إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خلال ورشة تفاعلية.. دعوة الى توحيد تصور لإنقاذ الصحافة المكتوبة.. ومواكبة التحولات الرقمية

* الباحث في مجال الميديا الاجتماعية والميديا الجديدة خليل الجلاصي: الصحافة الورقية مطالبة اليوم بالتجديد والتطوير

*المدير التنفيذي لجامعة مديري الصحف محمد العروسي بن صالح: المؤسسات الإعلامية مطالبة بتوفير كل إمكانيات العمل الرقمي

تونس-الصباح

نظمت يوم أمس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ورشة تفاعلية حول الصحافة المكتوبة والإلكترونية وقضايا الانتقال الرقمي، وذلك بمشاركة ممثلين عن أصحاب المصلحة من أصحاب مؤسسات وهياكل مهنية وصحفيين..، وتهدف الورشة وفقا لنقابة الصحفيين إلى توحيد تصور لإنقاذ الصحافة المكتوبة وتأمين انتقال رقمي يضمن ديمومة المؤسسات ويحمي العاملين فيها..

وأكد الباحث في مجال الميديا الاجتماعية والميديا الجديدة، الدكتور خليل الجلاصي، خلال مشاركته في الورشة التفاعلية، على أن الانتقال الرقمي للصحف الورقية أصبح حتميا معتبرا أنه لا يمكن للصحافة في تونس أن تتطور دون مواكبة هذا التحول الرقمي.

تطوير المحتوى

وبين الجلاصي أنه لا يمكن الحديث عن رقابة المحتويات الإخبارية المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي وإنما نتحدث عن تنظيم وتعديل المنصات الاجتماعية لأن التجاوزات خطيرة خاصة وأن تونس تعيش مرحلة دقيقة ومقبلة على مسار انتخابي واستفتاء وأن هذه المنصات أصبحت بيئة اجتماعية مهمة للتضليل الإعلامي، وفق تقديره.

وأشار الجلاصي، إلى أن الصحافة الورقية مطالبة اليوم بالتجديد والتطوير وذلك من خلال تطوير المحتوى بمواكبة التحولات الرقمية، وصولا إلى مسار إنتاج المحتويات الإخبارية المتنوعة والانفتاح على الجماهير عبر شبكات التواصل الاجتماعي والعمل على صحافة الجودة التي تقوم بالأساس على التحقيق والتدقيق والتحري والتفسير..، وأشار خليل الجلاصي في ذات السياق إلى غياب التشريعات المنظمة للصحافة الالكترونية في تونس وهو ما يطرح تساؤلات عديدة بخصوص السياسات العمومية للدولة التونسية في مجال الإعلام.

بدوره المدير التنفيذي للجامعة التونسية لمديري الصحف محمد العروسي بن صالح، أكد في ذات اللقاء إن ما تبقى من الصحافة الورقية آيل إلى الاندثار بسبب ضعف الإقبال عليها وتخلي الدولة عن مساعدة هذه الصحف عبر اقتناء حصصها للهياكل والمؤسسات العمومية أو عبر الإشهار العمومي الذي يقع توزيعه بين مختلق الصحف.

وأكد بن صالح على أن الصحف الورقية لم تنجح إلى حد الآن من تحقيق الانتقال الرقمي، مشددا على ضرورة توفير المؤسسات الإعلامية كل إمكانيات العمل الرقمي على غرار الحواسيب والهواتف الذكية من جهة وعلى الصحفي تعلم تقنيات العمل الرقمي كالتصوير والمونتاج من جهة أخرى...

فترة حرجة ودقيقة

وقال محمد ياسين الجلاصي، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في تصدير كتاب السياسات العمومية الاعلامية: المفهوم والمجالات والمشكلات، الذي نشرته نقابة الصحفيين قبل فترة "تعيش بلادنا فترة حرجة ودقيقة تتداخل فيها الرهانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولا شك أن ما يعرفه الانتقال السياسي من عطالة وما تعرفه الحياة السياسية من أزمات لا تنتهي هو نتيجة حتمية لغياب سياسات الإصلاح في كل المجالات. وفي مجال الإعلام تحديدا عملت الحكومات المتعاقبة بل وكل النخب السياسية على إهمال المشاريع والإصلاحية. والنتيجة أن قطاع الإعلام يعيش اليوم حالة من التردي لم يبلغها من قبل. فمؤسسات الإعلام تعرف أزمات متعددة الأوجه. كما يعاني الصحفيون والصحفيات في كل القطاعات من أوضاع المهنية صعبة.

وأمام هذا الوضع الخطير الذي يهدد وجود الصحافة كمهنة ومؤسسات الإعلام العمومي والخاص على السواء، انطلقت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في مبادرة فريدة تتمثل في استراتيجية متكاملة لفرض مطلب الإصلاح على النخبة السياسية وعلى الحكومة وعلى كل مؤسسات قطاع الإعلام إيمانا منها بأن الإصلاح أصبح مطلب ضروريا ومستعجلا. وإذا تطرح النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مطلب الإصلاح فإنها لا تدّعي بالمرة، على عكس ما يعتقد البعض، أنها تريد الاستئثار بقياده، بل إن مطمح النقابة الرئيسي يتمثل في تحويل مطلب إصلاح الإعلام إلى مشغل سياسي أساسي وإلى موضوع لسياسة عمومية.

إن إصلاح الإعلام كما تؤكد مختلف المساهمات في هذا الكتاب يجب أن يتحول إلى سياسة عمومية تنتهجها الحكومة وفق مقاربة واضحة المعالم وتعمل على تفعيلها مؤسّسات الدولة المختلفة في إطار مقاربة تشاركية مع البرلمان بما أنه المؤسسة الرئيسية التي تقوم عليها الديمقراطية، وبالتشاور مع المهنة بما أنها أمينة على حق التونسيين في إعلام يخدم الحياة العامة والصالح العام.

إن إصلاح الإعلام هو مسؤولية الدولة بكامل مؤسساتها (السلطة التنفيذية، البرلمان، الهيئات المستقلة) ولكنه يشمل أيضا الهياكل المتداخلة في قطاع الإعلام من ممثلي الصحفيين والأعراف والمهن غير الصحفية والأكاديميين والخبراء. وهذا الإصلاح تنفذه الحكومة وتضع له مقاربة شاملة ومتكاملة وتشاركية.

لكن السياق الحالي يتسم بغياب اهتمام الحكومة بقطاع الإعلام ولا مبالاة النخب السياسية، مع مواصلة نفس النهج والممارسة السياسية التي تسعى إلى تطويعه الإعلام وتدجينه وفق مقاربة انتهازية، وهو الذي يحتم على المهنة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية وإطلاق مسار إصلاح الإعلام بشكل شمولي وفق مقاربة تقوم على القيم الكونية لحرية الصحافة وحق التونسيين والتونسيات في إعلام مهني قوي يقوم بأدواره الحقيقية".

السياسات العمومية للإعلام

يعرف “قامـوس السياسـات العموميـة، السياسـة العموميـة باعتبارها ”ظاهــرة اجتماعيـة وسياسية مخصوصة قائمــة علــى مقتضيات عمليــة ومقاربــات تحليليـة”. ويمكـن أن نعــرف أيضــا السياســة العموميـة باعتبار هــا "برنامجا حكوميـا فــي مجــال معيــن أو فــي فضــاء جغرافي"، ويحيل مصطلح السياسات العمومية لقطاع الإعلام على الاستراتيجية المتبعة من قبل الدولة التونسية بمعية الهياكل المهنية على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وذلك لرسم خارطة طريق تبسط أرضية ملائمة لممارسة المهنة وتراعي في الآن ذاته جودة المضامين الإعلامية وديمومة المؤسسة الإعلامية سواء كانت عمومية أو خاصة، سمعية بصرية أو مكتوبة أو إلكترونية. وجود ترسانة من التشريعات التعديلية التي تضمن حرية التعبير والرأي والإعلام وتحقق ديمومة المؤسسات الإعلامية ماليا واقتصاديا مع تنظيم المساعدات العمومية والإشهار من جهة والكرامة المهنية للصحفي حتى يبدع ويتميز في مجال عمله. تقتضي السياسة العمومية برنامجا حكوميا يتسم بالعملية والقدرة على التغيير. كما تتحمل الدول بموجب القانون الدولي مسؤولية إرساء أرضية قانونية عبر تشريعات تنظم القطاع وتنظيمية عبر الهياكل التعديلية على غرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ، وذلك من أجل تطور مشهد إعلامي حر ونزيه شفاف يضمن التعدد والتنوع والمنافسة الإعلامية النزيهة...

حوكمة جديدة لقطاع الإعلام

ويشار إلى أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، قد أنجزت دراسة عن "السياسة العموميّة الإعلاميّة من منظور الصحفيّين والفاعلين في قطاع الإعلام"، تناولت عدّة مسائل على غرار تعريف السياسات العمومية بشكل عام وبيان أهميتها ومضامينها وآليات حوكمتها. واعتمدت الدراسة (التي أنجزت في نوفمبر-ديسمبر 2020) على منهجية مزجت بين المنهج الكمّي والكيفي بواسطة استطلاع رأي لمعرفة اتجاهات الصحفيين إزاء قضايا السياسات العمومية. كما وظّفت الدراسة تقنيات المنهج الكيفي (المقابلات نصف الموجّهة) لاستكشاف تمثلات الفاعلين المهنيين (نقابات).

وقد خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج منها خاصة، اولا منها، أن الفاعلين المهنيين ينظرون إلى السياسات العموميّة للإعلام باعتبارها "خيارات عامة تضعها الدولة ومؤسّساتها"، و"استراتيجية" على "المدى القصير والطويل"، و"أولويّات "، و"إرادة سياسيّة". وهي تجسيد لـ"خيارات الدستور". وهي تقوم على شرعيّة مخصوصة أي "شرعيّة الدستور". وهناك تأكيد أيضا على أنّ السياسات العموميّة يجب أن تكون ذات "طابع تشاركي" وقائمة على "الوضوح" و"العدل" و"الإنصاف". وتستجيب هذه التعريفات بشكل عام مع التعريفات التي تقدّمها عادة الأدبيّات النظريّة والدوليّة للسياسات العامة. وثانيا، يُجمع الفاعلون في القطاع على توصيف سلبيّ جدّا لحالة الإعلام الراهنة، إذ ينظر إليه باعتباره إعلاما يعيش أزمة عميقة وشاملة بسبب غياب الإصلاح، مما يمنع الصحفيين من أداء أدوارهم.

ومن النتائج السياسية التي تمخّضت عن الدراسة الحاجة إلى حوكمة جديدة لقطاع الإعلام برمته. فإجماع الصحفيّين والفاعلين المهنيّين على أن تكون إدارة السياسة العموميّة من قبل هيكل مستقلّ يمكن أن تكون تعبيرا عن الحاجة الأكيدة إلى حماية الإعلام من تلاعب الحكومة والفاعلين السياسيين به. وثالثا، تبين الدراسة أن المهنيين أدركوا ضرورة التمييز بين أدوار الحكومات وأدوار الدولة. فالسياسة العموميّة يمكن أن تشارك في تصوّرها ووضعها الحكومة، وأيضا أطراف أخرى على غرار البرلمان مثلا، إضافة إلى المنظّمات المهنيّة. وهذا التمييز الذي أصبح جليّا في تمثّلات الصحفيّين والفاعلين للسياسات العموميّة يمثّل عنصرا أساسيا لعودة الدولة باعتبارها مسؤولة عن توفير البيئة المواتية والموارد الضروريّة حتى يقوم الإعلام بدوره. وفي هذا الإطار يُجمع الصحفيّون وكل الفاعلين المشاركين في عيّنة الدراسة على أنّ إدارة السياسات العموميّة يجب أن تفرد لها مصلحة أو إدارة خاصّة ومستقلّة في شكل هيكل عمومي وغير حكومي.

أما رابعا، تمثّل الصحافة المكتوبة القطاع الذي يجب أن يحظى أكثر من غيره بمساعدة الدولة وهو القطاع الذي يقدّم دائما على أنّه المثال الأحسن على ضرورة وضع سياسة عموميّة لصالح الإعلام. وعلى هذا النحو يمكن أن نفهم مشروعيّة دعم الدولة للإعلام الخاص من اتّجاهات الصحفيّين إزاء إشكاليّة الصحافة المكتوبة التي تمثّل القطاعات التي تحتاج أكثر من غيرها مساعدة من الدولة لضمان بقائها واستمراريّتها. لكن في الوقت ذاته هناك تأكيد على أنّ قطاعات أخرى، على غرار الصحافة الرقميّة ورقمنة الإعلام الجمعياتي، تحتاج بدورها إلى الدعم. وخامسا، فقد كشفت الدراسة عن تمثل مشترك لدى الصحفيّين والفاعلين في القطاع الذين أضحوا يعتبرون أن الصحافة والإعلام مرفقا عموميّا يحتاج رعاية من الدولة. مما يعكس تحولا في تمثّلات أدوار الدولة: من تمثّل تقليديّ كانت الدولة فيه "سلطويّة" و"دكتاتوريّة" و"مفترسة" للمهنة نحو تمثل جديد تصبح فيه الدولة ناظمة وراعية للإعلام باعتباره مرفقا عموميّا أساسيّا. وسادسا تتبيّن لنا من المعطيات الكمية المتوفّرة أنّ مشاغل الأوساط المهنيّة هي (حسب الترتيب التفاضلي) عمليّة الإصلاح (الإعلام العمومي) وتنظيم الإشهار العمومي وتطوير منظومة التكوين ودعم مجلس الصحافة ودعم مبادرات لإطلاق مشاريع صحفيّة مبتكرة وتنظيم التدريب المهني الخاص.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، قد استقبل يوم الإثنين 23 ماي 2022 بمقر الوزارة، كل من المدير التنفيذي للجامعة التونسية لمديري الصحف محمد العروسي بن صالح وممثل الجامعة العامة للإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل محمد الهادي الطرشوني. وتمّ خلال هذا اللقاء استعراض النّقاط التمهيدية لإمضاء اتفاق الزيادة في الأجور في قطاعي الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية قريبا.

صلاح الدين كريمي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلال ورشة تفاعلية.. دعوة الى توحيد تصور لإنقاذ الصحافة المكتوبة.. ومواكبة التحولات الرقمية

* الباحث في مجال الميديا الاجتماعية والميديا الجديدة خليل الجلاصي: الصحافة الورقية مطالبة اليوم بالتجديد والتطوير

*المدير التنفيذي لجامعة مديري الصحف محمد العروسي بن صالح: المؤسسات الإعلامية مطالبة بتوفير كل إمكانيات العمل الرقمي

تونس-الصباح

نظمت يوم أمس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ورشة تفاعلية حول الصحافة المكتوبة والإلكترونية وقضايا الانتقال الرقمي، وذلك بمشاركة ممثلين عن أصحاب المصلحة من أصحاب مؤسسات وهياكل مهنية وصحفيين..، وتهدف الورشة وفقا لنقابة الصحفيين إلى توحيد تصور لإنقاذ الصحافة المكتوبة وتأمين انتقال رقمي يضمن ديمومة المؤسسات ويحمي العاملين فيها..

وأكد الباحث في مجال الميديا الاجتماعية والميديا الجديدة، الدكتور خليل الجلاصي، خلال مشاركته في الورشة التفاعلية، على أن الانتقال الرقمي للصحف الورقية أصبح حتميا معتبرا أنه لا يمكن للصحافة في تونس أن تتطور دون مواكبة هذا التحول الرقمي.

تطوير المحتوى

وبين الجلاصي أنه لا يمكن الحديث عن رقابة المحتويات الإخبارية المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي وإنما نتحدث عن تنظيم وتعديل المنصات الاجتماعية لأن التجاوزات خطيرة خاصة وأن تونس تعيش مرحلة دقيقة ومقبلة على مسار انتخابي واستفتاء وأن هذه المنصات أصبحت بيئة اجتماعية مهمة للتضليل الإعلامي، وفق تقديره.

وأشار الجلاصي، إلى أن الصحافة الورقية مطالبة اليوم بالتجديد والتطوير وذلك من خلال تطوير المحتوى بمواكبة التحولات الرقمية، وصولا إلى مسار إنتاج المحتويات الإخبارية المتنوعة والانفتاح على الجماهير عبر شبكات التواصل الاجتماعي والعمل على صحافة الجودة التي تقوم بالأساس على التحقيق والتدقيق والتحري والتفسير..، وأشار خليل الجلاصي في ذات السياق إلى غياب التشريعات المنظمة للصحافة الالكترونية في تونس وهو ما يطرح تساؤلات عديدة بخصوص السياسات العمومية للدولة التونسية في مجال الإعلام.

بدوره المدير التنفيذي للجامعة التونسية لمديري الصحف محمد العروسي بن صالح، أكد في ذات اللقاء إن ما تبقى من الصحافة الورقية آيل إلى الاندثار بسبب ضعف الإقبال عليها وتخلي الدولة عن مساعدة هذه الصحف عبر اقتناء حصصها للهياكل والمؤسسات العمومية أو عبر الإشهار العمومي الذي يقع توزيعه بين مختلق الصحف.

وأكد بن صالح على أن الصحف الورقية لم تنجح إلى حد الآن من تحقيق الانتقال الرقمي، مشددا على ضرورة توفير المؤسسات الإعلامية كل إمكانيات العمل الرقمي على غرار الحواسيب والهواتف الذكية من جهة وعلى الصحفي تعلم تقنيات العمل الرقمي كالتصوير والمونتاج من جهة أخرى...

فترة حرجة ودقيقة

وقال محمد ياسين الجلاصي، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في تصدير كتاب السياسات العمومية الاعلامية: المفهوم والمجالات والمشكلات، الذي نشرته نقابة الصحفيين قبل فترة "تعيش بلادنا فترة حرجة ودقيقة تتداخل فيها الرهانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولا شك أن ما يعرفه الانتقال السياسي من عطالة وما تعرفه الحياة السياسية من أزمات لا تنتهي هو نتيجة حتمية لغياب سياسات الإصلاح في كل المجالات. وفي مجال الإعلام تحديدا عملت الحكومات المتعاقبة بل وكل النخب السياسية على إهمال المشاريع والإصلاحية. والنتيجة أن قطاع الإعلام يعيش اليوم حالة من التردي لم يبلغها من قبل. فمؤسسات الإعلام تعرف أزمات متعددة الأوجه. كما يعاني الصحفيون والصحفيات في كل القطاعات من أوضاع المهنية صعبة.

وأمام هذا الوضع الخطير الذي يهدد وجود الصحافة كمهنة ومؤسسات الإعلام العمومي والخاص على السواء، انطلقت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في مبادرة فريدة تتمثل في استراتيجية متكاملة لفرض مطلب الإصلاح على النخبة السياسية وعلى الحكومة وعلى كل مؤسسات قطاع الإعلام إيمانا منها بأن الإصلاح أصبح مطلب ضروريا ومستعجلا. وإذا تطرح النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مطلب الإصلاح فإنها لا تدّعي بالمرة، على عكس ما يعتقد البعض، أنها تريد الاستئثار بقياده، بل إن مطمح النقابة الرئيسي يتمثل في تحويل مطلب إصلاح الإعلام إلى مشغل سياسي أساسي وإلى موضوع لسياسة عمومية.

إن إصلاح الإعلام كما تؤكد مختلف المساهمات في هذا الكتاب يجب أن يتحول إلى سياسة عمومية تنتهجها الحكومة وفق مقاربة واضحة المعالم وتعمل على تفعيلها مؤسّسات الدولة المختلفة في إطار مقاربة تشاركية مع البرلمان بما أنه المؤسسة الرئيسية التي تقوم عليها الديمقراطية، وبالتشاور مع المهنة بما أنها أمينة على حق التونسيين في إعلام يخدم الحياة العامة والصالح العام.

إن إصلاح الإعلام هو مسؤولية الدولة بكامل مؤسساتها (السلطة التنفيذية، البرلمان، الهيئات المستقلة) ولكنه يشمل أيضا الهياكل المتداخلة في قطاع الإعلام من ممثلي الصحفيين والأعراف والمهن غير الصحفية والأكاديميين والخبراء. وهذا الإصلاح تنفذه الحكومة وتضع له مقاربة شاملة ومتكاملة وتشاركية.

لكن السياق الحالي يتسم بغياب اهتمام الحكومة بقطاع الإعلام ولا مبالاة النخب السياسية، مع مواصلة نفس النهج والممارسة السياسية التي تسعى إلى تطويعه الإعلام وتدجينه وفق مقاربة انتهازية، وهو الذي يحتم على المهنة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية وإطلاق مسار إصلاح الإعلام بشكل شمولي وفق مقاربة تقوم على القيم الكونية لحرية الصحافة وحق التونسيين والتونسيات في إعلام مهني قوي يقوم بأدواره الحقيقية".

السياسات العمومية للإعلام

يعرف “قامـوس السياسـات العموميـة، السياسـة العموميـة باعتبارها ”ظاهــرة اجتماعيـة وسياسية مخصوصة قائمــة علــى مقتضيات عمليــة ومقاربــات تحليليـة”. ويمكـن أن نعــرف أيضــا السياســة العموميـة باعتبار هــا "برنامجا حكوميـا فــي مجــال معيــن أو فــي فضــاء جغرافي"، ويحيل مصطلح السياسات العمومية لقطاع الإعلام على الاستراتيجية المتبعة من قبل الدولة التونسية بمعية الهياكل المهنية على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وذلك لرسم خارطة طريق تبسط أرضية ملائمة لممارسة المهنة وتراعي في الآن ذاته جودة المضامين الإعلامية وديمومة المؤسسة الإعلامية سواء كانت عمومية أو خاصة، سمعية بصرية أو مكتوبة أو إلكترونية. وجود ترسانة من التشريعات التعديلية التي تضمن حرية التعبير والرأي والإعلام وتحقق ديمومة المؤسسات الإعلامية ماليا واقتصاديا مع تنظيم المساعدات العمومية والإشهار من جهة والكرامة المهنية للصحفي حتى يبدع ويتميز في مجال عمله. تقتضي السياسة العمومية برنامجا حكوميا يتسم بالعملية والقدرة على التغيير. كما تتحمل الدول بموجب القانون الدولي مسؤولية إرساء أرضية قانونية عبر تشريعات تنظم القطاع وتنظيمية عبر الهياكل التعديلية على غرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ، وذلك من أجل تطور مشهد إعلامي حر ونزيه شفاف يضمن التعدد والتنوع والمنافسة الإعلامية النزيهة...

حوكمة جديدة لقطاع الإعلام

ويشار إلى أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، قد أنجزت دراسة عن "السياسة العموميّة الإعلاميّة من منظور الصحفيّين والفاعلين في قطاع الإعلام"، تناولت عدّة مسائل على غرار تعريف السياسات العمومية بشكل عام وبيان أهميتها ومضامينها وآليات حوكمتها. واعتمدت الدراسة (التي أنجزت في نوفمبر-ديسمبر 2020) على منهجية مزجت بين المنهج الكمّي والكيفي بواسطة استطلاع رأي لمعرفة اتجاهات الصحفيين إزاء قضايا السياسات العمومية. كما وظّفت الدراسة تقنيات المنهج الكيفي (المقابلات نصف الموجّهة) لاستكشاف تمثلات الفاعلين المهنيين (نقابات).

وقد خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج منها خاصة، اولا منها، أن الفاعلين المهنيين ينظرون إلى السياسات العموميّة للإعلام باعتبارها "خيارات عامة تضعها الدولة ومؤسّساتها"، و"استراتيجية" على "المدى القصير والطويل"، و"أولويّات "، و"إرادة سياسيّة". وهي تجسيد لـ"خيارات الدستور". وهي تقوم على شرعيّة مخصوصة أي "شرعيّة الدستور". وهناك تأكيد أيضا على أنّ السياسات العموميّة يجب أن تكون ذات "طابع تشاركي" وقائمة على "الوضوح" و"العدل" و"الإنصاف". وتستجيب هذه التعريفات بشكل عام مع التعريفات التي تقدّمها عادة الأدبيّات النظريّة والدوليّة للسياسات العامة. وثانيا، يُجمع الفاعلون في القطاع على توصيف سلبيّ جدّا لحالة الإعلام الراهنة، إذ ينظر إليه باعتباره إعلاما يعيش أزمة عميقة وشاملة بسبب غياب الإصلاح، مما يمنع الصحفيين من أداء أدوارهم.

ومن النتائج السياسية التي تمخّضت عن الدراسة الحاجة إلى حوكمة جديدة لقطاع الإعلام برمته. فإجماع الصحفيّين والفاعلين المهنيّين على أن تكون إدارة السياسة العموميّة من قبل هيكل مستقلّ يمكن أن تكون تعبيرا عن الحاجة الأكيدة إلى حماية الإعلام من تلاعب الحكومة والفاعلين السياسيين به. وثالثا، تبين الدراسة أن المهنيين أدركوا ضرورة التمييز بين أدوار الحكومات وأدوار الدولة. فالسياسة العموميّة يمكن أن تشارك في تصوّرها ووضعها الحكومة، وأيضا أطراف أخرى على غرار البرلمان مثلا، إضافة إلى المنظّمات المهنيّة. وهذا التمييز الذي أصبح جليّا في تمثّلات الصحفيّين والفاعلين للسياسات العموميّة يمثّل عنصرا أساسيا لعودة الدولة باعتبارها مسؤولة عن توفير البيئة المواتية والموارد الضروريّة حتى يقوم الإعلام بدوره. وفي هذا الإطار يُجمع الصحفيّون وكل الفاعلين المشاركين في عيّنة الدراسة على أنّ إدارة السياسات العموميّة يجب أن تفرد لها مصلحة أو إدارة خاصّة ومستقلّة في شكل هيكل عمومي وغير حكومي.

أما رابعا، تمثّل الصحافة المكتوبة القطاع الذي يجب أن يحظى أكثر من غيره بمساعدة الدولة وهو القطاع الذي يقدّم دائما على أنّه المثال الأحسن على ضرورة وضع سياسة عموميّة لصالح الإعلام. وعلى هذا النحو يمكن أن نفهم مشروعيّة دعم الدولة للإعلام الخاص من اتّجاهات الصحفيّين إزاء إشكاليّة الصحافة المكتوبة التي تمثّل القطاعات التي تحتاج أكثر من غيرها مساعدة من الدولة لضمان بقائها واستمراريّتها. لكن في الوقت ذاته هناك تأكيد على أنّ قطاعات أخرى، على غرار الصحافة الرقميّة ورقمنة الإعلام الجمعياتي، تحتاج بدورها إلى الدعم. وخامسا، فقد كشفت الدراسة عن تمثل مشترك لدى الصحفيّين والفاعلين في القطاع الذين أضحوا يعتبرون أن الصحافة والإعلام مرفقا عموميّا يحتاج رعاية من الدولة. مما يعكس تحولا في تمثّلات أدوار الدولة: من تمثّل تقليديّ كانت الدولة فيه "سلطويّة" و"دكتاتوريّة" و"مفترسة" للمهنة نحو تمثل جديد تصبح فيه الدولة ناظمة وراعية للإعلام باعتباره مرفقا عموميّا أساسيّا. وسادسا تتبيّن لنا من المعطيات الكمية المتوفّرة أنّ مشاغل الأوساط المهنيّة هي (حسب الترتيب التفاضلي) عمليّة الإصلاح (الإعلام العمومي) وتنظيم الإشهار العمومي وتطوير منظومة التكوين ودعم مجلس الصحافة ودعم مبادرات لإطلاق مشاريع صحفيّة مبتكرة وتنظيم التدريب المهني الخاص.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، قد استقبل يوم الإثنين 23 ماي 2022 بمقر الوزارة، كل من المدير التنفيذي للجامعة التونسية لمديري الصحف محمد العروسي بن صالح وممثل الجامعة العامة للإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل محمد الهادي الطرشوني. وتمّ خلال هذا اللقاء استعراض النّقاط التمهيدية لإمضاء اتفاق الزيادة في الأجور في قطاعي الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية قريبا.

صلاح الدين كريمي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews