انتقد زكي الرحموني العضو السابق بالهيئة المستقلة للانتخابات، تصريحات نائب رئيس الهيئة الحالية بتشديده على تجريم أنشطة الدعاية للمقاطعة وتخويف وسائل الإعلام من استضافة المقاطعين أثناء الحملة، والتي جاءت – وفق تقديره- مفندة لما تم تبنيه في اجتماع مجلس الهيئة بموافقة جميع أعضائها.
وقال في حوار مطول مع "الصباح" إن هذه التصريحات تعتبر توجها معاديا للحريات، معاكسا لسياسة رئيس الجمهورية الذي دعا لإدماج المقاطعين للاستفتاء، ومحاولة لتخريب المسار من داخل هيئة الانتخابات بإثارة البلبلة والفزع والاشمئزاز..
كما انتقد الرحموني الإدارة الانتخابية، وتباطؤ الهيئة في استغلال الإمكانيات المتاحة لها لإنجاح مسار الاستفتاء وتطوير خطة اتصالية لتحفيز الناخبين على المشاركة فيه، خاصة بعد إزالة كافة العقبات القانونية والإدارية أمامها، مثمنا انفتاح مجلس الهيئة على خيار الشفافية بنقل جلساته بشكل مباشر، مقدما توصيات عاجلة تهدف إلى تعزيز الشفافية بالهيئات الفرعية، وإحكام مراقبة العملية الانتخابية خاصة بمراكز الاقتراع وبمراكز تجميع النتائج وفرزها..
في ما يلي نص الحوار:
التقاه: رفيق بن عبد الله
*بداية، كيف تقبلتم تضارب تصريحات أعضاء الهيئة في ما يتعلق بكيفية التعامل مع المقاطعين للاستفتاء؟
بخصوص مقاطعة الاستفتاء، فلئن كان مقترح سامي بن سلامة عضو مجلس الهيئة، وجيها باعتبار الولاية العامة للهيئة على الانتخابات والاستفتاء، بإدماج أنشطة المقاطعة ضمن أنشطة الحملة أي تطبيق نفس إجراءات المشاركة على المقاطعة، من أجل ضمان المساواة في الدعاية سواء للمشاركة أو للمقاطعة وبسط رقابة الهيئة على التمويل والحضور الإعلامي بما يضمن تكافؤ الفرص والصراع النزيه المتكافئ في كنف القانون.
إلا أن تصريحات نائب الرئيس جاءت مفندة لما تم تبنيه في الاجتماع بموافقة جميع أعضاء الهيئة بإثارة البلبلة والفزع والاشمئزاز بتشديده على تجريم أنشطة الدعاية للمقاطعة وتخويف وسائل الإعلام من استضافة المقاطعين أثناء الحملة، وهذا توجه معاد الحريات معاكس لسياسة رئيس الجمهورية الذي دعا لإدماج المقاطعين للاستفتاء ويمثل في تقديري محاولة لتخريب المسار من داخل هيئة الانتخابات وجب تداركه والتصدي له.
*كيف تقيم أداء هيئة الانتخابات في تركيبتها الجديدة منذ توليها مهامها؟
لا يمكن الحكم على أداء الهيئة في الوقت الراهن، ومع ذلك هناك سلبيات وايجابيات لا بد من الاعتراف بها، فمن بين النقائص البارزة التي لم توفق فيها الهيئة بعد، هي عجزها عن وضع خطة اتصالية وإعلامية واضحة متناغمة مع الوضع الاستثنائي والروزنامة الانتخابية وتعطش الرأي العام وجمهور الناخبين إلى المعلومة، فالهيئة لم توفق إلى اليوم في تنظيم حملة تفسيرية وتوعوية بخصوص مراحل الاستفتاء وقواعده وضوابطه والإجراءات المتخذة لتيسير تنظميه، حملة قادرة على تلبية انتظارات الناخبين ولكن أيضا جل الفاعلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني.
هناك ضعف فادح في الجانب الاتصالي للهيئة، من ذلك مثلا تباطؤ الهيئة في تركيز مركز نداء للعموم يتولى مهمة توضيح إجراءات الهيئة وتبسيط المعلومة والتدخل عند الاقتضاء لحل بعض المشاكل المتعلقة بالتسجيل وتغيير وتحيين مراكز الاقتراع، صديق لي بالخارج أراد تغيير مركز الاقتراع لكنه عجز عن ذلك لأن المنظومة الالكترونية غير جاهزة خاصة بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج.
ملاحظة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي تمسك الهيئة بتقاليد خاطئة في التسيير الإداري والتصرف اليومي، وهذا في اعتقادي خطأ، إذ لا يمكن حسب تقديري أن يتواصل العمل بالهيئة بأساليب تقليدية، في زمن تفاعلي رقمي يتم خلاله تبادل المعلومة بشكل حيني وسريع، زمن الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي..
مثلا لا أفهم لماذا تتمسك الهيئة بتقنية قديمة وهي القيام بإرسال إرساليات قصيرة للناخبين بشكل مكرر ومتواتر لحثهم على التثبت من تسجيلهم بمراكز الاقتراع، هذه الآلية لها آثار عكسية، فهي تساهم في إزعاج الناخبين ونفورهم من العملية الانتخابية برمتها.
.وما الحل برأيك؟
أكثر مشاكل الهيئة هي ذات طابع اتصالي وعدم استغلال التكنولوجيا الرقمية لاستنباط أفكار جديدة وثورية وغير مسبوقة للوصول إلى المتلقي بشكل تفاعلي وذكي، إذ كان يمكن لمجلس الهيئة مثلا الاستعانة بخبراء ومهندسين أو شباب متطوعين من خارج الهيئة واستشارتهم، من أجل التوصل إلى حلول تقنية جديدة.. لا بد أن تعمل الهيئة بشكل سريع على توفير المعلومة وحل المشاكل التي تعترض الناخبين بشكل حيني وفوري.
*هناك من يرى أن الهيئة ما تزال مكبلة بقوانين قديمة تجعلها عاجزة عن التحرك بشكل مرن والتعامل مع المستجدات المتعلقة بالشأن الانتخابي بسرعة ونجاعة؟ هل تتفق مع هذا الرأي؟
كان ذلك صحيحا قبل صدور المرسوم عدد 34 المنقح للقانون الانتخابي والاستفتاء عدد 16 لسنة 2014، هذا المرسوم حل تقريبا جل المشاكل القانونية والإدارية التي كانت مكبلة للهيئة ووفر لها تسهيلات تقنية ولوجيستية، مثل إرجاع تقنية التسجيل الآلي للناخبين، وفتح حق المشاركة في حملة الاستفتاء للعموم، وأعفت الهيئة من الخضوع المسبق لمجلة الصفقات العمومية، لكن الهيئة للأسف لم تستغل بشكل كامل وناجع التسهيلات القانونية والإدارية لتطوير أدائها..
أعتقد أن ما يعيق الهيئة حاليا هو هيمنة عقلية الإدارة التقنية التي تميل إلى التعقيد والتكبيل والتحرك في أطر قانونية ضيقة وتتحاشي الاجتهاد والتأويل الايجابي للنصوص وتوظيفها لتحقيق هدف مشترك هو إنجاح العملية الانتخابية والاستفتاء بشكل كامل خاصة أن عامل الوقت لا يلعب لصالح الهيئة..
*وماهي الجوانب الايجابية التي تميزت بها الهيئة؟
يمكن القول إن الهيئة قامت بإجراءات ايجابية تحسب لها، على غرار العمل على تكريس شفافية اجتماعات مجلس الهيئة ونقلها مباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، إجراء ساهم في وضوح آلية أخذ القرارات التي يتم التداول في شأنها داخل المجلس قبل عرضها على التصويت.
*هل تعتبر الهيئة مستقلة على جميع الفاعلين بما في ذلك السلطة التنفيذية؟
بحكم نصوص المراسيم التي صدرت مؤخرا سواء المنقحة لقانون الهيئة أو للقانون الانتخابي، يمكن القول إنها ساهمت في ضمان استقلالية الهيئة التي تمكنت من أخذ مساحة مهمة من الاستقلالية، السؤال هل السلطة تتدخل في عمل الهيئة وشؤونها أم لا؟، أنا لا أرى ذلك ولا ألاحظ، اللهمّ هناك أمور تحدث في الكواليس نجهلها.
*سبق أن انتقدت اللجوء إلى القضاة لإدارة الشأن الانتخابي، هل ما زلت على موقفك، وكيف تفاعلت مع استقالة عضو الهيئة القاضي؟
أنا على قناعة بأن القضاء عليه أن يكون بشكل عام على مسافة من العملية الانتخابية، أعتقد أن هناك خلطا كبيرا، بين تمسك القضاة بصفتهم القضائية وبين ممارسة مهامهم كأعضاء بهيئة الانتخابات أو بفروعها. كنت قد أكدت على ضرورة ألا يتمسك القضاة الأعضاء بمجلس الهيئة بصفتهم القضائية وإنما بعضويتهم وانتمائهم العضوي للهيئة.. للأسف جاءت استقالة قاض من مجلس الهيئة وتبريره للاستقالة لتؤكد رؤيتي، فعضو مجلس الهيئة سبّق صفته القضائية على عضويته بالهيئة، وبرّر استقالته تضامنا قطاعيا مع زملائه القضاة ودفاعا عن قانون أساسي للقضاة، وليس لأجل الدفاع عن الهيئة واستقلاليتها.
*لجنة البندقية اعتبرت في رأي استشاري أن المرسوم عدد 22 المنقح لقانون الهيئة غير شرعي ودعت إلى إلغائه.. ما رأيك في هذا ذلك؟
لجنة البندقية تنظر من زوايا مختلفة للمسألة الانتخابية، تاريخيا لم تعط اللجنة رأيها حين تم وضع قانون 23 المتعلق بالقانون الأساسي لهيئة الانتخابات سنة 2012 الذي نسف جل الصلاحيات التي كانت تضمن استقلالية الهيئة.
هناك مكسبان مهمان حصلا في فترة وجيزة، تسجيل الناخبين آليا، مما سيسمح بتسجيل أكثر من مليونين ونصف مليون ناخب جديد، وسيمكن هذا الإجراء من إقرار حق المشاركة في الحياة السياسية، والإجراء الثاني هو فتح المشاركة في الحملة للاستفتاء للعموم، هنا أتساءل: أين لجنة البندقية من هذه الإجراءات وهي التي انتقدت غياب حرية المشاركة؟
فرغم كل الاحترازات على المسار، نلاحظ تقدما مهما ونوعيا مقارنة بمنظومة ما قبل وضع الاستثناء في مستوى المشاركة سواء في ما يخص تسجيل الناخبين وأنه على مستوى النص على الأقل لم نعد نرى نوعين من المواطنين، نوع مسجل ونوع غير مسجل محروم من حق الانتخاب، لكن يظل الجانب التطبيقي في مدى نجاح الهيئة في القيام بما يجب عليها القيام به لضمان حقوق الناخبين في ممارسة حقهم في الاقتراع بتقريبهم من مراكز الاقتراع التي يرونها مناسبة لهم.
ويتعلق الجانب الثاني بالمشاركة في الحملة التي أصبحت مفتوحة ومضمونة للجميع، أحزابا، جمعيات، وأفرادا، بناء على شروط ميسرة، وبالمقارنة بين منظومة وضع الاستثناء وما قبلها نجد فرقا كبيرا في حقوق الناخب وفي حق المشاركة، علما أن المشاركة في حملة الاستفتاء كانت مقتصرة على الأحزاب البرلمانية فقط والانتخاب مقتصر على المسجلين فقط، وهذا الأمر في حد ذاته ثورة على مستوى الحقوق السياسية للمواطنين..
*ماهي حسب رأيك الضمانات الأخرى لإنجاح الاستفتاء؟
أرى أن حسن اختيار أعضاء الهيئات الفرعية للانتخابات من الضمانات المهمة لأي عملية انتخابية ناجحة، فهم سيتولون الإشراف على تفاصيل العملية الانتخابية وعلى تنظيم مكاتب الاقتراع في الجهات، خاصة أن المرسوم عدد 22 سمح بتواجد أعضاء سابقين بهيئات فرعية مما سيضمن عامل الخبرة والتواصل..
ضمانة أخرى لا تقل أهمية، وهو نسبة حضور الملاحظين في كافة مراحل العملية الانتخابية، خاصة داخل مكاتب الاقتراع، وهي من أكبر ضمانات الشفافية العملية الانتخابية. لا بد أن تعمل الهيئة منذ الآن على تفادي مشكل غياب أو نقص الملاحظين بمكاتب الاقتراع وتفكر في وضع حلول تقنية لدعم شفافية ما يجري داخل مكاتب الاقتراع التي لا يتوفر فيها ملاحظون مثل تأمين نقل مباشر وعلني لعملية فرز الأصوات قبل أن يتم وضعها في الكيس الأسود وإرسالها إلى مركز التجميع والفرز..
*هناك من يرى أن عدم تسقيف نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور الجديد قد يمس من نزاهة الاستفتاء ومصداقيته. ألا تتفق مع هذا الرأي؟
لا يوجد على حد علمي في البلدان الديمقراطية تسقيف لنسبة المشاركة في الاستفتاء حتى يعتبر ناجحا، فرنسا مثلا ليس لديها في قانونها تحديدا لنسبة المشاركة، باستثناء الاستفتاءات على حرية تقرير المصير التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في بعض الدول مثل جنوب السودان، وفي بعض الدول الاسكندينافية..
عموما، هذا لا ينفي أنه لدينا مشكل مشاركة في تونس، أعتقد أن نسبة مشاركة بأكثر من 50 بالمائة من الناخبين ستكون أفضل، ومن يحكم وبقطع النظر من هو، عليه أن يقرأ جيدا نتائج الانتخابات، فنتيجة الاستفتاء ستكون إما بتأييد مشروع الدستور أو رفضه، وفي كلتا الحالتين ستكون هناك استتباعات قانونية وسياسية..
*هل يمكن أن تؤدي نتيجة الاستفتاء بالرفض إلى سيناريوهات خطيرة لم يتم الاستعداد لها جيدا؟
أعتقد أنه في صورة رفض مشروع الدستور سوف لن يحدث فراغ دستوري، فدستور 2014 ما يزال قائما، وستتم العودة إليه والاحتكام إلى بعض فصوله للخروج من الوضع.
سياسيا رئيس الدولة عليه أن يقرأ جيدا نتائج الاستفتاء، يمكنه نظريا البقاء إلى غاية 2024 أو الاستقالة الفورية. شخصيا أتصور أنه سيستقيل.
*ما موقفك حاليا من الاستفتاء، هل ستشارك في الحملة هل أنت مع المؤيدين أم الرافضين؟
مبدئيا، أنا أنتظر النسخة النهائية لمشروع الدستور حتى أقرر موقفي بالتأييد أو بالرفض.
*ألا تعتقد أن الفترة الزمنية المخصصة لاتخاذ موقف من مشروع الدستور الجديد غير كافية؟
كان لدينا نظريا متسع للوقت لإعداد مشروع دستور جديد، منذ أن أعلن الرئيس روزنامة المواعيد الانتخابية في 13 ديسمبر 2021 كان يمكن وضع آليات الحوار الوطني والتفرغ لكتابة دستور في وقت موضوعي، في تونس ليس لنا تقاليد، في استغلال الوقت، كل شيء يتم بشكل متأخر وفي آخر لحظة..
*كيف تعلق على بعض تصريحات المنسق العام للهيئة الاستشارية العميد الصادق بلعيد بخصوص توجهات مشروع الدستور وملامحه الأولية؟
في خصوص ملامح الدستور الجديد، وبعد اطلاعي على ما نشر في جريدة "المغرب"، أرى انه يجب اختصاره والحفاظ على ما هو إيجابي فيه أي فكرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتعريفه وتوضيح علاقته بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ودوره في رسم التوجهات العامة السياسة الاقتصادية والاجتماعية.
أرى أن الدستور يجب أن يكون مختصرا يُنهي حالة تفتت السلطة ويرسي نظاما رئاسيا مسؤولا ويضع آلية رقابة على السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية..
*وهل يمكن أن يتضمن مشروع الدستور الجديد أحكاما تتعلق بنظام الاقتراع؟
أستبعد إقحام موضوع نظام الاقتراع صلب مشروع الدستور، أتوقع أن تتفرغ الهيئة الاستشارية لموضوع تنقيح القانون الانتخابي بعد 25 جويلية المقبل.
تونس- الصباح
انتقد زكي الرحموني العضو السابق بالهيئة المستقلة للانتخابات، تصريحات نائب رئيس الهيئة الحالية بتشديده على تجريم أنشطة الدعاية للمقاطعة وتخويف وسائل الإعلام من استضافة المقاطعين أثناء الحملة، والتي جاءت – وفق تقديره- مفندة لما تم تبنيه في اجتماع مجلس الهيئة بموافقة جميع أعضائها.
وقال في حوار مطول مع "الصباح" إن هذه التصريحات تعتبر توجها معاديا للحريات، معاكسا لسياسة رئيس الجمهورية الذي دعا لإدماج المقاطعين للاستفتاء، ومحاولة لتخريب المسار من داخل هيئة الانتخابات بإثارة البلبلة والفزع والاشمئزاز..
كما انتقد الرحموني الإدارة الانتخابية، وتباطؤ الهيئة في استغلال الإمكانيات المتاحة لها لإنجاح مسار الاستفتاء وتطوير خطة اتصالية لتحفيز الناخبين على المشاركة فيه، خاصة بعد إزالة كافة العقبات القانونية والإدارية أمامها، مثمنا انفتاح مجلس الهيئة على خيار الشفافية بنقل جلساته بشكل مباشر، مقدما توصيات عاجلة تهدف إلى تعزيز الشفافية بالهيئات الفرعية، وإحكام مراقبة العملية الانتخابية خاصة بمراكز الاقتراع وبمراكز تجميع النتائج وفرزها..
في ما يلي نص الحوار:
التقاه: رفيق بن عبد الله
*بداية، كيف تقبلتم تضارب تصريحات أعضاء الهيئة في ما يتعلق بكيفية التعامل مع المقاطعين للاستفتاء؟
بخصوص مقاطعة الاستفتاء، فلئن كان مقترح سامي بن سلامة عضو مجلس الهيئة، وجيها باعتبار الولاية العامة للهيئة على الانتخابات والاستفتاء، بإدماج أنشطة المقاطعة ضمن أنشطة الحملة أي تطبيق نفس إجراءات المشاركة على المقاطعة، من أجل ضمان المساواة في الدعاية سواء للمشاركة أو للمقاطعة وبسط رقابة الهيئة على التمويل والحضور الإعلامي بما يضمن تكافؤ الفرص والصراع النزيه المتكافئ في كنف القانون.
إلا أن تصريحات نائب الرئيس جاءت مفندة لما تم تبنيه في الاجتماع بموافقة جميع أعضاء الهيئة بإثارة البلبلة والفزع والاشمئزاز بتشديده على تجريم أنشطة الدعاية للمقاطعة وتخويف وسائل الإعلام من استضافة المقاطعين أثناء الحملة، وهذا توجه معاد الحريات معاكس لسياسة رئيس الجمهورية الذي دعا لإدماج المقاطعين للاستفتاء ويمثل في تقديري محاولة لتخريب المسار من داخل هيئة الانتخابات وجب تداركه والتصدي له.
*كيف تقيم أداء هيئة الانتخابات في تركيبتها الجديدة منذ توليها مهامها؟
لا يمكن الحكم على أداء الهيئة في الوقت الراهن، ومع ذلك هناك سلبيات وايجابيات لا بد من الاعتراف بها، فمن بين النقائص البارزة التي لم توفق فيها الهيئة بعد، هي عجزها عن وضع خطة اتصالية وإعلامية واضحة متناغمة مع الوضع الاستثنائي والروزنامة الانتخابية وتعطش الرأي العام وجمهور الناخبين إلى المعلومة، فالهيئة لم توفق إلى اليوم في تنظيم حملة تفسيرية وتوعوية بخصوص مراحل الاستفتاء وقواعده وضوابطه والإجراءات المتخذة لتيسير تنظميه، حملة قادرة على تلبية انتظارات الناخبين ولكن أيضا جل الفاعلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني.
هناك ضعف فادح في الجانب الاتصالي للهيئة، من ذلك مثلا تباطؤ الهيئة في تركيز مركز نداء للعموم يتولى مهمة توضيح إجراءات الهيئة وتبسيط المعلومة والتدخل عند الاقتضاء لحل بعض المشاكل المتعلقة بالتسجيل وتغيير وتحيين مراكز الاقتراع، صديق لي بالخارج أراد تغيير مركز الاقتراع لكنه عجز عن ذلك لأن المنظومة الالكترونية غير جاهزة خاصة بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج.
ملاحظة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي تمسك الهيئة بتقاليد خاطئة في التسيير الإداري والتصرف اليومي، وهذا في اعتقادي خطأ، إذ لا يمكن حسب تقديري أن يتواصل العمل بالهيئة بأساليب تقليدية، في زمن تفاعلي رقمي يتم خلاله تبادل المعلومة بشكل حيني وسريع، زمن الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي..
مثلا لا أفهم لماذا تتمسك الهيئة بتقنية قديمة وهي القيام بإرسال إرساليات قصيرة للناخبين بشكل مكرر ومتواتر لحثهم على التثبت من تسجيلهم بمراكز الاقتراع، هذه الآلية لها آثار عكسية، فهي تساهم في إزعاج الناخبين ونفورهم من العملية الانتخابية برمتها.
.وما الحل برأيك؟
أكثر مشاكل الهيئة هي ذات طابع اتصالي وعدم استغلال التكنولوجيا الرقمية لاستنباط أفكار جديدة وثورية وغير مسبوقة للوصول إلى المتلقي بشكل تفاعلي وذكي، إذ كان يمكن لمجلس الهيئة مثلا الاستعانة بخبراء ومهندسين أو شباب متطوعين من خارج الهيئة واستشارتهم، من أجل التوصل إلى حلول تقنية جديدة.. لا بد أن تعمل الهيئة بشكل سريع على توفير المعلومة وحل المشاكل التي تعترض الناخبين بشكل حيني وفوري.
*هناك من يرى أن الهيئة ما تزال مكبلة بقوانين قديمة تجعلها عاجزة عن التحرك بشكل مرن والتعامل مع المستجدات المتعلقة بالشأن الانتخابي بسرعة ونجاعة؟ هل تتفق مع هذا الرأي؟
كان ذلك صحيحا قبل صدور المرسوم عدد 34 المنقح للقانون الانتخابي والاستفتاء عدد 16 لسنة 2014، هذا المرسوم حل تقريبا جل المشاكل القانونية والإدارية التي كانت مكبلة للهيئة ووفر لها تسهيلات تقنية ولوجيستية، مثل إرجاع تقنية التسجيل الآلي للناخبين، وفتح حق المشاركة في حملة الاستفتاء للعموم، وأعفت الهيئة من الخضوع المسبق لمجلة الصفقات العمومية، لكن الهيئة للأسف لم تستغل بشكل كامل وناجع التسهيلات القانونية والإدارية لتطوير أدائها..
أعتقد أن ما يعيق الهيئة حاليا هو هيمنة عقلية الإدارة التقنية التي تميل إلى التعقيد والتكبيل والتحرك في أطر قانونية ضيقة وتتحاشي الاجتهاد والتأويل الايجابي للنصوص وتوظيفها لتحقيق هدف مشترك هو إنجاح العملية الانتخابية والاستفتاء بشكل كامل خاصة أن عامل الوقت لا يلعب لصالح الهيئة..
*وماهي الجوانب الايجابية التي تميزت بها الهيئة؟
يمكن القول إن الهيئة قامت بإجراءات ايجابية تحسب لها، على غرار العمل على تكريس شفافية اجتماعات مجلس الهيئة ونقلها مباشرة على صفحات التواصل الاجتماعي، إجراء ساهم في وضوح آلية أخذ القرارات التي يتم التداول في شأنها داخل المجلس قبل عرضها على التصويت.
*هل تعتبر الهيئة مستقلة على جميع الفاعلين بما في ذلك السلطة التنفيذية؟
بحكم نصوص المراسيم التي صدرت مؤخرا سواء المنقحة لقانون الهيئة أو للقانون الانتخابي، يمكن القول إنها ساهمت في ضمان استقلالية الهيئة التي تمكنت من أخذ مساحة مهمة من الاستقلالية، السؤال هل السلطة تتدخل في عمل الهيئة وشؤونها أم لا؟، أنا لا أرى ذلك ولا ألاحظ، اللهمّ هناك أمور تحدث في الكواليس نجهلها.
*سبق أن انتقدت اللجوء إلى القضاة لإدارة الشأن الانتخابي، هل ما زلت على موقفك، وكيف تفاعلت مع استقالة عضو الهيئة القاضي؟
أنا على قناعة بأن القضاء عليه أن يكون بشكل عام على مسافة من العملية الانتخابية، أعتقد أن هناك خلطا كبيرا، بين تمسك القضاة بصفتهم القضائية وبين ممارسة مهامهم كأعضاء بهيئة الانتخابات أو بفروعها. كنت قد أكدت على ضرورة ألا يتمسك القضاة الأعضاء بمجلس الهيئة بصفتهم القضائية وإنما بعضويتهم وانتمائهم العضوي للهيئة.. للأسف جاءت استقالة قاض من مجلس الهيئة وتبريره للاستقالة لتؤكد رؤيتي، فعضو مجلس الهيئة سبّق صفته القضائية على عضويته بالهيئة، وبرّر استقالته تضامنا قطاعيا مع زملائه القضاة ودفاعا عن قانون أساسي للقضاة، وليس لأجل الدفاع عن الهيئة واستقلاليتها.
*لجنة البندقية اعتبرت في رأي استشاري أن المرسوم عدد 22 المنقح لقانون الهيئة غير شرعي ودعت إلى إلغائه.. ما رأيك في هذا ذلك؟
لجنة البندقية تنظر من زوايا مختلفة للمسألة الانتخابية، تاريخيا لم تعط اللجنة رأيها حين تم وضع قانون 23 المتعلق بالقانون الأساسي لهيئة الانتخابات سنة 2012 الذي نسف جل الصلاحيات التي كانت تضمن استقلالية الهيئة.
هناك مكسبان مهمان حصلا في فترة وجيزة، تسجيل الناخبين آليا، مما سيسمح بتسجيل أكثر من مليونين ونصف مليون ناخب جديد، وسيمكن هذا الإجراء من إقرار حق المشاركة في الحياة السياسية، والإجراء الثاني هو فتح المشاركة في الحملة للاستفتاء للعموم، هنا أتساءل: أين لجنة البندقية من هذه الإجراءات وهي التي انتقدت غياب حرية المشاركة؟
فرغم كل الاحترازات على المسار، نلاحظ تقدما مهما ونوعيا مقارنة بمنظومة ما قبل وضع الاستثناء في مستوى المشاركة سواء في ما يخص تسجيل الناخبين وأنه على مستوى النص على الأقل لم نعد نرى نوعين من المواطنين، نوع مسجل ونوع غير مسجل محروم من حق الانتخاب، لكن يظل الجانب التطبيقي في مدى نجاح الهيئة في القيام بما يجب عليها القيام به لضمان حقوق الناخبين في ممارسة حقهم في الاقتراع بتقريبهم من مراكز الاقتراع التي يرونها مناسبة لهم.
ويتعلق الجانب الثاني بالمشاركة في الحملة التي أصبحت مفتوحة ومضمونة للجميع، أحزابا، جمعيات، وأفرادا، بناء على شروط ميسرة، وبالمقارنة بين منظومة وضع الاستثناء وما قبلها نجد فرقا كبيرا في حقوق الناخب وفي حق المشاركة، علما أن المشاركة في حملة الاستفتاء كانت مقتصرة على الأحزاب البرلمانية فقط والانتخاب مقتصر على المسجلين فقط، وهذا الأمر في حد ذاته ثورة على مستوى الحقوق السياسية للمواطنين..
*ماهي حسب رأيك الضمانات الأخرى لإنجاح الاستفتاء؟
أرى أن حسن اختيار أعضاء الهيئات الفرعية للانتخابات من الضمانات المهمة لأي عملية انتخابية ناجحة، فهم سيتولون الإشراف على تفاصيل العملية الانتخابية وعلى تنظيم مكاتب الاقتراع في الجهات، خاصة أن المرسوم عدد 22 سمح بتواجد أعضاء سابقين بهيئات فرعية مما سيضمن عامل الخبرة والتواصل..
ضمانة أخرى لا تقل أهمية، وهو نسبة حضور الملاحظين في كافة مراحل العملية الانتخابية، خاصة داخل مكاتب الاقتراع، وهي من أكبر ضمانات الشفافية العملية الانتخابية. لا بد أن تعمل الهيئة منذ الآن على تفادي مشكل غياب أو نقص الملاحظين بمكاتب الاقتراع وتفكر في وضع حلول تقنية لدعم شفافية ما يجري داخل مكاتب الاقتراع التي لا يتوفر فيها ملاحظون مثل تأمين نقل مباشر وعلني لعملية فرز الأصوات قبل أن يتم وضعها في الكيس الأسود وإرسالها إلى مركز التجميع والفرز..
*هناك من يرى أن عدم تسقيف نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور الجديد قد يمس من نزاهة الاستفتاء ومصداقيته. ألا تتفق مع هذا الرأي؟
لا يوجد على حد علمي في البلدان الديمقراطية تسقيف لنسبة المشاركة في الاستفتاء حتى يعتبر ناجحا، فرنسا مثلا ليس لديها في قانونها تحديدا لنسبة المشاركة، باستثناء الاستفتاءات على حرية تقرير المصير التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في بعض الدول مثل جنوب السودان، وفي بعض الدول الاسكندينافية..
عموما، هذا لا ينفي أنه لدينا مشكل مشاركة في تونس، أعتقد أن نسبة مشاركة بأكثر من 50 بالمائة من الناخبين ستكون أفضل، ومن يحكم وبقطع النظر من هو، عليه أن يقرأ جيدا نتائج الانتخابات، فنتيجة الاستفتاء ستكون إما بتأييد مشروع الدستور أو رفضه، وفي كلتا الحالتين ستكون هناك استتباعات قانونية وسياسية..
*هل يمكن أن تؤدي نتيجة الاستفتاء بالرفض إلى سيناريوهات خطيرة لم يتم الاستعداد لها جيدا؟
أعتقد أنه في صورة رفض مشروع الدستور سوف لن يحدث فراغ دستوري، فدستور 2014 ما يزال قائما، وستتم العودة إليه والاحتكام إلى بعض فصوله للخروج من الوضع.
سياسيا رئيس الدولة عليه أن يقرأ جيدا نتائج الاستفتاء، يمكنه نظريا البقاء إلى غاية 2024 أو الاستقالة الفورية. شخصيا أتصور أنه سيستقيل.
*ما موقفك حاليا من الاستفتاء، هل ستشارك في الحملة هل أنت مع المؤيدين أم الرافضين؟
مبدئيا، أنا أنتظر النسخة النهائية لمشروع الدستور حتى أقرر موقفي بالتأييد أو بالرفض.
*ألا تعتقد أن الفترة الزمنية المخصصة لاتخاذ موقف من مشروع الدستور الجديد غير كافية؟
كان لدينا نظريا متسع للوقت لإعداد مشروع دستور جديد، منذ أن أعلن الرئيس روزنامة المواعيد الانتخابية في 13 ديسمبر 2021 كان يمكن وضع آليات الحوار الوطني والتفرغ لكتابة دستور في وقت موضوعي، في تونس ليس لنا تقاليد، في استغلال الوقت، كل شيء يتم بشكل متأخر وفي آخر لحظة..
*كيف تعلق على بعض تصريحات المنسق العام للهيئة الاستشارية العميد الصادق بلعيد بخصوص توجهات مشروع الدستور وملامحه الأولية؟
في خصوص ملامح الدستور الجديد، وبعد اطلاعي على ما نشر في جريدة "المغرب"، أرى انه يجب اختصاره والحفاظ على ما هو إيجابي فيه أي فكرة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتعريفه وتوضيح علاقته بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ودوره في رسم التوجهات العامة السياسة الاقتصادية والاجتماعية.
أرى أن الدستور يجب أن يكون مختصرا يُنهي حالة تفتت السلطة ويرسي نظاما رئاسيا مسؤولا ويضع آلية رقابة على السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية..
*وهل يمكن أن يتضمن مشروع الدستور الجديد أحكاما تتعلق بنظام الاقتراع؟
أستبعد إقحام موضوع نظام الاقتراع صلب مشروع الدستور، أتوقع أن تتفرغ الهيئة الاستشارية لموضوع تنقيح القانون الانتخابي بعد 25 جويلية المقبل.