اثارت تدوينة نشرها نائب عن ائتلاف الكرامة بمجلس نواب الشعب غضب الصحافيين في تونس فقاطعوا الحزب و منتسبيه و قرروا عدم منحه مجالا إعلاميا للظهور.
تواصلت تعديات نواب البرلمان على الصحافيين، فدعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين منظوريها إلى مقاطعة رئيسة الحزب الدستوري الحر إلى حين اعتذارها عن اساءتها واعتدائها على الصحفيين، وفقاً لما ورد في بيان لنقابة الصحفيين...
تواتر أسلوب المقاطعة، كشكل اختاره الصحافيون عقابا لما يطالهم من تعديات واعتداءات، نرفضها جميعا ونعبر عن استيائنا منها، و لكن السؤال المطروح اليوم: هل يحق لنا نحن الصحافيون مصادرة حق الاخر في التعبير أيا كانت اختلافاتنا معه و مع تصرفاته؟
الجواب حسب اعتقادنا بسيط وواضح: قطعا لا... ليس من حق الصحافي مقاطعة المواطن، سواء كان مواطنا عاديا او سياسيا يمثل جزءا من التونسيين داخل سدة البرلمان.
فالإعلام كان ولا زال، سيما في الديمقراطيات الحقيقية، خدمة عامة .
و الخدمة العامة حق لكل المواطنين،هي خدمة تؤمنها المؤسسات الإعلامية باصنافها،خاصة او عمومية.
في حديث جمعني بالأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الإخبار ،صلاح الدين الدريدي يقول: «هل يعقل مثلا ان تغضب مؤسسة الشركة التونسية للكهرباء والغاز من المواطنين فتقطع عنهم الكهرباء ؟الاعلام خدمة مثل بقية الخدمات وليس من حق أي كان ان يقطع هذه الخدمة عن المواطن.."
وبعيدا عن أسباب المقاطعات المستمرة لمن يتعمدون الإساءة للصحافيين ماديا او معنويا، و أيا كانت سياقات المقاطعة، لعله من الجدير القول اننا جميعا في مرحلة انتقال ديمقراطي ولازالت البوصلة عند الصحافيين لم تستقر بعد و لا نعتقد ان المقاطعة حل ناجع بل لعله إساءة للمهنة دون قصد.
فان تحجز المعلومة عن المواطن فانت تدفعه بشكل غير مباشر للبحث عن محامل إعلامية بديلة، و قد تكون هذه المحامل مظللة بما يجعل المتلقي لقمة سائغة لخطاب التظليل و التلاعب.
كما ان في مقاطعتك لحزب او طرف سياسي، فإنما انت تصادر حقا طالما نادينا به جميعا، و هو حقنا جميعا في النفاذ للمعلومة.
في مناسبتين متتاليتين اتخذ جزء من الصحافيين قرار المقاطعة: مقاطعة شملت بعضا من الاحزاب التي تصنف نفسها في خانة المعارضة للمنظومة الرسمية القائمة.
و أيا يكن شكل هذه المعارضة و مدى رضانا عنها او اختلافاتنا مع وسيلتها في التعبير عن هذه المعارضة، فان مقاطعتنا لجزء من المعارضة يجعلنا، دون وعي منا، في صف شق الأحزاب الرسمية الفاعلة في الحكم .
و عليه فإننا بمقاطعة المعارضة لحساب المنظومة الرسمية نكون قد اسسنا لخطاب اعلامي احادي الجانب كنا الى حد قريب نعاني منه و نتهمه بالدكتاتورية و الفاشية.
و الأكيد اننا لا نرضى لأنفسنا اليوم ان نعود الى مربع التضييق .
لعل هذا القرار العاطفي في المقاطعة يحتاج مراجعات اذ يفيد صلاح الدين الدريدي، الاستاذ في مجال الاعلام انه من وظائف الاعلام حراسة البوابة وتنظيم الجدل العام ،فاذا غاب عن الجدال العام جزء او مكون من مكوناته فإننا نكون قد ابتعدنا بذلك عن خدمة الصالح العام، جوهر العمل الصحافي و رسالته الاولى .