إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إصلاح الرئيس أو الحكومة أو الحوار..هل المناخ ملائم للإصلاح التربوي؟

 

تونس- الصباح

لا يختلف اثنان في أن الوضع التربوي في تونس "كارثي"  لا فقط على المستوى الأكاديمي لكن أيضا من الجوانب التربوية والأخلاقية والعلائقية.

 واليوم تعيش العائلات التونسية على وقع امتحانات الباكالوريا، وما أدراك من امتحان الباكالوريا هذه المحطة المهمة والفارقة والتي رغم الإقرار بتراجع المستوى وتنامي مظاهر الغش وضبابية مستقبل الناجحين إلا أن الحصول على الشهادة يظل الحدث الأهم في العائلة ولدى الأولياء. لكن ذلك لا يمنع من طرح موضوع الإصلاح التربوي المنشود منذ سنوات وعلى امتداد العشرية الأخيرة دون أن يعرف طريقه للتوافق حول الإصلاح الأمثل لمستقبل أجيال قادمة ولم يتم تفعيل الإصلاحات المطلوبة رغم وعي الجميع بأنه لم يعد ممكنا الاستمرار في منظومة "معطوبة" تنتج مشاكل أزمات وأجيال "مأزومة".

اليوم أيضا يعود الحديث عن مسألة الإصلاح التربوي في ظل جملة إصلاحات الحكومة المعلنة ومن بينها ما يهم التعليم وفي ظل أيضا حديث الرئيس عن التوجه نحو تجسيم بعض من وعوده ورؤيته في المجال التربوي وفي مقدمتها إرساء مجلس أعلى للتربية.

لكن السؤال الرئيسي الذي يطرح هل أن المناخ اليوم  ملائم  للحديث في موضوع بحجم إصلاح المنظومة التربوية وسط توترات سياسية غير مسبوقة  وأجواء تجاذبات حتى مع الطرف الاجتماعي الشريك الأول في مسألة الإصلاح  وفي ظل تشكيك متبادل في صواب الخيارات والتوجهات والنوايا، والأكيد أنها لن تستثني موضوع منظومة التربية؟

 كما تطرح لدى البعض بعض الهواجس في علاقة بإصلاح من سيمر ويتم اعتماده  في نهاية المطاف هل إصلاحات الرئيس أو الحكومة أو ما سيفرزه الحوار الحالي والذي طرح أسئلة على المشاركين لتقديم تصورات لتونس على امتداد 40 سنة قادمة؟

 

إخلالات المنظومة

عرفت تونس منذ الاستقلال 3 برامج لإصلاح المنظومة التربوية سنوات 1958، و1991 و2002، ووفق ما صرح به سابقا الخبير الدولي في إصلاح المنظومة التربوية محمد بن فاطمة كانت كل تلك الإصلاحات "تقريبًا بنفس المضامين والأهداف ونفس المنهجية المعتمدة، كما أن نسبة الإنجاز في إصلاحات برنامج 2002 مثلًا انحصرت بين 15 و20 في المائة".

ولعل ذلك ما أفرز اليوم نظاما تعليميا لا يضمن الحد الأدنى من التكوين المناسب لتملك قدرات تعلمية جيدة كما تطرح العديد من الإشكاليات في علاقة بالنظام التقييمي ومنظومة الامتحانات والعلاقة بسوق الشغل.

وعلى هامش دورة الباكالوريا التي تجرى حاليا أشار  رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ إلى أهمية  مراجعة وإصلاح منظومة الامتحانات التي تعد السبب الأساسي في نفور التلميذ من الامتحان واللجوء للغش، مؤكدا أنّ الأهم في الإصلاح التربوي هو "الإستراتيجية" والتخطيط على المدى الطويل مشيرا الى أنّ منظومة التقييم في تونس غير ناجعة وأصبح الولي يفرض على ابنه أن تكون أعداده جيدة دون أن يعلمه أن الخطأ مسموح به وأنه يمكن التعلم من الأخطاء.

كما بين الزهروني في تصريح إذاعي مؤخرا أنه "في نظرتنا للمنظومات التربوية المتقدمة يوجد قاسم مشترك في الأنظمة ذات الأداء العالي، هو المربي ذو التكوين الممتاز المختار بدقة ليتمكن من التعامل مع التلاميذ ويكون على دراية بعلم نفس الطفل ومتكون في مؤسسة خاصة بذلك (دار المعلمين العليا) ".

وفي تعليقه على تراجع مستوى الانقليزية والفرنسية لدى التلاميذ أكد الزهروني  أن "التعامل مع اللغات الأجنبية في منظومتنا التربوية هو إجرام، الإشكالية والمعضلة والمصيبة هو كيفية تعليم المواد العلمية باللغة العربية في التعليم الإعدادي ثم فجأة تلقينها باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي، تحدث صدمة للتلميذ، التقينا مع وزراء التربية في العديد من الحكومات وهم على بكل الهنات في المنظومة التربوية لكن الإجابة تكون دائما أن قانون التوجيه لسنة 2022 يفرض اللغة العربية في المرحلة الإعدادية. يجب أن يكون هناك تناغم في كامل المسار التربوي بلغة واحدة من التحضيري للتعليم العالي. الأمر غير متعلق بايديولوجيا (يقصد التدريس بالعربية) بل بمصلحة التلميذ ومطالب السوق، اليوم مصلحة التلميذ قبل كلّ شيء ! "

مقترحات الحكومة

تقييم منظومتنا التربوية ومخاض الإصلاح أتى تقريبا على امتداد السنوات الأخيرة على جميع الهنات لكنه ظل معلقا على مستوى التنفيذ واليوم تتجه حكومة الفترة الاستثنائية إلى إقرار جملة من الإصلاحات منها ما هو متصل بالشأن التربوي فقد أشارت متابعة تقدم الإصلاحات الكبرى التي قدمتها رئيسة الحكومة نجلاء بودن خلال كلمة فيديو تم بثها الأحد 5 جوان 2022، على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة أنه سيتم  إحداث مجلس أعلى للتربية طبقا لمشروع أمر رئاسي.

وأكدت  وثيقة  الحكومة حول متابعة تقدم الإصلاحات، على أن الاستثمار في رأس المال البشري يفرض اعتماد سياسة متكاملة من الطفولة المبكرة الى المدرسة ومن ثم مؤسسات التكوين المهني والتعليم العالي، معتبرة، أن إحداث المجلس الأعلى للتربية محور عملية إصلاح قطاع التربية والتعليم.

وسيرتكز تثمين رأس المال البشري على 3 منظومات، وهي منظومة التعليم المدرسي ومنظومة التكوين المهني ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي.

وأكدت الحكومة، أن منظومة التعليم المدرسي تكرس تكافؤ الفرص وتستجيب للتطلعات، وتضمن تعليما جيدا ومنصفا وشاملا إلى جانب  تطوير منظومة التقييم مع مراجعة الخارطة المدرسية من خلال تطوير البنية التحتية.

تعرضت وثيقة الإصلاح الحكومي أيضا الى التصدي للانقطاع المدرسي ومكافحة الظواهر السلوكية المحفوفة بالمخاطر مع ضمان تحول رقمي شامل للمنظومة التربوية.

وحول منظومة التكوين المهني، أكدت الوثيقة، على أهمية أن تكون منظومة التكوين المهني في خدمة سوق الشغل وتكرس المرونة والاستباقية في توفير الحاجيات من الموارد البشرية والكفاءات المختصة. مع التعهد  بتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتوجيه التكوين المهني لتلبية حاجيات وبرامج تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الجهة وحاجيات المؤسسة والفئات الباحثة عن شغل وتطوير التكوين قصير الأمد الموجه للتشغيلية.

وأشارت الحكومة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، الى أنها ستقوم بتطوير منظومة التقييم والاعتماد، مشددة على التزامها بدعم استقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. والرفع من جودة المحتوى المعرفي إلى جانب دعم نتائج البحث العلمي وبعث المشاريع المجددة في المجالات الإستراتيجية.

رؤية الرئيس

بدا الرئيس بدوره على خط الإصلاحات حيث أشار  خلال لقائه الأخير مع  وزير التربية فتحي السلاوتي،  وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير  الى أهمية التعليم، وقال في هذا الشأن أن الحق في التعليم "هو من حقوق الإنسان، بل أكثر من ذلك هو كالحق في الماء والهواء" وتحدث عن  إحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم. وعرج رئيس الجمهورية أيضا على أهمية إعادة إحداث دار ترشيح المعلمين ودار المعلمين العليا" كما كان الشأن في السابق حتى يعود للتعليم في تونس بريقه، وحتى يكون المتخرجون من سائر المؤسسات التعليمية في المستوى المطلوب "، وفق تعبيره. وأثار الرئيس مسألة إعادة مراكز التكوين المهني التي من شأنها أن تفتح آفاقا أرحب للمتخرجين للحصول على شغل.

يثير طرح مسألة الإصلاح التربوي اليوم، رغم أهميته  والحاجة إليه والاتفاق حول خطوطه العريضة، الكثير من المخاوف بأن يتم إقحامه في سياق المناخ السياسي المحتقن ويفوت على البلاد مرة أخرى التوصل إلى مسار إصلاحي بعيدا عن التجاذبات يراعي أولا وأخيرا مصلحة البلاد والأجيال القادمة.

مخاوف وتجاذبات

ويتخوف البعض من العودة من جديد إلى مربع التداخل بين ماهو سياسي وما هو إصلاحي صرف والتأثير بشكل أو بآخر على مسار إصلاح المنظومة التربوية بعد أن كان أيضا لـ"القرار السياسي" دور في التعطيل على امتداد العشرية الأخيرة  لأن الأحزاب أدخلت العملية التربوية في التجاذبات السياسية ،لا سيما مسألة  الهوية وما طرحته من  تجاذبات منذ الثورة بين الفرنكوفونين والعروبيين، وبين الإسلاميين واليساريين.

اليوم أيضا وفي ظل الفترة الاستثنائية والصراع المحموم بين الرئيس وأنصاره ومعارضيهم فقد انطلق التشكيك منذ الآن في غايات الرئيس من إحداث مجلس أعلى للتربية حيث تحدث البعض عن وجود كسب سياسي عبر إظهار القدرة على تحقيق ما لم يقدر على تحقيقه المتعاقبون على حكم سنوات ما بعد الثورة كما تساءل آخرون عن مدى استقلالية المجلس الأعلى للتربية إذا ما تم إحداثه بمرسوم واختيار أعضائه من قبل الرئيس تماما كما حصل مع  المجلس الأعلى للقضاء والهيئة  العليا  للانتخابات.

وإلى جانب المخاوف من تأثيرات تجاذبات الفترة الاستثنائية تطرح أيضا أسئلة حول نجاعة الإصلاحات التي سيتم إقرارها لا سيما في علاقة بإحداث المجلس الأعلى للتربية لا سيما وأن بعض المختصين يشترطون جملة من العناصر والمكونات لضمان النجاعة والفاعلية بهذا الهيكل.

نشير بهذا الصدد إلى الرسالة التي توجه بها في فيفري الفارط، الدكتور محمد بن فاطمة رئيس الائتلاف المدني لإصلاح النظم التربوية وإصلاحها والخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها، إلى رئيس الجمهورية مؤكدا فيها أن الاقتصار فقط على إحداث مجلس التربية لن يكون مجديا .

وبين بن فاطمة في رسالته أن "إحداث مجلس أعلى للتربية، والتعليم، والتكوين والاكتفاء بذلك، لا يُمكّنه هذا المجلس من القيام بالأدوار التي تناط بعهدته؛ إذا لم تُعدّ له البيئة التنظيمية التي يتطلّبها، والتي تسمح له بأن ينمو فيها ويُثمر. كما أشير إلى أنّه منذ الاستقلال إلى حدّ الآن، عرفت المنظومة التربوية بتونس عدّة محاولات في المجال؛ لكنّها لم تنجح؛ وبقي أغلبها مجرّد مشروع على الورق؛ فلم يُنفّذ على أرض الواقع. ونحن نطمح في هذه المرّة وخصوصاً بعد الثورة، أن يكون النجاح حليفنا في هذا الأمر. لذا، يتعيّن إعداد البيئة المناسبة للمجلس الأعلى الذي نطمح إلى إحداثه. إن كان ذلك، فما هي مكوّنات البيئة المناسبة للمجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين؟ تتمثّل البيئة المناسبة في إحداث ثلاث مؤسّسات ولو على مراحل وفق الإمكانات المتاحة، وهي التالية: إحداث معهد وطني (تونسي) لتقييم المنظومة التربوية؛ وهي مؤسّسة مرتبطة عضويا بالمجلس الأعلى. إحداث كلية لعلوم التربية تُعدّ المهندسين في صناعة المناهج التعليمية، والمهندسين في توجيه منظومة التقييم والامتحانات. وإعداد خبراء لإصلاح المنظومة التربوية في كلّ القطاعات، ومختصين في البحث التربوي؛ إلى غير ذلك، كتابة ميثاق وطني في التربية، والتعليم، والتكوين، ويتولّى هذه المهمّة المجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين. هذا، وأهيب بكلّ لطف بسيادتكم، أن تنظروا في إمكانية مباشرة الأمر في كلّيّته باعتبار المجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين هو مكوّن في حزمة تضمّ مؤسّسات أربع" .

 

م.ي

إصلاح الرئيس أو الحكومة أو الحوار..هل المناخ  ملائم للإصلاح التربوي؟

 

تونس- الصباح

لا يختلف اثنان في أن الوضع التربوي في تونس "كارثي"  لا فقط على المستوى الأكاديمي لكن أيضا من الجوانب التربوية والأخلاقية والعلائقية.

 واليوم تعيش العائلات التونسية على وقع امتحانات الباكالوريا، وما أدراك من امتحان الباكالوريا هذه المحطة المهمة والفارقة والتي رغم الإقرار بتراجع المستوى وتنامي مظاهر الغش وضبابية مستقبل الناجحين إلا أن الحصول على الشهادة يظل الحدث الأهم في العائلة ولدى الأولياء. لكن ذلك لا يمنع من طرح موضوع الإصلاح التربوي المنشود منذ سنوات وعلى امتداد العشرية الأخيرة دون أن يعرف طريقه للتوافق حول الإصلاح الأمثل لمستقبل أجيال قادمة ولم يتم تفعيل الإصلاحات المطلوبة رغم وعي الجميع بأنه لم يعد ممكنا الاستمرار في منظومة "معطوبة" تنتج مشاكل أزمات وأجيال "مأزومة".

اليوم أيضا يعود الحديث عن مسألة الإصلاح التربوي في ظل جملة إصلاحات الحكومة المعلنة ومن بينها ما يهم التعليم وفي ظل أيضا حديث الرئيس عن التوجه نحو تجسيم بعض من وعوده ورؤيته في المجال التربوي وفي مقدمتها إرساء مجلس أعلى للتربية.

لكن السؤال الرئيسي الذي يطرح هل أن المناخ اليوم  ملائم  للحديث في موضوع بحجم إصلاح المنظومة التربوية وسط توترات سياسية غير مسبوقة  وأجواء تجاذبات حتى مع الطرف الاجتماعي الشريك الأول في مسألة الإصلاح  وفي ظل تشكيك متبادل في صواب الخيارات والتوجهات والنوايا، والأكيد أنها لن تستثني موضوع منظومة التربية؟

 كما تطرح لدى البعض بعض الهواجس في علاقة بإصلاح من سيمر ويتم اعتماده  في نهاية المطاف هل إصلاحات الرئيس أو الحكومة أو ما سيفرزه الحوار الحالي والذي طرح أسئلة على المشاركين لتقديم تصورات لتونس على امتداد 40 سنة قادمة؟

 

إخلالات المنظومة

عرفت تونس منذ الاستقلال 3 برامج لإصلاح المنظومة التربوية سنوات 1958، و1991 و2002، ووفق ما صرح به سابقا الخبير الدولي في إصلاح المنظومة التربوية محمد بن فاطمة كانت كل تلك الإصلاحات "تقريبًا بنفس المضامين والأهداف ونفس المنهجية المعتمدة، كما أن نسبة الإنجاز في إصلاحات برنامج 2002 مثلًا انحصرت بين 15 و20 في المائة".

ولعل ذلك ما أفرز اليوم نظاما تعليميا لا يضمن الحد الأدنى من التكوين المناسب لتملك قدرات تعلمية جيدة كما تطرح العديد من الإشكاليات في علاقة بالنظام التقييمي ومنظومة الامتحانات والعلاقة بسوق الشغل.

وعلى هامش دورة الباكالوريا التي تجرى حاليا أشار  رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ إلى أهمية  مراجعة وإصلاح منظومة الامتحانات التي تعد السبب الأساسي في نفور التلميذ من الامتحان واللجوء للغش، مؤكدا أنّ الأهم في الإصلاح التربوي هو "الإستراتيجية" والتخطيط على المدى الطويل مشيرا الى أنّ منظومة التقييم في تونس غير ناجعة وأصبح الولي يفرض على ابنه أن تكون أعداده جيدة دون أن يعلمه أن الخطأ مسموح به وأنه يمكن التعلم من الأخطاء.

كما بين الزهروني في تصريح إذاعي مؤخرا أنه "في نظرتنا للمنظومات التربوية المتقدمة يوجد قاسم مشترك في الأنظمة ذات الأداء العالي، هو المربي ذو التكوين الممتاز المختار بدقة ليتمكن من التعامل مع التلاميذ ويكون على دراية بعلم نفس الطفل ومتكون في مؤسسة خاصة بذلك (دار المعلمين العليا) ".

وفي تعليقه على تراجع مستوى الانقليزية والفرنسية لدى التلاميذ أكد الزهروني  أن "التعامل مع اللغات الأجنبية في منظومتنا التربوية هو إجرام، الإشكالية والمعضلة والمصيبة هو كيفية تعليم المواد العلمية باللغة العربية في التعليم الإعدادي ثم فجأة تلقينها باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي، تحدث صدمة للتلميذ، التقينا مع وزراء التربية في العديد من الحكومات وهم على بكل الهنات في المنظومة التربوية لكن الإجابة تكون دائما أن قانون التوجيه لسنة 2022 يفرض اللغة العربية في المرحلة الإعدادية. يجب أن يكون هناك تناغم في كامل المسار التربوي بلغة واحدة من التحضيري للتعليم العالي. الأمر غير متعلق بايديولوجيا (يقصد التدريس بالعربية) بل بمصلحة التلميذ ومطالب السوق، اليوم مصلحة التلميذ قبل كلّ شيء ! "

مقترحات الحكومة

تقييم منظومتنا التربوية ومخاض الإصلاح أتى تقريبا على امتداد السنوات الأخيرة على جميع الهنات لكنه ظل معلقا على مستوى التنفيذ واليوم تتجه حكومة الفترة الاستثنائية إلى إقرار جملة من الإصلاحات منها ما هو متصل بالشأن التربوي فقد أشارت متابعة تقدم الإصلاحات الكبرى التي قدمتها رئيسة الحكومة نجلاء بودن خلال كلمة فيديو تم بثها الأحد 5 جوان 2022، على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة أنه سيتم  إحداث مجلس أعلى للتربية طبقا لمشروع أمر رئاسي.

وأكدت  وثيقة  الحكومة حول متابعة تقدم الإصلاحات، على أن الاستثمار في رأس المال البشري يفرض اعتماد سياسة متكاملة من الطفولة المبكرة الى المدرسة ومن ثم مؤسسات التكوين المهني والتعليم العالي، معتبرة، أن إحداث المجلس الأعلى للتربية محور عملية إصلاح قطاع التربية والتعليم.

وسيرتكز تثمين رأس المال البشري على 3 منظومات، وهي منظومة التعليم المدرسي ومنظومة التكوين المهني ومنظومة التعليم العالي والبحث العلمي.

وأكدت الحكومة، أن منظومة التعليم المدرسي تكرس تكافؤ الفرص وتستجيب للتطلعات، وتضمن تعليما جيدا ومنصفا وشاملا إلى جانب  تطوير منظومة التقييم مع مراجعة الخارطة المدرسية من خلال تطوير البنية التحتية.

تعرضت وثيقة الإصلاح الحكومي أيضا الى التصدي للانقطاع المدرسي ومكافحة الظواهر السلوكية المحفوفة بالمخاطر مع ضمان تحول رقمي شامل للمنظومة التربوية.

وحول منظومة التكوين المهني، أكدت الوثيقة، على أهمية أن تكون منظومة التكوين المهني في خدمة سوق الشغل وتكرس المرونة والاستباقية في توفير الحاجيات من الموارد البشرية والكفاءات المختصة. مع التعهد  بتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتوجيه التكوين المهني لتلبية حاجيات وبرامج تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الجهة وحاجيات المؤسسة والفئات الباحثة عن شغل وتطوير التكوين قصير الأمد الموجه للتشغيلية.

وأشارت الحكومة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، الى أنها ستقوم بتطوير منظومة التقييم والاعتماد، مشددة على التزامها بدعم استقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. والرفع من جودة المحتوى المعرفي إلى جانب دعم نتائج البحث العلمي وبعث المشاريع المجددة في المجالات الإستراتيجية.

رؤية الرئيس

بدا الرئيس بدوره على خط الإصلاحات حيث أشار  خلال لقائه الأخير مع  وزير التربية فتحي السلاوتي،  وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير  الى أهمية التعليم، وقال في هذا الشأن أن الحق في التعليم "هو من حقوق الإنسان، بل أكثر من ذلك هو كالحق في الماء والهواء" وتحدث عن  إحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم. وعرج رئيس الجمهورية أيضا على أهمية إعادة إحداث دار ترشيح المعلمين ودار المعلمين العليا" كما كان الشأن في السابق حتى يعود للتعليم في تونس بريقه، وحتى يكون المتخرجون من سائر المؤسسات التعليمية في المستوى المطلوب "، وفق تعبيره. وأثار الرئيس مسألة إعادة مراكز التكوين المهني التي من شأنها أن تفتح آفاقا أرحب للمتخرجين للحصول على شغل.

يثير طرح مسألة الإصلاح التربوي اليوم، رغم أهميته  والحاجة إليه والاتفاق حول خطوطه العريضة، الكثير من المخاوف بأن يتم إقحامه في سياق المناخ السياسي المحتقن ويفوت على البلاد مرة أخرى التوصل إلى مسار إصلاحي بعيدا عن التجاذبات يراعي أولا وأخيرا مصلحة البلاد والأجيال القادمة.

مخاوف وتجاذبات

ويتخوف البعض من العودة من جديد إلى مربع التداخل بين ماهو سياسي وما هو إصلاحي صرف والتأثير بشكل أو بآخر على مسار إصلاح المنظومة التربوية بعد أن كان أيضا لـ"القرار السياسي" دور في التعطيل على امتداد العشرية الأخيرة  لأن الأحزاب أدخلت العملية التربوية في التجاذبات السياسية ،لا سيما مسألة  الهوية وما طرحته من  تجاذبات منذ الثورة بين الفرنكوفونين والعروبيين، وبين الإسلاميين واليساريين.

اليوم أيضا وفي ظل الفترة الاستثنائية والصراع المحموم بين الرئيس وأنصاره ومعارضيهم فقد انطلق التشكيك منذ الآن في غايات الرئيس من إحداث مجلس أعلى للتربية حيث تحدث البعض عن وجود كسب سياسي عبر إظهار القدرة على تحقيق ما لم يقدر على تحقيقه المتعاقبون على حكم سنوات ما بعد الثورة كما تساءل آخرون عن مدى استقلالية المجلس الأعلى للتربية إذا ما تم إحداثه بمرسوم واختيار أعضائه من قبل الرئيس تماما كما حصل مع  المجلس الأعلى للقضاء والهيئة  العليا  للانتخابات.

وإلى جانب المخاوف من تأثيرات تجاذبات الفترة الاستثنائية تطرح أيضا أسئلة حول نجاعة الإصلاحات التي سيتم إقرارها لا سيما في علاقة بإحداث المجلس الأعلى للتربية لا سيما وأن بعض المختصين يشترطون جملة من العناصر والمكونات لضمان النجاعة والفاعلية بهذا الهيكل.

نشير بهذا الصدد إلى الرسالة التي توجه بها في فيفري الفارط، الدكتور محمد بن فاطمة رئيس الائتلاف المدني لإصلاح النظم التربوية وإصلاحها والخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها، إلى رئيس الجمهورية مؤكدا فيها أن الاقتصار فقط على إحداث مجلس التربية لن يكون مجديا .

وبين بن فاطمة في رسالته أن "إحداث مجلس أعلى للتربية، والتعليم، والتكوين والاكتفاء بذلك، لا يُمكّنه هذا المجلس من القيام بالأدوار التي تناط بعهدته؛ إذا لم تُعدّ له البيئة التنظيمية التي يتطلّبها، والتي تسمح له بأن ينمو فيها ويُثمر. كما أشير إلى أنّه منذ الاستقلال إلى حدّ الآن، عرفت المنظومة التربوية بتونس عدّة محاولات في المجال؛ لكنّها لم تنجح؛ وبقي أغلبها مجرّد مشروع على الورق؛ فلم يُنفّذ على أرض الواقع. ونحن نطمح في هذه المرّة وخصوصاً بعد الثورة، أن يكون النجاح حليفنا في هذا الأمر. لذا، يتعيّن إعداد البيئة المناسبة للمجلس الأعلى الذي نطمح إلى إحداثه. إن كان ذلك، فما هي مكوّنات البيئة المناسبة للمجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين؟ تتمثّل البيئة المناسبة في إحداث ثلاث مؤسّسات ولو على مراحل وفق الإمكانات المتاحة، وهي التالية: إحداث معهد وطني (تونسي) لتقييم المنظومة التربوية؛ وهي مؤسّسة مرتبطة عضويا بالمجلس الأعلى. إحداث كلية لعلوم التربية تُعدّ المهندسين في صناعة المناهج التعليمية، والمهندسين في توجيه منظومة التقييم والامتحانات. وإعداد خبراء لإصلاح المنظومة التربوية في كلّ القطاعات، ومختصين في البحث التربوي؛ إلى غير ذلك، كتابة ميثاق وطني في التربية، والتعليم، والتكوين، ويتولّى هذه المهمّة المجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين. هذا، وأهيب بكلّ لطف بسيادتكم، أن تنظروا في إمكانية مباشرة الأمر في كلّيّته باعتبار المجلس الأعلى للتربية، والتعليم، والتكوين هو مكوّن في حزمة تضمّ مؤسّسات أربع" .

 

م.ي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews