إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منظومة تربوية طاردة.. عازلة.. وغير دامجة / كفيف.. متوحد.. وأصم يروون لـ"الصباح" معاناتهم مع الباكالوريا

وزارة التربية تتعامل مع حاملي وحاملات الاعاقة بعيدا عن تكافؤ الفرص في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم..

تونس- الصباح

خوض مناظرة الباكالوريا، كانت التجربة الاصعب على الاطلاق بالنسبة لعاطف، وهي في نفس الوقت التجربة الاهم له كتلميذ اصم. فمن ناحية كانت باب الدخول للجامعة، وفي نفس الوقت محطة مخيفة للغاية بالنسبة له. فنسبة نجاح من مثله ضئيلة للغاية في الباكالوريا والدولة تمنع تواجد مفسر للامتحان ويكون عليه أن يبذل جهدا مضاعفا ثلاث أو أربع مرات مقارنة بالتلميذ العادي ليتمكن من فهم الدروس التي لا تقدم بلغة الاشارات وفي الغالب يتجاهل الاساتذة التلاميذ الذين لهم صعوبة في التعلم دون منحهم فرصة للفهم تحت ضغط اتمام البرنامج.

فالدروس لا تقدم أو يتم توفيرها من قبل وزارة التربية بلغة الإشارات ونظرا إلى أن مواد كالفلسفة والانقليزية والفرنسية مبنية على التواصل والتفسير يصعب على الاصم فهمها او استيعابها ويكون من الصعب عليه التركيز في هذه الحصص وبالتالي يميل في دراسته الى المواد العلمية التي تبنى على ما هو بصري بالأساس كالرياضيات والفيزياء..

وما يزيد الطين بلة بالنسبة للتلميذ الاصم ان الاساتذة المراقبين خلال امتحان الباكالوريا لا يكون لهم علم في العديد من المرات بوجود تلميذ اصم وانه يتمتع بزيادة في وقت الامتحان وله خصوصيات يجب اخذها بعين الاعتبار على غرار تمكينه من الخروج كل فترة للراحة وتجديد التركيز..

حيرة ومعاناة

وبابتسامته الهادئة، احتار محمد التلميذ الكفيف كيف يصف تجربته الدراسية، فقد كانت حسب تقييمه بمثابة معركة الحياة، حارب خلالها وهو طفل قادم من منطقة السرس من ولاية الكاف تلك النظرة الدونية للدولة لذوي وذوات الاعاقة البصرية، فقد وجد نفسه وهو في سن التسع سنوات وسط مركز المكفوفين ببن عروس غير قادر حتى على معرفة الاتجاهات، بصدد التعامل مع اطارات ليس لهم اي معرفة لخصوصيات حاملي الاعاقة البصرية في غياب المختص الاجتماعي او النفسي او طبيب عيون متابع لحالاتهم.. بصدد بذل جهد مضاعف من اجل التحصيل العلمي.. وهو ما يجعل عدد القادمين الى المركز يتضاءل تدريجيا ومن بين نحو الـ 250 تلميذا لا يصل إلى المرحلة النهائية لإجراء مناظرة الباكالوريا غير 13 او 14 تلميذا. ويكون الجميع فيها مجبرين على خيار وحيد شعبة الآداب بفرضيات توجيه جامعي أغلبي كمدلكين.

مبدأ تكافؤ الفرص.. نقطة استفهام

 تجربة أخرى خاضها محمد الذي يعاني من مرض التوحد، حيث تكشف امه سارة ان وزارة التربية لم توافق على طلبهم بتوفير شخص ثالث يقوم بمهمة تفسير الامتحانات في الباكالوريا، واكتفت بالسماح له فقط بثلث الوقت الاضافي للامتحان. ورغم تأكيد الطبيب المباشر لحالته كمتوحد ان الحاجة اكيدة لمفسر وان مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ يقتضي توفيره وان غيابه سيكون له تأثير على مردوديته، لم تهتم الوزارة لذلك واعتبرت ان الامر غير ضروري.. ولتؤكد بذلك وزارة التربية والمنظومة التربوية مرة اخرى، انها منظومة غير مؤهلة لاحتواء من لهم صعوبات في التعلم او يعانون من مرض التوحد فلا تراعي خصوصياتهم، وتمتنع عن فهمهم ولا تبذل اي جهد من اجل تمكينهم من فرصة الاندماج.

وتعتبر سارة والدة محمد انه ورغم ان السنوات الاخيرة قد سجلت عناية وتناول افضل لمرضى التوحد في المسارات التربوية التعلمية، الا ان المقاربات ماتزال منقوصة مبنية على مبادرات فردية من قبل المعلمين او الاساتذة. ولم تفهم الى غاية اليوم ان التلميذ المتوحد ليس عاجزا على الفهم وانما فقط يحتاج إلى طريقة مغايرة وجهدا اكبر من قبل المدرسين للاستيعاب، ونتائجه ستكون مغايرة تماما لو خضع الى امتحانات شفاهية أكثر منها كتابية.

تجارب ثلاث قادرة على تفسير العدد المحدود للغاية للتلاميذ من حاملي وحاملات الإعاقة الذين، يسجلون سنويا في مناظرة الباكالوريا، فبداية لا يمكن لأي منهم بصفة اوتوماتيكية المشاركة في الامتحان فيجب على كل منهم ان يتقدم بمطلب لوزارة التربية عبر مندوبياتها الجهوية ويجبر في العديد من المرات على إجراء الامتحان خارج ولايته ويحرم من هذه الفرصة من لا يتقدم بالمطلب او يتوقع ان حظوظه مضمونة مادام موجودا في سجلات وزارة التربية..

وسيتمتع حسب المعطيات الأخيرة المعلنة من قبل وزارة التربية الخاصة بدورة 2021/2022 لمناظرة الباكالوريا، نحو الـ335 تلميذا بامتياز تمديد للوقت المخصص للامتحان كما سيقع تمكين 72 آخرين بامتياز تضخيم الخط، مع انتفاع 71 آخرين من فاقدي البصر بأوراق امتحان بكتابة براي، في حين لن يجري امتحان الباكالوريا أي من مرضى التوحد، فحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" تقدم تلميذ وحيد متوحد بمطلب مشاركة في امتحان الباكالوريا لهذه السنة ولم يلق القبول ولم تتمكن "الصباح" من اخذ توضيح في شانه من قبل مدير عام الامتحانات عادل بن حميدة الذي لم يرد على الاتصالات المتتالية والمتكررة لـ"الصباح".

معضلة الإدماج المدرسي

وحسب تقرير وضع الطفولة في تونس الصادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار المسنين، يبقى ولوج الفتيات من ذوات الاعاقة ضعيف للغاية في تونس وخاصة في المناطق الريفية، وتكون نسبة الذكور في المرحلة الاعدادية في حدود الـ 66% في الوقت الذي لا تمثل فيه الاناث الا نسبة 34% فقط. ويقر التقرير بعدم وجود تكافؤ في الفرص بين الاناث والذكور من حاملي الاعاقة وذلك بسبب عدم تهيئة المدارس الدامجة وملاءمة الفضاءات لاحتضان التلاميذ المعنيين في المرحلة الابتدائية والاعدادية وبالمعاهد، وضمان تكوين خصوصي لهم. ويشير التقرير إلى أن برنامج الإدماج المدرسي لحاملي وحاملات الاعاقة لم يرتق بعد الى المستوى المطلوب ولا يستجيب لحاجيات التلاميذ. وهو ما يتسبب في تسجيل نسب تسرب عالية في صفوف التلاميذ من ذوي وذوات الإعاقة وتكون الظاهرة أعمق في صفوف الإناث منهم.

ويعتبر محمد المنصوري رئيس جمعية أبصار في لقائه بـ"الصباح" أن مسارات التمدرس في حد ذاتها تنقسم الى نوعين، مسار عادي للتمدرس وآخر خاص عازل، موجه الى ذوي وذوات الاعاقة والتي منها الاعاقة البصرية.

والمؤسسات التربوية المعنية بتعليم المكفوفين لا تمت باي صلة حسب المنصوري إلى التعليم المندمج، فهي مراكز تدريس تضم أكثر من 70% من المدرسين من المكفوفين، كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدين للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة، وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو الجنسين.

عدم احترام أسس التعليم

ويوضح المنصوري أنه بداية المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من اجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم في 3 مراكز اساسية على مستوى الجمهورية، هي بن عروس وسوسة وقابس مع تجربة جديدة في صفاقس أطلق عليها تجربة دامجة، وليس لها أي علاقة بالإدماج أين تم زرع قسم باكالوريا لذوي وذوات الاعاقة البصرية في احد معاهد صفاقس، مع تغييب تام لكل آليات الإدماج، قسم من المكفوفين بأساتذة من المكفوفين معزولين ليس بينهم وبين بقية مكونات المعهد أي تعامل، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلاميذ المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المعهد، يتقاسمون معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المعهد..

ويضيف رئيس جمعية إبصار إن وزارة التربية الفاعل الاول فيما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، لا تحترم اسس التعليم وهي القراء والكتابة بلغة براي غير مواكبة للتطور التكنولوجي لا توفر اي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف، تجبرهم جميعا على شعبة وحيدة وهي الآداب ولا ترعي خلال كل المسار التعليمي انهم فئات اجتماعية فقيرة ـ الفقر والاعاقة امران متلازمان ـ وان تكلفة الطفل حامل الإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وان عددا كبيرا منهم يغادر مقاعد الدراسة نتيجة فقره وعدم قدرته على توفير تغطية كلفة تعلميه.

وحتى الناجحين منهم في الباكالوريا يضطرون إلى الدراسة مع المكفوفين فقط كمدلك وقليلة جدا هي النسبة التي تدرس تخصصا آخر كالعربية والشريعة والانقليزية، باعتبار أن المكفوف ليس له الحق في اختيار غير شعبة الآداب على خلفية عدم توفير وزارة التربية لأي محامل أو كتب بصيغة البراي، ومثل وزارة التربية تكتفي وزارة التعليم العالي ايضا في تعاملها مع المكفوفين بالأدنى. ولا توفر اي محامل خاصة بهم وتحرمهم من اي رغبة او حلم في التخصص في شعب مبنية على ما هو بصري كالجغرافيا والتاريخ مثلا..

في نفس السياق يشير حسام علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الاشارات ان المنظومة التربوية الطاردة لفاقدي السمع تجعل نسبا عالية للغاية منهم ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة للغاية حيث لا تتجاوز فترة تعلمهم الاولى والثانية أساسي وأمام ما يواجهونه من تنمر وعدم قبول في المدرسة ومن قبل المدرسين. وعلى اقصى تقدير نجد مع كل نهاية سنة دراسية بين 25 و30 تلميذا أصم فقط بصدد اجراء مناظرة الباكالوريا لا يوفق فيهم بالنجاح غير 3 او 4 على اقصى تقدير. على خلفية رفض الدولة مساعدتهم في تجاوز مشكلة صعوبة الفهم عبر تمكينهم من اضافة في التوقيت بنحو النصف وليس الثلث..

ويوضح علوي أن تلميذ الباكالوريا من فاقدي السمع خلال اجرائه للامتحانات يكون امام مراقبين ليس لهم اي دراية أو فهم للغة الإشارة، عاجز عن التواصل مع من حوله في مواجهة صعوبات جمة في تبليغ خصوصياته وإمكانيات تمكينه من أوقات مستقطعة وفترات استراحة خلال اجراء الامتحان.

ويعتبر حسام علوي ان عدم تكييف المسار التعليمي مع متطلبات الاصم هو ما يمنع عددا كبيرا منهم من النجاح أو من مواصلة تعليمهم، خاصة أن الدولة لا تقدم أي معونة للأسر في ما يتعلق بتوفير منطق او متابعة نفسي للطفل فاقد السمع..، ولا تخصص أي تكوين للمعلمين او الاساتذة يمكنهم من التعامل معهم كما لا تمكنهم من اي محامل مساعدة على الاستيعاب والتحصيل العلمي الذي يمكنهم من نفس حظوظ غيرهم من التلاميذ.

ريم سوودي

منظومة تربوية طاردة.. عازلة.. وغير دامجة / كفيف.. متوحد.. وأصم يروون لـ"الصباح" معاناتهم مع الباكالوريا

وزارة التربية تتعامل مع حاملي وحاملات الاعاقة بعيدا عن تكافؤ الفرص في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم..

تونس- الصباح

خوض مناظرة الباكالوريا، كانت التجربة الاصعب على الاطلاق بالنسبة لعاطف، وهي في نفس الوقت التجربة الاهم له كتلميذ اصم. فمن ناحية كانت باب الدخول للجامعة، وفي نفس الوقت محطة مخيفة للغاية بالنسبة له. فنسبة نجاح من مثله ضئيلة للغاية في الباكالوريا والدولة تمنع تواجد مفسر للامتحان ويكون عليه أن يبذل جهدا مضاعفا ثلاث أو أربع مرات مقارنة بالتلميذ العادي ليتمكن من فهم الدروس التي لا تقدم بلغة الاشارات وفي الغالب يتجاهل الاساتذة التلاميذ الذين لهم صعوبة في التعلم دون منحهم فرصة للفهم تحت ضغط اتمام البرنامج.

فالدروس لا تقدم أو يتم توفيرها من قبل وزارة التربية بلغة الإشارات ونظرا إلى أن مواد كالفلسفة والانقليزية والفرنسية مبنية على التواصل والتفسير يصعب على الاصم فهمها او استيعابها ويكون من الصعب عليه التركيز في هذه الحصص وبالتالي يميل في دراسته الى المواد العلمية التي تبنى على ما هو بصري بالأساس كالرياضيات والفيزياء..

وما يزيد الطين بلة بالنسبة للتلميذ الاصم ان الاساتذة المراقبين خلال امتحان الباكالوريا لا يكون لهم علم في العديد من المرات بوجود تلميذ اصم وانه يتمتع بزيادة في وقت الامتحان وله خصوصيات يجب اخذها بعين الاعتبار على غرار تمكينه من الخروج كل فترة للراحة وتجديد التركيز..

حيرة ومعاناة

وبابتسامته الهادئة، احتار محمد التلميذ الكفيف كيف يصف تجربته الدراسية، فقد كانت حسب تقييمه بمثابة معركة الحياة، حارب خلالها وهو طفل قادم من منطقة السرس من ولاية الكاف تلك النظرة الدونية للدولة لذوي وذوات الاعاقة البصرية، فقد وجد نفسه وهو في سن التسع سنوات وسط مركز المكفوفين ببن عروس غير قادر حتى على معرفة الاتجاهات، بصدد التعامل مع اطارات ليس لهم اي معرفة لخصوصيات حاملي الاعاقة البصرية في غياب المختص الاجتماعي او النفسي او طبيب عيون متابع لحالاتهم.. بصدد بذل جهد مضاعف من اجل التحصيل العلمي.. وهو ما يجعل عدد القادمين الى المركز يتضاءل تدريجيا ومن بين نحو الـ 250 تلميذا لا يصل إلى المرحلة النهائية لإجراء مناظرة الباكالوريا غير 13 او 14 تلميذا. ويكون الجميع فيها مجبرين على خيار وحيد شعبة الآداب بفرضيات توجيه جامعي أغلبي كمدلكين.

مبدأ تكافؤ الفرص.. نقطة استفهام

 تجربة أخرى خاضها محمد الذي يعاني من مرض التوحد، حيث تكشف امه سارة ان وزارة التربية لم توافق على طلبهم بتوفير شخص ثالث يقوم بمهمة تفسير الامتحانات في الباكالوريا، واكتفت بالسماح له فقط بثلث الوقت الاضافي للامتحان. ورغم تأكيد الطبيب المباشر لحالته كمتوحد ان الحاجة اكيدة لمفسر وان مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ يقتضي توفيره وان غيابه سيكون له تأثير على مردوديته، لم تهتم الوزارة لذلك واعتبرت ان الامر غير ضروري.. ولتؤكد بذلك وزارة التربية والمنظومة التربوية مرة اخرى، انها منظومة غير مؤهلة لاحتواء من لهم صعوبات في التعلم او يعانون من مرض التوحد فلا تراعي خصوصياتهم، وتمتنع عن فهمهم ولا تبذل اي جهد من اجل تمكينهم من فرصة الاندماج.

وتعتبر سارة والدة محمد انه ورغم ان السنوات الاخيرة قد سجلت عناية وتناول افضل لمرضى التوحد في المسارات التربوية التعلمية، الا ان المقاربات ماتزال منقوصة مبنية على مبادرات فردية من قبل المعلمين او الاساتذة. ولم تفهم الى غاية اليوم ان التلميذ المتوحد ليس عاجزا على الفهم وانما فقط يحتاج إلى طريقة مغايرة وجهدا اكبر من قبل المدرسين للاستيعاب، ونتائجه ستكون مغايرة تماما لو خضع الى امتحانات شفاهية أكثر منها كتابية.

تجارب ثلاث قادرة على تفسير العدد المحدود للغاية للتلاميذ من حاملي وحاملات الإعاقة الذين، يسجلون سنويا في مناظرة الباكالوريا، فبداية لا يمكن لأي منهم بصفة اوتوماتيكية المشاركة في الامتحان فيجب على كل منهم ان يتقدم بمطلب لوزارة التربية عبر مندوبياتها الجهوية ويجبر في العديد من المرات على إجراء الامتحان خارج ولايته ويحرم من هذه الفرصة من لا يتقدم بالمطلب او يتوقع ان حظوظه مضمونة مادام موجودا في سجلات وزارة التربية..

وسيتمتع حسب المعطيات الأخيرة المعلنة من قبل وزارة التربية الخاصة بدورة 2021/2022 لمناظرة الباكالوريا، نحو الـ335 تلميذا بامتياز تمديد للوقت المخصص للامتحان كما سيقع تمكين 72 آخرين بامتياز تضخيم الخط، مع انتفاع 71 آخرين من فاقدي البصر بأوراق امتحان بكتابة براي، في حين لن يجري امتحان الباكالوريا أي من مرضى التوحد، فحسب معطيات تحصلت عليها "الصباح" تقدم تلميذ وحيد متوحد بمطلب مشاركة في امتحان الباكالوريا لهذه السنة ولم يلق القبول ولم تتمكن "الصباح" من اخذ توضيح في شانه من قبل مدير عام الامتحانات عادل بن حميدة الذي لم يرد على الاتصالات المتتالية والمتكررة لـ"الصباح".

معضلة الإدماج المدرسي

وحسب تقرير وضع الطفولة في تونس الصادر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار المسنين، يبقى ولوج الفتيات من ذوات الاعاقة ضعيف للغاية في تونس وخاصة في المناطق الريفية، وتكون نسبة الذكور في المرحلة الاعدادية في حدود الـ 66% في الوقت الذي لا تمثل فيه الاناث الا نسبة 34% فقط. ويقر التقرير بعدم وجود تكافؤ في الفرص بين الاناث والذكور من حاملي الاعاقة وذلك بسبب عدم تهيئة المدارس الدامجة وملاءمة الفضاءات لاحتضان التلاميذ المعنيين في المرحلة الابتدائية والاعدادية وبالمعاهد، وضمان تكوين خصوصي لهم. ويشير التقرير إلى أن برنامج الإدماج المدرسي لحاملي وحاملات الاعاقة لم يرتق بعد الى المستوى المطلوب ولا يستجيب لحاجيات التلاميذ. وهو ما يتسبب في تسجيل نسب تسرب عالية في صفوف التلاميذ من ذوي وذوات الإعاقة وتكون الظاهرة أعمق في صفوف الإناث منهم.

ويعتبر محمد المنصوري رئيس جمعية أبصار في لقائه بـ"الصباح" أن مسارات التمدرس في حد ذاتها تنقسم الى نوعين، مسار عادي للتمدرس وآخر خاص عازل، موجه الى ذوي وذوات الاعاقة والتي منها الاعاقة البصرية.

والمؤسسات التربوية المعنية بتعليم المكفوفين لا تمت باي صلة حسب المنصوري إلى التعليم المندمج، فهي مراكز تدريس تضم أكثر من 70% من المدرسين من المكفوفين، كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدين للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة، وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو الجنسين.

عدم احترام أسس التعليم

ويوضح المنصوري أنه بداية المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من اجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم في 3 مراكز اساسية على مستوى الجمهورية، هي بن عروس وسوسة وقابس مع تجربة جديدة في صفاقس أطلق عليها تجربة دامجة، وليس لها أي علاقة بالإدماج أين تم زرع قسم باكالوريا لذوي وذوات الاعاقة البصرية في احد معاهد صفاقس، مع تغييب تام لكل آليات الإدماج، قسم من المكفوفين بأساتذة من المكفوفين معزولين ليس بينهم وبين بقية مكونات المعهد أي تعامل، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلاميذ المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المعهد، يتقاسمون معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المعهد..

ويضيف رئيس جمعية إبصار إن وزارة التربية الفاعل الاول فيما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، لا تحترم اسس التعليم وهي القراء والكتابة بلغة براي غير مواكبة للتطور التكنولوجي لا توفر اي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف، تجبرهم جميعا على شعبة وحيدة وهي الآداب ولا ترعي خلال كل المسار التعليمي انهم فئات اجتماعية فقيرة ـ الفقر والاعاقة امران متلازمان ـ وان تكلفة الطفل حامل الإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وان عددا كبيرا منهم يغادر مقاعد الدراسة نتيجة فقره وعدم قدرته على توفير تغطية كلفة تعلميه.

وحتى الناجحين منهم في الباكالوريا يضطرون إلى الدراسة مع المكفوفين فقط كمدلك وقليلة جدا هي النسبة التي تدرس تخصصا آخر كالعربية والشريعة والانقليزية، باعتبار أن المكفوف ليس له الحق في اختيار غير شعبة الآداب على خلفية عدم توفير وزارة التربية لأي محامل أو كتب بصيغة البراي، ومثل وزارة التربية تكتفي وزارة التعليم العالي ايضا في تعاملها مع المكفوفين بالأدنى. ولا توفر اي محامل خاصة بهم وتحرمهم من اي رغبة او حلم في التخصص في شعب مبنية على ما هو بصري كالجغرافيا والتاريخ مثلا..

في نفس السياق يشير حسام علوي رئيس الجمعية التونسية لمترجمي لغة الاشارات ان المنظومة التربوية الطاردة لفاقدي السمع تجعل نسبا عالية للغاية منهم ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة للغاية حيث لا تتجاوز فترة تعلمهم الاولى والثانية أساسي وأمام ما يواجهونه من تنمر وعدم قبول في المدرسة ومن قبل المدرسين. وعلى اقصى تقدير نجد مع كل نهاية سنة دراسية بين 25 و30 تلميذا أصم فقط بصدد اجراء مناظرة الباكالوريا لا يوفق فيهم بالنجاح غير 3 او 4 على اقصى تقدير. على خلفية رفض الدولة مساعدتهم في تجاوز مشكلة صعوبة الفهم عبر تمكينهم من اضافة في التوقيت بنحو النصف وليس الثلث..

ويوضح علوي أن تلميذ الباكالوريا من فاقدي السمع خلال اجرائه للامتحانات يكون امام مراقبين ليس لهم اي دراية أو فهم للغة الإشارة، عاجز عن التواصل مع من حوله في مواجهة صعوبات جمة في تبليغ خصوصياته وإمكانيات تمكينه من أوقات مستقطعة وفترات استراحة خلال اجراء الامتحان.

ويعتبر حسام علوي ان عدم تكييف المسار التعليمي مع متطلبات الاصم هو ما يمنع عددا كبيرا منهم من النجاح أو من مواصلة تعليمهم، خاصة أن الدولة لا تقدم أي معونة للأسر في ما يتعلق بتوفير منطق او متابعة نفسي للطفل فاقد السمع..، ولا تخصص أي تكوين للمعلمين او الاساتذة يمكنهم من التعامل معهم كما لا تمكنهم من اي محامل مساعدة على الاستيعاب والتحصيل العلمي الذي يمكنهم من نفس حظوظ غيرهم من التلاميذ.

ريم سوودي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews