إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: في المحافظة على المحيط والعناية بالبيئة

 

 

بقلم: المنصف الحميدي(*)

تونس الخضراء، تسمية لهذه البلاد قبل الاستقلال وبعده؛ وتغنّى بها فريد الأطرش ذلك الموسيقار الكبير بكلمات من هام بها ابنها الخالد محمود بيرم التّونسي في بساط الرّيح، وذكرت أجنبية متزوّجة بتونسي أنّ تونس كانت جميلة خضراء والآن أصبحت متّسخة. هذه تونس، عاصمة البلاد تصبح اليوم هكذا فالعاصمة وكلّ مدن هذه الجمهوريّة تصبح قبيحة سمجة، فأينما ذهبت وحيثما حللت لاحظت أكداس القمامة وحاوياتها وبراميلها تفيض وسخا إلى جانب القطط الجائعة والكلاب السّائبة. لقد صار الأمر لا يطاق ولا يحتمل، وهذا وزر تتحمّله كلّ البلديّات على حدّ السّواء. ذلك أنّها هي المتسبّبة في تدهور المحيط وتردّي البيئة فلم تعد قادرة على رفع أطنان القمامة وفيها الكثير من هذه الجماعات ساهمت في هذه الحالة عن قصد وأخرى متعلّلة بعدم توفّر النّصاب من عملة النّظافة وكلّها أي البلديّات تمثّلها جماعات عاجزة عن التّسيير ورسم مخطّطات النّظافة وتوجيه العمّال وحسن توزيعهم بعد رصد بؤر الأوساخ ومواطن القمامة وفي بعض البلديّات أو جلّها ينصرف هؤلاء الذين يدّعون المساعدة والاستشارة البلدية حيث انخرطوا في أعمال سياسية عرجاء لا يقومون لها شكلا ولا جوهرا وفيهم من طلّق العمل البلدي وكان يريد تحقيق بعض الغايات فلم يجد ما يسدّ رمقه فرجع إلى جحره في سلبية متواصلة. وهكذا أصبحت حالة مدننا التي هي أمانة وضعها المواطنون بين أيديهم فأضاعوها ومنهم من مازال يحنّ إلى تبعيته لوزارة الشّؤون المحليّة الّتي حلّت والتحقت بوزارة الدّاخليّة وتبيّن أنّ البلديّة هي روح المدينة وقلبها النّابض وقد فكّر الخونة في إرساء هيئات تتبعهم وتأتمر بأوامرهم فتمّت تصفية المدن واغتيالها وظهر جليّا دور معتمد المدينة ومكانة الوالي قديما. ففي تحريك العمل البلدي وإدارة عجلاته وتوجيهها للحياة البيئية والارتقاء بها وتطويرها والأدهى والأمر أنّ بعض المعتمديات تحوي أعدادا مهولة من عملة الحضائر وأعوان البيئة والبستنة الذّين يحسب عددهم بالآلاف ويتحصّلون على أجور تفوق أجور رجال التّعليم المساعدين وحتّى متقاعدي شركة الفسفاط حيث قدّم هؤلاء جميعا تضحيّات جسام وعطاءً سخيّا وهؤلاء العمّال والأعوان لم يسهموا يوما في تنظيف المدينة أو غرسها شجرا ولو فعلوا من زمن انتدابهم إلى اليوم لأصبحت هذه المعتمديات غابات فيحاء ذات ظلّ ظليل وهواء يتجدّد، فأين نحن من كلّ هذا في زمن التسيّب والتنكّر للوطن والعمل على ترديه والاستخفاف به؟ وللمواطن كذلك يد طولى في كلّ هذا. فهو بعدم مبالاته واتكاله على الدّولة وإحجامه على دفع ما عليه والقيام بالذّود عن حيّه ومدينته وحبّها وتفضيلها عن المواطن الأخرى جعلته مواطنا ذا سلوكات سلبيّة وغير مكترث بتدهور محيطه وتردّي بيئته. هذه البيئة التي تعاني تلوّثا صناعيّا وشحّا في المياه وانقراض لفصائل من النباتات والكائنات الحيّة في هذه الحرارة الصّاعدة والمتواترة وهذا الاختلال الصّارخ للبيئة والذّي أتى على كلّ مقوّمات المحيط وعناصره والرأي عندي أن تقع محاسبة هذه المجموعات بصرامة واستبدال هذه الهياكل وحلّها وتنصيب نيابات خصوصيّة تعنى بالنظافة لوحدها وإشراك المؤسسات الصناعيّة وأصحاب المقاولات بإحداث تعاون لإقامة حملات نظافة فعليّة تدوم مدّة طويلة لرفع ما تكدّس من قمامة وفضلات بناء ومعاقبة المعتدين على الملك البلدي وجمع الأداءات على الرّصيف ومنع استغلال الطّرقات والفضاءات العامّة وتنظيم الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة وهيكلتها وتنظيم حفلات الأعراس والأفراح والتعاون مع رجال الأمن من تقنينها وجعلها مصدر تغذية للميزان البلدي حسب معاليم تدفع مسبّقا قبل منح رخص في ذلك لتحرير الأحياء من الضّجيج حتّى يعيش المواطن في بيئة نظيفة وهادئة تزرع فيه حبّ الحياة وبناء المستقبل وحياة صحيّة وآمنة تحفّزه على العطاء والإنتاج وتبعث فيه روح الأمل والتعلّق بموطنه وحبّه لبلاده وجعلها فضاءً يغري بالزّيارة والحياة بين أحضانه.

(*) إعلامي وكاتب

 

منتدى الصباح: في المحافظة على المحيط والعناية بالبيئة

 

 

بقلم: المنصف الحميدي(*)

تونس الخضراء، تسمية لهذه البلاد قبل الاستقلال وبعده؛ وتغنّى بها فريد الأطرش ذلك الموسيقار الكبير بكلمات من هام بها ابنها الخالد محمود بيرم التّونسي في بساط الرّيح، وذكرت أجنبية متزوّجة بتونسي أنّ تونس كانت جميلة خضراء والآن أصبحت متّسخة. هذه تونس، عاصمة البلاد تصبح اليوم هكذا فالعاصمة وكلّ مدن هذه الجمهوريّة تصبح قبيحة سمجة، فأينما ذهبت وحيثما حللت لاحظت أكداس القمامة وحاوياتها وبراميلها تفيض وسخا إلى جانب القطط الجائعة والكلاب السّائبة. لقد صار الأمر لا يطاق ولا يحتمل، وهذا وزر تتحمّله كلّ البلديّات على حدّ السّواء. ذلك أنّها هي المتسبّبة في تدهور المحيط وتردّي البيئة فلم تعد قادرة على رفع أطنان القمامة وفيها الكثير من هذه الجماعات ساهمت في هذه الحالة عن قصد وأخرى متعلّلة بعدم توفّر النّصاب من عملة النّظافة وكلّها أي البلديّات تمثّلها جماعات عاجزة عن التّسيير ورسم مخطّطات النّظافة وتوجيه العمّال وحسن توزيعهم بعد رصد بؤر الأوساخ ومواطن القمامة وفي بعض البلديّات أو جلّها ينصرف هؤلاء الذين يدّعون المساعدة والاستشارة البلدية حيث انخرطوا في أعمال سياسية عرجاء لا يقومون لها شكلا ولا جوهرا وفيهم من طلّق العمل البلدي وكان يريد تحقيق بعض الغايات فلم يجد ما يسدّ رمقه فرجع إلى جحره في سلبية متواصلة. وهكذا أصبحت حالة مدننا التي هي أمانة وضعها المواطنون بين أيديهم فأضاعوها ومنهم من مازال يحنّ إلى تبعيته لوزارة الشّؤون المحليّة الّتي حلّت والتحقت بوزارة الدّاخليّة وتبيّن أنّ البلديّة هي روح المدينة وقلبها النّابض وقد فكّر الخونة في إرساء هيئات تتبعهم وتأتمر بأوامرهم فتمّت تصفية المدن واغتيالها وظهر جليّا دور معتمد المدينة ومكانة الوالي قديما. ففي تحريك العمل البلدي وإدارة عجلاته وتوجيهها للحياة البيئية والارتقاء بها وتطويرها والأدهى والأمر أنّ بعض المعتمديات تحوي أعدادا مهولة من عملة الحضائر وأعوان البيئة والبستنة الذّين يحسب عددهم بالآلاف ويتحصّلون على أجور تفوق أجور رجال التّعليم المساعدين وحتّى متقاعدي شركة الفسفاط حيث قدّم هؤلاء جميعا تضحيّات جسام وعطاءً سخيّا وهؤلاء العمّال والأعوان لم يسهموا يوما في تنظيف المدينة أو غرسها شجرا ولو فعلوا من زمن انتدابهم إلى اليوم لأصبحت هذه المعتمديات غابات فيحاء ذات ظلّ ظليل وهواء يتجدّد، فأين نحن من كلّ هذا في زمن التسيّب والتنكّر للوطن والعمل على ترديه والاستخفاف به؟ وللمواطن كذلك يد طولى في كلّ هذا. فهو بعدم مبالاته واتكاله على الدّولة وإحجامه على دفع ما عليه والقيام بالذّود عن حيّه ومدينته وحبّها وتفضيلها عن المواطن الأخرى جعلته مواطنا ذا سلوكات سلبيّة وغير مكترث بتدهور محيطه وتردّي بيئته. هذه البيئة التي تعاني تلوّثا صناعيّا وشحّا في المياه وانقراض لفصائل من النباتات والكائنات الحيّة في هذه الحرارة الصّاعدة والمتواترة وهذا الاختلال الصّارخ للبيئة والذّي أتى على كلّ مقوّمات المحيط وعناصره والرأي عندي أن تقع محاسبة هذه المجموعات بصرامة واستبدال هذه الهياكل وحلّها وتنصيب نيابات خصوصيّة تعنى بالنظافة لوحدها وإشراك المؤسسات الصناعيّة وأصحاب المقاولات بإحداث تعاون لإقامة حملات نظافة فعليّة تدوم مدّة طويلة لرفع ما تكدّس من قمامة وفضلات بناء ومعاقبة المعتدين على الملك البلدي وجمع الأداءات على الرّصيف ومنع استغلال الطّرقات والفضاءات العامّة وتنظيم الأسواق اليوميّة والأسبوعيّة وهيكلتها وتنظيم حفلات الأعراس والأفراح والتعاون مع رجال الأمن من تقنينها وجعلها مصدر تغذية للميزان البلدي حسب معاليم تدفع مسبّقا قبل منح رخص في ذلك لتحرير الأحياء من الضّجيج حتّى يعيش المواطن في بيئة نظيفة وهادئة تزرع فيه حبّ الحياة وبناء المستقبل وحياة صحيّة وآمنة تحفّزه على العطاء والإنتاج وتبعث فيه روح الأمل والتعلّق بموطنه وحبّه لبلاده وجعلها فضاءً يغري بالزّيارة والحياة بين أحضانه.

(*) إعلامي وكاتب

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews