طفت مؤخرا على الساحة جرائم شنيعة وفظيعة من بينها محاولات قتل و قتل و تحرش و اغتصاب، ولعل ما زاد في فظاعتها هو إقدام أطفال على ارتكابها.. هذه الشريحة التي ما فتئت تفاجئنا من حين لآخر باقتراف جرائم لم تبادر وتخطر بأذهاننا ولو لحظة من أن يقدم أطفال في سن البراءة على ارتكابها.
ومن أكثر الجرائم الشنيعة التي تورط فيها أطفال سواء كانوا تلاميذ او انقطعوا عن الدراسة والتي رصدناها طوال السنوات القليلة الماضية تلك الحادثة التي سجلت بولاية الكاف والتي تمثلت في اغتصاب طفلة لم يتجاوز عمرها 15 سنة وقد تبين أن ثلاثة تلاميذ من بين المتهمين أعمارهم بين 11 و15 سنة عمدوا إلى التداول على اغتصابها وتوثيق فعلتهم بنية ابتزازها لاحقا.
واقعة أخرى تتعلق بـ"تشليط" مدير مدرسة بإحدى مناطق مدينة نفطة من ولاية توزر حيث أقدم تلميذ على ارتكاب هذا الفعل المشين في حق مدير يعتبره ابنا له.
واقعة ثالثة سجلت بولاية أريانة تتعلق بإقدام عدد من التلاميذ على التحرش بطفل ثم وثقوا فعلتهم من خلال شريط فيديو، ليصل الأمر ببعض التلاميذ الآخرين للتورط في محاولة قتل حيث أقدمت طفلة على طعن خالتها بمنطقة بوحجلة من ولاية القيروان على اثر مناوشة جدت بينهما تطورت لاحقا.
أعمال إجرامية أخرى ارتكبها أطفال تلاميذ من بينها إضرام النار في مؤسسة تربوية يدرسون بها وهو ما حصل بجهة الشابة حيث عمد 5 تلاميذ إلى إضرام النار وسرقة حواسيب وأجهزة أخرى وهي ليست المرة الأولى إذ سبق وأن قاموا بحرقها في السابق؛ ولعل ما حصل الأيام الأخيرة يشير إلى أن هذه الأفعال باتت تدق ناقوس الخطر حيث ما سجل بجهة بوحجلة من ولاية القيروان في شهر أكتوبر الماضي من إقدام تلميذة على طعن زميلتها على مستوى يدها داخل أسوار الإعدادية وذلك بسبب تدوينة فايسبوكية، فضلا عن الحادثة الشنيعة التي سجلت أمس بأحد المعاهد بجهة الزهراء من ولاية بن عروس واعتداء تلميذ عل أستاذه وإلحاق عدة أضرار به باستعمال ساطور وسكين كبير الحجم لدليل على أن هذه الأفعال والتجاوزات باتت تستدعي بالضرورة أن يقع إيجاد حل جذري لها من أخل الشأن.
في هذا السياق وسعيا لتسليط الضوء على الجرائم التي بات يرتكبها الأطفال؛ أفادنا المختص في علوم الإجرام سامي نصر أن الملفت للانتباه هو أن جرائم الأطفال ارتكبت في السابق لكنها تفاقمت في الفترة الأخيرة أكثر .
واضاف نصر قائلا: "اليوم انتقلنا الى مرحلة اكثر خطورة؛ وهناك عدة عوامل جعلت من جرائم الأطفال تنتشر اولها انه صار لدينا شبه تطبيع مع الجريمة ينم عن عملية استسهال للفعل الاجرامي ولم يعد بالتالي هناك اي اشمئزاز اواستنكار اجتماعي؛ وفي هذا الصدد اوضح محدثنا ان هذا الاشمئزاز والاستنكار الاجتماعي يكون له تاثير ومفعول كبير على من ينوي ارتكاب جريمة ما اكثر من العقوبة القانونية في حد ذاتها لان الشخص عندما يهم بارتكاب جريمة ما يدرك انه سيعاقب على ذلك الفعل فانه سيحاول جاهدا ايجاد طريقة كي يفلت من العقاب في المقابل فانه اذا ما ادرك انه سينبذ اجتماعيا فان ذلك يعد دافعا لعدم ارتكابها.
ولاحظ محدثنا قائلا " انه مع الاسف اليوم فانه عن طريق بعض المسلسلات والاشرطة والبرامج يتم اخراج بعض المجرمين وكانهم اصبحوا نجوما وبالتالي صار المجرم غير منبوذ اجتماعيا واصبحت صورته تقدم في شكل نجم وبطل وصورة مؤثرة على المتلقي وبالتالي كنوع من انواع التفاعل يتم تقمص ذلك الدور وكانه ذلك الشخصية.
وما يحصل بالتالي اليوم هو دليل على انه لم يعد مكان للرفض الاجتماعي للجريمة كما كان في السابق
من بين العوامل الاخرى ذكر محدثنا الاسرة التي تخلت نوعا ما بشكل كبير على الدور المناط بعهدتها حيث اوضح انها لم تعد تقوم بدورها مع أبنائها وهي غائبة تقريبا اولا بسبب ظروف ونمط الحياة التي لعبت دورا كبيرا في ذلك بعد خروج المراة للعمل حيث ان عديد عائلات لا ترى أبنائها الا ليلا بالتالي فان الوقت الذي يقضونه مع أطفالهم تقلص بشكل كبير بالإضافة الى ذلك فان دخول العالم الافتراضي افتك عملية التواصل الاجتماعي داخل الاسرة حيث أصبح الطفل لا يجد اي لحمة مع عائلته ما جعله يسعى الى البحث عن بديل لذلك وحينها يصبح اطفالنا ليسوا تحت سيطرتنا.
كما عرج محدثنا الى نقطة اخرى تتعلق بالعالم الافتراضي، حيث قال " الشعب التونسي كلو حارق فما اللي يحرق عبر قوارب الموت والبقية قاعدة تحرق عبر العالم الافتراضي كل شخص يهرب من واقعه يمشي لواحد اخر حسب امكانياته المتاحة".. مضيفا ان اطفالنا اليوم وكانهم "حرقوا" من الوسط العائلي الى عالم اخر اختاروه لأنفسهم.
نقطة اخرى هامة بحسب محدثنا ساهمت في جرائم الأطفال وهي تقريبا شبه غياب كلي لمؤسسات القرب ويعني بها دور شباب او الثقافة والمكتبات والنوادي وحتى البعض المتوفر منها لكن لم يعد له قدرة على الاستقطاب.
واضاف محدثنا ان جانبا اخر يغذي جرائم الأطفال هو ان المجتمع في السابق كان يتسم بنوع من التوازن اي ان هناك عوامل تدفع نحو الجريمة وفي المقابل هتاك اليات للانضباط الاجتماعي والتي ليست متوفرة الان.. ففي السابق كانت العائلة ممتدة وموسعة حيث ان الخال والعم كان له دور رقابي وعناية فضلا عن ما يقوم به الأولياء.
وكشف نصر في ذات السياق ان نمو جريمة قبل الثورة وبعدها ارتفع لكن ليس بالشكل المهول الذي نتصوره حيث كانت في حدود5% وهو المعدل العالمي بعد الثورة صارت تبلغ 7.2% لكن الذي ارتفع بشكل جنوني يتجاوز 80% هو الجرائم العنفية حيث ان اغلبية الجرائم ذات صبغة عنفية بعد تغلغل عقلية وثقافة العنف في المجتمع الى ان مس اطفالنا ما نتج عنه ما يحصل اليوم من جرائم اكثر خطورة وبالتالي لا يجب ان نستغرب من ان نسجل عملية قتل او تحرش او ما الى ذلك من الجرائم قام بها طفل
واشار محدثنا في المقابل الى ان تم بعث خلية خلال سنوات 2004و2005 للقيام بعملية إحصاء العنف داخل الوسط المدرسي حيث تم بعث منظومة لمتابعة العنف المدرسي.
وتساءل محدثنا عن الاحصائيات التي تم تسجيلها وما اذا تم استغلالها في محاربة هذه الافة؛ منتهيا الى الاقرار باننا اليوم صرنا "نحسبوا في العنف في الوسط المدرسي دون ايجاد اي حلول وكانو خلية مهمتها كان الإحصاء؛ داعيا في الاخير كافة الاطراف المتداخلة للجلوس على طاولة الحوار و البحث عن استراتيجية لمواجهة هذا العنف.
سعيدة الميساوي