إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أمام تكرر أحداث الاعتداء بالعنف الأطباء الشبان يحتجون مرة أخرى.. ويطالبون بتأمين المستشفيات

نقص الإطارات الطبية وشبه الطبية وتردي نوعية الخدمات المقدمة للمرضى من أبرز الأسباب 

مدير عام وحدة التشريع والنزاعات بوزارة الصحة: لا بد من تركيز نقاط أمنية قارة في المستشفيات الكبرى 

 

تونس: الصباح

قررت المنظمة التونسية للأطباء الشبان تنظيم وقفة احتجاجية مع إيقاف العمل يوم غد الاثنين بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة وذلك على خلفية الاعتداء بالعنف على الطبيب الداخلي وجيه ذكار من طرف ممرّض عامل بقسم الاستعجالي  بهذا المستشفى. وسبق لنفس المنظمة أن خاضت العديد من التحركات الاحتجاجية جراء تكرر الاعتداءات على منظوريها الذين يعملون في الخطوط الأمنية وخاصة في أقسام الإستعجالي. 

حسام الحمامي عضو المكتب التنفيذي لهذه المنظمة أشار إلى أن الوقفة الاحتجاجية مع إيقاف العمل تهدف إلى التعبير عن التضامن مع الطبيب الداخلي وجيه ذكار وإلى المطالبة بمحاسبة المعتدي حتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة في المستقبل، كما تهدف إلى المطالبة بتأمين المستشفيات العمومية التي تشهد اعتداءات متكررة على الإطارات الطبية وشبه الطبية. 

وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن من بين أبرز أسباب استشراء العنف هو توقف عمليات الانتداب في الوظيفة العمومية وخاصة في القطاع الصحي تبعا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذكر أن كل من يغادر في التقاعد أو يهاجر لا يقع تعويضه وهو ما انجر عنه نقص فادح على مستوى الموارد البشرية. ونتيجة لهذا النقص أصبحت مهمة الكثير من الأطباء تتمثل في كتابة رسائل للمرضى لكي يتوجهوا نحو المستشفيات الكبرى بالعاصمة وغيرها للتداوي وهو ما أدى إلى الاكتظاظ بتلك المستشفيات وعجزها عن تقديم الخدمات للمرضى بالكيفية المطلوبة.. وأشار الحمامي إلى أن تردي ظروف العمل بالمؤسسات الصحية العمومية دفعت بالكثير من الأطباء إلى الهجرة وهي ظاهرة على غاية من الخطورة لأنها ستؤدي إلى تصحر القطاع الصحي. ونبه عضو المكتب التنفيذي للمنظمة التونسية للأطباء الشبان إلى مشكلة أخرى لا تقل خطورة وهي وصول عدوى الهجرة إلى الأطباء الإستشفائيين لأن نقص عددهم من شأنه أن يؤثر على جودة تكوين الأطباء في تونس. 

 

اللجوء إلى القضاء

 

وفي اتصال بالطبيب وجيه ذكار قال إنه قام برفع قضية ضد الممرض الذي اعتدى عليه، وذكر أن وزارة الصحة مطالبة بإيجاد حلول لظاهرة الاعتداءات بالعنف على أعوانها التي تفاقمت كثيرا، وبين أنه لا بد من التأكيد على أن العنف موجود في كل الأماكن وليس في المستشفيات فقط فمنسوب العنف زاد بصفة واضحة للعيان، وهذا الخطر لا يمكن إنكاره كما لا يمكن معالجته بحلول أمنية، فمكافحة ظاهرة العنف في المجتمع تتطلب رؤية شاملة.. وأضاف أنه لا يتفق مع من يرون أن الحل الأمثل للتصدي للاعتداءات المتكررة بالعنف في المؤسسات الصحية يكمن في سن قانون يجرم الاعتداءات على أعوان القطاع الصحي لأن التشريعات لوحدها غير كافية بل لا بد من محاربة آفة الإفلات من العقاب، وفسر أنه عندما يقع وضع حد للإفلات من العقاب ساعتها يمكن الحد من العنف. 

وأشار ذكار إلى أنه لا بد أيضا من إيجاد دورية أمنية قارة داخل المستشفيات خاصة المستشفيات الكبرى التي تستقبل عددا غفيرا من المرضى. وأضاف الطبيب الداخلي أن وزارة الصحة مدعوة إلى تحسين ظروف العمل بالمؤسسات الصحية لأن من بين أسباب العنف المتكرر على الإطارات الطبية وشبه الطبية نجد نقص الرعاية الصحية وضعف طاقة الاستيعاب التي تجعل الطبيب يضطر إلى تأجيل مواعيد المرضى، وذكر محدثنا أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي تدني نوعية الخدمات الصحية جراء النقص الفادح في عدد الأعوان الذي يقدر بنحو 20 ألف إطار طبي وشبه طبي..

 

تحديد الأدوار

 

وفي انتظار مآل القضية التي رفعها الطبيب الداخلي وجيه ذكار ضد من اتهمه بالاعتداء عليه وهو ممرض، أكد علاء الدين الرويسي الأمين العام المساعد للاتحاد الوطني لمهنيي الصحة أن الممرضين بدورهم تعرضوا إلى اعتداءات من قبل الطبيب المذكور وقال "لنترك القضية  تأخذ مجراها".  وأضاف أن هذه الحادثة ليست كما وصفتها المنظمة التونسية للأطباء الشبان في بيانها ليلة أمس الأول بأنها عملية معزولة، بل يتم يوميا تسجيل اعتداءات من أطباء على إطارات شبه طبية أو العكس ويعود السبب لحالة الفوضى الكبيرة الموجودة في المؤسسات الصحية جراء غياب إطار قانوني واضح يضبط مهام كل طرف. 

وذكر الرويسي أن عمل الإطارات الطبية وشبه الطبية هو عمل إنساني مشترك ولكي يتم هذا العمل على أفضل وجه من المفروض أن يعرف كل طرف أدواره بدقة وأن يتم تحديد الأدوار في نص قانوني واضح لا لبس فيه، فهذا ما هو معمول به في جل دول العالم لكن في تونس وفي ظل النقص الفادح في عدد الأطباء، نجد التقني السامي يقوم بأدوار من المفروض أن يقوم بها الطبيب. وأشار إلى أن النقابات الموجودة في القطاع الصحي منحت في مفاوضاتها مع وزارة الإشراف الأولوية للمطالب المادية والاجتماعية وفوتت على أعوان الصحة فرصة سن قانون أساسي يحدد الأدوار بكل دقة حتى يعرف كل فرد ما هو مطلوب منه.   

 

من يخطئ يحاسب

 

للاستفسار حول كيفية تعاطي وزارة الصحة مع الاعتداءات بالعنف على الإطارات الطبية وشبه الطبية اتصلت "الصباح" بفوزي اليوسفي المدير العام لوحدة التشريع والنزاعات بهذه الوزارة الذي أكد أن ملف الاعتداءات ليس فيه اجتهاد، فكلما يتم تسجيل اعتداء يحال الملف آليا على القضاء وتقع متابعة القضية عن طريق المكلف العام بنزاعات الدولة الذي يعين محام للدفاع عن أعوان الصحة ويطلب الحق الشخصي لتعويض العون المعتدى عليه. 

وأضاف أن تتبع المعتدين في الوقت الراهن يتم على أساس المجلة الجزائية فهذه المجلة تتضمن أحكاما تتصل بالاعتداء على الموظف وأحكاما في علاقة بالعنف بصفة عامة، وذكر أن أحكام هذه المجلة ربما لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية العمل في المؤسسة الصحية، إذ من المفروض أن العقوبات تكون أشد وآجال البت في القضايا تكون مختصرة لأن عملية التقاضي حاليا تمتد في أغلب الأحيان على فترة زمنية طويلة. 

وذكر اليوسفي أنه على هذا الأساس تم خلال سنة 2018 إعداد مشروع قانون حول حماية أعوان الصحة والمؤسسات الصحية من الاعتداءات، وتم في إطار هذا المشروع استبعاد ظروف التخفيف في هذه الجرائم في صورة تطبيق أحكام المجلة الجزائية وذلك حتى لا يتمادى المواطنون في تكرار الاعتداء على أعوان الصحة والمؤسسات الصحية، كما تم صلب المشروع اقتراح تشديد العقوبات على المعتدي عندما يكون المعتدى عليه واضحا للعيان بأنه من أعوان الصحة كأن يكون مرتديا ميدعة بيضاء.

وأشار إلى أنه تم طرح العديد من الأفكار في مشروع القانون لكن وزارة العدل اعترضت عليه لأنها رأت أن التوجه نحو صياغة قانون لحماية أعوان الصحة من شأنه أن يكرس القطاعية بمعنى أن سنه سيشع بقية القطاعات على المطالبة بقوانين لحماية أعوانها من الاعتداءات.

وذكر أنه بصرف النظر عن الجانب القانوني فيجب أن تكون هناك رؤية شاملة لمعالجة ظاهرة العنف كما لا بد من إيجاد إجراءات مصاحبة تساعد على تطويق أسباب العنف، وأضاف المدير العام لوحدة التشريع والنزاعات بوزارة الصحة قائلا:" إن وزارة الصحة مقتنعة بأن أحكام المجلة الجزائية لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل المؤسسة الصحية التي تفتح أبوابها 24 ساعة على 24 ولا تأخذ بعين الاعتبار حاجة أقسام الاستعجالي التي تتعهد بحالات حرجة والتي عادة ما يكون المريض الذي يتوجه إليها صحبة أفراد عائلته الذين يكونون في حالة توتر شديد ولا تأخذ بعين الاعتبار وضعية المؤسسات الصحية".

وأشار محدثنا إلى وجود أسباب متعددة للعنف لكن مهما كانت هذه الأسباب فهي لا تبرر العنف، لأن العنف يزيد في تعقيد المشكل. وأقر ممثل وزارة الصحة بوجود مشكل نقص الموارد البشرية وبين أن النقص في عدد الأعوان أمر لا يمكن إنكاره خاصة في المستشفيات الكبرى وهو يعود إلى ميزانية الدولة.. وبين أن هناك مستشفيات مثل شارل نيكول وخاصة قسم الاستعجالي في هذا المستشفى تستقبل يوميا عددا غفيرا من المرضى وبالتالي مهما كان عدد الإطارات الطبية وشبه الطبية المتوفر ومهما كانت كفاءاتهم فإن التكفل بالمرضى لا يتم بالشكل الذي ينتظره هؤلاء.. 

 

تنظم أقسام الاستعجالي

 

وذكر اليوسفي أن نقص الموارد البشرية هو سبب من الأسباب العديدة لأن هناك إشكالا آخر يتعلق بالتنظيم الهندسي لأقسام الاستعجالي، وفسر أنه من المفروض أن الأولوية في أقسام الاستعجالي تمنح للحالات الحرجة جدا وبعد ذلك يتم المرور للحالات الأقل خطورة، وهذا التنظيم يتطلب وضع منظومة فرز للمرضى الذين يأتون إلى المستشفيات، ويتطلب تنظيما داخليا في أقسام الاستعجالي تسمح بمنح الأولوية للحالات الحرجة، فالعملية لا بد أن تكون مهيكلة ومنظمة وبهذه الكيفية يتم التعامل مع المرضى حسب درجة خطورة مرضهم.

وإضافة إلى إحكام تنظيم العمل في أقسام الاستعجالي يرى اليوسفي أنه لا بد من تكوين أعوان الاستقبال. وذكر أن هذا الأمر مهم للغاية ولهذا السبب أولته وزارة الصحة الأهمية، وفي هذا السياق تولت الوزارة تنظيم دورات تكوينية لأعوان الاستقبال حول كيفية التعامل مع المرضى كل حسب وضعيته الصحية لأن هناك مرضى يكونون في حالة حرجة جدا ويأتون بصحبة أقاربهم الذين عادة ما يكونون في حالة توتر ولا بد أن يعمل عون الاستقبال على التهدئة من روعهم وبهذه الكيفية يتم الحد من الاعتداءات على الإطارات الطبية وشبه الطبية.. 

وأشار إلى أنه من بين الحلول الأخرى نجد تعزيز الحضور الأمني في أقسام الاستعجالي التي تحصل فيها اعتداءات متكررة وإن لزم الأمر تركيز نقطة أمنية قارة، فعلى سبيل الذكر في هضبة باب سعدون يمكن تركيز نقطة أمنية قارة بهدف ضمان التدخل السريع لمحاصرة ظاهرة العنف.. 

وباستفساره عن كيفية تعامل وزارة الصحة مع ملفات الاعتداءات بالعنف إذا كان المعتدي والمعتدى عليه من منظوريها بين فوزي اليوسفي أن هذه الوضعية دقيقة خاصة إذا كانا الطرفان يعملان في نفس المؤسسة الصحية، ولكن في كل الأحوال فإن المنطق يقول إن المعتدي يجب أن يحاسب والمعتدى عليه يجب على الوزارة أن تؤمن له الحماية.. وبخصوص حادثة الاعتداء التي حصلت على الطبيب وجيه ذكار والتي قال إن المعتدي عليه هو ممرض، ذكر محدثنا أنه من الناحية الإجرائية فإن إدارة المستشفى في حالة الاعتداء على عون من أعوان المستشفى مطالبة بتكليف محام للدفاع عنه لكن في هذه الحالة لا يمكن للمحامي أن يدافع عن العونين معا، وبالتالي فإن الإدارة هي التي تقدر من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه، فالوضعية حرجة حتى في كيفية متابعتها، وأضاف أن هناك كاميرات مراقبة موجودة في المستشفى يمكن العودة إليها لمشاهدة الحادثة ولتبين من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه. وبين أن هذه الحادثة التي جدت في مستشفى شال نيكول تبقى معزولة وذكر أنه لا يتصور أنها ظاهرة لكن في كل الحالات من يخطئ يجب أن يحاسب وأن يتحمل مسؤوليته سواء في علاقة بالجانب التأديبي أو الجانب القانوني.

وردا عن استفسار حول رأيه في المطالب التي يرفعها الإطارات الطبية وشبه الطبية والمتمثلة في تحديد الأدوار بدقة، قال اليوسفي إنه من بين الإصلاحات التي يجب القيام بها في القطاع الصحي تحديد الأدوار، وذكر أن هذه المهمة تتطلب عملا كبيرا لا بد من القيام به وذلك حتى يعرف كل من الطبيب والممرض والتقني السامي ما هو العمل المطلوب منه، وذكر أنه فعلا يوجد تكامل بين المهام لكن الأصل في الأشياء هو أن كل طرف له دور محدد عليه أن يقوم به، وذكر أنه لا بد من وضع وثيقة تضبط مهام مختلف أصناف أعوان الصحة والأسلاك الصحية بوضوح. وفسر أن هذه العملية هي من مهام وزارة الصحة بمعية الهياكل المهنية الممثلة وكذلك الهيئة الوطنية للاعتماد في المجال الصحي.. إذ نجد من بين مهام هذه الهيئة إعداد الأدلة التي تساعد على تحديد مسار التعهد بالمرضى ودور مختلف المتدخلين.

 خلص اليوسفي إلى أن الإصلاح يتطلب وقتا واستمرارية واستقرارا لأن وضعية البلاد وما تشهده من تغييرات سياسية تجعل الإصلاحات أحيانا لا تمر.. 

سعيدة بوهلال

أمام تكرر أحداث الاعتداء بالعنف الأطباء الشبان يحتجون مرة أخرى.. ويطالبون بتأمين المستشفيات

نقص الإطارات الطبية وشبه الطبية وتردي نوعية الخدمات المقدمة للمرضى من أبرز الأسباب 

مدير عام وحدة التشريع والنزاعات بوزارة الصحة: لا بد من تركيز نقاط أمنية قارة في المستشفيات الكبرى 

 

تونس: الصباح

قررت المنظمة التونسية للأطباء الشبان تنظيم وقفة احتجاجية مع إيقاف العمل يوم غد الاثنين بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة وذلك على خلفية الاعتداء بالعنف على الطبيب الداخلي وجيه ذكار من طرف ممرّض عامل بقسم الاستعجالي  بهذا المستشفى. وسبق لنفس المنظمة أن خاضت العديد من التحركات الاحتجاجية جراء تكرر الاعتداءات على منظوريها الذين يعملون في الخطوط الأمنية وخاصة في أقسام الإستعجالي. 

حسام الحمامي عضو المكتب التنفيذي لهذه المنظمة أشار إلى أن الوقفة الاحتجاجية مع إيقاف العمل تهدف إلى التعبير عن التضامن مع الطبيب الداخلي وجيه ذكار وإلى المطالبة بمحاسبة المعتدي حتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة في المستقبل، كما تهدف إلى المطالبة بتأمين المستشفيات العمومية التي تشهد اعتداءات متكررة على الإطارات الطبية وشبه الطبية. 

وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن من بين أبرز أسباب استشراء العنف هو توقف عمليات الانتداب في الوظيفة العمومية وخاصة في القطاع الصحي تبعا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذكر أن كل من يغادر في التقاعد أو يهاجر لا يقع تعويضه وهو ما انجر عنه نقص فادح على مستوى الموارد البشرية. ونتيجة لهذا النقص أصبحت مهمة الكثير من الأطباء تتمثل في كتابة رسائل للمرضى لكي يتوجهوا نحو المستشفيات الكبرى بالعاصمة وغيرها للتداوي وهو ما أدى إلى الاكتظاظ بتلك المستشفيات وعجزها عن تقديم الخدمات للمرضى بالكيفية المطلوبة.. وأشار الحمامي إلى أن تردي ظروف العمل بالمؤسسات الصحية العمومية دفعت بالكثير من الأطباء إلى الهجرة وهي ظاهرة على غاية من الخطورة لأنها ستؤدي إلى تصحر القطاع الصحي. ونبه عضو المكتب التنفيذي للمنظمة التونسية للأطباء الشبان إلى مشكلة أخرى لا تقل خطورة وهي وصول عدوى الهجرة إلى الأطباء الإستشفائيين لأن نقص عددهم من شأنه أن يؤثر على جودة تكوين الأطباء في تونس. 

 

اللجوء إلى القضاء

 

وفي اتصال بالطبيب وجيه ذكار قال إنه قام برفع قضية ضد الممرض الذي اعتدى عليه، وذكر أن وزارة الصحة مطالبة بإيجاد حلول لظاهرة الاعتداءات بالعنف على أعوانها التي تفاقمت كثيرا، وبين أنه لا بد من التأكيد على أن العنف موجود في كل الأماكن وليس في المستشفيات فقط فمنسوب العنف زاد بصفة واضحة للعيان، وهذا الخطر لا يمكن إنكاره كما لا يمكن معالجته بحلول أمنية، فمكافحة ظاهرة العنف في المجتمع تتطلب رؤية شاملة.. وأضاف أنه لا يتفق مع من يرون أن الحل الأمثل للتصدي للاعتداءات المتكررة بالعنف في المؤسسات الصحية يكمن في سن قانون يجرم الاعتداءات على أعوان القطاع الصحي لأن التشريعات لوحدها غير كافية بل لا بد من محاربة آفة الإفلات من العقاب، وفسر أنه عندما يقع وضع حد للإفلات من العقاب ساعتها يمكن الحد من العنف. 

وأشار ذكار إلى أنه لا بد أيضا من إيجاد دورية أمنية قارة داخل المستشفيات خاصة المستشفيات الكبرى التي تستقبل عددا غفيرا من المرضى. وأضاف الطبيب الداخلي أن وزارة الصحة مدعوة إلى تحسين ظروف العمل بالمؤسسات الصحية لأن من بين أسباب العنف المتكرر على الإطارات الطبية وشبه الطبية نجد نقص الرعاية الصحية وضعف طاقة الاستيعاب التي تجعل الطبيب يضطر إلى تأجيل مواعيد المرضى، وذكر محدثنا أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي تدني نوعية الخدمات الصحية جراء النقص الفادح في عدد الأعوان الذي يقدر بنحو 20 ألف إطار طبي وشبه طبي..

 

تحديد الأدوار

 

وفي انتظار مآل القضية التي رفعها الطبيب الداخلي وجيه ذكار ضد من اتهمه بالاعتداء عليه وهو ممرض، أكد علاء الدين الرويسي الأمين العام المساعد للاتحاد الوطني لمهنيي الصحة أن الممرضين بدورهم تعرضوا إلى اعتداءات من قبل الطبيب المذكور وقال "لنترك القضية  تأخذ مجراها".  وأضاف أن هذه الحادثة ليست كما وصفتها المنظمة التونسية للأطباء الشبان في بيانها ليلة أمس الأول بأنها عملية معزولة، بل يتم يوميا تسجيل اعتداءات من أطباء على إطارات شبه طبية أو العكس ويعود السبب لحالة الفوضى الكبيرة الموجودة في المؤسسات الصحية جراء غياب إطار قانوني واضح يضبط مهام كل طرف. 

وذكر الرويسي أن عمل الإطارات الطبية وشبه الطبية هو عمل إنساني مشترك ولكي يتم هذا العمل على أفضل وجه من المفروض أن يعرف كل طرف أدواره بدقة وأن يتم تحديد الأدوار في نص قانوني واضح لا لبس فيه، فهذا ما هو معمول به في جل دول العالم لكن في تونس وفي ظل النقص الفادح في عدد الأطباء، نجد التقني السامي يقوم بأدوار من المفروض أن يقوم بها الطبيب. وأشار إلى أن النقابات الموجودة في القطاع الصحي منحت في مفاوضاتها مع وزارة الإشراف الأولوية للمطالب المادية والاجتماعية وفوتت على أعوان الصحة فرصة سن قانون أساسي يحدد الأدوار بكل دقة حتى يعرف كل فرد ما هو مطلوب منه.   

 

من يخطئ يحاسب

 

للاستفسار حول كيفية تعاطي وزارة الصحة مع الاعتداءات بالعنف على الإطارات الطبية وشبه الطبية اتصلت "الصباح" بفوزي اليوسفي المدير العام لوحدة التشريع والنزاعات بهذه الوزارة الذي أكد أن ملف الاعتداءات ليس فيه اجتهاد، فكلما يتم تسجيل اعتداء يحال الملف آليا على القضاء وتقع متابعة القضية عن طريق المكلف العام بنزاعات الدولة الذي يعين محام للدفاع عن أعوان الصحة ويطلب الحق الشخصي لتعويض العون المعتدى عليه. 

وأضاف أن تتبع المعتدين في الوقت الراهن يتم على أساس المجلة الجزائية فهذه المجلة تتضمن أحكاما تتصل بالاعتداء على الموظف وأحكاما في علاقة بالعنف بصفة عامة، وذكر أن أحكام هذه المجلة ربما لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية العمل في المؤسسة الصحية، إذ من المفروض أن العقوبات تكون أشد وآجال البت في القضايا تكون مختصرة لأن عملية التقاضي حاليا تمتد في أغلب الأحيان على فترة زمنية طويلة. 

وذكر اليوسفي أنه على هذا الأساس تم خلال سنة 2018 إعداد مشروع قانون حول حماية أعوان الصحة والمؤسسات الصحية من الاعتداءات، وتم في إطار هذا المشروع استبعاد ظروف التخفيف في هذه الجرائم في صورة تطبيق أحكام المجلة الجزائية وذلك حتى لا يتمادى المواطنون في تكرار الاعتداء على أعوان الصحة والمؤسسات الصحية، كما تم صلب المشروع اقتراح تشديد العقوبات على المعتدي عندما يكون المعتدى عليه واضحا للعيان بأنه من أعوان الصحة كأن يكون مرتديا ميدعة بيضاء.

وأشار إلى أنه تم طرح العديد من الأفكار في مشروع القانون لكن وزارة العدل اعترضت عليه لأنها رأت أن التوجه نحو صياغة قانون لحماية أعوان الصحة من شأنه أن يكرس القطاعية بمعنى أن سنه سيشع بقية القطاعات على المطالبة بقوانين لحماية أعوانها من الاعتداءات.

وذكر أنه بصرف النظر عن الجانب القانوني فيجب أن تكون هناك رؤية شاملة لمعالجة ظاهرة العنف كما لا بد من إيجاد إجراءات مصاحبة تساعد على تطويق أسباب العنف، وأضاف المدير العام لوحدة التشريع والنزاعات بوزارة الصحة قائلا:" إن وزارة الصحة مقتنعة بأن أحكام المجلة الجزائية لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية عمل المؤسسة الصحية التي تفتح أبوابها 24 ساعة على 24 ولا تأخذ بعين الاعتبار حاجة أقسام الاستعجالي التي تتعهد بحالات حرجة والتي عادة ما يكون المريض الذي يتوجه إليها صحبة أفراد عائلته الذين يكونون في حالة توتر شديد ولا تأخذ بعين الاعتبار وضعية المؤسسات الصحية".

وأشار محدثنا إلى وجود أسباب متعددة للعنف لكن مهما كانت هذه الأسباب فهي لا تبرر العنف، لأن العنف يزيد في تعقيد المشكل. وأقر ممثل وزارة الصحة بوجود مشكل نقص الموارد البشرية وبين أن النقص في عدد الأعوان أمر لا يمكن إنكاره خاصة في المستشفيات الكبرى وهو يعود إلى ميزانية الدولة.. وبين أن هناك مستشفيات مثل شارل نيكول وخاصة قسم الاستعجالي في هذا المستشفى تستقبل يوميا عددا غفيرا من المرضى وبالتالي مهما كان عدد الإطارات الطبية وشبه الطبية المتوفر ومهما كانت كفاءاتهم فإن التكفل بالمرضى لا يتم بالشكل الذي ينتظره هؤلاء.. 

 

تنظم أقسام الاستعجالي

 

وذكر اليوسفي أن نقص الموارد البشرية هو سبب من الأسباب العديدة لأن هناك إشكالا آخر يتعلق بالتنظيم الهندسي لأقسام الاستعجالي، وفسر أنه من المفروض أن الأولوية في أقسام الاستعجالي تمنح للحالات الحرجة جدا وبعد ذلك يتم المرور للحالات الأقل خطورة، وهذا التنظيم يتطلب وضع منظومة فرز للمرضى الذين يأتون إلى المستشفيات، ويتطلب تنظيما داخليا في أقسام الاستعجالي تسمح بمنح الأولوية للحالات الحرجة، فالعملية لا بد أن تكون مهيكلة ومنظمة وبهذه الكيفية يتم التعامل مع المرضى حسب درجة خطورة مرضهم.

وإضافة إلى إحكام تنظيم العمل في أقسام الاستعجالي يرى اليوسفي أنه لا بد من تكوين أعوان الاستقبال. وذكر أن هذا الأمر مهم للغاية ولهذا السبب أولته وزارة الصحة الأهمية، وفي هذا السياق تولت الوزارة تنظيم دورات تكوينية لأعوان الاستقبال حول كيفية التعامل مع المرضى كل حسب وضعيته الصحية لأن هناك مرضى يكونون في حالة حرجة جدا ويأتون بصحبة أقاربهم الذين عادة ما يكونون في حالة توتر ولا بد أن يعمل عون الاستقبال على التهدئة من روعهم وبهذه الكيفية يتم الحد من الاعتداءات على الإطارات الطبية وشبه الطبية.. 

وأشار إلى أنه من بين الحلول الأخرى نجد تعزيز الحضور الأمني في أقسام الاستعجالي التي تحصل فيها اعتداءات متكررة وإن لزم الأمر تركيز نقطة أمنية قارة، فعلى سبيل الذكر في هضبة باب سعدون يمكن تركيز نقطة أمنية قارة بهدف ضمان التدخل السريع لمحاصرة ظاهرة العنف.. 

وباستفساره عن كيفية تعامل وزارة الصحة مع ملفات الاعتداءات بالعنف إذا كان المعتدي والمعتدى عليه من منظوريها بين فوزي اليوسفي أن هذه الوضعية دقيقة خاصة إذا كانا الطرفان يعملان في نفس المؤسسة الصحية، ولكن في كل الأحوال فإن المنطق يقول إن المعتدي يجب أن يحاسب والمعتدى عليه يجب على الوزارة أن تؤمن له الحماية.. وبخصوص حادثة الاعتداء التي حصلت على الطبيب وجيه ذكار والتي قال إن المعتدي عليه هو ممرض، ذكر محدثنا أنه من الناحية الإجرائية فإن إدارة المستشفى في حالة الاعتداء على عون من أعوان المستشفى مطالبة بتكليف محام للدفاع عنه لكن في هذه الحالة لا يمكن للمحامي أن يدافع عن العونين معا، وبالتالي فإن الإدارة هي التي تقدر من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه، فالوضعية حرجة حتى في كيفية متابعتها، وأضاف أن هناك كاميرات مراقبة موجودة في المستشفى يمكن العودة إليها لمشاهدة الحادثة ولتبين من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه. وبين أن هذه الحادثة التي جدت في مستشفى شال نيكول تبقى معزولة وذكر أنه لا يتصور أنها ظاهرة لكن في كل الحالات من يخطئ يجب أن يحاسب وأن يتحمل مسؤوليته سواء في علاقة بالجانب التأديبي أو الجانب القانوني.

وردا عن استفسار حول رأيه في المطالب التي يرفعها الإطارات الطبية وشبه الطبية والمتمثلة في تحديد الأدوار بدقة، قال اليوسفي إنه من بين الإصلاحات التي يجب القيام بها في القطاع الصحي تحديد الأدوار، وذكر أن هذه المهمة تتطلب عملا كبيرا لا بد من القيام به وذلك حتى يعرف كل من الطبيب والممرض والتقني السامي ما هو العمل المطلوب منه، وذكر أنه فعلا يوجد تكامل بين المهام لكن الأصل في الأشياء هو أن كل طرف له دور محدد عليه أن يقوم به، وذكر أنه لا بد من وضع وثيقة تضبط مهام مختلف أصناف أعوان الصحة والأسلاك الصحية بوضوح. وفسر أن هذه العملية هي من مهام وزارة الصحة بمعية الهياكل المهنية الممثلة وكذلك الهيئة الوطنية للاعتماد في المجال الصحي.. إذ نجد من بين مهام هذه الهيئة إعداد الأدلة التي تساعد على تحديد مسار التعهد بالمرضى ودور مختلف المتدخلين.

 خلص اليوسفي إلى أن الإصلاح يتطلب وقتا واستمرارية واستقرارا لأن وضعية البلاد وما تشهده من تغييرات سياسية تجعل الإصلاحات أحيانا لا تمر.. 

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews