بعد تسع سنوات من المظلمة، وبعد مسار قضائي طويل ومعقد أمام المحكمة الإدارية، أنصف أول أمس قرار مجلس القضاء العدلي بعض »ضحايا« قرار الإعفاء الذي أصدره وزير العدل في 2012 ، نور الدين البحيري، حيث قرر المجلس في جلسته المنعقدة أول أمس الثلاثاء، إعادة خمسة من القضاة المعزولين بين سنتي 2011 و2012 وتسميتهم بمراكز عمل مختلفة، وهؤلاء القضاة هم أكرم المنكبي ومحمد عميرة وجمال شهلول من الرتبة الثالثة أنيس بوكثير والحبيب الزمالي ..وكانت المحكمة الدراية قد حكمت في وقت سابق وخلال السنوات التي تلت ما يوصف بأنه مظلمة سلطها نور الدين البحيري على 82 قاضيا من رتب مختلف، قد قضت بإلغاء أوامر إعفاء 6 قضاة من قبل وزير العدل الأسبق وذلك لعدم احترام قرار الإعفاء لإجراءات والصيغ القانونية الواجب إتباعها في أوامر الإعفاء.
واذا كانت تسمية خمسة قضاة ممن تم إعفاؤهم في 2012 ، يعتبر بمثابة انصاف للحقيقة ورد اعتبار لقضاة تم التشكيك في نزاهتهم والقدح في شرفهم المهني، ولكن هل يكفي ذلك لتعويضهم عن الإساءة البالغة التي لحقتهم وأثرت عليهم وعلى حياتهم وهم الذين بقوا لمدة تسع سنوات موصومين أمام المجتمع؟ ومن سيعوض لهم عن ذلك الضرر المعنوي الذين لحقهم؟
أحد هؤلاء القضاة، وهو الحبيب الزمالي، كشف لـ »الصباح « بعض كواليس القرار السياسي الذي اتخذه وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري بإعفاء 82 قاضيا وتطورات الملف على مدى السنوات الماضية.
أصل الملف..
في 2012 وفي ذروة قوة حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة، برزت عناوين كبرى في إدارة الدولة والأجهزة الرسمية ومنها عنوان التطهير والذي كان موجها للإعلام والقضاء بالأساس، حيث عمدت حكومة الترويكا وخاصة وزراء حركة النهضة في حكومة الجبالي وحتى حكومة العريض الى محاولة وضع يدها على قطاعات وأجهزة حساسة في الدولة من خلال توظيف أدوات قانونية للعقاب أو الانتقام مثل العزل والاعفاء، وهو ما حصل بالفعل عندما قرر نور الدين البحيري وزير العدل آنذاك اعفاء 82 قاضيا بعنوان تطهير القضاء وذلك على خلفية ما قال انه شـبهات فساد تلاحقهم تم التوصل اليها بعد ابحاث واعمال تقص قال انها دامت أكثر من اربعة أشهر، وفق تعبيره.
هذا الاعفاء الذي أثار ضجة كبيرة، وردود أفعال غاضبة خاصة وان وقتها القضاء ما زال في مرحلة انتقالية حرجة من زمن الدكتاتورية إلى زمن الديمقراطية، قال وزير البحيري انه املته الضرورة في سياق ما وصفه بعملية التطهير العميقة التي سيخضع لها القرار، واصفا الـ82 قاضيا أنهم "قضاة فاسدون شوهوا السلك القضاء « ..ولكن هؤلاء الذين قال عنهم البحيري بأنهم فاسدون وشوهوا القضاء تنصف عدد منهم المحكمة الإدارية في مرحلة أولى، وبعد ذلك يقوم مجلس القضاء العدلي بإعادة تسميتهم، ويلغي تماما قرار الإعفاء، فهل أن مجلس القضاء العدلي قام بتسمية قضاة فاسدين أم ان نور الدين البحيري هو من استعمل شماعة الفساد، ليقوم بتلك المظلمة لحسابات حزبية وسياسية بالأساس؟ ووفق السياقات وتطورات الملفات، تبدو الفرضية الثانية الأقرب الى المنطق بالنظر الى مآلات قرار الإعفاء.
الحبيب الزمالي، هو أحد القضاة المعفين والذي تسميته كقاض من الرتبة الثانية، مستشارا بمحكمة الاستئناف بالمنستير، أول أمس قال في تصريح لـ »الصباح « : »محنة اعفاء 82 قاضيا هي محنة تاريخية شهدها القضاء التونسي، وتعود إلى زمن تسلم حكومة الترويكا للسلطة حيث وانه بإيعاز من أحد قيادات المؤتمر من أجل الجمهورية حليف النهضة في الحكم، عماد الدايمي، تم إطلاق حملة تطهير القضاء، وتم إعداد قائمة ارتجالية لم يكن هدفها الإصلاح بل تصفية الحسابات وبعضها كانت حسابات شخصية، وقد طعنت بعد ذلك في قرار اعفائي أمام المحكمة الإدارية وحصلت على حكم لصالحي في 8 ماي 2014 ولكن وزير العدل وقتها حافظ بن صالح عندما أحال ملفي على الهيئة الوقتية حينها للقضاء العدل وكان رئيسها خالد العياري، قام وفي مفارقة غريبة بإحالتي على مجلس التأديب رغم اني لم اكن قاضيا مباشرا ولم أحمل صفة قاضي، ومنذ ذلك الوقت ظل الملف يراوح مكانه الى حين صدور قرار اول أمس . «
تعزل وتعدم على المذهب الحنفي.. !
لم ينف الحبيب الزمالي ان قرار اعفاء 82 قاضيا زمن البحيري كان قرارا سياسيا ليس له أي علاقة بالإصلاح، وان هذا الملف تم اخضاعه للتجاذبات وتصفية الحسابات وان القائمة كانت تضم 224 قاضيا وبعد تدخلات سياسية ومراكز نفوذ تقلص العدد الى 82 قاضيا وهؤلاء هم من تم إعفاؤهم لأنهم ليس لديهم تكتلات سياسية او تكتلات أخرى لتدافع عنهم وتحاول إنصافهم، ويقول الحبيب الزمالي : » قرار اعفاء 82 قاضيا هو بداية محاولة حركة النهضة السيطرة على سلك القضاء حيث وقتها صرح البحيري ان هناك قائمة تكميلية في محاولة لترويع وترهيب من تبقى من قضاة حيث عاش الجميع أيام رعب وهم ينتظرون بين الفينة والأخرى ان تصدر قائمة مشابهة للإعفاء الأول.. وعندما تبث الخوف في النفوس فانك تضمن الولاء وتقديم الخدمات « وفق تعبير الحبيب الزمالي والذي أكد أيضا انه رغم محاولات النهضة ، فان القضاء ظل يقاوم هذا الاختراق السياسي ولكن الثغرة التي استغلتها القوى السياسية ومنها حركة النهضة هم المسؤولون الكبار في القضاء ومنهم الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب.
ويقول الزمالي : »هؤلاء المسؤولون والذين تقلدوا مهام رفيعة في القضاء ومنهم الطيب راشد هم سبب مأساة القضاء وكانوا أداة للاختراق السياسي، وكل ما قيل عن فساد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد هو حقيقي وغير زائف وأنا منذ 2003 عندما كنا نباشر معا في محكمة جندوبة كنت أشرت ونبهت الى كون الطيب راشد من القضاة الفاسدين، وبعد ذلك بلغني انه في زمن نور الدين البحيري وعندما كان الطيب راشد هو من يتقلد خطة متفقد عام مساعد بوزارة العدل هو من أقحم اسمي في قرار الإعفاء لتصفية حساب شخصي معي بعد ان فضحت فساده منذ ما قبل الثورة « .
وبسؤال الحبيب الزمالي، إذا ما كان قد التقى بنور الدين البحيري بعد ذلك خاصة وانه أصبح زميله في المحاماة، وما إذا كان قد اعتذر منه، بسبب القرار المجحف الذي اتخذه في شأنه، قال الحبيب الزمالي »قابلت نور الدين البحيري بعد اصدار قرار الاعفاء وحاولت ان اشرح له أن لا فساد لي ليعاقبني من أجله، وقد قال لي حرفيا، أنت كان يجب أن تعزل وتُعدم كما ينص على ذلك المذهب الحنفي، باعتبار انك قاض وقد قيل انك تعاقر الخمر والخمر مفسد للأخلاق وبالتالي القاضي الذي تفسد أخلاقه يُعدم ولا يعزل فقط « ! .
منية العرفاوي
بعد تسع سنوات من المظلمة، وبعد مسار قضائي طويل ومعقد أمام المحكمة الإدارية، أنصف أول أمس قرار مجلس القضاء العدلي بعض »ضحايا« قرار الإعفاء الذي أصدره وزير العدل في 2012 ، نور الدين البحيري، حيث قرر المجلس في جلسته المنعقدة أول أمس الثلاثاء، إعادة خمسة من القضاة المعزولين بين سنتي 2011 و2012 وتسميتهم بمراكز عمل مختلفة، وهؤلاء القضاة هم أكرم المنكبي ومحمد عميرة وجمال شهلول من الرتبة الثالثة أنيس بوكثير والحبيب الزمالي ..وكانت المحكمة الدراية قد حكمت في وقت سابق وخلال السنوات التي تلت ما يوصف بأنه مظلمة سلطها نور الدين البحيري على 82 قاضيا من رتب مختلف، قد قضت بإلغاء أوامر إعفاء 6 قضاة من قبل وزير العدل الأسبق وذلك لعدم احترام قرار الإعفاء لإجراءات والصيغ القانونية الواجب إتباعها في أوامر الإعفاء.
واذا كانت تسمية خمسة قضاة ممن تم إعفاؤهم في 2012 ، يعتبر بمثابة انصاف للحقيقة ورد اعتبار لقضاة تم التشكيك في نزاهتهم والقدح في شرفهم المهني، ولكن هل يكفي ذلك لتعويضهم عن الإساءة البالغة التي لحقتهم وأثرت عليهم وعلى حياتهم وهم الذين بقوا لمدة تسع سنوات موصومين أمام المجتمع؟ ومن سيعوض لهم عن ذلك الضرر المعنوي الذين لحقهم؟
أحد هؤلاء القضاة، وهو الحبيب الزمالي، كشف لـ »الصباح « بعض كواليس القرار السياسي الذي اتخذه وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري بإعفاء 82 قاضيا وتطورات الملف على مدى السنوات الماضية.
أصل الملف..
في 2012 وفي ذروة قوة حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة، برزت عناوين كبرى في إدارة الدولة والأجهزة الرسمية ومنها عنوان التطهير والذي كان موجها للإعلام والقضاء بالأساس، حيث عمدت حكومة الترويكا وخاصة وزراء حركة النهضة في حكومة الجبالي وحتى حكومة العريض الى محاولة وضع يدها على قطاعات وأجهزة حساسة في الدولة من خلال توظيف أدوات قانونية للعقاب أو الانتقام مثل العزل والاعفاء، وهو ما حصل بالفعل عندما قرر نور الدين البحيري وزير العدل آنذاك اعفاء 82 قاضيا بعنوان تطهير القضاء وذلك على خلفية ما قال انه شـبهات فساد تلاحقهم تم التوصل اليها بعد ابحاث واعمال تقص قال انها دامت أكثر من اربعة أشهر، وفق تعبيره.
هذا الاعفاء الذي أثار ضجة كبيرة، وردود أفعال غاضبة خاصة وان وقتها القضاء ما زال في مرحلة انتقالية حرجة من زمن الدكتاتورية إلى زمن الديمقراطية، قال وزير البحيري انه املته الضرورة في سياق ما وصفه بعملية التطهير العميقة التي سيخضع لها القرار، واصفا الـ82 قاضيا أنهم "قضاة فاسدون شوهوا السلك القضاء « ..ولكن هؤلاء الذين قال عنهم البحيري بأنهم فاسدون وشوهوا القضاء تنصف عدد منهم المحكمة الإدارية في مرحلة أولى، وبعد ذلك يقوم مجلس القضاء العدلي بإعادة تسميتهم، ويلغي تماما قرار الإعفاء، فهل أن مجلس القضاء العدلي قام بتسمية قضاة فاسدين أم ان نور الدين البحيري هو من استعمل شماعة الفساد، ليقوم بتلك المظلمة لحسابات حزبية وسياسية بالأساس؟ ووفق السياقات وتطورات الملفات، تبدو الفرضية الثانية الأقرب الى المنطق بالنظر الى مآلات قرار الإعفاء.
الحبيب الزمالي، هو أحد القضاة المعفين والذي تسميته كقاض من الرتبة الثانية، مستشارا بمحكمة الاستئناف بالمنستير، أول أمس قال في تصريح لـ »الصباح « : »محنة اعفاء 82 قاضيا هي محنة تاريخية شهدها القضاء التونسي، وتعود إلى زمن تسلم حكومة الترويكا للسلطة حيث وانه بإيعاز من أحد قيادات المؤتمر من أجل الجمهورية حليف النهضة في الحكم، عماد الدايمي، تم إطلاق حملة تطهير القضاء، وتم إعداد قائمة ارتجالية لم يكن هدفها الإصلاح بل تصفية الحسابات وبعضها كانت حسابات شخصية، وقد طعنت بعد ذلك في قرار اعفائي أمام المحكمة الإدارية وحصلت على حكم لصالحي في 8 ماي 2014 ولكن وزير العدل وقتها حافظ بن صالح عندما أحال ملفي على الهيئة الوقتية حينها للقضاء العدل وكان رئيسها خالد العياري، قام وفي مفارقة غريبة بإحالتي على مجلس التأديب رغم اني لم اكن قاضيا مباشرا ولم أحمل صفة قاضي، ومنذ ذلك الوقت ظل الملف يراوح مكانه الى حين صدور قرار اول أمس . «
تعزل وتعدم على المذهب الحنفي.. !
لم ينف الحبيب الزمالي ان قرار اعفاء 82 قاضيا زمن البحيري كان قرارا سياسيا ليس له أي علاقة بالإصلاح، وان هذا الملف تم اخضاعه للتجاذبات وتصفية الحسابات وان القائمة كانت تضم 224 قاضيا وبعد تدخلات سياسية ومراكز نفوذ تقلص العدد الى 82 قاضيا وهؤلاء هم من تم إعفاؤهم لأنهم ليس لديهم تكتلات سياسية او تكتلات أخرى لتدافع عنهم وتحاول إنصافهم، ويقول الحبيب الزمالي : » قرار اعفاء 82 قاضيا هو بداية محاولة حركة النهضة السيطرة على سلك القضاء حيث وقتها صرح البحيري ان هناك قائمة تكميلية في محاولة لترويع وترهيب من تبقى من قضاة حيث عاش الجميع أيام رعب وهم ينتظرون بين الفينة والأخرى ان تصدر قائمة مشابهة للإعفاء الأول.. وعندما تبث الخوف في النفوس فانك تضمن الولاء وتقديم الخدمات « وفق تعبير الحبيب الزمالي والذي أكد أيضا انه رغم محاولات النهضة ، فان القضاء ظل يقاوم هذا الاختراق السياسي ولكن الثغرة التي استغلتها القوى السياسية ومنها حركة النهضة هم المسؤولون الكبار في القضاء ومنهم الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب.
ويقول الزمالي : »هؤلاء المسؤولون والذين تقلدوا مهام رفيعة في القضاء ومنهم الطيب راشد هم سبب مأساة القضاء وكانوا أداة للاختراق السياسي، وكل ما قيل عن فساد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد هو حقيقي وغير زائف وأنا منذ 2003 عندما كنا نباشر معا في محكمة جندوبة كنت أشرت ونبهت الى كون الطيب راشد من القضاة الفاسدين، وبعد ذلك بلغني انه في زمن نور الدين البحيري وعندما كان الطيب راشد هو من يتقلد خطة متفقد عام مساعد بوزارة العدل هو من أقحم اسمي في قرار الإعفاء لتصفية حساب شخصي معي بعد ان فضحت فساده منذ ما قبل الثورة « .
وبسؤال الحبيب الزمالي، إذا ما كان قد التقى بنور الدين البحيري بعد ذلك خاصة وانه أصبح زميله في المحاماة، وما إذا كان قد اعتذر منه، بسبب القرار المجحف الذي اتخذه في شأنه، قال الحبيب الزمالي »قابلت نور الدين البحيري بعد اصدار قرار الاعفاء وحاولت ان اشرح له أن لا فساد لي ليعاقبني من أجله، وقد قال لي حرفيا، أنت كان يجب أن تعزل وتُعدم كما ينص على ذلك المذهب الحنفي، باعتبار انك قاض وقد قيل انك تعاقر الخمر والخمر مفسد للأخلاق وبالتالي القاضي الذي تفسد أخلاقه يُعدم ولا يعزل فقط « ! .