إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدولة بـ "لا دين" في دستور بلعيد..!

تونس- الصباح

لم يتردد منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد الدستور الجديد، الصادق بلعيد، في التأكيد على إمكانية  تجاوز ومحو الفصل الأول من دستور 2014 الذي ينص على أن "تونس دولة حرّة مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها"، وذلك في انسجام مع فكرة رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي طالما انتقد في المطلق، مسألة أن يكون للدولة دين سواء كان الإسلام أو غيره من الأديان.

منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور، الصادق بلعيد، قال في تصريح لوكالة فرانس براس، أول أمس، إنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك هو »التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة "..

وكان من المتوقع أن يتم إلغاء هذا الفصل في إعداد الدستور الجديد بالنظر إلى مواقف الرئيس منه رغم أن هذا الفصل يعتبر الوحيد الذي صمد دستوريا من دستور 1959 حيث لم يتم تغيره ولا تعديله في دستور 2014، وقد برر قيس سعيد في أحد محاضراته في سبتمبر 2018 بمناسبة افتتاح السنة الجامعية وكان عنوان هذه المحاضرة »الإسلام دينها« ألقاها في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية أن "أحدا لم يجلس مع الدولة على مائدة الغداء، فكيف لهذه الذات المعنوية أن تكون لها عقيدة وأن تدين بدين من الأديان؟"،  واليوم يعمل قيس سعيد بعد وصوله الى السلطة على زعزعة هذا »الاستقرار الايماني «  حول الفصل الأول من الدستور، الذي استمر لعقود بتأكيده ان الإسلام هو دين الأمة وليس دين الدولة وأن الصلاة والصوم تتم بأمر من الله وليس بناء على الفصل الأول من الدستور، وفق تصريحات سابقة لقيس سعيد..، ولكن في هذه التصريحات لا يتحدث رئيس الجمهورية من منطلق علماني يؤمن بضرورة فصل السياسة كشأن دنيوي على الدين وعلى العبادات وعلى المساجد..، بل من منطلق قانوني فلسفي لا يمكن أن يغيّر في أوضاع الناس ولا في شؤونهم، خاصة وأنه والى اليوم ما زال الصراع على الهوية في ذروته، والسؤال المطروح هو هل أن الدولة التي نحن بصددها دولة دينية أم مدنية تكفل الحرية للجميع دون خلفيات عقائدية ولا مذهبية؟، وهو ما لم يحسم بعد..

الخصومة السياسية في الدستور

واذا كان رئيس الجمهورية قد طرح فكرته حول دين الدولة من منطلق قانوني فلسفي وليس من منطلق علماني يمكن أن يفضي فعلا إلى فصل الدين عن السياسة كما طالب بذلك عدة أطراف في المجلس الوطني التأسيسي، فان منسق لجنة صياغة الدستور الصادق بلعيد قدّر أن »عدم ذكر الإسلام الهدف منه محاربة الأحزاب السياسية على غرار حركة النهضة«، وهو ما قد يفهم منه أن إلغاء هذا الفصل لا يحمل نفسا إصلاحيا لمسألة كان يراها رئيس الجمهورية مختلة بقدر ما يؤكد هذا التصريح لبلعيد أن الخصومة السياسية مع حركة النهضة ستلقي بظلالها على عملية صياغة الدستور رغم أنه استدرك في ذات السياق قائلا: »أنّ 80٪ من التونسيين يعارضون التطرف ويعارضون استخدام الدين لأغراض سياسية، وإذا تم توظيف الدين من أجل التطرف السياسي فسنمنع ذلك"، كما توجّه بالحديث إلى الأوروبيين قائلا : »لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا"، وفق تعبيره.

واذا كان البعض اعتقد أن تجريد الدولة من صفة دولة مسلمة سيمنح غير المسلمين من التونسيين فرصة للترشح لمنصب الرئيس الا أن الصادق بلعيد حسم الأمر بتصريحه منذ أيام أن "تونس في أغلبيتها بلد مسلم فلا يمكن إعطاء الحظّ لرئاسة الدولة على قدم المساواة بين مسلم وغيره من معتنقي الديانات الأخرى".

وقد شدد الصادق بلعيد بالرغم من أن المقترحات بشأن صياغة الدستور لم تقدم بعد على أن الدولة لن تتضمن ذكر الإسلام كمرجعية للدولة.

الدول لا تسير على الصراط..!

في معرض حديثه عن الدين، وفي المحاضرة التي كنا اشرنا إليها في البداية، برر قيس سعيد فكرته حول أن الدول لا دين لها بقوله: »هل توجد دول تطوف بالبيت الحرام أو تسعى بين الصفا والمروة أو تتطهّر أو تصوم؟ هل يوجد يوم حشر للدول فيدخل بعضها للجنة ويُدخل بعضها الآخر للنار بعد أن تمر كل دولة على الصراط؟ هل توجد ذات معنوية قانونية أعلنت توبتها أو غسلت حوبتها أو على العكس أعلنت ردّتها وغيرت ملتها أو كشفت عورتها؟". 

كما اعتبر وقتها قيس سعيد ان بعض ما ورد في دساتير عربية هو اسقاط لقناعات غربية حيث قال: »أستلهم من أحمد مطر، إذ الدساتير سُألت بأي حبر كتبت لانتفضت فصولها وصرخت بنودها بحبر مستورد من عواصم غربية"،  مؤكدا على أن الإسلام لا يمكن أن يكون إلا دين الأمة وليس دين الدولة بالرغم من كل المحاولات لحصر الأمة داخل حدود الدولة في الفكر السياسي الغربي، وفق تعبيره، قائلا : »سواء اعترف الفقهاء بالشخصية القانونية للأمة أو أنكروها، فإن الدين لا يمكن أن يكون موجها إلا لجماعة من البشر ".

وهذه الأفكار التي دافع عليها قيس سعيد كأستاذ للقانون الدستوري هو يصرّ على تضمينها بالدستور الجديد والذي سيكون في أغلبه مستلهما من أفكاره وقناعاته .

منية العرفاوي

-----

الدين والدساتير

الجدال المطروح اليوم في تونس حول دين الدولة ليس بالأمر الغريب وهو جدال متجدد في كل الدول وعبر كل الأنظمة حيث تكون المسألة الدينية مسألة ذات خصوصية وحساسة دائما، بما في ذلك الدول العلمانية كفرنسا حيث لم تعد الدولة الفرنسية منذ سنة 1905 تعترف بأي دين رسمي أول، فان مسألة الدين ما زالت تطرح نقاشا في دول أخري الى اليوم .

وبالنسبة للعالم العربي والإسلامي فان المختصين يشيرون الى أن الدستور العثماني سنة 1876 كان أول من نص على أن دين الدولة العثمانية هو دين الإسلام مع حماية حق بقية الأديان في التواجد، ليتم التنصيص بعد ذلك بعقود في الدستور التركي أن الجمهورية التركية هي دولة علمانية..

فما نجد أن الدولة السورية مثلا لا تشترط دينا للدولة بل دينا للرئيس حيث تفرض ان يكون الرئيس مسلما وذلك قد يفهم في سياق وجود عدة طوائف بسوريا .

الدولة الوحيدة التي اقتصرت دساتيرها أو مشاريع دساتيرها على اشتراط الإسلام لا كدين للدولة ولكن كدين لرئيس الدولة هي سوريا. ونحن اليوم ننتظر كيف سيكون حضور الدين الإسلامي في الدستور التونسي الجديد.

منية

الدولة بـ "لا دين" في دستور بلعيد..!

تونس- الصباح

لم يتردد منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد الدستور الجديد، الصادق بلعيد، في التأكيد على إمكانية  تجاوز ومحو الفصل الأول من دستور 2014 الذي ينص على أن "تونس دولة حرّة مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها"، وذلك في انسجام مع فكرة رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي طالما انتقد في المطلق، مسألة أن يكون للدولة دين سواء كان الإسلام أو غيره من الأديان.

منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور، الصادق بلعيد، قال في تصريح لوكالة فرانس براس، أول أمس، إنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، مشيرا إلى أن الهدف من ذلك هو »التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة "..

وكان من المتوقع أن يتم إلغاء هذا الفصل في إعداد الدستور الجديد بالنظر إلى مواقف الرئيس منه رغم أن هذا الفصل يعتبر الوحيد الذي صمد دستوريا من دستور 1959 حيث لم يتم تغيره ولا تعديله في دستور 2014، وقد برر قيس سعيد في أحد محاضراته في سبتمبر 2018 بمناسبة افتتاح السنة الجامعية وكان عنوان هذه المحاضرة »الإسلام دينها« ألقاها في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية أن "أحدا لم يجلس مع الدولة على مائدة الغداء، فكيف لهذه الذات المعنوية أن تكون لها عقيدة وأن تدين بدين من الأديان؟"،  واليوم يعمل قيس سعيد بعد وصوله الى السلطة على زعزعة هذا »الاستقرار الايماني «  حول الفصل الأول من الدستور، الذي استمر لعقود بتأكيده ان الإسلام هو دين الأمة وليس دين الدولة وأن الصلاة والصوم تتم بأمر من الله وليس بناء على الفصل الأول من الدستور، وفق تصريحات سابقة لقيس سعيد..، ولكن في هذه التصريحات لا يتحدث رئيس الجمهورية من منطلق علماني يؤمن بضرورة فصل السياسة كشأن دنيوي على الدين وعلى العبادات وعلى المساجد..، بل من منطلق قانوني فلسفي لا يمكن أن يغيّر في أوضاع الناس ولا في شؤونهم، خاصة وأنه والى اليوم ما زال الصراع على الهوية في ذروته، والسؤال المطروح هو هل أن الدولة التي نحن بصددها دولة دينية أم مدنية تكفل الحرية للجميع دون خلفيات عقائدية ولا مذهبية؟، وهو ما لم يحسم بعد..

الخصومة السياسية في الدستور

واذا كان رئيس الجمهورية قد طرح فكرته حول دين الدولة من منطلق قانوني فلسفي وليس من منطلق علماني يمكن أن يفضي فعلا إلى فصل الدين عن السياسة كما طالب بذلك عدة أطراف في المجلس الوطني التأسيسي، فان منسق لجنة صياغة الدستور الصادق بلعيد قدّر أن »عدم ذكر الإسلام الهدف منه محاربة الأحزاب السياسية على غرار حركة النهضة«، وهو ما قد يفهم منه أن إلغاء هذا الفصل لا يحمل نفسا إصلاحيا لمسألة كان يراها رئيس الجمهورية مختلة بقدر ما يؤكد هذا التصريح لبلعيد أن الخصومة السياسية مع حركة النهضة ستلقي بظلالها على عملية صياغة الدستور رغم أنه استدرك في ذات السياق قائلا: »أنّ 80٪ من التونسيين يعارضون التطرف ويعارضون استخدام الدين لأغراض سياسية، وإذا تم توظيف الدين من أجل التطرف السياسي فسنمنع ذلك"، كما توجّه بالحديث إلى الأوروبيين قائلا : »لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا"، وفق تعبيره.

واذا كان البعض اعتقد أن تجريد الدولة من صفة دولة مسلمة سيمنح غير المسلمين من التونسيين فرصة للترشح لمنصب الرئيس الا أن الصادق بلعيد حسم الأمر بتصريحه منذ أيام أن "تونس في أغلبيتها بلد مسلم فلا يمكن إعطاء الحظّ لرئاسة الدولة على قدم المساواة بين مسلم وغيره من معتنقي الديانات الأخرى".

وقد شدد الصادق بلعيد بالرغم من أن المقترحات بشأن صياغة الدستور لم تقدم بعد على أن الدولة لن تتضمن ذكر الإسلام كمرجعية للدولة.

الدول لا تسير على الصراط..!

في معرض حديثه عن الدين، وفي المحاضرة التي كنا اشرنا إليها في البداية، برر قيس سعيد فكرته حول أن الدول لا دين لها بقوله: »هل توجد دول تطوف بالبيت الحرام أو تسعى بين الصفا والمروة أو تتطهّر أو تصوم؟ هل يوجد يوم حشر للدول فيدخل بعضها للجنة ويُدخل بعضها الآخر للنار بعد أن تمر كل دولة على الصراط؟ هل توجد ذات معنوية قانونية أعلنت توبتها أو غسلت حوبتها أو على العكس أعلنت ردّتها وغيرت ملتها أو كشفت عورتها؟". 

كما اعتبر وقتها قيس سعيد ان بعض ما ورد في دساتير عربية هو اسقاط لقناعات غربية حيث قال: »أستلهم من أحمد مطر، إذ الدساتير سُألت بأي حبر كتبت لانتفضت فصولها وصرخت بنودها بحبر مستورد من عواصم غربية"،  مؤكدا على أن الإسلام لا يمكن أن يكون إلا دين الأمة وليس دين الدولة بالرغم من كل المحاولات لحصر الأمة داخل حدود الدولة في الفكر السياسي الغربي، وفق تعبيره، قائلا : »سواء اعترف الفقهاء بالشخصية القانونية للأمة أو أنكروها، فإن الدين لا يمكن أن يكون موجها إلا لجماعة من البشر ".

وهذه الأفكار التي دافع عليها قيس سعيد كأستاذ للقانون الدستوري هو يصرّ على تضمينها بالدستور الجديد والذي سيكون في أغلبه مستلهما من أفكاره وقناعاته .

منية العرفاوي

-----

الدين والدساتير

الجدال المطروح اليوم في تونس حول دين الدولة ليس بالأمر الغريب وهو جدال متجدد في كل الدول وعبر كل الأنظمة حيث تكون المسألة الدينية مسألة ذات خصوصية وحساسة دائما، بما في ذلك الدول العلمانية كفرنسا حيث لم تعد الدولة الفرنسية منذ سنة 1905 تعترف بأي دين رسمي أول، فان مسألة الدين ما زالت تطرح نقاشا في دول أخري الى اليوم .

وبالنسبة للعالم العربي والإسلامي فان المختصين يشيرون الى أن الدستور العثماني سنة 1876 كان أول من نص على أن دين الدولة العثمانية هو دين الإسلام مع حماية حق بقية الأديان في التواجد، ليتم التنصيص بعد ذلك بعقود في الدستور التركي أن الجمهورية التركية هي دولة علمانية..

فما نجد أن الدولة السورية مثلا لا تشترط دينا للدولة بل دينا للرئيس حيث تفرض ان يكون الرئيس مسلما وذلك قد يفهم في سياق وجود عدة طوائف بسوريا .

الدولة الوحيدة التي اقتصرت دساتيرها أو مشاريع دساتيرها على اشتراط الإسلام لا كدين للدولة ولكن كدين لرئيس الدولة هي سوريا. ونحن اليوم ننتظر كيف سيكون حضور الدين الإسلامي في الدستور التونسي الجديد.

منية

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews