متجاهلا، كل دعوات التراجع ومراجعة صيغة وشكل الحوار كما اقترحه سواء من مؤيديه أو معارضيه..يمضي رئيس الجمهورية، قدما، في استكمال الخطوات اللازمة لإنجاح مشروعه السياسي بصياغة دستور جديد للبلاد سيؤسس لجمهورية جديدة .
حيث لم يكترث قيس سعيد الى رفض اتحاد الشغل رغم وزنه الاجتماعي والوطني، المشاركة في الحوار الذي اقترحه سعيد وشاركت فيه بقية المنظمات، كما لم يكترث لرفض عمداء كليات للمشاركة في اللجنة القانونية التي من المفروض ستقوم بصياغة النص الدستوري، وأصدر الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع دستور جديد للجمهورية يوم 25 جويلية المقبل.
والأمر الرئاسي الذي صدر بالرائد الرسمي وأصبحت له إلزامية قانونية، أكد أن الاستفتاء سيكون بـ"نعم" أو "لا" على سؤال "هل توافق على مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية؟".. رغم أن مشروع الدستور في حدّ ذاته لا أحد يعلم فحواه، بل ما زالت عملية صياغته لم تنطلق بعد وفق الروزنامة المعلنة، وبصرف النظر عما يتداول في الكواليس بشأن أن الدستور جاهز كمسودة وأن الجنة الاستشارية والتي سيرأسها رجل القانون الصادق بلعيد هي من سيقترح مشروع دستور جديد. وكان الرئيس قيس سعيد، قد عيّن الأسبوع الماضي أستاذ القانون الصادق بلعيد على رأس لجنة استشارية، تتألف من عمداء القانون والعلوم السياسية، لصياغة دستور جديد "لجمهورية جديدة".. وهو الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة الرافضة باعتبار إقصاء الأحزاب من صياغة مشروع سياسي يهم كل التونسيين.. ولكن هذا الرفض من القوى السياسي وبعض القوى الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، لم يربك، مسار الرئيس قيس سعيّد ، الذي "اكتفى بمن حضر" من المنظمات الوطنية للذهاب بعيدا بمشروعه السياسي، والذي سيتوج بالاستفتاء على الدستور الجديد في 25 جويلية المقبل .
لكن هل أن فعلا هذا الاستفتاء سيكون حول الدستور بكل فصوله وتغييراته مقارنة بدستور 2014 أم سيكون على شخص قيس سعيد كرئيس للجمهورية؟ وهل أن هذا الاستفتاء بـ"لا" أو بـ"نعم" يمكن أن يمنح هذا الدستور الشرعية الشعبية التي تجعله يصمد لسنوات أو لعقود قادمة، خاصة في غياب إجماع سياسي حوله وفي غياب التفاف من القوى المدنية حول مبادئه وتوجهاته، خاصة وأننا لا نعلم بعد المضامين التي سينص عليها هذا الدستور .
سياسة الأمر الواقع
دون نقاشات أو حوار حوله سيُوضع الدستور وفق الرؤية السياسية المتوافقة مع رؤية قيس سعيد، ولكن يكون دستور نابع من إرادة شعبية تفاعلية بين كل الأطياف الفكرية والأيديولوجية، بل دستورا مفروضا بقوة الواقع، والناخب مخير بين القبول به دفعة واحدة أو رفضه كذلك دفعة واحدة دون أي هامش للمراجعة أو التعديل. فالحملة الداعمة للتصويت بنعم لفائدة الدستور الجديد كما الرافضة له ستنطلقان دون معرفة نصّ هذا الدستور.. فاليوم لم يعد النقاش العام على فحوى فصول هذا الدستور بل على شخص الرئيس وتوجهاته ومشروعه السياسي المرتقب حتى دون اطلاع على تفاصيل هذا المشروع أو ملامح الجمهورية الجديدة التي يسعى الى تأسيسها .
وفي هذا الاستفتاء ستوضع شعبية الرئيس على المحك، هذه الشعبية التي قفزت الى أعلى مستوياتها بعد إعلان 25 جويلية بسبب موجة كره الأحزاب والغضب على حركة النهضة بالأساس التي يتفق الجميع على أنها أفسدت الحياة السياسية ونكلت بالمسار الديمقراطي وكانت شريكا أساسيا في تخريب الدولة، حيث استفاد سعيد من موجة الرفض هذه للأحزاب.. ولكن في المقابل فان تردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمماطلة في المحاسبة واحتكار جميع السلط دون إنجازات فعلية لصالح الشعب جعل شعبية قيس سعيد تتآكل شيئا فشيئا، ولعل أكبر دليل على ذلك هو المظاهرات المؤيدة لسعيد في الشارع وكذلك عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية التي استنفرت لها كل أجهزة الدولة .
المقاطعة والعزوف والتصويت بـ"لا" ..
ورغم أن البعض يتوقع عزوفا على المشاركة في الاستفتاء إلا انه ومهما كان عدد المصوتين بنعم فانه سيتم اعتماد النتيجة لصالح الدستور الذي اقترحه قيس سعيد، والذي سيسعى في الحملة الانتخابية التي سيقوم بها لشرح هذا الدستور وإبراز محاسنه مقارنة مع دستور 2014 ودستور 1959 ، الى الحرص على التركيز على شخصه وعلى صراعه ضد المنظومة القديمة حتى يسحب أكثر الاهتمام الى وجوده هو في حد ذاته والذي سيصبح مقترنا بنجاح الاستفتاء، وان كل إخفاق في هذا الجانب سيسمح بعودة حركة النهضة وأتباعها الى المشهد وسيفشل ما يعتبره هو وأنصاره، مرحلة تصحيح المسار وإنقاذ الدولة من الخراب ومن العشرية التي قادتها حركة النهضة والأحزاب المؤيدة لها .
وتحاول القوى المعارضة إفشال عملية الاستفتاء التي ستخلق واقعا سياسيا جديدا وملزما دستوريا وقانونيا بالدعوى الى مقاطعة الاستفتاء ولكن أغلب المختصين في القانون الانتخابي يرون أنّ قانون الانتخابات الحالي لا يسمح بالقيام بدعوات علنية لمقاطعة العملية الانتخابية كما وأن المتابعين للشأن العام يؤكدون أن دعوات المقاطعة لن تجدي نفعا وأنها لن تؤثر على سير العملية الانتخابية ولا على نتائجها خاصة وان التصويت بنعم لا يتطلب سقف مشاركة او عدد معين من الناخبين.
وما يعمق الأزمة السياسية التي نحن بصددها أن كل الاستفتاءات التي حصلت في مختلف الدول كانت تحتمل النتيجتين، أي التصويت بنعم أو بـ"لا".. ولكن واقع الحال يؤكد أننا سنذهب الى استفتاء مع فرضية واحدة هي نجاح الاستفتاء ونيل الدستور الجديد ثقة الناخبين. غير انه في صورة رفض الدستور وهذا احتمال ضعيف فانه الى الآن لم يطرح قيس سعيد لا على نفسه ولا على الشعب هذه الفرضية وما إذا كان في تلك الحالة سيعدل بعض نقاط الدستور ويطرحها مرة أخرى للاستفتاء .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
متجاهلا، كل دعوات التراجع ومراجعة صيغة وشكل الحوار كما اقترحه سواء من مؤيديه أو معارضيه..يمضي رئيس الجمهورية، قدما، في استكمال الخطوات اللازمة لإنجاح مشروعه السياسي بصياغة دستور جديد للبلاد سيؤسس لجمهورية جديدة .
حيث لم يكترث قيس سعيد الى رفض اتحاد الشغل رغم وزنه الاجتماعي والوطني، المشاركة في الحوار الذي اقترحه سعيد وشاركت فيه بقية المنظمات، كما لم يكترث لرفض عمداء كليات للمشاركة في اللجنة القانونية التي من المفروض ستقوم بصياغة النص الدستوري، وأصدر الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع دستور جديد للجمهورية يوم 25 جويلية المقبل.
والأمر الرئاسي الذي صدر بالرائد الرسمي وأصبحت له إلزامية قانونية، أكد أن الاستفتاء سيكون بـ"نعم" أو "لا" على سؤال "هل توافق على مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية؟".. رغم أن مشروع الدستور في حدّ ذاته لا أحد يعلم فحواه، بل ما زالت عملية صياغته لم تنطلق بعد وفق الروزنامة المعلنة، وبصرف النظر عما يتداول في الكواليس بشأن أن الدستور جاهز كمسودة وأن الجنة الاستشارية والتي سيرأسها رجل القانون الصادق بلعيد هي من سيقترح مشروع دستور جديد. وكان الرئيس قيس سعيد، قد عيّن الأسبوع الماضي أستاذ القانون الصادق بلعيد على رأس لجنة استشارية، تتألف من عمداء القانون والعلوم السياسية، لصياغة دستور جديد "لجمهورية جديدة".. وهو الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة الرافضة باعتبار إقصاء الأحزاب من صياغة مشروع سياسي يهم كل التونسيين.. ولكن هذا الرفض من القوى السياسي وبعض القوى الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، لم يربك، مسار الرئيس قيس سعيّد ، الذي "اكتفى بمن حضر" من المنظمات الوطنية للذهاب بعيدا بمشروعه السياسي، والذي سيتوج بالاستفتاء على الدستور الجديد في 25 جويلية المقبل .
لكن هل أن فعلا هذا الاستفتاء سيكون حول الدستور بكل فصوله وتغييراته مقارنة بدستور 2014 أم سيكون على شخص قيس سعيد كرئيس للجمهورية؟ وهل أن هذا الاستفتاء بـ"لا" أو بـ"نعم" يمكن أن يمنح هذا الدستور الشرعية الشعبية التي تجعله يصمد لسنوات أو لعقود قادمة، خاصة في غياب إجماع سياسي حوله وفي غياب التفاف من القوى المدنية حول مبادئه وتوجهاته، خاصة وأننا لا نعلم بعد المضامين التي سينص عليها هذا الدستور .
سياسة الأمر الواقع
دون نقاشات أو حوار حوله سيُوضع الدستور وفق الرؤية السياسية المتوافقة مع رؤية قيس سعيد، ولكن يكون دستور نابع من إرادة شعبية تفاعلية بين كل الأطياف الفكرية والأيديولوجية، بل دستورا مفروضا بقوة الواقع، والناخب مخير بين القبول به دفعة واحدة أو رفضه كذلك دفعة واحدة دون أي هامش للمراجعة أو التعديل. فالحملة الداعمة للتصويت بنعم لفائدة الدستور الجديد كما الرافضة له ستنطلقان دون معرفة نصّ هذا الدستور.. فاليوم لم يعد النقاش العام على فحوى فصول هذا الدستور بل على شخص الرئيس وتوجهاته ومشروعه السياسي المرتقب حتى دون اطلاع على تفاصيل هذا المشروع أو ملامح الجمهورية الجديدة التي يسعى الى تأسيسها .
وفي هذا الاستفتاء ستوضع شعبية الرئيس على المحك، هذه الشعبية التي قفزت الى أعلى مستوياتها بعد إعلان 25 جويلية بسبب موجة كره الأحزاب والغضب على حركة النهضة بالأساس التي يتفق الجميع على أنها أفسدت الحياة السياسية ونكلت بالمسار الديمقراطي وكانت شريكا أساسيا في تخريب الدولة، حيث استفاد سعيد من موجة الرفض هذه للأحزاب.. ولكن في المقابل فان تردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمماطلة في المحاسبة واحتكار جميع السلط دون إنجازات فعلية لصالح الشعب جعل شعبية قيس سعيد تتآكل شيئا فشيئا، ولعل أكبر دليل على ذلك هو المظاهرات المؤيدة لسعيد في الشارع وكذلك عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية التي استنفرت لها كل أجهزة الدولة .
المقاطعة والعزوف والتصويت بـ"لا" ..
ورغم أن البعض يتوقع عزوفا على المشاركة في الاستفتاء إلا انه ومهما كان عدد المصوتين بنعم فانه سيتم اعتماد النتيجة لصالح الدستور الذي اقترحه قيس سعيد، والذي سيسعى في الحملة الانتخابية التي سيقوم بها لشرح هذا الدستور وإبراز محاسنه مقارنة مع دستور 2014 ودستور 1959 ، الى الحرص على التركيز على شخصه وعلى صراعه ضد المنظومة القديمة حتى يسحب أكثر الاهتمام الى وجوده هو في حد ذاته والذي سيصبح مقترنا بنجاح الاستفتاء، وان كل إخفاق في هذا الجانب سيسمح بعودة حركة النهضة وأتباعها الى المشهد وسيفشل ما يعتبره هو وأنصاره، مرحلة تصحيح المسار وإنقاذ الدولة من الخراب ومن العشرية التي قادتها حركة النهضة والأحزاب المؤيدة لها .
وتحاول القوى المعارضة إفشال عملية الاستفتاء التي ستخلق واقعا سياسيا جديدا وملزما دستوريا وقانونيا بالدعوى الى مقاطعة الاستفتاء ولكن أغلب المختصين في القانون الانتخابي يرون أنّ قانون الانتخابات الحالي لا يسمح بالقيام بدعوات علنية لمقاطعة العملية الانتخابية كما وأن المتابعين للشأن العام يؤكدون أن دعوات المقاطعة لن تجدي نفعا وأنها لن تؤثر على سير العملية الانتخابية ولا على نتائجها خاصة وان التصويت بنعم لا يتطلب سقف مشاركة او عدد معين من الناخبين.
وما يعمق الأزمة السياسية التي نحن بصددها أن كل الاستفتاءات التي حصلت في مختلف الدول كانت تحتمل النتيجتين، أي التصويت بنعم أو بـ"لا".. ولكن واقع الحال يؤكد أننا سنذهب الى استفتاء مع فرضية واحدة هي نجاح الاستفتاء ونيل الدستور الجديد ثقة الناخبين. غير انه في صورة رفض الدستور وهذا احتمال ضعيف فانه الى الآن لم يطرح قيس سعيد لا على نفسه ولا على الشعب هذه الفرضية وما إذا كان في تلك الحالة سيعدل بعض نقاط الدستور ويطرحها مرة أخرى للاستفتاء .