إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خالد عبيد لـ "الصباح": هذا الطرف سيكون الخاسر الأكبر إذا اعتمد نظام الاقتراع على الأفراد

  • هناك سابقة تمّ تطبيقها في 2011 وهي إقصاء كلّ من انتمى إلى التجمّع المنحلّ وهُلّل لذلك كثيرا ولم يعارض أيّا كان وقتها تقريبا
  • ثمّة فرق كبير بين أن ترفض الضغوطات ولديك كلّ مقوّمات السيادة.. وبين أن ترفض واقتصادك وماليتك على أبواب الانهيار
  • قناعتي أنّ "الانفجار" الاجتماعي الذي تعوّل عليه بعض الأطراف لاسترداد الحكم سيكون في وجهها 
  • ما هو ثابت أنّ الضغوطات الأجنبية ليست غايتها الرجوع إلى فترة ما قبل 25 جويلية 2021 كما يتوهّم البعض

 

تونس – الصباح 

 

أكّد الجامعي والباحث في الشؤون السياسية الدكتور خالد عبيد في حوار لـ "الصباح" أنّ عشرية 2011 -2021 قد أقفلت نهائيا ولن تكون هناك أيّة عودة لها، وأن تونس تعيش فترة مخاض حقيقي، ولكن طيّ صفحة العشرية السابقة لا يعني الذهاب إلى المجهول خاصّة وأنّ تونس لم تعد قادرة على أن تتحمّل ذلك كما حدث إثر 2011.

وأضاف في حواره مع "الصباح" انه ما كانت لتحدث الضغوطات الأجنبية لو لم تكن تونس على هذه الحال من شبه الانهيار المالي والاقتصادي نتيجة تركة ثقيلة جدّا لما أسماه بـ"عشرية الخراب"..

بخصوص الانتخابات التشريعية قال الدكتور خالد عبيد إذا ما تمّ التوجّه إلى نظام الاقتراع بالأفراد على دورتين فإنّ الخاسر الأكبر ستكون حركة النهضة وأكبر البقايا لن يكون لها وجود.. وفي ما يلي نص الحوار.

 

حاورته: إيمان عبد اللطيف

 

  • يُقر محللون ومراقبون للمشهد السياسي والعام بأنّ الوضع تحول إلى مشهد سريالي ضاعت فيه البوصلة، فهل فعلا أصبح الوضع سرياليا يصعب التحكم فيه؟

-لا أعتقد بالمرّة، وكلّ من يرى ذلك عليه أن يصوّب تقييمه، بالنظر إلى أنّ ما نشهده حاليا هو نتاج طبيعي وحتمي لكلّ التراكمات السابقة، فماذا ننتظر من عشرية كاملة تميّزت بالعبث السياسي والهدْر في جميع المجالات، وإعْمال معاول الهدم الخفيّة منها والظاهرة في أوْصال الدولة المركزية بحجّة منع رجوع الاستبداد، لقد تمّ هدر فرصة تاريخية نادرة لا أتوقع أنّها تعاد في المنظور القريب وهي تجاوز سلبيات فترة ما قبل 2011 وتحقيق الآمال الكبيرة لدى جزء لا بأس به من التونسيين في الإقلاع المنشود، لكن شيئا من هذا لم يحدث بل العكس صحيح، ممّا ولّد الحنين إلى فترة الرئيس الراحل بن علي بالنظر إلى أنّ التونسي لديه الاستعداد التلقائي للمقارنة، وفي المقارنة الحصيلة واضحة بالنسبة إليه.

  • كيف لا عودة لفترة ما قبل الـ25جويلية، في وقت إن هذه المرحلة سجلت أيضا مكاسب خاصة منها المتعلقة بالحقوق والحريات؟ 

-قناعتي أنّ عشرية 2011 -2021 قد أُقْفلت نهائيا، ولن تكون هناك أيّة عودة لها، ونحن الآن نعيش فترة مَخَاضٍ حقيقي، مخاض ميلاد حقبة مغايرة لسابقتها، فهي فترة بين عشريتيْن، أنهت السابقة وتهيّء للآتية، ومن البديهي أن يكون المخاض صعبا، لذلك تبادر إلى البعض هذا التوجّه الإحباطي.

 في الأثناء، علينا أن  نقرّ بأنّ هذه المرحلة دقيقة للغاية بالنظر إلى الوضع الكارثي للاقتصاد التونسي وتداعياته اجتماعيا، وأيضا وخاصّة رغبة رئيس الدولة في تطبيق مشروع سياسي لا أعتقد أنّه سيكون التِرْيَاق لمشاكل تونس، بل ربّما العكس، خاصّة وأنّ تونس لم تعد قادرة على أن تتحمّل ذلك كما حدث إثر 2011، لأنّها أُنْهكت كثيرا دولةً وشعبًا، فالضرورة تقتضي التريث ثمّ التريث! حتى لا يعني طيّ صفحة العشرية السابقة الذهاب حتمًا إلى المجهول!

  • الوضع الحالي يتطلب الجلوس والحوار بين جميع الأطراف، أترى من المنطقي أن يكون الحوار الوطني قائما على الاقصاء وعلى رفض من ليسوا على توجهات قيس سعيد؟

-هناك سابقة تمّ تطبيقها في 2011، وهي إقصاء كلّ من انتمى ويَرمز إلى حزب التجمّع المنحلّ من الحياة السياسية وانتخابات المجلس التأسيسي، وهُلّل لذلك كثيرا، بل ونُظّر إليه باسم "الثورية" والمزايدة عليها ولم يعارض أيّا كان وقتها تقريبا، ووصل الأمر أحيانا إلى افتعال هذا الانتماء المزعوم بغاية إقصاء منافس محتمل. وتناسى كلّ الذين دعوا إلى إنهاء  الوجود السياسي لتونسيين آخرين بأنّ هذا الإقصاء غير مقبول أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا، فالعقاب الجماعي وتجريم أفراد بِجَرِيرَة تنظيمٍ ما أو سياسة ما لِحزب مَا أو دولة ما قد ولّى زمنه، بل ويمكن تصنيفه في خانة الجرائم ضدّ الإنسانية، وعليه ما دام قد تمّ خلق سابقة في هذا المجال في تونس باسم "ثورة" لم تقع، فإنّ اللوم يوجّه إلى كلّ من قبل بهذا "السقوط" الأخلاقي وقتها وتذكير الجميع  بالمثل القائل: "كما تُدين تُدان".

  • أهذا يعني أنّك مع منهج الإقصاء؟

-لا بالعكس، لاعتقادي، الذي سبق أن بيّنته في تلك الفترة، بأنّ كلّ من يُقْصِي سَيُقْصَى هو حتمًا، وعليه، فموقفي واضح ولكن من الضروري التذكير بما يتناساه البعض الآن أو نسيه البعض الآخر قبل التباكي على الإقصاء من هذا أو ذلك.

  • هناك العديد من الضغوطات الاجنبية والانتقادات من الدول ومن المنظمات الدولية، هل تتوقع أن يرضخ قيس سعيد إليها ويغير من سياسته في إدارة الشأن العام والسياسي؟

-ما كانت لتحدث هذه الضغوطات لو لم تكن تونس على هذه الحال من شبه الانهيار المالي والاقتصادي نتيجة تَرِكَة ثقيلة جدّا لما أسْميته بـ:عشِرية الخَرَاب، فهذه الأطراف الأجنبية تدرك جيّدا أنّ الدولة التونسية في وضعية لا تُحسد عليها، وأنّه لا يمكنها الخروج من هذا النفق إلاّ بدعم مالي خارجي مستمرّ، لذلك سمحت هذه الأطراف لنفسها بِلَيِّ أعْناق التونسيين من خلال التدخّل الفاضح في الشؤون الداخلية التونسية، وإحقاقاً للحق، ما كانت لتتشجع أكثر على ذلك وتتمادى في إهانة التونسيين والمسّ من كبْريائهم الوطني، لولا الجهد الاستثنائي الذي بذلته حركة النهضة منذ آخر جويلية 2021 لدى الدوائر الغربية بغاية الاستقواء بالأجنبي على بَنِي جِلْدَتِها.

نحن ندرك أنّ رئيس الدولة يرفض كلّ هذه الضغوطات، لكن ما لا يدركه ربّما أنّ رفضه هذا من باب الضعف وليس القوّة، ضعف الدولة التونسية التي لم تعد كما كانت منذ 2011 إلى الآن، فثمّة فرق كبير بين أن ترفض هذه الضغوطات ولديك كلّ مقوّمات السيادة ولست في حاجة إلى مزية من أيّة دولة أخرى، وبين أن ترفض واقتصادك وماليتك على أبواب الانهيار إن تواصل الأمر على ما هو عليه حاليا!

  • هل أن ذلك سيدعوه إلى التراجع عن موقفه من الضغوطات الخارجية؟

-عموما، ما هو ثابت لدينا أنّ مُجْمل هذه الضغوطات ليست غايتها الرجوع إلى فترة ما قبل 25 جويلية 2021 كما قد يُعطى الانطباع بذلك أحيانا من خلال بعض البيانات الأجنبية الصادرة في الغرض، أو كما يتوهّم البعض أو يريد إيهام أنصاره بذلك، لدفعهم إلى المجهول وإلى احتمال محرقة ثانية يكونون هم وحدهم وقودها كالعادة.

وذلك، لأنّه قد حُسِم الأمْر دوليا، والمطلب الذي تنتظره هذه الأطراف من الدولة التونسية هو أن لا يكون هناك تراجع للمسار الديموقراطي وللحرّيات، وأن تقع انتخابات نزيهة وشفافة تؤدّي إلى برلمان منتخب يمثل قطاعات عريضة من التونسيين، وهذا كلّه بقطع النظر عن ماهية النظام السياسي الذي سيقع اعتماده.

من لم يستوعب داخليا أو خارجيا هذا الأمر، فكأنّه أو هو فعلا يحرث في البحر ويجدف ضدّ التيّار، تيّار الزمن الذي لم نره أبدا يرجع إلى الوراء، وإن حدث ذلك مرّة، فلن يكون مظهره وانعكاساته إلاّ كارثية.

  • لم يُعد التونسيون يكترثون للشأن السياسي بما في ذلك تاريخ 25 جويلية، ألا يمكن القول بأنّه حدثت لهم انتكاسة؟ 

-السؤال الأهمّ: هل أنّ لدى التونسيين القدرة على تحمّل أعباء تدهور معيشتهم حتى يستقرّ الوضع السياسي نهائيا في تونس؟ وهل أنّ الزمن السياسي الذي نراه مُمَطَّطا دون موجب سيصمد أمام زمن الاحتياج اليومي المتزايد والضنك المعيشي؟ خاصّة وأنّه ثمّة أطراف تدفع للصدام بين مجسّدي هذيْن الزمنيْن توهّما منها بل يقينًا وهميًا لديها أنّه بإمكانها أن ترجع على ظهر دبّابة الفوضى، وما يعني ذلك من انهيار الدولة هذه المرّة وليس النظام كما حدث في 2011.

وقناعتي أنّ "الانفجار" الاجتماعي الذي تعوّل عليه هذه الأطراف كي تستردّ على إثره الحكم، إنّما سيكون في وجهها والعكس غير صحيح! وقد ينهار النظام جرّاء ذلك ومن ثمّة الدولة التي رُهِّلت كثيرا، ولو مؤقتا، والأكيد، أنّه سيقوم على أنقاض كلّ ذلك من سيستردّ المبادرة وينقذ الكيان الوطني من الهاوية بعد أن يقوم "الانفجار" المحتمل بـ"التطهير" الفوضوي.

صحيحٌ أنّ هذه الوضعية التي لا نريد تخيّلها ستسمح فعلا بالتدخّل الأجنبي حتى المباشر منه، لكن ليس لإرجاع من يُجْهد نفسه لذلك، وذلك لإدراك هذه الأطراف الأجنبية أنّ مصلحتها لم تعد في إنقاذ المُتَهَاوِينَ، بل في البحث عن القادرين فعلا على ترميم ما تمّ تقويضه وإعادة البناء والتماسك الكياني، وذلك بغاية الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فـ"الحالة الصومالية" أو حتى "الحالة الليبية" لا تخدم بالمرّة المصالح الغربية التي تريد أن تكون إزاء دولة تونسية متماسكة وقويّة.

  • كيف سيكون المشهد البرلماني ولمن قد تكون الأغلبية؟

-هذا مرتبط بأيّ قانون انتخابي سيقع اعتماده؟ لكن إذا ما تمّ التوجّه إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين، فإنّ الخاسر الأكبر سيكون كلّ من استفاد من القانون الانتخابي المعتمد بتنقيحاته منذ 2011 إلى الآن، لذلك لا نستغرب أن نرى بعض الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات القادمة بأيّة حجّة كانت خاصّة لدى من يستأنس في نفسه عدم القدرة على الفوز بمقاعد معتبرة تحفظ ماء الوجه.

ستكون حركة النهضة هي الخاسر الأكبر في هذا النظام الانتخابي المرتقب، لأنّه ينتظرها عقاب جماعي من الكثير من التونسيين، وأكبر البقايا، الذي مكّنها من الحصول على عدد مهمّ من المقاعد، لن يكون له وجود، كما أنّه يجب التفكير جدّيا في إنهاء الطريقة "المهزلة" المعتمدة في تشريك مواطنينا بالخارج في الانتخابات وتعويضها مثلا بالتصويت الإلكتروني إذا أمكن على غرار ما هو معمول به لدى بعض البلدان.

أضف إلى ذلك أنّ المترشحين هذه المرّة، لا يمكن لهم أن ينجحوا دون أن يكون للناخب كلّ العلم بتوجّهاتهم ومدى جدّيتهم وكفاءاتهم وحقيقة انتماءاتهم، وهو ما لم يكن متيسّرا سابقا.

كما نتوقع، إذا ما تمّت الانتخابات في ظروف غير مُلْتبسة وشفافة ونزيهة أن يكتسح الحزب الدستوري الحرّ عددا معتبرا من مقاعد البرلمان القادم.

لكن هاجسي الأكبر هو: هل أنّ هذا النظام المرتقب سيكون بابا لمزيد تقسيم التونسيين على أساس عشائري ومناطقي ونُفوذي مثلما أُمْعِن في إثارة النعرات لديهم وتقسيمهم خلال العشرية الفارطة أم لا؟ وذلك، لأنّ هذه المرّة، إن تمّ الأمر كذلك وأدّى إلى ما أدّى إليه من تزايد للتقسيم وللنعرات المختلفة، فإنّ الدولة ككيان مركزي قد تصبح في مهبّ الريح؟ أرجو أن لا يقع ذلك!

خالد عبيد لـ "الصباح": هذا الطرف سيكون الخاسر الأكبر إذا اعتمد  نظام الاقتراع على الأفراد
  • هناك سابقة تمّ تطبيقها في 2011 وهي إقصاء كلّ من انتمى إلى التجمّع المنحلّ وهُلّل لذلك كثيرا ولم يعارض أيّا كان وقتها تقريبا
  • ثمّة فرق كبير بين أن ترفض الضغوطات ولديك كلّ مقوّمات السيادة.. وبين أن ترفض واقتصادك وماليتك على أبواب الانهيار
  • قناعتي أنّ "الانفجار" الاجتماعي الذي تعوّل عليه بعض الأطراف لاسترداد الحكم سيكون في وجهها 
  • ما هو ثابت أنّ الضغوطات الأجنبية ليست غايتها الرجوع إلى فترة ما قبل 25 جويلية 2021 كما يتوهّم البعض

 

تونس – الصباح 

 

أكّد الجامعي والباحث في الشؤون السياسية الدكتور خالد عبيد في حوار لـ "الصباح" أنّ عشرية 2011 -2021 قد أقفلت نهائيا ولن تكون هناك أيّة عودة لها، وأن تونس تعيش فترة مخاض حقيقي، ولكن طيّ صفحة العشرية السابقة لا يعني الذهاب إلى المجهول خاصّة وأنّ تونس لم تعد قادرة على أن تتحمّل ذلك كما حدث إثر 2011.

وأضاف في حواره مع "الصباح" انه ما كانت لتحدث الضغوطات الأجنبية لو لم تكن تونس على هذه الحال من شبه الانهيار المالي والاقتصادي نتيجة تركة ثقيلة جدّا لما أسماه بـ"عشرية الخراب"..

بخصوص الانتخابات التشريعية قال الدكتور خالد عبيد إذا ما تمّ التوجّه إلى نظام الاقتراع بالأفراد على دورتين فإنّ الخاسر الأكبر ستكون حركة النهضة وأكبر البقايا لن يكون لها وجود.. وفي ما يلي نص الحوار.

 

حاورته: إيمان عبد اللطيف

 

  • يُقر محللون ومراقبون للمشهد السياسي والعام بأنّ الوضع تحول إلى مشهد سريالي ضاعت فيه البوصلة، فهل فعلا أصبح الوضع سرياليا يصعب التحكم فيه؟

-لا أعتقد بالمرّة، وكلّ من يرى ذلك عليه أن يصوّب تقييمه، بالنظر إلى أنّ ما نشهده حاليا هو نتاج طبيعي وحتمي لكلّ التراكمات السابقة، فماذا ننتظر من عشرية كاملة تميّزت بالعبث السياسي والهدْر في جميع المجالات، وإعْمال معاول الهدم الخفيّة منها والظاهرة في أوْصال الدولة المركزية بحجّة منع رجوع الاستبداد، لقد تمّ هدر فرصة تاريخية نادرة لا أتوقع أنّها تعاد في المنظور القريب وهي تجاوز سلبيات فترة ما قبل 2011 وتحقيق الآمال الكبيرة لدى جزء لا بأس به من التونسيين في الإقلاع المنشود، لكن شيئا من هذا لم يحدث بل العكس صحيح، ممّا ولّد الحنين إلى فترة الرئيس الراحل بن علي بالنظر إلى أنّ التونسي لديه الاستعداد التلقائي للمقارنة، وفي المقارنة الحصيلة واضحة بالنسبة إليه.

  • كيف لا عودة لفترة ما قبل الـ25جويلية، في وقت إن هذه المرحلة سجلت أيضا مكاسب خاصة منها المتعلقة بالحقوق والحريات؟ 

-قناعتي أنّ عشرية 2011 -2021 قد أُقْفلت نهائيا، ولن تكون هناك أيّة عودة لها، ونحن الآن نعيش فترة مَخَاضٍ حقيقي، مخاض ميلاد حقبة مغايرة لسابقتها، فهي فترة بين عشريتيْن، أنهت السابقة وتهيّء للآتية، ومن البديهي أن يكون المخاض صعبا، لذلك تبادر إلى البعض هذا التوجّه الإحباطي.

 في الأثناء، علينا أن  نقرّ بأنّ هذه المرحلة دقيقة للغاية بالنظر إلى الوضع الكارثي للاقتصاد التونسي وتداعياته اجتماعيا، وأيضا وخاصّة رغبة رئيس الدولة في تطبيق مشروع سياسي لا أعتقد أنّه سيكون التِرْيَاق لمشاكل تونس، بل ربّما العكس، خاصّة وأنّ تونس لم تعد قادرة على أن تتحمّل ذلك كما حدث إثر 2011، لأنّها أُنْهكت كثيرا دولةً وشعبًا، فالضرورة تقتضي التريث ثمّ التريث! حتى لا يعني طيّ صفحة العشرية السابقة الذهاب حتمًا إلى المجهول!

  • الوضع الحالي يتطلب الجلوس والحوار بين جميع الأطراف، أترى من المنطقي أن يكون الحوار الوطني قائما على الاقصاء وعلى رفض من ليسوا على توجهات قيس سعيد؟

-هناك سابقة تمّ تطبيقها في 2011، وهي إقصاء كلّ من انتمى ويَرمز إلى حزب التجمّع المنحلّ من الحياة السياسية وانتخابات المجلس التأسيسي، وهُلّل لذلك كثيرا، بل ونُظّر إليه باسم "الثورية" والمزايدة عليها ولم يعارض أيّا كان وقتها تقريبا، ووصل الأمر أحيانا إلى افتعال هذا الانتماء المزعوم بغاية إقصاء منافس محتمل. وتناسى كلّ الذين دعوا إلى إنهاء  الوجود السياسي لتونسيين آخرين بأنّ هذا الإقصاء غير مقبول أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا، فالعقاب الجماعي وتجريم أفراد بِجَرِيرَة تنظيمٍ ما أو سياسة ما لِحزب مَا أو دولة ما قد ولّى زمنه، بل ويمكن تصنيفه في خانة الجرائم ضدّ الإنسانية، وعليه ما دام قد تمّ خلق سابقة في هذا المجال في تونس باسم "ثورة" لم تقع، فإنّ اللوم يوجّه إلى كلّ من قبل بهذا "السقوط" الأخلاقي وقتها وتذكير الجميع  بالمثل القائل: "كما تُدين تُدان".

  • أهذا يعني أنّك مع منهج الإقصاء؟

-لا بالعكس، لاعتقادي، الذي سبق أن بيّنته في تلك الفترة، بأنّ كلّ من يُقْصِي سَيُقْصَى هو حتمًا، وعليه، فموقفي واضح ولكن من الضروري التذكير بما يتناساه البعض الآن أو نسيه البعض الآخر قبل التباكي على الإقصاء من هذا أو ذلك.

  • هناك العديد من الضغوطات الاجنبية والانتقادات من الدول ومن المنظمات الدولية، هل تتوقع أن يرضخ قيس سعيد إليها ويغير من سياسته في إدارة الشأن العام والسياسي؟

-ما كانت لتحدث هذه الضغوطات لو لم تكن تونس على هذه الحال من شبه الانهيار المالي والاقتصادي نتيجة تَرِكَة ثقيلة جدّا لما أسْميته بـ:عشِرية الخَرَاب، فهذه الأطراف الأجنبية تدرك جيّدا أنّ الدولة التونسية في وضعية لا تُحسد عليها، وأنّه لا يمكنها الخروج من هذا النفق إلاّ بدعم مالي خارجي مستمرّ، لذلك سمحت هذه الأطراف لنفسها بِلَيِّ أعْناق التونسيين من خلال التدخّل الفاضح في الشؤون الداخلية التونسية، وإحقاقاً للحق، ما كانت لتتشجع أكثر على ذلك وتتمادى في إهانة التونسيين والمسّ من كبْريائهم الوطني، لولا الجهد الاستثنائي الذي بذلته حركة النهضة منذ آخر جويلية 2021 لدى الدوائر الغربية بغاية الاستقواء بالأجنبي على بَنِي جِلْدَتِها.

نحن ندرك أنّ رئيس الدولة يرفض كلّ هذه الضغوطات، لكن ما لا يدركه ربّما أنّ رفضه هذا من باب الضعف وليس القوّة، ضعف الدولة التونسية التي لم تعد كما كانت منذ 2011 إلى الآن، فثمّة فرق كبير بين أن ترفض هذه الضغوطات ولديك كلّ مقوّمات السيادة ولست في حاجة إلى مزية من أيّة دولة أخرى، وبين أن ترفض واقتصادك وماليتك على أبواب الانهيار إن تواصل الأمر على ما هو عليه حاليا!

  • هل أن ذلك سيدعوه إلى التراجع عن موقفه من الضغوطات الخارجية؟

-عموما، ما هو ثابت لدينا أنّ مُجْمل هذه الضغوطات ليست غايتها الرجوع إلى فترة ما قبل 25 جويلية 2021 كما قد يُعطى الانطباع بذلك أحيانا من خلال بعض البيانات الأجنبية الصادرة في الغرض، أو كما يتوهّم البعض أو يريد إيهام أنصاره بذلك، لدفعهم إلى المجهول وإلى احتمال محرقة ثانية يكونون هم وحدهم وقودها كالعادة.

وذلك، لأنّه قد حُسِم الأمْر دوليا، والمطلب الذي تنتظره هذه الأطراف من الدولة التونسية هو أن لا يكون هناك تراجع للمسار الديموقراطي وللحرّيات، وأن تقع انتخابات نزيهة وشفافة تؤدّي إلى برلمان منتخب يمثل قطاعات عريضة من التونسيين، وهذا كلّه بقطع النظر عن ماهية النظام السياسي الذي سيقع اعتماده.

من لم يستوعب داخليا أو خارجيا هذا الأمر، فكأنّه أو هو فعلا يحرث في البحر ويجدف ضدّ التيّار، تيّار الزمن الذي لم نره أبدا يرجع إلى الوراء، وإن حدث ذلك مرّة، فلن يكون مظهره وانعكاساته إلاّ كارثية.

  • لم يُعد التونسيون يكترثون للشأن السياسي بما في ذلك تاريخ 25 جويلية، ألا يمكن القول بأنّه حدثت لهم انتكاسة؟ 

-السؤال الأهمّ: هل أنّ لدى التونسيين القدرة على تحمّل أعباء تدهور معيشتهم حتى يستقرّ الوضع السياسي نهائيا في تونس؟ وهل أنّ الزمن السياسي الذي نراه مُمَطَّطا دون موجب سيصمد أمام زمن الاحتياج اليومي المتزايد والضنك المعيشي؟ خاصّة وأنّه ثمّة أطراف تدفع للصدام بين مجسّدي هذيْن الزمنيْن توهّما منها بل يقينًا وهميًا لديها أنّه بإمكانها أن ترجع على ظهر دبّابة الفوضى، وما يعني ذلك من انهيار الدولة هذه المرّة وليس النظام كما حدث في 2011.

وقناعتي أنّ "الانفجار" الاجتماعي الذي تعوّل عليه هذه الأطراف كي تستردّ على إثره الحكم، إنّما سيكون في وجهها والعكس غير صحيح! وقد ينهار النظام جرّاء ذلك ومن ثمّة الدولة التي رُهِّلت كثيرا، ولو مؤقتا، والأكيد، أنّه سيقوم على أنقاض كلّ ذلك من سيستردّ المبادرة وينقذ الكيان الوطني من الهاوية بعد أن يقوم "الانفجار" المحتمل بـ"التطهير" الفوضوي.

صحيحٌ أنّ هذه الوضعية التي لا نريد تخيّلها ستسمح فعلا بالتدخّل الأجنبي حتى المباشر منه، لكن ليس لإرجاع من يُجْهد نفسه لذلك، وذلك لإدراك هذه الأطراف الأجنبية أنّ مصلحتها لم تعد في إنقاذ المُتَهَاوِينَ، بل في البحث عن القادرين فعلا على ترميم ما تمّ تقويضه وإعادة البناء والتماسك الكياني، وذلك بغاية الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فـ"الحالة الصومالية" أو حتى "الحالة الليبية" لا تخدم بالمرّة المصالح الغربية التي تريد أن تكون إزاء دولة تونسية متماسكة وقويّة.

  • كيف سيكون المشهد البرلماني ولمن قد تكون الأغلبية؟

-هذا مرتبط بأيّ قانون انتخابي سيقع اعتماده؟ لكن إذا ما تمّ التوجّه إلى نظام الاقتراع على الأفراد على دورتين، فإنّ الخاسر الأكبر سيكون كلّ من استفاد من القانون الانتخابي المعتمد بتنقيحاته منذ 2011 إلى الآن، لذلك لا نستغرب أن نرى بعض الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات القادمة بأيّة حجّة كانت خاصّة لدى من يستأنس في نفسه عدم القدرة على الفوز بمقاعد معتبرة تحفظ ماء الوجه.

ستكون حركة النهضة هي الخاسر الأكبر في هذا النظام الانتخابي المرتقب، لأنّه ينتظرها عقاب جماعي من الكثير من التونسيين، وأكبر البقايا، الذي مكّنها من الحصول على عدد مهمّ من المقاعد، لن يكون له وجود، كما أنّه يجب التفكير جدّيا في إنهاء الطريقة "المهزلة" المعتمدة في تشريك مواطنينا بالخارج في الانتخابات وتعويضها مثلا بالتصويت الإلكتروني إذا أمكن على غرار ما هو معمول به لدى بعض البلدان.

أضف إلى ذلك أنّ المترشحين هذه المرّة، لا يمكن لهم أن ينجحوا دون أن يكون للناخب كلّ العلم بتوجّهاتهم ومدى جدّيتهم وكفاءاتهم وحقيقة انتماءاتهم، وهو ما لم يكن متيسّرا سابقا.

كما نتوقع، إذا ما تمّت الانتخابات في ظروف غير مُلْتبسة وشفافة ونزيهة أن يكتسح الحزب الدستوري الحرّ عددا معتبرا من مقاعد البرلمان القادم.

لكن هاجسي الأكبر هو: هل أنّ هذا النظام المرتقب سيكون بابا لمزيد تقسيم التونسيين على أساس عشائري ومناطقي ونُفوذي مثلما أُمْعِن في إثارة النعرات لديهم وتقسيمهم خلال العشرية الفارطة أم لا؟ وذلك، لأنّ هذه المرّة، إن تمّ الأمر كذلك وأدّى إلى ما أدّى إليه من تزايد للتقسيم وللنعرات المختلفة، فإنّ الدولة ككيان مركزي قد تصبح في مهبّ الريح؟ أرجو أن لا يقع ذلك!

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews