برنامج القرض.
وشدد الراجحي انه منذ اكتوبر وسبتمبر 2019 ، توقفت المفاوضات الجدية مع صندوق النقد الدولي، وخيرت الحكومة انذاك الحصول على مساعدات مالية من الصندوق لمجابهة جائحة كورونا ، مشيرا الى ان أبرز عامل ألحق أضرارا في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ، التجاذبات السياسية منذ 2016 والى غاية اليوم ، بالاضافة الى العمليات الارهابية التي شهدتها بلادنا منذ تلك الفترة ،والتي أثرت بشكل مباشر في علاقتنا مع المؤسسات الدولية المانحة وخاصة صندوق النقد الدولي.
اتفاقيتان وراء الازمة المالية
وبين الراجحي ان الاتفاقيتين الموقعتين في سنتي 2015 و2018 ، والمتعلقة بالزيادات في الاجور ، كانتا الضربة القاصمة التي تسببت في انهيار المالية العمومية، وأدت الى استنزاف موارد الدولة، وبالتالي انهيار الاقتصاد الوطني ، مبرزا ان الجميع كان يعلم جيدا ما ستؤول اليه الاوضاع في البلاد، والوصول بنا الى هذه المرحلة من الانهيار على كافة الاصعدة ، مبرزا في ذات السياق ان صندوق النقد الدولي ينتظر منا اليوم استخلاص العبر من هذه الاخطاء والمضي نحو الرفع من نسق الاصلاحات للخروج من هذه الازمة.
من جهته، أفاد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي محمد سويلم، ان علاقات تونس مع صندوق النقد الدولي كانت مناسبتية في الماضي والى حدود سنة 2010 ، وأبرزها قرض سنة 1986 الذي تحصلت عليه تونس في تلك الفترة ، مشيرا الى ان هذه المؤسسة النقدية التي تم بعثها سنة 1944، كانت لإصلاح عديد الاختلالات المالية في أغلب البلدان في العالم وخاصة في موازين المدفوعات واستقرار أسعار صرف العملات.
واضاف سويلم بالقول انه نتيجة لذلك أصبح صندوق النقد الدولي احد أهم المؤسسات المالية في العالم ، وبإمكانه التدخل في تعديل السياسات النقدية للدول وتوجيهها نحو اتخاذ حزمة من الاصلاحات الضرورية ، مشددا على أنه في كل سنة تقوم لجنة من الصندوق بزيارة العديد من الدول واجراء المفاوضات مع ممثليها ، وهذه اللجان تزور تونس سنويا مرة أو مرتين للوقوف على الاصلاحات المطلوبة منا، وتونس ليست الاستثناء بل جميع دول العالم تستقبل هذه اللجان التي تعد فيما بعد تقريرا مفصلا عن الاوضاع الاقتصادية بدول الاعضاء، وتدرس هذه اللجان ميزان المدفوعات في هذه الدول والمالية العمومية وسياساتها النقدية.
وأوضح سويلم ، ان من بين الاسباب التي كانت وراء لجوء بلادنا الى خدمات الصندوق ، عدم وجود اصلاحات سياسية رائدة منذ سنة 2011 ، معتبرا ان ذلك أدى الى ظهور الازمات الاقتصادية والمالية في بلادنا.
مهمة صعبة للوفد التونسي في واشنطن
وابرز سويلم انه لو لا الاخطاء السياسية التي ظهرت بالبلاد منذ 2011، ما كانت الاوضاع ستسوء ونلجأ الى صندوق النقد الدولي، معتبرا ان البلاد تزخر بالكفاءات وليست في حاجة الى أي برامج اصلاحية من الخارج، منتقدا في هذا السياق ما راج حول تقديم تونس لبرنامجها الاقتصادي للصندوق، والذي اعتبره سويلم مسيء للدولة التونسية، حيث انها مطالبة بتقديم مجرد اقتراحات على الصندوق وان تكون حذرة في طرحها.
واستنكر المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي ، الدعوات التي تطالب بالذهاب الى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية، مؤكدا انه بإمكان تونس اللجوء الى البنوك الخارجية والمؤسسات المالية العالمية للحصول على مواردها من الاقتراض، كما استبعد سويلم ان ينجح الوفد التونسي الى مقر صندوق النقد الدولي في مهمته والحصول على موافقته، داعيا في هذا الصدد الى عدم الاقتصار على دعم الصندوق وربط مصير انقاذ البلاد معه، فالحلول متوفرة وفرصة الانقاذ مازالت موجودة، وبإمكاننا الخروج الى الاسواق المالية العالمية ونتحمل الكلفة المشطة، وبالتالي انقاذ المالية العمومية من الانهيار.
بدوره أرجع وزير المالية السابق حكيم حمودة لجوء تونس في أكثر من مناسبة الى صندوق النقد الدولي الى أزمة نمط الهيكلية او اخفاق برامج الاصلاح الهيكلية والتي تتعلق اساسا بالتشجيع على الصناعات الذكية وتغيير نمط الاقتصاد التونسي، بالاضافة الى أزمة التوازنات المالية والتي انطلقت منذ سنة 2011 وكان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني ، ادت في سنة 2019 الى تسجل ضعف في نسبة النمو بلغ 1 بالمائة فقط ، واختلال كبير في التوازنات المالية ما جعل الدولة تمر بوضعية جد حرجة، ازدادت حدتها مع ظهور جائحة كوفيد-19 خلال سنة 2020 وتسجيل اسوء انكماش اقتصادي تاريخي، لم تشهد البلاد مثله وبلغ 8.8 بالمائة سلبي مع نهاية العام 2020.
موارد الاقتراض غير كافية والدولة شبه عاجزة
وانتقد بن حمودة الاصوات المستغربة للجوء تونس الى الصندوق الدولي ، موضحا ان بلادنا هي عضو فاعل في الصندوق منذ 1957 وتمتعت بدعم تقني ومالي سابق، مبرزا انه وفي حال وافق الصندوق على مطلب تونس ، فإن الاموال المتحصل عليها غير كافية للتخفيف من الازمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد في الآونة الاخيرة.
وشدد حكيم بن حمودة على ضرورة التعاون مع صندوق النقد الدولي خاصة ،وان البلاد تمر فعلا بمرحلة حرجة تستدعي وضع سياسات مالية تستجيب لمتطلبات المرحلة وانقاذ الاقتصاد من الانهيار ، مجددا تأكيده على ان الاموال المسندة من الصندوق ليست كافية لإنقاذ المالية العمومية للبلاد.
وفي كلمته، عدد الجامعي وأستاذ الاقتصاد معز السوسي، أسباب لجوء تونس الى صندوق النقد الدولي ، معتبرا انه من أبرز الاسباب التي دفعت بنا الى هذا الخيار، تسجيل نسبة انكماش اقتصادي غير مسبوقة وتراجع الاستثمار ونسق الادخار، بالاضافة الى تفاقم العجز العمومي الى-11.7 بالمائة سنة 2020 ،وارتفاع المديونية الى 88٪ مع موفى سنة 2020 ، وتراجع الموارد الذاتية والجبائية للدولة.
وأوضح السوسي ان الموارد المالية التي في حال نجحت تونس في الحصول عليها من صندوق النقد الدولي، تبقى غير كافية، مستغربا في الآن ذاته ، تواصل المشاحنات والتجاذبات السياسية ، في مرحلة دقيقة وحساسة تمر بها البلاد، تتزامن مع أزمة صحية وبوادر انهيار الاقتصاد الوطني.
وكشف الخبير في الشأن الاقتصادي ، من جهة أخرى، أن الدولة اليوم أصبحت شبه عاجزة، ودفع هذ الامر من الحكومة الى البحث عن فرصة انقاذ أخيرة من صندوق النقد الدولي، معتبرا حصول بلادنا على تمويلات هو رهين ما ستقدمه خلال المفاوضات من اصلاحات يطلبها الصندوق.
وكشف معز السوسي ، ان تونس في حاجة اليوم الى قروض بأكثر من 19.5 مليار دينار نصفها قروض خارجية، وحتى لو تمكنت من الحصول على الموارد مالية من الصندوق، فان هذا لا يكفي من تجنب انهيار المالية العمومية مستقبلا.
صعوبة المرحلة القادمة والحلول
وقدم السوسي جملة من التوصيات التي تقود الى اصلاحات مهمة في المرحلة القادمة، اهمها الإيقاف الفوري لكافة الاتفاقيات التي لها تأثير مالي على جميع القطاعات العمومية وترحيلها ، والتخفيض في نسبة الفائدة المديرية الى حدود 4 ٪ ورفع جميع القيود على كافة القروض لدفع الاستثمار ، وتوجيه الدعم الى مستحقيه ، وتكليف لجان تدرس وضعية المنشآت العمومية وتحرير قيودها البيروقراطية مع تفعيل دور مجلس المؤسسة داخلها، وفك مشكل الديون المتراكمة، والشروع فورا في تأجيل خلاص القروض الثنائية والتي تمثل 16 بالمائة من مجموع الديون العمومية ما يحقق لبلادنا قرابة 2880 مليار دينار من اصل 11.5 مليار دينار نحن بصدد البحث عن حلول لتوفيرهم، والتفاوض بخصوص تأجيل خلاص قروض متعددة الاطراف تمثل 52٪ من الديون العمومية وتحويلهم الى مشاريع استثمارية، بما يتيح اعادة تشغيل حركة الانتاج والدفع بنسب النمو.
من جهته، لمح الاستاذ الجامعي أيمن بوغانمي، الى صعوبة المرحلة الحالية والتي أجبرت بلادنا على الذهاب الى صندوق النقد الدولي خشية انهيار المالية العمومية، وصعوبة القيام بإصلاحات داخلية ، واستحالة ذلك ، في ظل قراءات تؤكد عدم وجود نوايا سياسية للقبول بإصلاحات تأتي من الداخل.
واعتبر بوغانمي ان جزءا من الازمة التي تمر بها بلادنا اليوم ناجم عن غياب اصلاحات هيكلية ممنهجة، محملا النخب السياسية في تونس المسؤولية الكاملة للانهيار المالي والاقتصادي ، كما حذر البوغانمي من مواصلة انفلات نفقات الدولة وتعطيل الاصلاحات الهيكلية، متهما النقابات العمالية بالضلوع في جزء منها.
واضاف ايمن بوغانمي، انه منذ سنة 2011، فإن الوضع الاقتصادي لم يتغير، في حين فقد الوضع السياسي كل قدرة على «عقلنة» النقاش، معتبرا اننا اذا لم نمض في الاصلاحات مبكرا ، فأن مصيرنا هو الانهيار، داعيا في ذات السياق الى ضرورة الفصل بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية والمرور بسرعة لتنفيذ كافة الاصلاحات المطلوبة.
◗ سفيان المهداوي