قد تكون الجلسة الافتراضية للمجلس المجمد قد منحت رئيسها زعيم حركة النهضة إحساسا مؤقتا بالرضا ولكنه بالتأكيد إحساس مزيف ومتصنع عقب احتفالية الغنوشي ومجموعته بالذكرى الثامنة لدستور 2014 التي تبقى كلمة حق لا يراد بها حق، وهي احتفالية مغشوشة وكان أحرى وصفها بالتأبين فقد انتهى زمن كان يمكن أن يكون هذا الدستور عقدا اجتماعيا جامعا بعد أن حولوه ومنذ البداية إلى غنيمة تسيل لعاب المتدافعين الجدد في عالم السياسة بعد أن داسوا على كل الأخلاق والقيم التي بدونها تتحول السياسة إلى عالم للابتذال والتطاوس..
من الواضح أن الاحتفالية عن بعد التي فرضتها قرارات 25 جويلية شكلت فصلا إضافيا بائسا في فصول مسرحية سيئة الإخراج خلنا أنها أسقطت من البرامج المفسدة للذوق التي كان الرأي العام مجبرا على متابعتها على المباشر والتي تدور في فضاء مجلس امتهن اهانة وابتزاز الشعب الذي ائتمنه ذات موعد انتخابي على حاضر ومستقبل ابنائه وعلى مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية قبل أن يدرك مبكرا انه لم يكن أهلا للأمانة..
نعم، لقد اختار رئيس الجمهورية قيس سعيد بقاء مجلس النواب مجمدا فجاءه الرد بعد ستة أشهر من رئيس المجلس المجمد راشد الغنوشي بعقد جلسة افتراضية احتفالية شعارها الظاهر الدفاع عن الديموقراطية المغدورة وشعارها الخفي انه لن يقبل بان يسلبه 25 جويلية موقعه على رأس البرلمان حتى وان بات هذا المجلس نسيا منسيا في الذاكرة الوطنية... احتفالية سمحت باستعادة جزء من المهازل التي ارتبطت بمجلس يضم فيما يضم في صفوفه من انتهكوا القوانين وتورطوا في قضايا فساد مالي وأخلاقي وبينهم من هو مطلوب للقضاء ومن طلب الكلمة على عجل حتى لا يتم اكتشاف مكان اختفائه السري...
الواقع إن من تحامل على نفسه وحاول متابعة بعض ما جاء في جلسة البرلمان المجمد من شأنه أن يدرك وبرغم محاولات بعض النواب انتهاز الفرصة توجيه اعتذاراتهم للتونسيين عن كل ما ارتبط بهذا المجلس من اهانات متكررة لثورتهم التي كانوا ينشدون معها الارتقاء إلى مسار الدول الراقية وتحقيق ثقافة المواطنة على ارض الواقع قبل أن يصابوا بخيبة أمل كبيرة..
الواضح أن الجلسة ودون مبالغة كانت موجهة للخارج ولم تكن معنية بأي حال من الأحوال بما سيكون عليه موقف التونسيين من هذا اللقاء الذي جمع حركة النهضة والسابحون في فلكها ممن اشتركوا في صنع جزء من المأساة في البلاد وفي تكريس ثقافة الهروب من المساءلة وتسلحوا بعقلية الغنيمة البغيضة والمحاصصة والابتزاز في عرقلة تأسيس المحكمة الدستورية التي يرون ثمارها ماثلة أمامهم اليوم، وهو ما يعني بلغة الأرقام أن أكثر من نصف النواب المجمدين يرفضون هذا المجلس ويعتبرون بالتالي انه لا مجال لعودته حتى وان كان ذلك صوريا في لقاء أريد له أن يكون موجها للاستهلاك الخارجي للفوز بشهادة حسن السلوك والسعي لفرض مزيد من القيود على بلادنا ومنع كل أنواع المساعدات الأمريكية والأوروبية المالية أو العسكرية لتونس، أما استحضار البرلمان العربي فهو للديكور فحسب فلا البرلمانات العربية ولا الإسلامية معنية بمصير هذا المجلس الذي يصر على توجيه رسالة لأطراف خارجية بان الإسلام السياسي في تونس قائم ولا يزال جزءا من المشهد رغم كل الصفعات التي تلقاها الاخوان على مدى العقد الماضي في اغلب دول الربيع العربي وفي المنطقة من مصر إلى ليبيا إلى الجزائر والمغرب..
لا خلاف أن رئيس مجلس النواب المجمد راشد الغنوشي لم يكن ليجد أفضل من ذكرى إعلان دستور 2014 للتسلل إلى المشهد من جديد والتظاهر بان كل الخلافات والصراعات الداخلة في حركة النهضة وما سجلته من انسحابات القيادات الغاضبة ومعها تداعيات العملية الغريبة لانتحار الضحية سامي الصيفي احد عناصر الحركة داخل أسوار مقرها باتت خلفه.. والأكيد أن فرحة الغنوشي بتوقيع عدد من النواب المجمدين لعقد جلسة أخرى للبرلمان، وهو ما يعني بالنسبة له أن المجلس لا يزال حيا حتى وإن بات اغلب التونسيين يرفضون عودته ليس رفضا للديموقراطية والتعددية المنشودة ولكن رفضا للذين لم يؤدوا الأمانة وجعلوا من مناصبهم المحصنة وسيلة للتطاوس وانتهاك الدولة المدنية ودفع المواطن إلى الغرق في اليأس والإحباط..
أخيرا وليس آخرا كان بالإمكان تجاوز كل هذه المحطات لو ارتبطت قرارات 25 جويلية في حينها بخطوات ورؤية واضحة وحكومة إنقاذ وكفاءات عالية تعتمد خطابا ديبلوماسيا واقعيا مقنعا وتكون قادرة على تقديم المبادرات والبدائل وتحريك عجلة الاقتصاد والحث على ثقافة العمل وصناعة المستقبل التي في غيابها سيتعين علينا جميعا دفع ثمن التردد والتعويل على الأقل كفاءة..
آسيا العتروس