لم يكن رفض الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني على الشاكلة التي اقترحها رئيس الجمهورية بالأمر المفاجئ للعديد من المتابعين.
غياب المفاجأة ترجمتها سلسلة المواقف المتكررة للامين العام نورالدين الطبوبي أو تصريحات الأمين العام المساعد سامي الطاهري اللذين عبرا تكرارا ومرارا عن رفضهما لتوجهات قيس سعيد.
الاتحاد يضغط
وفي هذا السياق قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في تصريح إعلامي يوم 13 أفريل الماضي عقب لقائه بوفد من برلمان الاتحاد الأوروبي، ''ان الاتحاد يضغط من أجل يكون الحوار تونسيا وبلا شروط مسبقة."
كما كان للامين العام موقف من البناء القاعدي الذي يتبناه سعيد حيث بين الطبوبي أن منظمته لم تعط صكا على بياض لرئاسة الجمهورية إثر إجراءات 25 جويلية.
وبين الأمين العام في كلمة ألقاها خلال أشغال المؤتمر الوطني للمرأة العاملة الأربعاء 22 ديسمير 2021" بأنه لا سبيل لهذا البناء لأن الأحزاب السياسية ليست كلها سيئة وهي المسؤولة على تنمية وعي المواطن حسب قوله وإزاحتها لا يكون إلا بالصندوق."
وقد زاد موقف المنظمة حدة مع إعلان سعيد عن المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المتعلق بالهيئات الاستشارية من اجل الجمهورية الجديدة حيث تخلى فيها الرئيس عن دور الأحزاب وبقية المنظمات مقابل تقديم واضح لمخرجات الاستشارة الالكترونية كمنصة انطلاق لتأسيس جمهورية "سعيد".
انتشار رقعة الرفض
غير أن ذلك لم يحصل حيث اصطدمت رؤية صاحب 25جويلية بانتشار رقعة الرفض التي لامست اغلب المنظمات والأحزاب وإقرارها المعلن عن مناهضتها لتوجهات الجمهورية الجديدة.
وشكل موقف الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل عودة للتوازنات السياسية بعد الغلبة التي فرضها الرئيس على الجميع منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية منذ نحو 10اشهر من الآن.
هكذا غلبة لئن حفزت أحزابا وجمعيات ومنظمات للعودة الى ساحات النضال فقد كانت أيضا حافزا للبعض الآخر للقفز في مركب الرئيس والاستفادة من "اللقطة".
بيد أن ذلك لم يدم طويلا حيث عاد الاتحاد لينهي حالة التردد والانتظار حتى قبل أشغال الهيئة الإدارية أول أمس الاثنين.
أولى التصريحات تلك التي قالها الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي طاهري والذي عبر بوضوح عن تخوفات المكتب التنفيذي والطبقة العاملة عموما من حالة "الخطر الجاثم"التي تمر بها البلاد في ظل الوضع المربك والمسار غير الواضح.
موقف الطاهري "احرق" مراكب أولئك الذين راهنوا على صمت المنظمة بعد الحديث المتواتر عن ملفات يملكها رئيس الجمهورية ومحيطه ضد أعضاء من المكتب التنفيذي وهو ما ألزمهم الصمت إزاء التحولات العميقة للمشهد السياسي منذ أحداث 25 جويلية الماضي.
هدنة.. الى حين
بيد أن صمت الاتحاد لم يكن سوى هدنة مؤقتة في انتظار أن "ينقشع الضباب" إلا أن ذلك لم يحصل بعد ان حاول سعيد فرض سلطته المطلقة على الجميع بما فيها الاتحاد حين رفض دعوته لحوار وطني وإقراره بحوار خاص انطلاقا من مخرجات الاستشارة الالكترونية.
إقرار الرئيس بأسبقية حواره القائم على الاستشارة على حساب دعوة اتحاد الشغل دفع بالمنظمة لرفض هذا التمشي وإعلان خطة بديلة ضمن ما يعرف بالخيار الثالث وهي محاولة لوضع الأسس الأولى للإصلاح الاجتماعي والسياسي.
وأمام رفض رئيس الدولة وإصراره على العزف منفردا قاطع سعيد في البداية جميع مكونات المشهد أحزاب ومنظمات ليخلق من حوله فراغا.
مربعات آمنة...لإنعاش المشروع
هكذا فراغ سرعان ما تداركه قيس سعيد بالإسراع بعقد لقاءات مع الاتحاد شغل ومنظمة الأعراف على أمل أن تشكل المنظمتان غرف إنعاش لمشروعه السياسي الذي دخل مرحلة حرجة أي قبل نحو شهرين من الاستفتاء الشعبي المنتظر.
غير أن بحث سعيد عن المربعات الآمنة لمشروعه لم يكن موقفا هذه المرة على اعتبار ان الاتحاد عبر عن رفضه لتطويع إرادة المنظمات وفرض الاستشارة الالكترونية عليهم.
ورغم تسلل مفهوم الحوار الى الخطاب الرسمي لرئاسة الجمهورية وإعلان قيس سعيد استعداده للحوار فان ذلك لم يزح الغموض المحيط بمسالة الحوار.
وقد زاد طرح سعيد لحواره المشروط والمحددة أهدافه سلفا وفقا لخطاب يوم 2ماي الجاري في الترفيع من حالات الرفض والتمرد .
وعلى أهمية الطرح الحواري في تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد فان دعوة الحوار بصيغتها الحالية هي إعلان وفاة للحياة الحزبية وإنهاء لمبدأ التشاركية وغلق للفضاء العام أمام التعددية الفكرية.
قتل الأحزاب
وقد فهم الاتحاد العام التونسي للشغل خطر استبعاد الأحزاب الوطنية من الحوار ويقول الطاهري" ان اتحاد الشغل لن يشارك في أي جريمة لـ”قتل الأحزاب”، لأنه في صورة القضاء على الأحزاب اليوم سوف يقع القضاء على المنظمات في المرة القادمة."
ويتقاطع موقف الطاهري مع تصريح الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي والذي شدد في تصريح سابق له " انه لا تراجع عن تشريك المنظمات والأحزاب السياسية في أي حوار وطني".
ولم ينجح لقاء سعيد بالطبوبي يوم الأحد الماضي أي قبل نحو 24ساعة من عقد إشغال الهيئة الإدارية من الخفض في منسوب التوتر بين قرطاج وبطحاء محمد علي.
ورغم موقف المنظمة من المرسوم عدد 30 فقد شكك العديد من المتابعين في أداء الاتحاد معتبرين أن الهيئة الإدارية الأخيرة جاءت "بنصف موقف" وذلك بعد أن تركت الباب مواربا أمام الرئيس .
واعتبر أصحاب هذا الرأي أن موقف الاتحاد قد يدفع بالرئيس لتقديم تنازلات لفائدة المنظمة وان الرفض المؤقت في انتظار تحسين "صيغ مشاركة المنظمة".
وعلى عكس هذا الرأي فقد أقرت قراءات أخرى ان الاتحاد يرفض ان يكون دوره ثانويا في هذه المحطة السياسية التاريخية التي تمر بها البلاد.
وان دعوته لسعيد للقيام ببعض المراجعات تمثل الإنذار الأخير لرئيس الدولة.
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لم يكن رفض الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني على الشاكلة التي اقترحها رئيس الجمهورية بالأمر المفاجئ للعديد من المتابعين.
غياب المفاجأة ترجمتها سلسلة المواقف المتكررة للامين العام نورالدين الطبوبي أو تصريحات الأمين العام المساعد سامي الطاهري اللذين عبرا تكرارا ومرارا عن رفضهما لتوجهات قيس سعيد.
الاتحاد يضغط
وفي هذا السياق قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في تصريح إعلامي يوم 13 أفريل الماضي عقب لقائه بوفد من برلمان الاتحاد الأوروبي، ''ان الاتحاد يضغط من أجل يكون الحوار تونسيا وبلا شروط مسبقة."
كما كان للامين العام موقف من البناء القاعدي الذي يتبناه سعيد حيث بين الطبوبي أن منظمته لم تعط صكا على بياض لرئاسة الجمهورية إثر إجراءات 25 جويلية.
وبين الأمين العام في كلمة ألقاها خلال أشغال المؤتمر الوطني للمرأة العاملة الأربعاء 22 ديسمير 2021" بأنه لا سبيل لهذا البناء لأن الأحزاب السياسية ليست كلها سيئة وهي المسؤولة على تنمية وعي المواطن حسب قوله وإزاحتها لا يكون إلا بالصندوق."
وقد زاد موقف المنظمة حدة مع إعلان سعيد عن المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المتعلق بالهيئات الاستشارية من اجل الجمهورية الجديدة حيث تخلى فيها الرئيس عن دور الأحزاب وبقية المنظمات مقابل تقديم واضح لمخرجات الاستشارة الالكترونية كمنصة انطلاق لتأسيس جمهورية "سعيد".
انتشار رقعة الرفض
غير أن ذلك لم يحصل حيث اصطدمت رؤية صاحب 25جويلية بانتشار رقعة الرفض التي لامست اغلب المنظمات والأحزاب وإقرارها المعلن عن مناهضتها لتوجهات الجمهورية الجديدة.
وشكل موقف الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل عودة للتوازنات السياسية بعد الغلبة التي فرضها الرئيس على الجميع منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية منذ نحو 10اشهر من الآن.
هكذا غلبة لئن حفزت أحزابا وجمعيات ومنظمات للعودة الى ساحات النضال فقد كانت أيضا حافزا للبعض الآخر للقفز في مركب الرئيس والاستفادة من "اللقطة".
بيد أن ذلك لم يدم طويلا حيث عاد الاتحاد لينهي حالة التردد والانتظار حتى قبل أشغال الهيئة الإدارية أول أمس الاثنين.
أولى التصريحات تلك التي قالها الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي طاهري والذي عبر بوضوح عن تخوفات المكتب التنفيذي والطبقة العاملة عموما من حالة "الخطر الجاثم"التي تمر بها البلاد في ظل الوضع المربك والمسار غير الواضح.
موقف الطاهري "احرق" مراكب أولئك الذين راهنوا على صمت المنظمة بعد الحديث المتواتر عن ملفات يملكها رئيس الجمهورية ومحيطه ضد أعضاء من المكتب التنفيذي وهو ما ألزمهم الصمت إزاء التحولات العميقة للمشهد السياسي منذ أحداث 25 جويلية الماضي.
هدنة.. الى حين
بيد أن صمت الاتحاد لم يكن سوى هدنة مؤقتة في انتظار أن "ينقشع الضباب" إلا أن ذلك لم يحصل بعد ان حاول سعيد فرض سلطته المطلقة على الجميع بما فيها الاتحاد حين رفض دعوته لحوار وطني وإقراره بحوار خاص انطلاقا من مخرجات الاستشارة الالكترونية.
إقرار الرئيس بأسبقية حواره القائم على الاستشارة على حساب دعوة اتحاد الشغل دفع بالمنظمة لرفض هذا التمشي وإعلان خطة بديلة ضمن ما يعرف بالخيار الثالث وهي محاولة لوضع الأسس الأولى للإصلاح الاجتماعي والسياسي.
وأمام رفض رئيس الدولة وإصراره على العزف منفردا قاطع سعيد في البداية جميع مكونات المشهد أحزاب ومنظمات ليخلق من حوله فراغا.
مربعات آمنة...لإنعاش المشروع
هكذا فراغ سرعان ما تداركه قيس سعيد بالإسراع بعقد لقاءات مع الاتحاد شغل ومنظمة الأعراف على أمل أن تشكل المنظمتان غرف إنعاش لمشروعه السياسي الذي دخل مرحلة حرجة أي قبل نحو شهرين من الاستفتاء الشعبي المنتظر.
غير أن بحث سعيد عن المربعات الآمنة لمشروعه لم يكن موقفا هذه المرة على اعتبار ان الاتحاد عبر عن رفضه لتطويع إرادة المنظمات وفرض الاستشارة الالكترونية عليهم.
ورغم تسلل مفهوم الحوار الى الخطاب الرسمي لرئاسة الجمهورية وإعلان قيس سعيد استعداده للحوار فان ذلك لم يزح الغموض المحيط بمسالة الحوار.
وقد زاد طرح سعيد لحواره المشروط والمحددة أهدافه سلفا وفقا لخطاب يوم 2ماي الجاري في الترفيع من حالات الرفض والتمرد .
وعلى أهمية الطرح الحواري في تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد فان دعوة الحوار بصيغتها الحالية هي إعلان وفاة للحياة الحزبية وإنهاء لمبدأ التشاركية وغلق للفضاء العام أمام التعددية الفكرية.
قتل الأحزاب
وقد فهم الاتحاد العام التونسي للشغل خطر استبعاد الأحزاب الوطنية من الحوار ويقول الطاهري" ان اتحاد الشغل لن يشارك في أي جريمة لـ”قتل الأحزاب”، لأنه في صورة القضاء على الأحزاب اليوم سوف يقع القضاء على المنظمات في المرة القادمة."
ويتقاطع موقف الطاهري مع تصريح الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي والذي شدد في تصريح سابق له " انه لا تراجع عن تشريك المنظمات والأحزاب السياسية في أي حوار وطني".
ولم ينجح لقاء سعيد بالطبوبي يوم الأحد الماضي أي قبل نحو 24ساعة من عقد إشغال الهيئة الإدارية من الخفض في منسوب التوتر بين قرطاج وبطحاء محمد علي.
ورغم موقف المنظمة من المرسوم عدد 30 فقد شكك العديد من المتابعين في أداء الاتحاد معتبرين أن الهيئة الإدارية الأخيرة جاءت "بنصف موقف" وذلك بعد أن تركت الباب مواربا أمام الرئيس .
واعتبر أصحاب هذا الرأي أن موقف الاتحاد قد يدفع بالرئيس لتقديم تنازلات لفائدة المنظمة وان الرفض المؤقت في انتظار تحسين "صيغ مشاركة المنظمة".
وعلى عكس هذا الرأي فقد أقرت قراءات أخرى ان الاتحاد يرفض ان يكون دوره ثانويا في هذه المحطة السياسية التاريخية التي تمر بها البلاد.
وان دعوته لسعيد للقيام ببعض المراجعات تمثل الإنذار الأخير لرئيس الدولة.