إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد مصادقته على نظامه الداخلي: المجلس الأعلى المؤقت للقضاء تحت المجهر.. ومهام ثقيلة في انتظاره

تونس: الصباح

بعد مصادقته على نظامه الداخلي، من المنتظر أن يمر المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يترأسه الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وينوبه الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ورئيس محكمة المحاسبات، إلى ممارسة بقية المهام التي أوكلت له بموجب المرســوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرّخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، والمتمثلة في اقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته، وإبداء الرأي في التشريعات المتعلقة بتنظيم العدالة وإدارة القضاء واختصاصات المحاكم والإجراءات المتبعة لديها والأنظمة الخاصة بالقضاة.وبالنسبة إلى المجالس المؤقتة للقضاء أي مجلس القضاء العدلي المؤقت ومجلس القضاء المالي المؤقت ومجلس القضاء الإداري المؤقت فإنها تتولى الإشراف على المسار المهني للقضاة والتأديب ورفع الحصانة..، وبالنظر إلى الملابسات التي صاحبت تركيز المجلس الأعلى المؤقت فإن أعماله ستكون دون شك تحت المجهر.  

وأحدث المرسوم عدد 11 عند صدوره رجة كبيرة لدى أغلب مكونات المجتمع المدني في تونس، وتسبب في انتفاضة جل الهياكل المهنية للقضاة التي حذرت الرأي العام من أن القضاء العدلي والإداري والمالي سيصبح تحت إشراف المجالس القضائية المنصّبة، وهو ما سينعكس سلبا على مبدإ التوازن بين السلط ومن ثمة على واقع الحقوق والحريات في لأن القاضي الضامن لتلك الحقوق والحريات أصبح بمقتضى المرسوم مهدّدا في مساره المهني والـتأديبي، فهذا المسار أصبحت تتحكم فيه السلطة التنفيذية بصفة مباشرة. وفي المقابل هناك جمعيات وهيئات ساندت رئيس الجمهورية في قرار حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت على أمل إصلاح شامل للقضاء. 

وطالبت الهياكل المهنية الرافضة للمرسوم عدد 11 رئيس الجمهورية بالعدول عن المرسوم، لكن الرئيس لم يتراجع إلى الوراء، وتولى في 7 مارس 2022 إصدار الأمر الرئاسي عدد 217 لسنة 2022 المتعلق بتسمية أعضاء بالمجالس المؤقتة للقضاء، وفي نفس ذلك اليوم أدى أعضاء هذه المجالس اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية في موكب أقيم بقصر قرطاج، وهو ما أثار غضب الكثير من القضاة، غضب عبرت عنه اللائحة المهنية الصادرة عن القضاة المجتمعين بالمجلس الوطني لجمعيّة القضاة التونسيين بتاريخ 12 مارس 2022 بنادي القضاة بسكرة، حيث نددوا باعتماد منطق القوّة وفرض الأمر الواقع في خرق صريح للدستور والقانون والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائيّة وفي غياب تام لكل رؤية إصلاحية للمنظومة القضائيّة وفقا لضوابط دولة القانون حسب نص اللائحة، بل ذهبوا إلى وصف المجلس الأعلى للقضاء المؤقت بغير الشرعي نظرا إلى إلغائه مبدإ التفريق بين السلط وأسس دولة القانون التي قوامها القضاء المستقل، وشددوا على أنّ ذلك المجلس المنصّب هو هيكل غير شرعي وأداة في يد السلطة التنفيذية لضرب استقلال السلطة القضائية وإلغاء ضمانات وآليات استقلال القضاء وفقا للدستور والمعايير الدولية، وأكدوا على رفضهم التعامل مع هذا المجلس المنصّب وغير الشرعي وحملوا أعضاءه المسؤولية الكاملة لقبولهم الانخراط في تركيز هذا الجهاز التابع للسلطة التنفيذية. 

واستنادا إلى أحكام المرسوم عدد11 يتمتع المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بالاستقلالية الوظيفية والإدارية والمالية ويشرف على شؤون القضاء العدلي والإداري والمالي. وعملا بنفس المرسوم كان أعضاء المجالس الثلاثة المؤقتة للقضاء قد أدوا أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد اليمين التالي:"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال القضاء، وعلى احترام أحكام الدستور والقانون وأن أتحلى بالحياد والنزاهة والأمانة وأن ألتزم بعدم إفشاء السر المهني"..، والتحدي المطروح عليهم اليوم هو هل سيكون باستطاعتهم الوفاء بهذا القسم خاصة ما تعلق بالمحافظة على استقلال القضاء واحترام أحكام الدستور في ظل المرسوم عدد 11 الذي يخضعون إليه.   

 

المسار المهني

 

من أبرز المهام الموكولة للمجالس القضائية الثلاثة المؤقتة الإشراف على المسار المهني للقضاة، فكل مجلس مؤقت يتولى النظر في جميع المسائل الراجعة إليه بالنظر وفي كلّ ما يخص سير العمل القضائي في نطاق اختصاصاته، وينظر كل مجلس مؤقت للقضاء في إعداد حركة القضاة السنوية من تسمية وتعيين وترقية ونقلة وإعفاء وفي مطالب رفع الحصانة والاستقالة ويتولى كل مجلس مؤقت للقضاء الإعلان عن قائمة الشغورات في مختلف الخطط الوظيفية الخاصة بكل رتبة قضائية..، كما يقوم بتلقي مطالب النقل والترشح لها ودرس طلبات التعيين والنقل بالاعتماد على المعايير الدولية لاستقلالية القضاء، ويبادر بصفة تلقائية أو بطلب من رئيس الجمهورية، بمراجعة التعيينات وإجراء حركة قضائية جزئية والنظر في مطالب التظلم عند الاقتضاء لضمان حسن سير القضاء.

ولعل تدخل رئيس الجمهورية هذا، هو الذي تسبب في غضب الكثير من القضاة ولكن ليس هذا فحسب، إذ أتاح المرسوم سالف الذكر لوزير العدل في صورة عدم تمكينه من مآل الأبحاث في الشكايات التي تعهدت بها التفقدية العامة في أجل سبعة أيام من تاريخ توصلها بطلب الإطلاع، تكليف المجلس المؤقت للقضاء العدلي بإجراء الأبحاث الضرورية بعد سحب الملف من أنظار التفقدية العامة وعندها فإن المجلس يتولى تعيين مقرر في الغرض، كما أتاح لرئيس الحكومة إمكانية مطالبة المجلس المؤقت للقضاء الإداري والمجلس المؤقت للقضاء المالي بأن يتعهدا بإجراء الأبحاث الضرورية ضد القضاة الإداريين والماليين بخصوص الشكايات المتعلقة بهم وفي هذه الحالة يتعين على كل مجلس من هذين المجلسين تعيين مقررا في الغرض.

وحسب المرسوم يتولى كل مجلس من المجالس الثلاثة إعداد الحركة القضائية العدلية والإدارية والمالية ويحيلها إثر ذلك إلى رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يتولى بدوره إحالتها إلى رئيس الجمهورية في أجل لا يتجاوز عشرة  أيام. كما يتولى المجلس المؤقت للقضاء العدلي النظر في تسمية الملحقين القضائيين المحرزين على شهادة ختم الدروس من المعهد الأعلى للقضاء بمراكز عملهم في خصوص القضاء العدلي. ويتولى رئيس الجمهورية إمضاء الحركة القضائية لكل صنف في أجل أقصاه واحد وعشرون  يوما، وبإمكانه الاعتراض على تسمية أو تعيين أو ترقية أو نقلة كل قاض بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، وفي هذه الحالة على كل مجلس من المجالس المؤقتة إعادة النظر في موضوع الاعتراض باستبدال التسمية أو التعيين أو الترقية أو النقلة في أجل عشرة  أيام من تاريخ توصله بالاعتراضات.

وبالنسبة إلى الخطط القضائية السامية فإن التسمية تتم بناء على ترشيح من المجلس المؤقت للقضاء المعني، ويمكن لرئيس الجمهورية أن يعترض على ترشح أو أكثر بناء على تقرير معلّل من رئيس الحكومة أو وزير العدل. وفي هذه الحالة، يُعيد الرئيس الترشيح لرئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يحيله بدوره إلى المجلس الوقتي للقضاء المعني لاستبدال المترشح أو المترشحين موضوع الاعتراض ويتعين على المجلس القيام بذلك في أجل لا يتجاوز عشرة  أيام. وعند الامتناع عن التعيين أو عدم الاستبدال أو السكوت يتولى رئيس الجمهورية التعيين في هذه الخطط القضائية السامية ممن تتوفر فيهم الشروط للخطة المعنية. كما يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية بناء على تقرير معلّل من رئيس الحكومة أو وزير العدل. وفي هذه الحالة، يصدر المجلس المعني المؤقت للقضاء فورا قرارا بالإيقاف عن العمل ضد القاضي المعني، ويبت في طلب الإعفاء في أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ تعهده بعد توفير الضمانات القانونية للمعني بالأمر، وفي صورة عدم البت، في الأجل المحدد لرئيس الحكومة أو وزير العدل التعهد بالملف لإجراء الأبحاث اللازمة خلال خمسة عشر يوما قبل إحالته على رئيس الجمهورية الذي له عندئذ سلطة اتخاذ قرار الإعفاء.

 

التأديب ورفع الحصانة

 

إضافة إلى الإشراف على المسار المهني للقضاة تتولى المجالس المؤقتة للقضاء مهمتي التأديب ورفع الحصانة،  وحسب ما ورد في المرسوم عدد 11 فإن كل مجلس مؤقت للقضاء يختص بالنظر في الملفات التأديبية وفي مطالب رفع الحصانة عن القضاة الراجعين إليه بالنظر، وعندما تكون الأفعال المنسوبة للقاضي من الأفعال التي تستوجب العزل، يمكن للمجلس المؤقت للقضاء المعني أن يتخذ قرارا معللا بإيقاف القاضي عن العمل حالا، وإذا تبين أن تلك الأفعال تشكل جناية أو جنحة قصدية أو مخلة بالشرف فعلى المجلس إتباع الإجراءات القانونية لرفع الحصانة عن القاضي وإحالة ملفه على النيابة العمومية، ولا يحول ذلك دون البتّ في الملف التأديبي.

مخاوف ورفض 

 

ويذكر أنه ليست الهياكل المهنية للقضاة فقط من عبرت عن انزعاجها من تركيز المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بل هناك عدة جمعيات ومنظمات أعربت عن مخاوفها من عواقب ما وصفته بضرب استقلالية السلطة القضائية.

كما كان المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، من بين النقاط التي نظر فيها مجلس نواب الشعب يوم 30 مارس الماضي في جلسته العامة الافتراضية التي انعقدت قبل قرار حله من قبل رئيس الجمهورية في نفس اليوم، حيث تمت المصادقة يومها على لائحة تعبر عن رفض البرلمان للمرسوم  القاضي بحل المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب مجلس مؤقت. كما صادق البرلمان على ما وصفه بالقانون عدد 1 الذي ألغى جميع الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من تاريخ 25 جويلية 2021، وبالخصوص تلك المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبالتمديد في التدابير الاستثنائية وبالتدابير استثنائية وبإحداث  المجلس الأعلى المؤقت للقضاء.

سعيدة بوهلال

بعد مصادقته على نظامه الداخلي: المجلس الأعلى المؤقت للقضاء تحت المجهر.. ومهام ثقيلة في انتظاره

تونس: الصباح

بعد مصادقته على نظامه الداخلي، من المنتظر أن يمر المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يترأسه الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وينوبه الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ورئيس محكمة المحاسبات، إلى ممارسة بقية المهام التي أوكلت له بموجب المرســوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرّخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، والمتمثلة في اقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته، وإبداء الرأي في التشريعات المتعلقة بتنظيم العدالة وإدارة القضاء واختصاصات المحاكم والإجراءات المتبعة لديها والأنظمة الخاصة بالقضاة.وبالنسبة إلى المجالس المؤقتة للقضاء أي مجلس القضاء العدلي المؤقت ومجلس القضاء المالي المؤقت ومجلس القضاء الإداري المؤقت فإنها تتولى الإشراف على المسار المهني للقضاة والتأديب ورفع الحصانة..، وبالنظر إلى الملابسات التي صاحبت تركيز المجلس الأعلى المؤقت فإن أعماله ستكون دون شك تحت المجهر.  

وأحدث المرسوم عدد 11 عند صدوره رجة كبيرة لدى أغلب مكونات المجتمع المدني في تونس، وتسبب في انتفاضة جل الهياكل المهنية للقضاة التي حذرت الرأي العام من أن القضاء العدلي والإداري والمالي سيصبح تحت إشراف المجالس القضائية المنصّبة، وهو ما سينعكس سلبا على مبدإ التوازن بين السلط ومن ثمة على واقع الحقوق والحريات في لأن القاضي الضامن لتلك الحقوق والحريات أصبح بمقتضى المرسوم مهدّدا في مساره المهني والـتأديبي، فهذا المسار أصبحت تتحكم فيه السلطة التنفيذية بصفة مباشرة. وفي المقابل هناك جمعيات وهيئات ساندت رئيس الجمهورية في قرار حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت على أمل إصلاح شامل للقضاء. 

وطالبت الهياكل المهنية الرافضة للمرسوم عدد 11 رئيس الجمهورية بالعدول عن المرسوم، لكن الرئيس لم يتراجع إلى الوراء، وتولى في 7 مارس 2022 إصدار الأمر الرئاسي عدد 217 لسنة 2022 المتعلق بتسمية أعضاء بالمجالس المؤقتة للقضاء، وفي نفس ذلك اليوم أدى أعضاء هذه المجالس اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية في موكب أقيم بقصر قرطاج، وهو ما أثار غضب الكثير من القضاة، غضب عبرت عنه اللائحة المهنية الصادرة عن القضاة المجتمعين بالمجلس الوطني لجمعيّة القضاة التونسيين بتاريخ 12 مارس 2022 بنادي القضاة بسكرة، حيث نددوا باعتماد منطق القوّة وفرض الأمر الواقع في خرق صريح للدستور والقانون والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائيّة وفي غياب تام لكل رؤية إصلاحية للمنظومة القضائيّة وفقا لضوابط دولة القانون حسب نص اللائحة، بل ذهبوا إلى وصف المجلس الأعلى للقضاء المؤقت بغير الشرعي نظرا إلى إلغائه مبدإ التفريق بين السلط وأسس دولة القانون التي قوامها القضاء المستقل، وشددوا على أنّ ذلك المجلس المنصّب هو هيكل غير شرعي وأداة في يد السلطة التنفيذية لضرب استقلال السلطة القضائية وإلغاء ضمانات وآليات استقلال القضاء وفقا للدستور والمعايير الدولية، وأكدوا على رفضهم التعامل مع هذا المجلس المنصّب وغير الشرعي وحملوا أعضاءه المسؤولية الكاملة لقبولهم الانخراط في تركيز هذا الجهاز التابع للسلطة التنفيذية. 

واستنادا إلى أحكام المرسوم عدد11 يتمتع المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بالاستقلالية الوظيفية والإدارية والمالية ويشرف على شؤون القضاء العدلي والإداري والمالي. وعملا بنفس المرسوم كان أعضاء المجالس الثلاثة المؤقتة للقضاء قد أدوا أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد اليمين التالي:"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال القضاء، وعلى احترام أحكام الدستور والقانون وأن أتحلى بالحياد والنزاهة والأمانة وأن ألتزم بعدم إفشاء السر المهني"..، والتحدي المطروح عليهم اليوم هو هل سيكون باستطاعتهم الوفاء بهذا القسم خاصة ما تعلق بالمحافظة على استقلال القضاء واحترام أحكام الدستور في ظل المرسوم عدد 11 الذي يخضعون إليه.   

 

المسار المهني

 

من أبرز المهام الموكولة للمجالس القضائية الثلاثة المؤقتة الإشراف على المسار المهني للقضاة، فكل مجلس مؤقت يتولى النظر في جميع المسائل الراجعة إليه بالنظر وفي كلّ ما يخص سير العمل القضائي في نطاق اختصاصاته، وينظر كل مجلس مؤقت للقضاء في إعداد حركة القضاة السنوية من تسمية وتعيين وترقية ونقلة وإعفاء وفي مطالب رفع الحصانة والاستقالة ويتولى كل مجلس مؤقت للقضاء الإعلان عن قائمة الشغورات في مختلف الخطط الوظيفية الخاصة بكل رتبة قضائية..، كما يقوم بتلقي مطالب النقل والترشح لها ودرس طلبات التعيين والنقل بالاعتماد على المعايير الدولية لاستقلالية القضاء، ويبادر بصفة تلقائية أو بطلب من رئيس الجمهورية، بمراجعة التعيينات وإجراء حركة قضائية جزئية والنظر في مطالب التظلم عند الاقتضاء لضمان حسن سير القضاء.

ولعل تدخل رئيس الجمهورية هذا، هو الذي تسبب في غضب الكثير من القضاة ولكن ليس هذا فحسب، إذ أتاح المرسوم سالف الذكر لوزير العدل في صورة عدم تمكينه من مآل الأبحاث في الشكايات التي تعهدت بها التفقدية العامة في أجل سبعة أيام من تاريخ توصلها بطلب الإطلاع، تكليف المجلس المؤقت للقضاء العدلي بإجراء الأبحاث الضرورية بعد سحب الملف من أنظار التفقدية العامة وعندها فإن المجلس يتولى تعيين مقرر في الغرض، كما أتاح لرئيس الحكومة إمكانية مطالبة المجلس المؤقت للقضاء الإداري والمجلس المؤقت للقضاء المالي بأن يتعهدا بإجراء الأبحاث الضرورية ضد القضاة الإداريين والماليين بخصوص الشكايات المتعلقة بهم وفي هذه الحالة يتعين على كل مجلس من هذين المجلسين تعيين مقررا في الغرض.

وحسب المرسوم يتولى كل مجلس من المجالس الثلاثة إعداد الحركة القضائية العدلية والإدارية والمالية ويحيلها إثر ذلك إلى رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يتولى بدوره إحالتها إلى رئيس الجمهورية في أجل لا يتجاوز عشرة  أيام. كما يتولى المجلس المؤقت للقضاء العدلي النظر في تسمية الملحقين القضائيين المحرزين على شهادة ختم الدروس من المعهد الأعلى للقضاء بمراكز عملهم في خصوص القضاء العدلي. ويتولى رئيس الجمهورية إمضاء الحركة القضائية لكل صنف في أجل أقصاه واحد وعشرون  يوما، وبإمكانه الاعتراض على تسمية أو تعيين أو ترقية أو نقلة كل قاض بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، وفي هذه الحالة على كل مجلس من المجالس المؤقتة إعادة النظر في موضوع الاعتراض باستبدال التسمية أو التعيين أو الترقية أو النقلة في أجل عشرة  أيام من تاريخ توصله بالاعتراضات.

وبالنسبة إلى الخطط القضائية السامية فإن التسمية تتم بناء على ترشيح من المجلس المؤقت للقضاء المعني، ويمكن لرئيس الجمهورية أن يعترض على ترشح أو أكثر بناء على تقرير معلّل من رئيس الحكومة أو وزير العدل. وفي هذه الحالة، يُعيد الرئيس الترشيح لرئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي يحيله بدوره إلى المجلس الوقتي للقضاء المعني لاستبدال المترشح أو المترشحين موضوع الاعتراض ويتعين على المجلس القيام بذلك في أجل لا يتجاوز عشرة  أيام. وعند الامتناع عن التعيين أو عدم الاستبدال أو السكوت يتولى رئيس الجمهورية التعيين في هذه الخطط القضائية السامية ممن تتوفر فيهم الشروط للخطة المعنية. كما يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية بناء على تقرير معلّل من رئيس الحكومة أو وزير العدل. وفي هذه الحالة، يصدر المجلس المعني المؤقت للقضاء فورا قرارا بالإيقاف عن العمل ضد القاضي المعني، ويبت في طلب الإعفاء في أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ تعهده بعد توفير الضمانات القانونية للمعني بالأمر، وفي صورة عدم البت، في الأجل المحدد لرئيس الحكومة أو وزير العدل التعهد بالملف لإجراء الأبحاث اللازمة خلال خمسة عشر يوما قبل إحالته على رئيس الجمهورية الذي له عندئذ سلطة اتخاذ قرار الإعفاء.

 

التأديب ورفع الحصانة

 

إضافة إلى الإشراف على المسار المهني للقضاة تتولى المجالس المؤقتة للقضاء مهمتي التأديب ورفع الحصانة،  وحسب ما ورد في المرسوم عدد 11 فإن كل مجلس مؤقت للقضاء يختص بالنظر في الملفات التأديبية وفي مطالب رفع الحصانة عن القضاة الراجعين إليه بالنظر، وعندما تكون الأفعال المنسوبة للقاضي من الأفعال التي تستوجب العزل، يمكن للمجلس المؤقت للقضاء المعني أن يتخذ قرارا معللا بإيقاف القاضي عن العمل حالا، وإذا تبين أن تلك الأفعال تشكل جناية أو جنحة قصدية أو مخلة بالشرف فعلى المجلس إتباع الإجراءات القانونية لرفع الحصانة عن القاضي وإحالة ملفه على النيابة العمومية، ولا يحول ذلك دون البتّ في الملف التأديبي.

مخاوف ورفض 

 

ويذكر أنه ليست الهياكل المهنية للقضاة فقط من عبرت عن انزعاجها من تركيز المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بل هناك عدة جمعيات ومنظمات أعربت عن مخاوفها من عواقب ما وصفته بضرب استقلالية السلطة القضائية.

كما كان المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، من بين النقاط التي نظر فيها مجلس نواب الشعب يوم 30 مارس الماضي في جلسته العامة الافتراضية التي انعقدت قبل قرار حله من قبل رئيس الجمهورية في نفس اليوم، حيث تمت المصادقة يومها على لائحة تعبر عن رفض البرلمان للمرسوم  القاضي بحل المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب مجلس مؤقت. كما صادق البرلمان على ما وصفه بالقانون عدد 1 الذي ألغى جميع الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من تاريخ 25 جويلية 2021، وبالخصوص تلك المتعلقة بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبالتمديد في التدابير الاستثنائية وبالتدابير استثنائية وبإحداث  المجلس الأعلى المؤقت للقضاء.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews