تونس – الصباح
هل تعيش تونس تبعية غذائية؟ هذا السؤال العام تتطلب الإجابة عنه البحث في الأسباب الرئيسية وراء شبه غياب منظومات فلاحية تحقق الأمن الغذائي التونسي وهذا طبيعي وتعكسه الأرقام التي تؤكد أن تونس تستورد أكثر من 50 بالمائة من احتياجاتها من المواد الغذائية، الأمر الذي يستدعي الوقوف عند السياسات الفلاحية ودور الدولة في ذلك.
يعتبر العديد أن الدولة تخلت عن دورها التاريخي في دعم منظومات الإنتاج الفلاحي الأساسية والتي ترتكز على قطاعات إستراتيجية مثل الحبوب واللحوم الحمراء والحليب، مما يستدعي تغيير السياسات الفلاحية المنتهجة واعتماد خطط واستراتيجيات تكون قادرة على تحقيق الأمن الغذائي في تونس.
كما تعاني المنظومة الغذائية في تونس من عديد الصعوبات من ذلك التبعية المتنامية للأسواق الخارجية والضغوطات الكبيرة على الموارد الطبيعية وتشتت ملكية الأراضي الفلاحية الأمر الذي يستدعي بلورة سياسة غذائية تعزيزا لأمنها الغذائي، في ظل تفاقم أزمة الغذاء العالمية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية إلى جانب انعكاسات التغيّرات المناخية. وهو ما أكدته دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية.
وأكدت الدراسة حول بلورة رؤية شاملة عن الأمن الغذائي لتونس في أفق سنة 2035، على تعزيز إرساء نظام غذائي شامل ومستديم ومبتكر قادر على الصمود في مواجهة الصدمات وانعكاسات التغيّرات المناخية وتحقيق تبعية أقل للخارج.
وحسب بيانات مؤشر الأمن الغذائي العالمي لسنة 2023، جاءت تونس في المركز الرابع والستون عالميا والتاسع عربيا .
ويساهم القطاع الفلاحي بحوالي 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد، ويستقطب 8 بالمائة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد الوطني و14 بالمائة من اليد العاملة النشيطة، في المقابل لا يحظى سوى بنسبة 7 بالمائة من التمويلات وهو ما يعادل نصف التمويلات البنكية الموجهة للسياحة وثلث تمويلات الصناعات الغذائية، وفق بيانات سابقة صادرة عن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
"الصباح" حاولت في هذا الملف تسليط الضوء على مختلف المشاكل والتحديات التي تعيشها منظومات الإنتاج الفلاحي وأي توجه للدولة في تحقيق السيادة الغذائية.
ملف من إعداد: جهاد الكلبوسي
مسؤول بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي لـ"الصباح":الكلفة السنوية للتوريد تصل إلى 2000 مليون دينار
معدل توريد القمح الصلب سجل انخفاضا بنسبة 14.7 بالمائة
أفاد الممثل عن الإدارة العامة للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة محمد على بن رمضان أن كلفة توريد الحبوب تصل الى 2000 مليون دينار سنويا وان المخزون الحالي من هذه المادة يمكن من تغطية استهلاك شهرين مع العلم أن هناك مساعي لتأمين استهلاك 4 أشهر.
وأكد ممثل وزارة الفلاحة لـ"الصباح" أن هناك شحنات من الحبوب ستصل في جانفي 2025 وكل شحنة تحتوي على 25 ألف طن.
وأشار بن رمضان الى أن ديوان الحبوب يورد سنويا ما بين 22 و25 مليون قنطار وأغلب هذه الكميات من القمح اللين ويقدر معدل استهلاك القمح الصلب بـ12 مليون قنطار كما تمت برمجة توريد 5 مليون قنطار لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة.
ولتغطية حاجاتها من الحبوب لسنة 2023-2024 بلغت واردات تونس 4.7 مليون طن، وفقا للنظام العالمي للمعلومات والإنذار المبكر للأغذية والزراعة التابع لمنظمة الأغذية والزراعة.
وقد مثلت الواردات زيادة بنسبة 80 في المائة مقارنة بمتوسط واردات 2023.
وقد خصصت تونس، حتّى موفى ماي 2024، قرابة 1.5 مليار دينار لتمويل سلّة الحبوب المورّدة من الخارج والتي استحوذت على قرابة53.7 بالمائة من إجمالي الواردات الغذائية.
وتأتي هذه البيانات التي أوردها المرصد الوطني للفلاحة في بلاغ نشره حول "تطوير الميزان التجاري الغذائي".
وتقلّصت حصّة الحبوب من إجمالي واردات البلاد الغذائية بشكل طفيف مع موفى ماي 2024 مقارنة بالأرقام المسجلة خلال العام الماضي والبالغة54.7 بالمائة من إجمالي واردات الغذاء.
ووجهت تونس هذه التمويلات لشراءات القمح (القمح اللين والصلب ) والتي بلغت قيمتهما زهاء 1 مليار دينار وشكلت 68.5 بالمائة من سلة الحبوب التي تضم الشعير العلفي والذرة.
وشهد معدل توريد القمح الصلب انخفاضا بنسبة14.7 بالمائة فيما انخفض متوسط أسعار توريد القمح اللين المطلوب من طرف السوق المحلية بنسبة 21.2 بالمائة.
وفي السياق نفسه قال بن رمضان ان القطاع الفلاحي يساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10.2 بالمائة والصادرات الغذائية من مجموع الصادرات بلغت 10.8 بالمائة في حين تبلغ الواردات الغذائية من مجموع الواردات نسبة 9.6 بالمائة وأساسا الحبوب، كما تبلغ الطاقة التشغيلية للقطاع الفلاحي نسبة 14 بالمائة وحجم الاستثمارات الفلاحية على مستوى وطني تبلغ 6 بالمائة.
كما أكد محدثنا أن التغيرات المناخية أثرت على عديد المناطق التي لم تعد صالحة لزراعة الحبوب وسجلت المساحات المزروعة تقلصا في العشر سنوات الأخيرة من 1.4 مليون هكتار الى 1.1 مليون هكتار، مذكرا بأن أفضل صابة تم تسجيلها في 2019 حيث بلغت 24 مليون قنطار وهي صابة قياسية على حد قوله.
وعلى مستوى البحث العلمي أفاد بن رمضان أنه يجري استنباط أصناف من البذور تثمن الماء ولديها إنتاجية مرتفعة واقل تأثرا بالأمراض النباتية وذات إنتاجية مرتفعة وهناك توجه لبلوغ أكثر من 40 قنطار في الهكتار في المناطق الملائمة وبلوغ 55 قنطار في الهكتار في المساحات المروية، ورغم صعوبة الموسم الفارط خاصة في المناطق السقوية إلا أن بعض الجهات مثل قفصة والقيروان وتطاوين سجلت تحقيق إنتاج بلغ 90 و100 هكتار في بعض المساحات المروية.
وفي نفس السياق أشار محدثنا الى أن هناك أصنافا جديدة من البذور سواء للقمح الصلب أو الشعير وهي محسنة جينيا وتحمل جينات البذور المحلية بما يجعلها أكثر إنتاجا ومقاومة للإمراض وتثمن الماء.
وعلى مستوى وزارة الفلاحة قال المسؤول بالإدارة العامة للانتاج النباتي انه تم وضع استراتيجية النهوض بزراعة الحبوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب ليقتصر التوريد على القمح اللين المتوفر في الاسواق العالمية والاقل كلفة من القمح الصلب.
وفي اطار متابعة الاستعدادات لموسم الحبوب 2024 -2025 قال المسؤول بالإدارة العامة للإنتاج النباتي انه تم تزويد الجهات بحاجياتها من البذور والأسمدة وبلغت كميات البذور المثبتة من طرف مختلف شركات انتاج البذور الممتازة حوالي 160 الف قنطار ماي مثل حوالي 61 بالمائة من برنامج التكييف، كما بلغت كميات البذور المصادق عليها حوالي 116 الف قنطار من جملة 154 مليون قنطار وصلت الى المخبر.
كما افاد محدثنا ان كميات البذور الممتازة المثبتة الموضوعة بمناطق الانتاج منذ بداية شهر سبتمبر الى تاريخ 11 اكتوبر الجاري بلغت حوالي 83 الف قنطار من جملة برنامج تزويد متوقع في حدود 260 الف قنطار من البذور المدعمة مع العلم انه تم اصدار اذون تزود بالبذور لمختلف الموزعين في حدود 1,7 الف قنطار مع الاشارة لوجود تفاوت في نسب التزويد بين الجهات حيث تجاوزت الكميات الموضوعة 50 بالمائة من الحصة المبرمجة ببعض الجهات في حين لم تتجاوز 15 بالمائة بجهات اخرى على غرار ولاية نابل.
وبالنسبة للتزويد بالاسمدة الاساسية قال بن رمضان ان كميات الاسمدة الكيميائية الاساسية الموضوعة على ذمة الجهات بلغت الى غاية يوم 10 اكتوبر الجاري بالنسبة "للسوبر 45" في حدود 15147 طن سائبة من برنامج 30 الف طن أي بنسبة انجاز بلغت بالمائة وال "د.أ.ب" 16630 طن من برنامج في حدود 120 الف طن أي بنسبة انجاز بلغت 14 بالمائة وبالنسبة لمادة "الامونيتر" بلغت الكميات الموضوعة على ذمة الجهات في الفترة المذكورة 16303 طن من برنامج في حدود 220 الف طن أي بنسبة انجاز 7.4 بالمائة.
مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار بوزارة التجارة لـ "الصباح":شركة اللحوم الحمراء تواصل دورها التعديلي ..
- شحنة جديدة بـ20 طنا تصل خلال أيام قليلة..
- هناك لجان تشتغل لإيجاد حلول لمشاكل اللحوم الحمراء في تونس
وفي موضوع اللحوم الحمراء أكد مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار بوزارة التجارة رمزي الطرابلسي لـ"الصباح" أن شركة اللحوم تواصل القيام بالدور التعديلي لتجاوز النقص الهيكلي الموجود في تونس بخصوص منظومة اللحوم الحمراء وهذا لا يخفى على احد حيث يتم في فترات معينة القيام بتدخل لتعديل السوق عبر توريد كميات، إما مجمدة أو مبردة، ومنذ شهر مارس الفارط تقريبا تم توريد 40 شحنة كما تم الانطلاق خلال شهر أكتوبر الحالي في توريد كميات أخرى من اللحوم تصل الى حوالي 400 طن وفي انتظار شحنة جديدة خلال الايام القليلة القادمة ستكون في حدود 20 طن وستباع بأسعار تفاضلية في حدود 35 دينار، كيلوغرام الهبرة و26 دينارا بالنسبة للصدرة وسيتواصل تباعا وصول الشحنات خلال الفترة القادمة.
وأضاف الطرابلسي أن الكميات التي سيتم توريدها ستباع في المساحات التجارية ولدى القصابين مع مراقبة مستمرة لأسعار البيع من قبل فرق المراقبة الاقتصادية.
وأرجع مدير المرصد الوطني للتزويد والأسعار ما تعانيه المنظومة الى سنوات الجفاف المتتالي والتي أثرت بشكل كبير على منظومة اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وهذا انعكس على القطيع الذي تقلص وفقا لمعطيات رسمية صادرة عن وزارة الفلاحة.
وتعاني منظومة اللحوم من مشاكل هيكلية تتعلق أساسا بتراجع القطيعة بنسبة 30 بالمائة خلال الخمس سنوات الأخيرة بسبب الجفاف، ليصل إلى ما يقارب 350 ألف أنثى بقر منتجة، مقابل 600 ألف خلال العشرية الأخيرة.
كما تعيش منظومة تربية الماشية وضعا مهترئا حيث تشهد عديد الهنات في كافة حلقاتها خاصة على مستوى الإنتاج وأساسا بالنسبة لمنظومة الأعلاف ومعاناة الفلاح وكذلك على مستوى أسواق الدواب والمسالخ التي تجاوز عددها 150 مسلخا في حين ان المخطط المديري للمسالخ الصادر في 2010 ضبط عددها بـ57 مسلخا بالإضافة الى المشاكل على مستوى تجار التفصيل. وتلجأ الدولة الى توريد اللحوم الحمراء من الدول الأوروبية مثل فرنسا واسبانيا.
كما أفاد محدثنا أنه بالنسبة لأسعار اللحوم الحمراء المحلية تم تسقيفها في فترات سابقة 38 دينار بالنسبة للكيلوغرام من لحم الأبقار بالنسبة للحوم المحلية و43 دينارا بالنسبة للحم الضأن، مضيفا أن هناك لجان تشتغل صلب وزارة الفلاحة لإيجاد حلول لمشاكل اللحوم الحمراء في تونس.
كما أكدت أرقام وزارة الفلاحة تراجع القطيع الى 30 بالمائة سواء بالنسبة للأغنام أو قطيع الأبقار وأمام هذا التراجع تم خلال السنوات الفارطة الالتجاء الى ذبح عدد كبير من القطيع الإناث ما أثر بشكل واضح على منظومة الإنتاج.
وقدر الإنتاج الوطني من اللحوم في حدود 126 ألف طن بينما تبلغ حاجياتنا 130 ألف طن ولتعديل السوق يتم اللجوء الى توريد العجول المسمنة المعدة للذبح.
وبسبب اضطرابات السوق خلال السنوات الأخيرة تراجعت نسبة الاستهلاك السنوي للمواطن التونسي من اللحوم من 9.5 كلغ سنويا إلى 8.300 كلغ وهي النسبة الأقل في المعدل العالمي تقريبا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا نسبة الاستهلاك تقدّر بـ243 كلغ سنويا.
وقد كشفت ممثلة ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى، في ماي الفارط ان تونس ستواصل توريد اللحوم الحمراء الى غاية سنة 2028 باعتبار ان الانتاج الوطني لا يمكنه تلبية الاحتياجات المحلية كما ان الوزارة كانت تلجأ دائما الى التوريد الى حدود سنة 2016 قبل ان تقرر عدم الاستيراد، لتستأنف مجددا، السنة المنقضية، عملية التوريد بالنظر الى ان الانتاج المحلي يبقى غير كاف لمواجهة متطلبات السوق الوطنية.
وسجل الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء، خلال السنوات الاخيرة، تطورا بنسبة 0.3 بالمائة فيما انخفض الاستثمار في هذا القطاع بنسبة 7.3 بالمائة.
ويواجه قطاع اللحوم الحمراء عديد المشاكل بما في ذلك ظروف الذبح وتعليب اللحوم والأمراض التي تؤثر على الثروة الحيوانية لاسيما مرض السل.
المستشار الاقتصادي باتحاد الفلاحة والصيد البحري لـ "الصباح": خسارة ما يقارب 80 ألف بقرة وفتح خط تمويل لإعادة تكوين القطيع
- هذا المطلوب لاسترجاع منظومة الحليب..
أفاد المستشار الاقتصادي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري فتحي بن خليفة بأن تونس أسست لمنظومة ألبان متطورة جدا منذ نحو 40 سنة عبر تأهيل وإرشاد الفلاحين لتربية الأبقار وارساء تقنيات للتربية والجودة عبر إحداث مراكز تكوين في سيدي ثابت وتيبار ومنوبة مع وضع مسالك سلاسل القيمة عبر إجراء مخطط مديري وطني لبعث مراكز تجميع في عديد الجهات وتم القيام بالتبريد في الضيعة للمحافظة على قيمة الحليب.
ورغم المكانة التي تحتلها منظومة الألبان في النسيج الصناعي حيث تضم 10 مركزيات حليب بطاقة إنتاج يومية حوالي 4.6 مليون لتر منها 7 في حالة نشاط وحدتين لتجفيف الحليب بطاقة إنتاج يومية في حدود 220 ألف لتر، 4 وحدات ناشطة فقط لإنتاج الياغرت، 45 وحدة لإنتاج الأجبان بطاقة إنتاج يومية في حدود 450 ألف لتر لكن تشهد هذه المنظومة مشاكل هيكلية في السنوات الأخيرة.
كما اكد بن خليفة انه كانت لتونس سلسلة نموذجية خاصة بمنظومة الالبان لكن للاسف في السنوات الاخيرة وبسبب الاضطرابات الجيوسياسية في العالم وتاثير ذلك على ارتفاع أسعار المواد الأولية مثل الذرة والصوجا وهما المكونان الأساسيان للأعلاف وبسبب النقص الكبير المسجل بالنسبة للأمطار وتقلص المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف في حين ان سعر بيع الحليب عند الإنتاج بقي نفسه فقط في السنتين الأخيريين سجل سعر لتر الحليب من 1140 مليما الى 1340 مليما لكن تم تقديم كلفته الى كل أطراف من وزارات الفلاحة والتجارة والمالية ورئاستي الجمهورية والحكومة.
تقارير وزارة الفلاحة تبين خسارة ما يقارب 80 الف بقرة من مجموع 460 الف وهذا رقم كبير لذلك خلال السنوات الأخيرة سجلنا نقصا في الإنتاج مع العلم انه سابقا كان مخزون الحليب يتراوح بين 60 و70 مليون لتر واليوم المخزونات لا تتعدى 19 مليون لتر في ذروة الإنتاج وهذا لا يغطي مختلف الفترات وعلى هذا الأساس نادينا منذ سنوات بضرورة تعديل سعر الحليب عند الإنتاج.
ويتم يوميا تجميع حوالي 1400 لتر من الحليب في حين يجري تجميع 640 مليون لتر سنويا، ويقع تحويل 86 بالمائة من هذه الكميات لتوفير 553 مليون لتر من الحليب المعقم النصف دسم، بما يمكن من توفير 100 لتر من الحليب ومشتقاته لكل مواطن. غير ان القطاع يسجل نقصا موسميا ومتكررا ويمتد في فترات انخفاض الإنتاج الفيزيولوي (الغرازة)، بنسبة 9 بالمائة، وتفاقم هذا النقص بسبب تراكم عدة عوامل أثرت سلبا على جهاز الإنتاج بشكل أساسي وعلى جميع الحلقات والتي تؤدي في بعض الوضعيات الى تزويد المتاجر بالحليب.
وفي نفس السياق أضاف بن خليفة أن 85 بالمائة من المستغلات الفلاحية في تونس هي فلاحة عائلية صغيرة حسب تقارير المنظمة العالمية للأغذية والزراعة لذلك وبسبب عدم تغطية التكاليف اضطر الفلاح للتفريط في القطيع بالبيع والذبح.
واعتبر بن خليفة ان مطالبة رئيس الدولة في اخر لقاء مع رئيس الحكومة بفتح خط تمويل لاعادة تكوين القطيع خطوة ايجابية كما اقرّ مشروع قانون المالية لسنة 2025 جملة من الإجراءات لمساندة مربي الابقار وذلك بتخصيص مبلغ 5 مليون دينار على موارد صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاع الفلاحة والصيد البحري تصرف في شكل منحة استثنائية لدعم الأموال الذاتية لصغار مربي الأبقار للحصول على قروض تُسند من قبل البنوك على مواردها الذاتية خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي إلى 31 ديسمبر 2025 لتمويل اقتناء أبقار وذلك في إطار برنامج لإعادة تكوين القطيع الوطني من الأبقار مع تكفل الدولة بكامل مبلغ الفوائض الموظفة على القروض المذكورة.
كما تم التنصيص خلال مشروع القانون على إعفاء صغار مربّي الأبقار من المعاليم والأداءات المستوجبة عند توريد الأراخي (لإنتاج الحليب) والعجول (لإنتاج اللحوم) وذلك خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي 2025 إلى 31 ديسمبر 2028.
وشدد المستشار الاقتصادي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ان الخط التمويلي بـ5 مليون دينار مهم رغم انه لا يفي بالحاجة وعلى هذا الأساس ندعو رئيس الجمهورية الى التدخل لتعديل سعر الحليب عند الإنتاج وهذه الخطوة ستمكن من إعادة استرجاع مخزون الحليب بـ60 و70 مليون لتر كما سينعكس ذلك على قطاع اللحوم الحمراء.
خبير في السياسات الفلاحية لـ "الصباح": بلوغ الاكتفاء الذاتي من مادة القمح والشعير ليس صعبا في حال تغيرت التوجهات
- هشاشة مختلف منظومات الإنتاج ونعيش تبعية غذائية
أكد الخبير في السياسات الفلاحية فوزي الزياني أن الأمن الغذائي هو مفهوم متفق عليه عالميا ويتمثل في قدرة كل دولة على توفير حاجياتها الأساسية من المواد الاستهلاكية والتي ترتكز أساسا على مجموعة من العناصر وهي الحبوب والحليب ومشتقاته واللحوم الحمراء والبيضاء والخضر وغير ذلك من المنتجات ليست إشكالية.
ورأى الزياني أن المشكل الحالي الذي تعيشه الفلاحة التونسية يتلخص في هشاشة مختلف منظومات الإنتاج التي تشكو وهنا وتراجعا من سنة الى أخرى مما جعل بلادنا في تبعية متواصلة خاصة في ما يتعلق بمنظومة الحبوب حيث تم خلال موسم 2024 تجميع قرابة 8 ملايين قنطار من الحبوب، مقابل 32 مليون قنطار من الحاجيات الاستهلاكية، وهو ما يمثل 25 في المائة فقط من احتياجات التونسيين وعلى هذا الأساس سيتم توريد حوالي 75 بالمائة من الاحتياجات في حين انه لتحقيق السيادة الغذائية على الأقل يجب توفير ما بين 70 و75 بالمائة من الاحتياجات الداخلية.
وأضاف الخبير في السياسات الفلاحية في سياق حديثه لـ"الصباح" انه تقريبا في العشرين سنة الأخيرة تراجعت كل منظومات الإنتاج الفلاحي بسبب غياب توجهات وسياسات للمحافظة على المنتج وديمومة الإنتاج ومن ثم المحافظة على القدرة الشرائية للمستهلك التونسي.
كما شدد الزياني على وضع منظومة مالية تأخذ بعين الاعتبار هشاشة القطاع الفلاحي في ظل فرض شروط وضمانات مجحفة لصغار الفلاحين الذين يمثلون 80 بالمائة من القطاع، معتبرا ان قانون المالية الجديد لا يعكس وجود توجهات فعلية وحقيقية للدولة لإنقاذ القطاع الفلاحي عبر التدخل بالتمويل أساسا.
وفي نفس السياق قال الزياني انه لا وجود لبرامج تمويلية للقطاع الفلاحي في تونس فيكفي أن نطلع على الموارد المالية المخصصة للفلاحة في كل ميزانية حتى نعلم الإهمال الذي يعاني منه الفلاحون والشروط المجحفة المرافقة لكل قرض فلاحي مشددا على ضرورة بعث صندوق تعاوني يكون على ذمة الفلاحين وخاصة صغار ومتوسطي الفلاحين لدفع الاستثمار في القطاع من خلال قروض فلاحية ميسرة وبفوائض معقولة مع منح فترة إمهال للدفع.
وتطرق الخبير في السياسات الفلاحية الى منظومة الإرشاد والبحث العلمي، معتبرا أنهما حلقتان ضروريتان في المجال الفلاحي، بالإضافة الى أن الأمن الغذائي يتطلب مواكبة علمية لما يحدث في العالم سواء في علاقة بالبذور ومدى تأقلمها مع التغيرات المناخية.
وفي أكثر من مناسبة أكد الزياني على أن الدول التي تحترم نفسها والتي لها سياسة وبرامج يجب أن تضع نصب أعينها الفلاحة وتحديدا المواد الأساسية، وهي الحبوب والخضراوات والزراعات العلفية للأغذية الحيوانية، مشددا على أن بلوغ الاكتفاء الذاتي من مادة القمح والشعير ليس صعبا في حال تغيرت التوجهات والسياسات الفلاحية خاصة نحو المراهنة على الزراعات السقوية والترفيع من عدد الهكتارات السقوية بالإضافة للمساحات المطرية.