تلقينا من الاستاذ بقسم الفلسفة بكلية الآداب والقيروان الأسعد الواعر نصا للمصلح الطاهر الحداد نشر في جريدة إفريقيا (التونسية) بتاريخ 26 فيفري 1952. والنص لم يظهر في الاعمال الكاملة للطاهر التي اصدرتها وزارة الثقافة وقد تولى الاستاذ لسعد الواعر تحقيقه وننشره اليوم على أعمدة الصباح تعميما للفائدة.
وفيما يلي النص الكامل.
لقد طال انتظار الناس كافة لأدنى بحث يقع للموقوفين في دعوى المؤامرة فلم نر غير أنهم وَضعوا كلّ في سجن خاص لا يرى الآخر على معنى إرجاء الجمع بينهم إلى ما بعد البحث ولا بحثَ. أين المؤامرة وما هي أعمال البحث؟ والناس في سجنهم لا يدرون من أمرهم شيئا وحتى المحامون عنهم ليس لهم من الأمر شيء غير انتظارهم للبحث ولا بحث.
أين المؤامرة وماهي أعمال البحث؟ لقد سمعنا أنهم يجرون في الجهات التي مرّ بها الأخ محمد علي وبعض الأعضاء ليعرفوا إذا صدر منهم شتم للحكومة أو تعاطي أعمال سياسية، فهل انتهت هذه الأبحاث الدقيقة؟ ومتى تنتهي؟ ثم ما الجامع بين قضايا الشتم ودعوى المؤامرة ضدّ (كلمة ناقصة في الأصل غير أننا نميل إلى قراءتها "ضدّ الحكومة") وهل انعكست القضية وتغيّر نص الاتهام؟ على أنّ قضايا الشتم وبالأخص ما يبحثون عنه بزغوان إذا فرضنا المستحيل، فما وجدوا بسعيهم قضية شتم، فهل يجهلون أنّ قضايا من هذا القبيل لا أثر لها معتبَرا لشمول العفو لما قبل 12 نوفمبر كقضية أصحاب العصر الجديد؟ فما هذه الأعمال وما هذه الأبحاث وأين المؤامرة وإلى متى؟
إنّنا لم نفهم ولم نجد من فهم معنى صحيحا لإيقاف أناس لم تتوفر موجبات التهمة في سجلهم فيدفعونهم في أعماق السجون بمجرد الشكوك مُفرّقين بينهم كالجناة ثم من بعد يقع السعي لتحصيل الموجبات، فهل نحن سلع وُضعت على ذمة خبير لتمييز سلامتها من غشها؟ إننا نجيب بأنفسنا على هذا السؤال من الآن: نعم نحن سلعة وُضعت على ذمة خبير غير أنّ الخبير المكلّف لا يريد أن يهتك بأمرها الآن بل هو الآن مشغول بما سيأتي به المستقبل والسرّ في هذا كله أنّنا من (الأهالي).
قد بلغنا أنهم يفتحون سجل الشيخ الثعالبي ليبحثوا عن وجود الوصلة بين المؤامَرَتَين ! وهذه أعمال مع غيرها تستغرق زمنا طويلا فهل يلزم شيء إذا بقي هؤلاء الأهالي موقوفين في سجنهم جاهلين أمرهم ريثما تتم هذه الإجراءات. قد يتم على هؤلاء ما تم على الشيخ الثعالبي في الدعوى عليه بالمؤامرة فخرج منها بريئا بعد حين، لكنهم على كلّ حال أبقَوه في سجنهم المدة التي أرادوها ولأجلها أقيمت الدعوى فما هي مقاصدهم من ذلك؟ لعلهم لا ينجحون إذا كانوا يقصدون بهذه الصرامة بث الفشل وحل جامعة عموم العملة التونسية.
نعم نعم، لقد بان بالكاشف أن المؤامرة كانت من جانبهم علينا لا من جانبنا على أمن الحكومة فلقد أظهرت الحوادث أن المراد من السعي في الوفاق بين الأحزاب الذي اهتم به م. دوريل وأنصاره هو التآمر على حياة الجامعة ذلك التآمر الذي لا حرج فيه ولا عقاب بل يُجازى عليه بتبادل عبارات المودة والمحبة والوفاق والوئام، يسعون لذلك بدون ضمير يؤنب بينما أعضاء من الجامعة ومن أهم أعضائها مودَعون اليوم في أعماق السجون مضيَق عليهم بلا أدنى بحث لهم أوأدنى قبول لمطلب سراحهم الوقتي.
لقد حسبوا أنّ الفرصة حانت الآن لقتل الجامعة والابتهاج بمشهد احتضارها فهل ظنوا أنّ عموم العملة المنخرطين بها والأعضاء الباقين على سراح دراويش يمكن استهواؤهم أو التغلب عليهم بكثرة الأسماء والإمضاءات. لقد أخطئوا خطأ فاحشا في هذا الأمر فالجامعة لا تموت ولن تموت ما دام عمالها أحياء وفي رؤوسهم عقل وتمييز ومعرفة بالماضي والمثال. فلتحي جامعة عموم العملة التونسية وليحي الأعضاء الموقوفون.
الطاهر الحداد.
تعليق على مقال الطاهر الحدّاد:
نشرت وزارة الثقافة التونسية الأعمال الكاملة للطاهر الحدّاد التي جمعها الأستاذ أحمد خالد الذي خصّص المجلد الخامس من تلك الأعمال إلى المقالات الصحفية التي كان الكاتب قد نشرها بين سنتَي1924 و1925 (الطاهر الحداد، المدخل العام، المقالات، منشورات وزارة الثقافة، تونس 2012). ليست عملية التوثيق سهلة أبدا، لذلك لم يورد المجلّدُ الخامس المذكور ثلاثة مقالات للطاهر الحدّاد كانت منشورة سنة 1925 في الجريدة التونسية "افريقيا". عثرنا على تلك المقالات الثلاثة في المكتبة الوطنية بتونس في قسم الدوريات، وكان من بينها هذا المقال الموجود تحت الرقم "دو 5248 ك"والذي نعيد نشره هنا في جريدة "الصباح" بعد ما يقرب من قرن من ظهوره الأوّل. موضوع هذا المقال هو التنديد بسجن السلطة الفرنسي للنقابي محمد علي الحامي مؤسس المركزية النقابية " جامعة عموم العملة التونسيين" وكاتبها العام، أوقفت معه أعضاء آخرون في اللجنة التنفيذية للجامعة، كما سجنت معهم الشيوعي "فينيدوري" ووجهت لهم جميعا تهمة "التآمر على أمن الدولة والانتماء إلى الشيوعية" رغم أنّ الأمر لا يتعلّق سوى باجتماع نقابي عمومي عقده الحامي بعمال معتصمين بشركة الاسمنت سويش- بيزو بحمام الأنف وبرج السدرية في 20جانفي 1925 والذي انعقد على إثره المؤتمر التأسيسي لجامعة عموم العملة التونسيين في نفس تاريخ1925. لم يفت الطاهر الحداد في هذا المقال التذكير بتهمة المؤامرة الباطلة التي سبق أن وجهتها فرنسا إلى عبد العزيز الثعالبي.
(د. الأسعد الواعر)
تونس- الصباح
تلقينا من الاستاذ بقسم الفلسفة بكلية الآداب والقيروان الأسعد الواعر نصا للمصلح الطاهر الحداد نشر في جريدة إفريقيا (التونسية) بتاريخ 26 فيفري 1952. والنص لم يظهر في الاعمال الكاملة للطاهر التي اصدرتها وزارة الثقافة وقد تولى الاستاذ لسعد الواعر تحقيقه وننشره اليوم على أعمدة الصباح تعميما للفائدة.
وفيما يلي النص الكامل.
لقد طال انتظار الناس كافة لأدنى بحث يقع للموقوفين في دعوى المؤامرة فلم نر غير أنهم وَضعوا كلّ في سجن خاص لا يرى الآخر على معنى إرجاء الجمع بينهم إلى ما بعد البحث ولا بحثَ. أين المؤامرة وما هي أعمال البحث؟ والناس في سجنهم لا يدرون من أمرهم شيئا وحتى المحامون عنهم ليس لهم من الأمر شيء غير انتظارهم للبحث ولا بحث.
أين المؤامرة وماهي أعمال البحث؟ لقد سمعنا أنهم يجرون في الجهات التي مرّ بها الأخ محمد علي وبعض الأعضاء ليعرفوا إذا صدر منهم شتم للحكومة أو تعاطي أعمال سياسية، فهل انتهت هذه الأبحاث الدقيقة؟ ومتى تنتهي؟ ثم ما الجامع بين قضايا الشتم ودعوى المؤامرة ضدّ (كلمة ناقصة في الأصل غير أننا نميل إلى قراءتها "ضدّ الحكومة") وهل انعكست القضية وتغيّر نص الاتهام؟ على أنّ قضايا الشتم وبالأخص ما يبحثون عنه بزغوان إذا فرضنا المستحيل، فما وجدوا بسعيهم قضية شتم، فهل يجهلون أنّ قضايا من هذا القبيل لا أثر لها معتبَرا لشمول العفو لما قبل 12 نوفمبر كقضية أصحاب العصر الجديد؟ فما هذه الأعمال وما هذه الأبحاث وأين المؤامرة وإلى متى؟
إنّنا لم نفهم ولم نجد من فهم معنى صحيحا لإيقاف أناس لم تتوفر موجبات التهمة في سجلهم فيدفعونهم في أعماق السجون بمجرد الشكوك مُفرّقين بينهم كالجناة ثم من بعد يقع السعي لتحصيل الموجبات، فهل نحن سلع وُضعت على ذمة خبير لتمييز سلامتها من غشها؟ إننا نجيب بأنفسنا على هذا السؤال من الآن: نعم نحن سلعة وُضعت على ذمة خبير غير أنّ الخبير المكلّف لا يريد أن يهتك بأمرها الآن بل هو الآن مشغول بما سيأتي به المستقبل والسرّ في هذا كله أنّنا من (الأهالي).
قد بلغنا أنهم يفتحون سجل الشيخ الثعالبي ليبحثوا عن وجود الوصلة بين المؤامَرَتَين ! وهذه أعمال مع غيرها تستغرق زمنا طويلا فهل يلزم شيء إذا بقي هؤلاء الأهالي موقوفين في سجنهم جاهلين أمرهم ريثما تتم هذه الإجراءات. قد يتم على هؤلاء ما تم على الشيخ الثعالبي في الدعوى عليه بالمؤامرة فخرج منها بريئا بعد حين، لكنهم على كلّ حال أبقَوه في سجنهم المدة التي أرادوها ولأجلها أقيمت الدعوى فما هي مقاصدهم من ذلك؟ لعلهم لا ينجحون إذا كانوا يقصدون بهذه الصرامة بث الفشل وحل جامعة عموم العملة التونسية.
نعم نعم، لقد بان بالكاشف أن المؤامرة كانت من جانبهم علينا لا من جانبنا على أمن الحكومة فلقد أظهرت الحوادث أن المراد من السعي في الوفاق بين الأحزاب الذي اهتم به م. دوريل وأنصاره هو التآمر على حياة الجامعة ذلك التآمر الذي لا حرج فيه ولا عقاب بل يُجازى عليه بتبادل عبارات المودة والمحبة والوفاق والوئام، يسعون لذلك بدون ضمير يؤنب بينما أعضاء من الجامعة ومن أهم أعضائها مودَعون اليوم في أعماق السجون مضيَق عليهم بلا أدنى بحث لهم أوأدنى قبول لمطلب سراحهم الوقتي.
لقد حسبوا أنّ الفرصة حانت الآن لقتل الجامعة والابتهاج بمشهد احتضارها فهل ظنوا أنّ عموم العملة المنخرطين بها والأعضاء الباقين على سراح دراويش يمكن استهواؤهم أو التغلب عليهم بكثرة الأسماء والإمضاءات. لقد أخطئوا خطأ فاحشا في هذا الأمر فالجامعة لا تموت ولن تموت ما دام عمالها أحياء وفي رؤوسهم عقل وتمييز ومعرفة بالماضي والمثال. فلتحي جامعة عموم العملة التونسية وليحي الأعضاء الموقوفون.
الطاهر الحداد.
تعليق على مقال الطاهر الحدّاد:
نشرت وزارة الثقافة التونسية الأعمال الكاملة للطاهر الحدّاد التي جمعها الأستاذ أحمد خالد الذي خصّص المجلد الخامس من تلك الأعمال إلى المقالات الصحفية التي كان الكاتب قد نشرها بين سنتَي1924 و1925 (الطاهر الحداد، المدخل العام، المقالات، منشورات وزارة الثقافة، تونس 2012). ليست عملية التوثيق سهلة أبدا، لذلك لم يورد المجلّدُ الخامس المذكور ثلاثة مقالات للطاهر الحدّاد كانت منشورة سنة 1925 في الجريدة التونسية "افريقيا". عثرنا على تلك المقالات الثلاثة في المكتبة الوطنية بتونس في قسم الدوريات، وكان من بينها هذا المقال الموجود تحت الرقم "دو 5248 ك"والذي نعيد نشره هنا في جريدة "الصباح" بعد ما يقرب من قرن من ظهوره الأوّل. موضوع هذا المقال هو التنديد بسجن السلطة الفرنسي للنقابي محمد علي الحامي مؤسس المركزية النقابية " جامعة عموم العملة التونسيين" وكاتبها العام، أوقفت معه أعضاء آخرون في اللجنة التنفيذية للجامعة، كما سجنت معهم الشيوعي "فينيدوري" ووجهت لهم جميعا تهمة "التآمر على أمن الدولة والانتماء إلى الشيوعية" رغم أنّ الأمر لا يتعلّق سوى باجتماع نقابي عمومي عقده الحامي بعمال معتصمين بشركة الاسمنت سويش- بيزو بحمام الأنف وبرج السدرية في 20جانفي 1925 والذي انعقد على إثره المؤتمر التأسيسي لجامعة عموم العملة التونسيين في نفس تاريخ1925. لم يفت الطاهر الحداد في هذا المقال التذكير بتهمة المؤامرة الباطلة التي سبق أن وجهتها فرنسا إلى عبد العزيز الثعالبي.